رغم تلميع صورتها في أوكرانيا.. المسيرات التركية تخلف جرائم ضد الإنسانية

أليكس غاليتسكي

ارتكبت القوات الأثيوبية الحكومية في كانون الثاني /يناير مجزرة بمخيم ” تيغراي” الذي يضم نازحين فروا من الحرب وذلك باستخدام مُسيرة تركية ( بيرقدار تي بي ٢) قامت باستهداف المخيم مما أدى إلى فقدان نحو ٥٩ شخص لحياتهم. وفي وقتٍ سابق من شهر أذار / مارس أضحت المُسيّرة التركية حديث وسائل التواصل الاجتماعي بعد النجاحات الباهرة التي حققتها في الحرب الأوكرانية مما حذا بحديقة الحيوان في كييف إطلاق تسمية ” بيرقدار” على قرد ليمور (الهَبّار) حديث الولادة .

وفي الوقت الذي يتم الإشادة بالمسيرات التركية ( تي بي 2) في أوكرانيا لفعاليتها في إيقاف تقدم الجيش الروسي، يخشى ضحايا ألة الحرب التركية من أن ذلك من شأنه تلميع صورة أنقرة أمام الرأي العام.

ظهرت المسيرات التركية لأول مرة في بدايات العام ٢٠٢٠ عندما استطاعت إيقاف تقدم الجيش السوري بمحافظة إدلب، حيث كان من الصعب رصدها على الرادار، بالإضافة إلى انبهار المراقبين الدوليين لأدائها آنذاك . ومنذ تلك الفترة، أصبح يُنظر إلى المُسيّرات التركية ذات الأسعار المقبولة على أنها عامل تغيير وحاسم في قواعد اللعبة.

في المقابل لم يتم التطرق إلى الجانب المُظلم لهذه المُسيّرات، وما أحدثته من خسائر بشرية في صفوف المدنيين، فضلاً عن سعي تركيا لتوظيف هذا السلاح في عمليات التطهير العرقي والإبادة الجماعية. وما لجوء المستبدين إلى استخدام المُسيّرة التركية ( بيرقدار) في حربهم إلا لكونها صُمّمت من أجل الدمار والقتل.

لقد كان الغرض من برنامج صناعة المُسيّرات التركية من أجل عمليات التصفية والإبادة . وهو ما حدث في جنوب الشرق البلاد( المناطق الكردية) حيث دأبت تركيا وعبر هذا البرنامج لوأد المقاومة الكردية في تلك المناطق.

على مدى أعوام، اعتمدت تركيا على إسرائيل والولايات المتحدة لتزويدها بالمُسيّرات من أجل مراقبة و تعقّب مقاتلي حزب العُمّال الكُردستاني، بيد أنّ ذلك عرّض تركيا للمراقبة الأجنبية وحدّ من قدرتها على التصرف مباشرة بناء على المعلومات الاستخباراتية . في بعض الحالات ، أدى ذلك إلى ضربات غير مسؤولة أسفرت عن سقوط عدد كبير من الضحايا المدنيين. بعد انهيار العلاقات مع إسرائيل عام 2010 وزيادة التوترات مع الولايات المتحدة، سعت أنقرة لصناعة مسيرات وأسلحة وطنية. وبالفعل نجحت شركة ” بايكار للأنظمة الدفاعية” المتخصصة بصناعة المسيرات الصغيرة من صناعة ( تي بي 2) حيث اجتازت مرحلة الاختبار بنجاح وحظيت بإشادة واسعة في عام 2015.

دخلت المسيرة التركية ( تي بي 2) بالخدمة عام 2016 وذلك بعد فترة قصيرة من انهيار أتفاق السلام بين تركيا وحزب العُمّال الكُردستاني . وفي أعقاب إكتشاف دعم أنقرة سرا لتنظيم داعش في حصاره لمدينة كوباني ذات الأغلبية الكردية، خرج الكرد بمظاهرات واسعة و غاضبة في تركيا. أدى ذلك بالرئيس التركي أردوغان لاستخدام العنف المفرط بشتى وسائل ممكنة من أجل قمع الاحتجاجات.

تحت عباءة ” مكافحة الإرهاب”، بثت المسيرات التركية الرعب في قلوب المدنيين بعدما أمطرتهم بوابل من المتفجرات والصواريخ أدى لخسائر فادحة في صفوف المدنيين وتشريد الآلاف . كما أثّر تفسير تركيا الليبرالي لمصطلح “الإرهاب” على عمل النشطاء الكرد، وهذا بدوره يجعل من المستحيل تقريباً تحديد عدد المدنيين الذين قتلوا في ضربات المسيرات التركية في جنوب شرق البلاد والذين يزيد عددهم عن 400 شخص.

بعد نجاح أداءها في تركيا، بدأت أنقرة باستخدام هذه المسيّرات في عملياتها ضد مقاتلي حزب العُمّال الكُردستاني في كل من العراق وسوريا . من المعلوم أن تركيا كانت تعتمد على المعلومات الإستخباراتية الأجنبية لشن عمليات خارج أراضيها، لكن المسيرة ( تي بي 2) مكنتها من الاعتماد على نفسها وطورت القدرات التركية في هذا الشأن. وعلى الرغم من الإشادة بتكنولوجيا هذا الجيل من المسيرات والتي من شأنها تقليل الخسائر البشرية، إلا أنّ تركيا أساءت استخدام هذه التكنولوجيا. فقد أصبحت الهجمات على المدنيين والبنية التحتية الكردية أمراً شائعاً، وخاصة في الشمال السوري التي أدت إلى نزوح جماعي هناك .

لقد أرهبت العمليات التركية في شنكال (سنجار) بالعراق سكان المنطقة الأصليين من الآشوريين والإيزيديين ، مما أثار مخاوف من ارتكاب مجازر جماعية بحق هذه المجتمعات المضطهدة والذي كان يحصل منذ فترة طويلة. أثرت الضربات الجوية التي تنفذها المسيرات التركية ضد المرافق الطبية بالإضافة إلى مواقع قريبة من مخيمات اللاجئين، والتي توفر ملاذًا أمناً لنحو 200 ألف لاجئ إيزيدي في جميع أنحاء المنطقة،  بشكل سلبي على المدنيين ، ووفقاً للتحليلات، فإن أكثر من 60 ٪ من الضربات في المنطقة أدت إلى وقوع إصابات بين صفوف المدنيين.

بعد نجاحاتها الحربية وسمعتها السيئة في التدمير والقتل، عمدت كثير من الدول لشراء المسيرة التركية ( تي بي 2) . وأبرز مثال عن ذلك هو شراء أذربيجان لهذه المسيرة والتي استخدمتها خلال غزو منطقة ناغورنو كاراباخ ذات الأغلبية الأرمنية (آرتساخ) في أيلول / سبتمبر عام 2020 . وقد كان لهذه المسيرة التركية دوراً حاسماً صب في مصلحة أذربيجان بإحرازها تقدماً عسكرياً على حساب أرمينيا، مما أدى إلى نزوح أكثر من 90.000 شخص، كما اتسمت الحرب بارتكاب انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان  وجرائم حرب ، بما في ذلك الاستهداف المتعمد للبنية التحتية وتدميرها عن بكرة أبيها.

في الآونة الأخيرة، أدى استخدام المسيرات التركية طراز ( بيرقدار) من قبل القوات الحكومية الأثيوبية إلى تغيير مسار الحرب . فقد تمكنت الأخيرة من إيقاف تقدم مقاتلي المقاومة في تيغراي وألحقت أضرارا بالغة بين صفوف المدنيين.

وفي أوكرانيا تم استخدام المسيرة التركية ( تي بي 2 أس) بغرض التصدي للعدوان الروسي. أدت الإشادة بهذه المسيرات عبر وسائل الإعلام الأوكرانية والسكان المحليين بشكل واسع إلى تلميع صورة أنقرة أمام الرأي العام، خاصة وأن هذه المسيرات تشارك في صدّ عدوان روسي وقف العالم أجمع ضده .

إن هذا النجاح لمسيراتها هو جلى ما تتمناه أنقرة . لعبت تركيا عملية توازن دقيقة في أوكرانيا، فهي تمسك العصا من المنتصف بين التزاماتها كعضو في حلف شمال الأطلسي لاحتواء العدوان الروسي و بين رغبتها في تأكيد سياسة خارجية إقليمية أكثر استقلالية. أدى ميل تركيا إلى رسم مسار خاص بها إلى التعاون مع روسيا في مجالات ذات اهتمام مشترك، وذلك على حساب حلفائها الغرب في كثير من الأحيان.

بحكم علاقاتها الناشئة مع روسيا، قللت الحكومة التركية من النجاحات التي تحققها مسيرتها طراز ( تي بي 2 اس) في أوكرانيا . وقد علق نائب وزير الخارجية يافوز سليم كيران على ذلك بالقول :« إن شراء أوكرانيا للمسيرة التركية ( تي بي 2 اس) لا يعتبر مساعدة لأوكرانيا بل أنه عمل تجاري بحت».

على الرغم من أن الحكومة التركية تسيطر بشكل شبه كامل على الصادرات، إلا أن محاولات النأي بنفسها عن أي شيء يمكن تفسيره على أنه دعم علني لأوكرانيا تتفق ونهجها تجاه روسيا، ورفضت أنقرة الالتزام بأي إجراءات سياسية أو اقتصادية عقابية ضد موسكو، وتأخرت بشكل متعمد تطبيق اتفاقية ” مونترو” التي تقييد وصول روسيا إلى البحر الأسود، وهي لفتة رمزية إلى حد كبير، بالنظر إلى أن الإتفاقية لن تعرقل عودة الأسطول الروسي في البحر الأسود إلى موطنه.

ورغم ذلك، أستطاعت تركيا ببراعة تحقيق عملية توازن في علاقتها مع روسيا وأوكرانيا، حيث أشادت الأخيرة بموقف أنقرة ودورها في الأزمة . كل ذلك أدى إلى زيادة المردود المالي لتركيا من خلال ألة الحرب القاتلة واللاأخلاقية .

بعد أن اشترت كل من أذربيجان وإثيوبيا وتركمانستان وليبيا وقطر للمسيرات التركية طراز ( تي بي 2)، دأبت دول عديدة لامتلاك هذا السلاح وفي مقدمتها دول المغرب وقيرغيزستان وباكستان والعراق والنيجر. كما أبدت الصومال وسلطنة عمان اهتمام أيضا بشرائها. والقاسم والمشترك بين جميع هذه الدول هو عدم اكتراثها بحقوق الإنسان.

إن تسمية حيوانات بحديقة الحيوانات والكلاب البوليسية باسم المسيرة التركية ( بيرقدار تي بي 2) فضلاً عن مشاركة الجيش الأوكراني عبر حساباته على مواقع التواصل الاجتماعي أغنية مخصصة للمسيرة التركية لا يبدو شكلياً ضاراً، بيد أنه ضمنياً يعمل على تبييض الصورة السيئة لبرنامج المسيرات التركية.

زادت المخاوف من تأثير المسيرات التركية ( تي بي 2 اس) خاصة بعد اهتمام دول أوروبية عديدة بما في ذلك بولندا ولاتفيا والمجر وبلغاريا) للحصول عليها. قد لا يشكل استخدام المسيرات التركية ( بيرقدار) من قبل أوكرانيا والقوى الأوروبية الأخرى نفس خطورة استخدامها في أي مكان آخر، بيد أنّ ذلك يعتبر استثناء من قبل تلك الجهات التي تستخدم  المسيرة التركية ( تي بي 2).

أن تجميل صورة المسيرة التركية ( البيرقدار) وتعظيم دورها بخلاف كونها مجرد سلاح قاتل سيصب في مصلحة النظام التركي المستبد، وتقويض الجهود الدولية لفرض معايير حقوق الإنسان على صادرات الأسلحة . بالإضافة إلى تسليط الضوء على  القاعدة التي بُني عليها برنامج صناعة المسيرات التركية الغير أخلاقية والتي مكنت بعض أكثر الديكتاتوريات سوءا في العالم. فقد مكنت هذه الأنظمة من ارتكاب المجازر الجماعية والتطهير العرقي والإبادة الجماعية.

استكمالاً للجهود الدولية الرامية لاحتواء نظام استبدادي توسعي واحد (روسيا)، يتعين على الولايات المتحدة وحلفائها أن يتوخوا الحذر في عدم تمكين أنظمة استبدادية أخرى سواء عن قصد أو غير قصد من التوسع و بيع أسلحة قاتلة لا تكترث بحقوق الإنسان.

المصدر: ناشيونال انترست

ترجمة: المركز الكردي للدراسات

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد