الحرب على “داعش”: القوات الكردية مثال الانضباط والشجاعة.. والضربات الجوية الأمريكية قادرة على هزيمة التنظيم
باتريك كوكبورن
تنظيم “داعش” لم يخسر الكثير من الأرض خلال تراجعه إلى الخلف. لا تزال هنالك شعارات جديدة للتنظيم على مقربة من مناطق سيطرة الوحدات الكردية، كما أن السيارات المفخخة لا تزال قيد الإرسال من قبل “داعش”. إحدى اللافتات التي كانت مرمية على الأرض كُتب عليها “مكتب الزكاة”، وبالقرب منها بطاقات تتطلب أسماء وعناوين ومعلومات خاصة لتقديم الأموال إلى الفقراء. هذه البطاقات تؤكد مدى تورط التنظيم في محافظة الحسكة، كما أنهُ قام بتغيير اسم محافظة الحسكة إلى “ولاية البركة”.
هزيمة تنظيم “داعش” في المعركة التي بدأت في السادس من الشهر الجاري، باتت مسألة وقت، وذلك يأتي بالتزامن مع انتصارات حققها التنظيم خلال الأسبوع الفائت، على الجيش العراقي في مدينة الرمادي، بالإضافة إلى هزيمته للجيش السوري في مدينة تدمر الأثرية والتي تتبع لمحافظة حمص، الواقعة، وسط البلاد. تفسير الاختلاف بين هزيمة التنظيم على يد الكرد وانتصاره على الآخرين، يأتي كون القوات الكردية لديها حافز ودافع للقتال، بالإضافة إلى تمتعها بالانضباط، كما أن أغلبية القوات الكردية تنحدر من تلك المنطقة التي تقاتل فيها. يقول القيادي العسكري الكردي، كرزان غرير، خلال لقاء مع صحيفة(The Independent )، “نحن نقاتل بشكل أفضل من الطريقة التي يقاتل فيها الجيش السوري في تدمر، لأننا نملك معتقدات قوية ولدينا إرادة بالإضافة إلى أننا ندافع عن أرضنا”.هنالك سبب أساسي وراء انتصار الكرد وهزيمة “داعش”. بعض المقاتلين الكرد الشباب يرتاحون في إحدى مقرات قيادة تنظيم “داعش”، والتي لُوِنتْ جدرانها بالأخضر والبُني الممّوه، هؤلاء الشباب يعرفون مدى الفائدة من الضربات العسكرية الأمريكية بشكل جيد جداً. يقول بوطان دمهات، 18 ربيعاً، قائد مجموعة في القوات الكردية “بدون الطائرات الأمريكية، ستكون عملية السيطرة على الجبل أصعب بكثير.
سنتمكن من السيطرة حتى دون وجود الطائرات في النهاية، لكن سنخسر المزيد من المقاتلين”. القادة الكرد لم يكونوا واضحين حول عدد الضحايا، حيثُ يقول البعض أنهم دفنوا 300 جثة لمقاتلي “داعش”، بالإضافة إلى أخذ كثيرين آخرين بعيداً. أما عن وفيات القوات الكردية فإنهم يضعون رقماً بين الـ (25-30)، وربما هذا التفاوت في الخسائر يُقسر نتيجةً لفعالية الضربات الجوية الأمريكية. وعند سؤال بوطان دمهات، حول السبب وراء عدم قصف مقار التنظيم، أجاب دمهات “كافة مقار التنظيم كانت موجودة بين غابة أشجار الصنوبر على سفح الجبل، والأمريكيين يعرفون ذلك لكنهم لم يدمروا المباني”. في بعض الحالات قام التنظيم بإحراق المباني قبل الانسحاب منها.يقول القيادي غرير، بأنه كانت هنالك مشكلتان أساسيتان في عملية السيطرة على الجبل، الأولى هي التضاريس الجبلية الوعرة، والثانية هي وجود العديد من القرى العربية التي غالباً ما تدعم التنظيم.
وأضاف غرير، بأنه أيضا توجد 25 قرية آشورية، مُنعَ سكانها من الخروج، وكانت هنالك مخاوف من استخدامهم كدروع بشرية خلال هجوم القوات الكردية. خلال عودتنا رأينا مجموعة من العرب العائدين إلى قراهم وكانوا يحملون أغراضهم، ويلوحون بشدة للسيارة العسكرية باستخدام الأيدي، كما لو كانوا غير متأكدين حول الطريقة التي سيتم معاملتهم بها من قبل الكرد المنتصرين.من هم مقاتلو تنظيم “داعش” المُسيطرين على جبل كزوان “عبد العزيز “؟. يُصرّ الكرد على أن عناصر التنظيم هم مُسلمون ينحدرون من كافة أرجاء العالم، ثلث الذين اعُتقلوا صينيون. في أحد المقرات، وجدَ المقاتلون الكرد دفاتر نظيفة وأنيقة مع ترجمات إلى مجموعة من اللغات المختلفة، بالإضافة إلى رسومات على الطاولة تحمل أسمائهم وكانت مكتوبة بخطٍ صغير. يقول يلماز شاهد، 25 ربيعاً، قائد مجموعة أخرى، بأن مقاتلي التنظيم كانوا بارعين في القتال، وأضاف يلماز “كنا حذرين بشدة ومتخوفين من العمليات الانتحارية. أما المقاتل إرنستو فيقول “يملكون قناصة محترفين”.
النصر الذي حققه الكرد في جبل كزوان “عبد العزيز”، هو الأكبر بعد أكثر من أربع شهور ونصف على حصار مدينة كوباني الكردية، المتاخمة للحدود التركية، والتي انتهت معركتها في بداية العام الجاري. داخل مدينة عامودا التي أتواجد فيها، والتي تبعُد فقط عدة كيلومترات عن مدينة قامشلو الكردية، كان هنالك دوي إطلاق رصاص وصخب طوال الليل من قبل الأطفال في الأزقة والأحياء، بالإضافة إلى ترديدهم للأغاني الوطنية الكردية احتفالاً بالنصر الذي تحقق على سفوح الجبل.لكن ليست كل الأخبار جيدة هذا الأسبوع بالنسبة للكرد. حيثُ أنهُ ومع سيطرة “داعش” على مدينة تدمر الأثرية والمنطقة المحيطة بها، بات التنظيم يسيطر على نصف مساحة سوريا، وجزء أخر من تلك المساحة يقع تحت سيطرة “جبهة النصرة”، فرع تنظيم “القاعدة” في سوريا، والتي حاربت الكرد في بداية الأحداث.
بشكل عام، تنظيم “داعش” أقوى مما كان عليه قبل سيطرته على الرمادي العراقية، وتدمر السورية، من حيثُ الروح المعنوية والهيبة بين العرب السنّة، ناهيك عن المعدّات التي سيطر عليها من تلك المواقع.في مقابلة لها مع صحيفة ( The Independent)، تقول أمينة أوسي، نائب رئيس هيئة الخارجية في الإدارة الذاتية الديمقراطية “روج آفا”، “بأنها متخوفة من تمدّد تنظيم “داعش”، في هذه الفترة، والذي ربما يؤدي إلى سيطرته على مدينة حلب، أكبر المدن السورية، في الأيام القادمة”.
وأضافت أوسي، تماماً مثلما سقطتْ الموصل، العام الفائت، سيطرَ التنظيم على كميات هائلة من الأسلحة والمعدات. هذا سيمكّنهم من تجديد هجماتهم على الكرد السوريين في التوقيت الذي يرغبون به.المشكلة بالنسبة للكرد السوريين، على الرغم من انضباطهم، وتلقيهم الدعم الجوي الأمريكي، وفعاليته، بالإضافة إلى عددهم الذي يشكل 10% من إجمال سكان سوريا، إلا أنهم سيواجهون الصعوبات في مواجهة تنظيم “داعش”، الذي يملك مورداً في كل من سوريا والعراق، بعد هزيمة جيوش البلدين في الآونة الأخيرة. المقاطعات الكردية السورية، تمتد على طول الحدود التركية وهي معزولة، بالإضافة إلى أنها محاصرة اقتصادياً من كل الأطراف.
الأراضي الكردية السورية خِصبة، ومليئة بحقول القمح، والطرق مليئة بالسيارات وآلات الحصاد، كما أنها تحوي ثروة حيوانية كبيرة، بالإضافة إلى المضخات التي تنتج النفط لكنها الآن متوقفة عن العمل. بعض النفط يتم إنتاجه محلياً، لكن بجودة سيئة، مسبباً الأضرار لمحركات السيارات. وتُظهر نتائج المعارك في جبل عبد العزيز، مدى قوة الكرد السوريين عسكرياً، وقدرتهم على الدفاع عن مناطقهم بطريقة لا يستطيع كل من الجيشان السوري والعراقي فعل ذلك. لكن على المدى البعيد، فإن مقاطعاتهم المستقلة، والتي يقومون بإدارتها لأول مرة في التاريخ، معرّضة للهجوم على يد المُنتصر في الحرب الأهلية السورية.
* صحيفة (The Independent) البريطانية. الترجمة: قصي شيخو. خاص بالمركز الكردي للدراسات.
ترجمة: المركز الكردي للدراسات