مثّل إعلان الرئيس الأمريكي جو بايدن عن دعم بلاده المطلق لانضمام فنلندا والسويد إلى حلف الشمال الأطلس توبيخاً غير مباشر لأنقرة.
محاطاً بالرئيس الفنلندي سولي نينيستو ورئيسة الوزراء السويدية ماغدالينا أندرسون، أعلن بايدن في 19 من أيار، بعد اجتماع ثلاثي في البيت الأبيض، “دعم بلاده الكامل والواسع” لكلا البلدين.
وقال بايدن أن البلدين “شريكان ذو كفاءة عالية تخوّلهم الانضمام إلى أقوى تحالف دفاعي في تاريخ العالم”، مضيفًا: “خلاصة القول بسيطة ومباشرة: انضمام فنلندا والسويد إلى حلف شمال الأطلسي يجعل الحلف أقوى، ليس بسبب كفائتهما فقط، لكن أيضاً بسبب ديمقراطياتهما القوية جداً”.
ووصف بايدن قرار فنلندا والسويد بالتخلي عن حيادهما المستمر منذ عقود بالـ “تاريخي”، كما انتقد بيانه شديد اللهجة تركيا بشكل غير مباشر.
تركيا الدولة الوحيدة من بين 29 عضواً في الحلف، رفضت انضمام فنلندا والسويد إلى التحالف الأطلسي. لطالما انتقد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان كلا البلدين لكونهما “مضافات” للجماعات التي تعتبرها أنقرة منظمات إرهابية.
قبل ساعات فقط من قمة البيت الأبيض، كرر أردوغان اعتراضاته. وقال لمجموعة من الشباب في شريط فيديو نُشر في 19 من أيار “قلنا لهم إننا لا نستطيع قبولهم في الناتو لأن الناتو منظمة أمنية لا مكان فيها للشبكات الإرهابية”.
ومما زاد الطين بلة بالنسبة لأردوغان هو رد بايدن على سؤال للصحفيين في 18 من أيار حول خطة واشنطن لإقناع تركيا حيث قال “لن أذهب إلى تركيا، لكنني أعتقد أننا سنكون على ما يرام”.
لا يزال أردوغان متعنّتاً، ويكرر الرأي ذاته في كل مناسبة. متحدثًا بعد اجتماع لمجلس الوزراء في 23 من أيار قال إن على السويد وفنلندا الاختيار بين “المنظمات الإرهابية” ومخاوف أنقرة.
رسائل أردوغان ليست موّجهة إلى السويد وفنلندا فقط. لقد صعّد من لهجته ضد الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي لدعمهما الجماعة الكردية السورية، وحدات حماية الشعب (YPG)، العمود الفقري لقوات سوريا الديمقراطية، الحليف الرئيسي للتحالف الذي تقوده الولايات المتحدة ضد داعش.
جاءت محاولة السويد وفنلندا للانضمام إلى الناتو ردّاً على الغزو الروسي لأوكرانيا. تمثّل طلب الدولتين المحايدتين تاريخياً الانضمام إلى نظام الأمن الأوروبي الأطلسي أكبر تحوّل في الجغرافية السياسية الأوروبية في فترة ما بعد الحرب الباردة.
أعطى اعتراض تركيا لمثل هذه الخطوة التاريخية انطباعاً بكونها حصان طروادة روسي في الناتو وأظهرها بصورة سيئة في نظر الكثير من دول العالم الغربي.
قد يثير موقف أردوغان جدلاً حول عضوية تركيا في الناتو.
جاء في مقال افتتاحي لصحيفة “وول ستريت جورنال” في 18 من أيار “لأسباب سياسية وضيقة لا تمت بموقفه بأي صلة، اتخذ الرئيس رجب طيب أردوغان موقفاً معرقلاً لجهود العضوية المحتملة للبلدين. يجب أن يثير هذا سؤالاً عما إذا كانت تركيا بقيادة السيد أردوغان تنتمي إلى هذا التحالف”.
واختتم المقال باقتراح جديد يقول بأن “تركيا عضو في حلف شمال الأطلسي، لكنها لم تعد في عهد أردوغان تؤيد القيم التي يقوم عليها هذا التحالف الكبير. تنص المادة 13 من ميثاق الناتو على آلية انسحاب للأعضاء. ربما حان الوقت لتعديل المادة 13 لإيجاد اجراء لطرد دولة عضو”.
فنلندا والسويد دولتان تتمتعان بقدر كبير من الاحترام وسجلّ لامع للديمقراطية وحقوق الإنسان في الغرب. تحتل فنلندا المرتبة الأولى في مؤشر مدركات الفساد لعام 2021 والسويد المرتبة الرابعة. كما تحتل السويد المرتبة الرابعة وفنلندا المرتبة السادسة في مؤشر الديمقراطية العالمية لعام 2021، الذي يصنّف تركيا في المرتبة 103.
إن وصف أردوغان لكلا البلدين “كمضافة” للإرهاب والإرهابيين تتوافق بصعوبة كبيرة مع هذه التصنيفات.
وبالتالي، فإن منع أنقرة كلا البلدين من أخذ مكانهما في الهيكل الأمني الجديد بعد الحرب الباردة لا يمكن اعتباره مجرد مسألة إجرائية ناتجة عن خلافات سياسية.
من وجهة نظر الغرب، فإن الاستسلام لمطالب أنقرة يرقى إلى السماح لأحد المستبدّين بتصميم الهندسة الأمنية لأوروبا وتشكيل مستقبل النظام الغربي. تتعارض قواعد سلوك السلطات التركية الحالية مع الآليات التقليدية لحل المشكلات بين الأصدقاء والحلفاء.
الدراما التي حدثت في اجتماع الناتو في 16 من أيار في برلين مثال على ذلك. نقلاً عن مصدر مطّلع على المناقشات، ذكرت أمبرين زمان من المونيتور أن وزير الخارجية التركي مولود جاووش أوغلو انتقد نظيرته السويدية آنا ليند وما أسماها “بسياساتها النسوية”. ووصف ثلاثة دبلوماسيين من حلف شمال الأطلسي تحدّثوا لرويترز اللحظة “بالحرجة” لانتهاكها البروتوكول. وقال دبلوماسي آخر في حلف شمال الأطلسي لرويترز “بالنسبة لنا كانت لحظة تاريخية، حين قال جاووش أوغلو إنه منزعج من سياسة ليند النسوية التي تتسم بالكثير من الدراما”.
خطاب المسؤولين الأتراك حول هذه المسألة يؤطر الصراع ضمن معادلة خاسرة. حتى لو أبدى نظراء تركيا الغربيون استعداداً لاسترضاء وتلبية مطالب أردوغان، فإن نهج أنقرة الذي يشبه التهديد سيظل يمثّل مشكلة بسبب عدم اتساقها مع نهج الأطلسي.
تطالب تركيا السويد وفنلندا برفع حظر الأسلحة المفروض على أنقرة بسبب عملياتها العسكرية ضد قوات سوريا الديمقراطية التي يقودها الأكراد في شمال شرق سوريا في تشرين الأول 2019. وتساوي تركيا بين وحدات حماية الشعب الكردية وحزب العمال الكردستاني المحظور، وهو جماعة مسلّحة تقود صراعاً مسلّحاً ضد أنقرة منذ حوالي أربعة عقود، وتطلب من السويد وفنلندا تبنّي موقف مماثل لموقفها. اعتبرت السويد، إلى جانب العديد من الدول الغربية، حزب العمال الكردستاني منظمة إرهابية منذ عام 1984. تريد أنقرة أيضاً تسليم المنشقّين الأتراك والكرد الذين يعيشون في البلدين الشماليين. وقد أثار أردوغان نفسه مسألة عدم امتثال البلدين لهذا المطلب وحاز ذلك على تغطية شاملة من قبل وسائل الإعلام الخاضعة لسيطرته بشكل صارم.
أفادت وسائل إعلام تركية أن ستوكهولم وهلسنكي رفضتا طلب أنقرة تسليم 33 شخصاً من السويد وفنلندا. كشفت أبواق أردوغان في قناة “ا هابير” وصحيفة “صباح” عن ثمانية أسماء تريدها أنقرة من السويد. سرعان ما تبيّن أن من بين الثمانية طبيب في المستشفى الجامعي في أوبسالا توفي قبل سبع سنوات ولم يكن في صفوف حزب العمال الكردستاني. وذكرت صحيفة اكسبريسن اليومية السويدية واسعة الانتشار هذا الخطأ. اسم آخر ورد ذكره في التقارير تبيّن أنه لم يسبق له التواجد في السويد. اثنان آخران، الناشر البارز راغب زرق أوغلو مواطن سويدي والصحفي بولنت كينيس مقيم في السويد وليس له أي علاقة أو ارتباط بأعمال إرهابية.
أعلنت الرئاسة التركية أن وفدين من فنلندا والسويد سيصلان إلى تركيا في 24 من أيار لإجراء محادثات بشأن “مخاوف” أنقرة. ومع ذلك، فإن تغيير موقف السلطات السويدية والفنلندية بشأن مطالب أنقرة لتسليم المطلوبين يبدو احتمالًا بعيداً جداً. كما أن موقف بايدن الثابت في دعم كلا البلدين يشجّع هذا الاحتمال.
اختار أردوغان اللعب بقوة مع الغرب، ولكن الدور الآن لواشنطن.
المصدر: المونيتور
ترجمة: المركز الكردي للدراسات