غوين دير | صحيفة ديلي بيونير الهندية
فقد حزب الرئيس التركي رجب طيب أردوغان السيطرة على جميع المدن الكبرى في انتخابات البلديات التي جرت مؤخرا، لذا فقد حان الوقت بالنسبة إلى “أردوغان” لهزيمة الأكراد. وهذه المرة سيكون الأكراد، الذين يعيشون في شمال سوريا عبر الحدود مباشرة مع تركيا، هم الضحية.
في الماضي، كان لدى الإمبراطورية العثمانية، مثلها مثل العديد من أسلافها في الشرق الأوسط، عادة سيئة في تحريك ونقل شعوب بأكملها إذا ما شعرت بأن تلك الشعوب ستسبب المتاعب. وأحيانًا، كما حدث للأرمن خلال الحرب العالمية الأولى، ينتهي الحال بعمليات الترحيل والتهجير تلك إلى إبادة جماعية. انهارت الإمبراطورية قبل قرن من الزمان، لكن العادات القديمة تجد صعوبة في الاندثار، ويبدو أن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان (الذي يطلق عليه المعجبون به كثيرًا اسم “السلطان”)، لديه خطة جديدة، وهي أنه سينقل مليون كردي بعيداً عن الحدود الجنوبية لتركيا مع سوريا، ويستبدلهم بمليون عربي.
وإذا كان حلفاؤه الغربيون في أوروبا وأمريكا لا يحبون ذلك، فإنه سيلجأ إلى التخلص من مليون أو نحو ذلك من العرب في أوروبا، حيث قال مؤخرًا: “إما أن يحدث هذا (في سوريا)، أو سيتعين علينا فتح البوابات (إلى أوروبا)”. وبشكل واضح، تندرج تلك التصريحات في إطار الابتزاز الصارخ لأوروبا، حيث تسبب الوصول المفاجئ لنحو مليون لاجئ سوري إلى أوروبا في عام 2016، في تنشيط وإثارة الشعوبيين اليمينيين المتطرفين من إنجلترا إلى المجر.
وفي الواقع، لم ينته المطاف سوى بقلة قليلة من هؤلاء اللاجئين في كل من إنجلترا أو المجر، حيث مُنحت الغالبية العظمى منهم مأوى في ألمانيا، لكن وصولهم أعطى القوميين والعنصريين في جميع أنحاء أوروبا عصا للتغلب على خصومهم. ويبدو أن “أردوغان”، وهو رجل دين قومي بارع، يعرف بالضبط ما يفعله، بل وقد ينجح فيه فعلا.
كل هذا يحدث لأن “أردوغان” لديه هوس تجاه الأكراد، أو على الأقل يعرف أن الكثير من الأتراك الآخرين لديهم هوس تجاه الأكراد في وقت يعاني هو فيه من مشكلة سياسية في الداخل، لذلك فهو بحاجة إلى تغذية هوس هؤلاء الأتراك لإقناعهم بقدرته على تلبية خيالاتهم. ولكي نكون منصفين، الأكراد يمثلون مشكلة حقيقية للأتراك، حيث إنهم يمثلون خُمس سكان البلاد، ويتركز معظمهم في الجنوب الشرقي، وقد تعرضوا لسوء معاملة وحرمان من الهوية من قبل الدولة التركية لفترة طويلة، لدرجة أن العديد منهم يفضلون الاستقلال، وحتى أن بعضهم حمل السلاح ضد تركيا ضمن الانخراط في أعمال حزب العمال الكردستاني(PKK)، والذي يتمركز معظمه الآن عبر الحدود في شمال العراق الناطق باللغة الكردية. صحيح أنه كان هناك وقف لإطلاق النار ومحادثات سلام في وقت مبكر من هذا العقد، لكن “أردوغان” بدأ في قصف حزب العمال الكردستاني مرة أخرى في عام 2015، عندما أجرى انتخابات صعبة للفوز وكان في حاجة إلى دعم القوميين الأتراك، فاضطر إلى الانقلاب على تلك المفاوضات. الآن، يعاني “أردوغان” من مشكلة مرة أخرى، حيث فقد حزبه السيطرة على جميع مدن تركيا الكبرى في الانتخابات الأخيرة. وقد حان الوقت –بالنسبة إليه- لضرب الأكراد مرة أخرى، وهذه المرة سيكون الأكراد السوريين هم الضحية، وهم جزء آخر من الشعب الكردي الذي يعيش في شمال سوريا، عبر الحدود مباشرة مع أكراد تركيا.
يقول رجل تركيا القوي إن الأكراد السوريين “إرهابيون” متحالفون مع حزب العمال الكردستاني، على الرغم من أنه لم تقع أية هجمات على تركيا من سوريا خلال الحرب الأهلية السورية التي دامت ثمان سنوات كاملة، بل إن ما فعله الأكراد السوريون فعلاً هو هزيمة الإرهابيين الحقيقيين، وهم تنظيم “داعش” الإرهابي، بدعم جوي قوي وبعض الدعم على الأرض من جانب الولايات المتحدة الأمريكية.
ومع ذلك، ليس هناك اعتراف بالفضل أو الامتنان في السياسة، حيث إن “أردوغان” الآن يسعى إلى طرد الأكراد السوريين من منازلهم وطردهم جنوبًا بعيدًا عن الحدود التركية. وللتأكد من أنهم لن يعودوا لاحقًا، يريد توطين مليون عربي هناك بشكل دائم.
هناك أربعة ونصف مليون لاجئ عربي سوري في تركيا. وبالطبع، هم يرغبون في العودة إلى ديارهم، لكن معظمهم يخشى العيش تحت سيطرة بشار الأسد، الديكتاتور الذي فاز في الحرب الأهلية السورية، وهنا يستغل السيد “أردوغان” الوضع ليظهر في مظهر “اللطيف الكريم”، ويعرض عليهم منازل في “منطقة آمنة” في شمال سوريا.
ليست تلك المنطقة هي التي تحتوي على منازلهم الحقيقية، ولكنهم ربما سيكونون سعداء هناك بمجرد طرد “أردوغان” للسكان الأكراد الأصليين، فكما قال مؤخراً في أنقرة: “يمكننا بناء مدن هناك بدلاً من مدن الخيام هنا”، ولكن العائق الوحيد في الخطة هو أن الولايات المتحدة قد تشعر بالضيق إزاء خيانة الأكراد السوريين الذين قاتلوا إلى جانب القوات الأمريكية لتدمير “داعش”. ولحل هذه المشكلة، يهدد “أردوغان” بإرسال مليون أو نحو ذلك من اللاجئين العرب غربًا إلى أوروبان وهو بالتأكيد ما سيجعلهم يشعرون بالذعر ويجعل الأمريكيين يتماشون مع خطته، أو هكذا يعتقد، وربما يكون على حق في اعتقاده ذلك.
وعد الاتحاد الأوروبي تركيا بستة مليارات يورو للاحتفاظ باللاجئين العرب في تركيا في عام 2016، لكن “أردوغان” يدعي أن نصفها لم يدفع أبدًا (وهذا، إذا كان هذا صحيحًا، كان تصرفا غبيًا للغاية من الأوروبيين)، لأنه بالتالي لن يكون مدينًا للاتحاد الأوروبي بأي مصلحة، وسوف تصاب أوروبا بالكامل بالذعر حقًا إذا فتح “أردوغان” فعلا البوابات وأرسل العرب غربًا. في الوقت نفسه، يريد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب انسحاب القوات الأمريكية من سوريا قبل انتخابات العام المقبل، لذلك ربما يستسلم لـ”أردوغان” والأوروبيين الذين سيكونون في موقف ضعيف، لكن الأكراد السوريين، الذين لم يردوا بعد على تلك التهديدات التي تلاحقهم، سوف يقاتلون على الأرجح لحماية منازلهم.
—-
*غوين دير: كاتب ومؤلف وباحث كندي.. يكتب في عدة وسائل إعلامية أمريكية وهندية وكندية. صدر كتابه الأخير تحت عنوان: “آلام متزايدة: مستقبل الديمقراطية والعمل)
ترجمة: المركز الكردي للدراسات