التخطيط السري الذي جعل البيت الأبيض متقدّماً على روسيا بشكل دائم

ديفيد إغناتيوس

كانت التعليمات الأولى التي تلقاها وزير الخارجية الأميركي أنطوني بلينكين من الرئيس بايدن هي “إعادة ضبط” التحالفات والشراكات الأمريكية في الخارج حتى تتمكن الولايات المتحدة من التعامل مع التحدّيات المقبلة، لتثبت هذه الاستراتيجية في وقت لاحق أهمّيتها في مواجهة العدوان الروسي على أوكرانيا.

قدم لي بلينكين ومسؤولون آخرون تفاصيل جديدة هذا الأسبوع، ووصفوا سلسلة من الاجتماعات التي جرت خلف الكواليس على مدار العام الماضي، والتي ساعدت في تشكيل التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة لدعم أوكرانيا. تؤكد روايته صحة ملاحظة الرئيس دوايت أيزنهاور في خطاب ألقاه عام 1957، حيث قال فيه “الخطط لا قيمة لها، لكن التخطيط هو كل شيء”.

بدأ التخطيط السري لإدارة بايدن في نيسان (أبريل) 2021، عندما حشدت روسيا حوالي 100000 جندي على الحدود الأوكرانية. تبيّن أن التعزيز كان خدعة، لكن بلينكين ومسؤولين آخرين ناقشوا معلومات المخابرات الأمريكية حول تحرّكات روسيا مع قادة بريطانيا وفرنسا وألمانيا في اجتماع الناتو في بروكسل في ذلك الشهر. حيث قال مسؤول كبير في وزارة الخارجية إن رسالتهم كانت: “علينا أن نستعد “.

كانت ألمانيا متردّدة لكنها حليف أساسي، واتخذت إدارة بايدن قراراً مثيراً للجدل الصيف الماضي، ربما كان حاسماً في كسب الدعم الألماني ضد روسيا. أعطى بايدن ألمانيا تصريحاً بجولة أولية من العقوبات ضد شركة تبني خط أنابيب نورت ستريم 2، مقابل تعهّد من المستشارة أنجيلا ميركل بأنه في حال اقدام روسيا على الغزو، سيتم إلغاء نورت ستريم 2. عندما حدث الغزو كانت قد انتهت حقبة ميركل، لكن خليفها أولاف شولتز أوفى بالوعد.

مع تجنب حصول توتر مبكر مع ألمانيا، حسب بلينكين، “تم التأسيس لتحالف غدا حاضراً عندما مضى الروس قدماً في عدوانهم”.

للسفيرة الألمانية في واشنطن إميلي هابر فضلاً كبيراً في هذه الدبلوماسية الأمريكية. أخبرتني إميلي أنه “على الرغم من أن الصياغة في البيان المشترك حول نورت ستريم اتّسمت بالغموض، إلا أن الإدارة تثق في أن المستشارين القديم والجديد لاحقاً الذي  سيتابع الأمر”.

قال بلينكين أن “التهديد الأوكراني اشتد في تشرين الأول (أكتوبر)، عندما جمعت الولايات المتحدة معلومات استخباراتية حول حشد روسي جديد على الحدود، إلى جانب بعض التفاصيل حول الخطط الروسية لتلك القوات”. وأن “هذه التفاصيل هي التي لفتت الأنظار إلى العملية. في غضون ذلك اجتمعت مجموعة العشرين في نهاية تشرين الأول (أكتوبر) في روما، واجتمع بايدن مع زعماء بريطانيا وفرنسا وألمانيا مزوّداً إياهم بقراءة مفصلة وأدّلة بالغة السرية”.

قال بلينكين: “لقد كان محفّزاً للغاية الاتفاق على تحديد العواقب على روسيا في حال مضيّها في العدوان”.

سافر مدير وكالة المخابرات المركزية وليام جوزيف بيرنز إلى موسكو في الأول من تشرين الثاني (نوفمبر) لتحذير الرئيس فلاديمير بوتين من أن الولايات المتحدة وحلفاءها مستعدون لتسليح أوكرانيا، وفرض عقوبات صارمة على روسيا إذا قامت بالغزو. يبدو أن بوتين كان يعتقد أن بايدن لن يستطيع الايفاء بتهديداته.

لم يكن إقناع الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي بأخذ خطر الغزو على محمل الجد أمراً سهلاً في البداية. تحدّث بلينكين إليه في قمة المناخ كوب 21 في غلاسكو في أوائل تشرين الثاني (نوفمبر)، وقدّم ملخّصاً للمعلومات الاستخباراتية حول خطط روسيا. يتذكّر بلينكين ذلك قائلاً “لقد كانت مهمتي إخباره عن اعتقادنا بغزو روسي محتمل لبلاده “. كان زيلينسكي متشككاً، وفقاً لمسؤول في وزارة الخارجية.

يمكن أن يكون التهديد بفرض عقوبات نهجاً دبلوماسياً غير مجد. لكن في كانون الأول (ديسمبر)، بدأ بلينكين وزملاؤه مناقشات جادة مع الحلفاء بشأن الخطوات التي سيتخذونها. تمت المناقشات بداية خلال اجتماع وزراء خارجية مجموعة السبعة في ليفربول ببريطانيا  في 11 كانون الأول (ديسمبر). وقد تعهّد الحضور علناً بأنه “ستكون هناك عواقب وخيمة وتكاليف باهظة” للغزو الروسي”،. يقول بلينكن إنه “نتيجة لذلك، عندما حدث وقع العدوان فعلياً، تمكّنا من التحرك على الفور”.

تسارع التخطيط العسكري لحلف الناتو جنباً إلى جنب مع الدبلوماسية. أخبرني قائد القوات الأميركية في أوروبا الجنرال تود وولترز أن زملائه بدؤوا في كانون الأول وكانون الثاني بإعداد “قنوات الاتصال الميدانية” التي ستسمح بشحن الأسلحة بسرعة إلى أوكرانيا، ودرسوا نقاط الدخول للإمدادات والتفاصيل العملية الأخرى. قام خط الأسلحة هذا بتسليم صواريخ Stinger و Javelin قبل بدء الغزو في 24 شباط  (فبراير) ونقل كميات هائلة من الأسلحة الثقيلة منذ ذلك الحين.

زوّدت المخابرات الأمريكية أوكرانيا بمعاينة لخطة معركة بوتين. على الرغم من أن روسيا حاصرت أوكرانيا بـ 150.000 جندي، إلا أن استراتيجية بوتين الحقيقية كانت ضربة خاطفة لكييف من قبل مجموعة صغيرة نسبياً من قوات النخبة الخاصة. خطط الروس للاستيلاء على مطار أنتونوف في هوستوميل غرب العاصمة، ثم استخدامه لضخ القوات بسرعة باتجاه كييف.

عرف الأوكرانيون أن الروس قادمون، وكان وليام بيرنز قد سافر سراً إلى كييف في كانون الثاني لإطلاع زيلينسكي على الخطة الروسية، ذلك وفقاً لما ذكره اثنان من المسؤولين المطّلعين. استخدم الأوكرانيون المخابرات الأمريكية لتدمير القوة المهاجمة في هوستوميل، في نزال تحول إلى معركة حاسمة في الحرب. أوضح محلل الاستخبارات البولندي في مركز الدراسات الشرقية في وارسو مارك منكيشاك ، أن “الروس لم يكن لديهم خطة بديلة”.

وشرح منكيشاك أهمية الانقلاب الاستخباراتي الذي كشف عن خطة “قطع الرأس” الروسية قائلاً “الروس حاصروا أنفسهم، لم تكن الخطة حرباً واسعة النطاق، بل عملية خاصة من شأنها أن تسقط حكومة زيلينسكي وتنصب نظاماً مطيعاً وموالياً لموسكو”.

من خلال الاستعداد للحرب، بدا أحياناً أن بايدن أخطأ في الكلام. لكن كان لديه رؤية واضحة حول الأسس الاستراتيجية المتطورة. في وقت مبكر، على سبيل المثال، خلص بايدن إلى أن أفضل طريقة لعرقلة أمل بوتين في تقسيم الناتو هو انضمام عضوين قويين جديدين، فنلندا والسويد.

استمال بايدن الرئيس الفنلندي سولي نينيستو. وقال بلينكين إنه اتصل به في كانون الأول ثم في كانون الثاني للحديث عن التهديد الروسي. ثم دعا بايدن نينيستو لزيارة البيت الأبيض في آذار (مارس)، وأثناء جلوسهما في مكتب البيت الأبيض، اقترح بايدن الاتصال برئيسة الوزراء السويدية ماغدالينا أندرسون في وقت متأخر من الليل. بحلول أيار(مايو)، كان الاثنان يزوران البيت الأبيض معاً للاحتفال بخطط بلديهما للانضمام إلى الناتو.

قد يبدو ترتيب إدارة بايدن لهذا التحالف لدعم أوكرانيا بسيطاً في بعض جوانبه. لكنه كان تنسيقاً معقّداً للموارد الدبلوماسية والعسكرية والاستخباراتية في تحالف جمع عشرات الدول معاً في ما قد يثبت أنه نقطة مفصلية في التاريخ الحديث. اعتقد بوتين أنه يمكن أن يتجاوز بايدن والغرب لتحقيق نصر سهل في كييف. لقد ارتكب الزعيم الروسي خطأً فادحاً في المبالغة بتقدير قوته والاستخفاف بعزيمة بايدن وفريقه.

المصدر:واشنطن بوست

ترجمة: المركز الكردي للدراسات

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد