انقسام وجدل وجلسات استماع.. أروقة السياسة الأمريكية تنقسم حول “خيانة الحلفاء” في سوريا

شهدت أروقة السياسة الأمريكية حالة من الجدل والانقسام، على مدار الأيام القليلة الماضية، خاصة مع عقد مجلس الشيوخ الأمريكي جلسة استماع شهدت هجوما حادا على السفير جيمس جيفري المبعوث الأمريكي الخاص بشأن عمليات التحالف الدولي في سوريا، بسبب القرار الأمريكي بالانسحاب من شمال سوريا والسماح بالهجوم العسكري التركي الذي أدى إلى أزمة إنسانية جديدة في شمال سوريا. وبحسب ما جرى في جلسة الاستماع، فإن “جيفري” أخبر أعضاء مجلس الشيوخ أن الهجوم العسكري التركي أدى إلى مقتل المئات بين الميليشيات التي يقودها الأكراد في سوريا. وقال “جيفري”: “الهجوم العسكري التركي ربما أدى أيضًا إلى ارتكاب جريمة حرب”. وقال”جيفري”، في شهادته أمام لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ: “يمكننا هأن نقول إن قوات المعارضة السورية المدعومة من تركيا والتي كانت خاضعة للقيادة التركية العامة، في حالة واحدة على الأقل، ارتكبت جريمة حرب وتواصلنا مع تركيا للمطالبة بتفسير”.

وبعد إصرار من جانب أعضاء لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ لمعرفة كواليس اتخاذ القرار الأمريكي بالانسحاب من سوريا، أقر “جيفري” بأنه لم يكن على علم مسبق بالقرار وأنه فوجئ به، مؤكدا أنه كانت هناك نتائج فوضوية للأيام الأولى من القتال خلال الهجوم العسكري التركي، وقال إن “الجماعات الكردية المسلحة التي تحالفت معها الولايات المتحدة عانت من سقوط العديد من القتلى في صفوفها قبل التوصل إلى اتفاق وقف إطلاق النار”. وبعد ضغوط أعضاء “الكونجرس”، أقر “جيفري” بأن “العشرات من مقاتلي (داعش) قدفروا خلال القتال. وفي هذه المرحلة لم تكن الولايات المتحدة تعرف إلى أين ذهب هؤلاء المقاتلون، وليس لديها أي خطة لاستعادتهم”.

وتضم لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ الأمريكي عددا من أبرز منتقدي الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، وهو ما دفع السيناتور ميت رومني إلى الضغط على “جيفري” والإصرار على تبرير قرار الانسحاب المفاجئ، حيث سأل “رومني” المبعوث الأمريكي للتحالف الدولي: “ألم يكن من الأفضل والمرغوب فيه أن نتفاوض على موقف مع تركيا وحلفائنا الأكراد، بحيث لا تكون لدينا كل تلك الخسائر التي نتجت عن عزو تركيا بشكل كبير وقصف وقتل حلفائنا؟”، فيما قال السيناتور بوب مينينديز زعيم الديمقراطيين في اللجنة، إن “الانسحاب بعث برسالة خاطئة”، مضيفا: “إنها أسوأ وسيلة لإرسال رسالةعالمية، في الواقع، هذه الرسالة مفادها: لا تقاتل من أجل الولايات المتحدة لأنهم عندما ينتهون منك، سوف يتركونك للموت في ساحة المعركة”.

وفي ظل الضغوط التي مارسها أعضاء لجنة العلاقات الخارجية، أكد “جيفري” أن الإدارة الأمريكية تستخدم الجهود الاقتصادية والدبلوماسية لمحاولة تحسين الوضع الحالي. ومن المقرر أن يدلي “جيفري” بشهادته للمرة الثانية اليوم أمام لجنة الشؤون الخارجية في مجلس النواب، في جلسة استماع بعنوان: “خيانة شركائنا الأكراد السوريين: كيف ستتعافى السياسة الخارجية والقيادة الأمريكية؟”.

على مدار الأيام القليلة الماضية، تعاونت أعداد كبيرة من النواب الجمهوريين والديمقراطيين في مجلسي النواب والشيوخ، لرفض وإدانة قرارات الرئيس الأمريكي فيما يتعلق بالانسحاب من سوريا، وفي الأسبوع الماضي، صوت مجلس النواب على قرار رمزي يعارض قرار الرئيس بالانسحاب، حيث كان التصويت 354 مقابل 60، في تضامن نادر من جانب معظم الجمهوريين مع الديمقراطيين، في استعراض نادر للوحدة بين الحزبين، ضد القرار الذي أمر به “ترامب”.

وبحسب ما تشير إليه وسائل الإعلام الأمريكية، فإن إحدى الأدوات القليلة التي يمتلكها أعضاء “الكونجرس” فيما يتعلق بالسياسة الخارجية، هي صياغة العقوبات وسنّها، حيث يعكف حاليا عدد من المشرعين من الحزبين في مجلسي النواب والشيوخ، على صياغة عقوبات ضد تركيا لما يعتبرونه “سلوكا سيئا” من جانبها. وقال النائب الجمهوري ليندسي جراهام، مساء الاثنين: “هذه قضية غير عادية بمعنى أنها جمعت الكونجرس… هناك تقدير واسع وعميق ودعم من الحزبين لعدم التخلي عن القوات العسكرية الكردية”، حيث يعمل “جراهام” حاليًا مع السيناتور الديمقراطي كريس فان هولن، لتمرير حزمة تشريعية منشأنها فرض عقوبات على الاقتصاد التركي وفرض عقوبات على قيادة الحكومة التركية. كذلك، يدرس المشرعون في مجلس النواب أيضًا طرح مشروع قانون عقوبات تركيا وقانون الاعتراف بالإبادة الجماعية للأرمن، حيث ناقش”الكونجرس” في السابق ما إذا كان وصف ما حدث عام 1915 -الفترة التي قُتل فيها حوالي 1.5 مليون أرمني- بأنها “إبادة جماعية”. وعلى المستوى التاريخي، عارضت الحكومة التركية بشدة هذا الاعتراف، ومن المتوقع أن تعارض كلا الجهدين.  وقال إليوت إنجل رئيس لجنة الشؤون الخارجية بمجلس النواب: “أنا متأكد من أن حكومة تركيا غير راضية عن [هذه الخطط]، ولكن مرة أخرى، نحن لسنا سعداء بحكومة تركيا”.

لم يتوقف الخلاف والجدل الذي ساد أروقة السياسة الأمريكية على مدار الأيام القليلة الماضية عند هذا الحد، فقد كشفت مجلة “ناشيونال إنترست” الأمريكية عن كواليس اللقاء الذي جرى بين مسؤولي وزارة الخارجية الأمريكية والوفد الكردي الذي زار “واشنطن” قبل أيام، حيث أشارت المجلة الأمريكية إلى أن مسؤولا في وزارة الخارجية كسر قلما رصاص وصرخ في الوفد الكردي السوري، خلال انهيار دراماتيكي للعلاقات بين الولايات المتحدة والأكراد السوريين، حيث تبرز لحظة التوتر الشديد في سبتمبر/أيلول المشاكل الدبلوماسية التي تعصف بإدارة “ترامب”، التي تحاول التوسط في اتفاق وقف إطلاق النار بين تركيا وقوات سوريا الديمقراطية التي يقودها الأكراد.

وتقول “ناشيونال إنترست” إنه على الرغم من أن الإدارة تبشر علناً بالسلاموالصبر وتكتيكات وقف إطلاق النار، فإن علاقتها بمجلس سوريا الديمقراطية، الجناح السياسي لقوات سوريا الديمقراطية بقيادة الأكراد، قد انهارت خلف الأبواب المغلقة. وأضافت “ناشيونال إنترست”: “كانت الاجتماعات متوترة بين وفد مجلس سوريا الديمقراطية ومسؤولي وزارة الخارجية الذين يشرفون على ملف سياسة إدارة (ترامب) للأزمة السورية، حيث ضغطت وزارة الخارجية الأمريكية مرارًا وتكرارًا من أجل أن يعمل مجلس سوريا الديمقراطية مع المتمردين الإسلاميين المدعومين من تركيا، وتوجه انتقادات للمسؤولين الأكراد السوريين وترفض الاستماع إلى مخاوفهم”. وبحسب ما نشرت “ناشيونال إنترست”، فإن الجلسة شهدت خلافا كبيرا بين نائب مساعد وزير الخارجية جويل ريبيرن، وهو مبعوث خاص لسوريا، ومسؤولي وفد مجلس سوريا الديمقراطية، حيث صرخ الأول في وجه الوفد الكردي السوري، وكسر قلمه الرصاص الذي كان يمسكه في وجه المترجم. وبحسب ثلاثة مصادر حضرت الاجتماع، فإن “ريبورن يحب الجماعات الإسلامية السورية.. يعتقد أنه يمكنهم مواجهة إيران.. ولكنه يحلم.. إنه يدفع ويضغط على مجلس سوريا الديمقراطية من أجل التعاون مع الجهاديين ولقائهم”.

وتقول “ناشيونال إنترست”: “في البداية، طلب متحدث باسم وزارة الخارجية الامتناع عن نشر هذه القصة حتى يوم الأربعاء، حيث إن هذا التأخير من شأنه أن يتيح للوزارة الوقت لجمع معلومات من مصادر مختلفة، قد تؤدي إلى إجابات مفيدة”، بحسب ما أوضح المتحدث الرسمي في رسالة بريد إلكتروني، ولكن بعد ساعة ونصف، وبعد ممارسة جميع الخيارات لتأجيل القصة، أصدرالمتحدث الرسمي بيانًا وصف فيه “جهوده لتعزيز نهاية دائمة وأخيرة للحرب الأهلية السورية”. وقال المتحدث: “لقد دعونا بانتظام مجلس سوريا الديمقراطية إلى الدخول في حوار مع قطاع عريض من أصحاب المصلحة، بما في ذلك لجان المفاوضات السورية والخوذ البيضاء”.

وبالإضافة إلى التصاعد الحاد في التبادلات اللفظية المتوترة، وصفت المصادر الثلاثة المختلفة كيف حاول مسؤولو وزارة الخارجية أن يدينوا القتل الوحشي للسياسية الكردية السورية هيفرين خلف، فقط من أجل تكثيف جهود الإدارة الأمريكية من قبل السفير جيمس جيفري، الذي يشرف على جهود مكافحة تنظيم “داعش”، إلا أن المصادر أكدت أن “جيفري” منع صدور البيان الذي يدين عملية القتل والإعدام الميدانية التي تعرضت لها “خلف”، حيث إنه أثناء الغزو التركي في سوريا الأسبوع الماضي، قامت عناصر من الجيش السوريالحر المدعومة من تركيا باختطاف وقتل والتمثيل بجثة “خلف”، التي كانت تتزعم حزبًا كرديًا عربيًا آشوريًا مشتركًا يسمى حزب سوريا المستقبل، وهو حزب لا ينتمي إلى مجلس سوريا الديمقراطية. وقد التقت “خلف” عدة مرات بنائب المبعوث الخاص وليام روباك، عضو فريق “جيفري”.

وقالت المتحدثة: “فيما يتعلق بمقتل هيفرين خلف، ردت الوزارة علىاستفسارات الصحافيين في يوم وفاتها، 12 أكتوبر، حيث وجدنا أنها مقلقةللغاية ونددنا بأي سوء معاملة وإعدام خارج نطاق القضاء للمدنيين أو السجناء”. كما أضاف مصدران أن “ريبرن” أخبر مجلس سوريا الديمقراطية، في وقت سابق من هذا الشهر، أن “القوات الأمريكية لن تغادر سوريا حتى لو طلبت منها قوات سوريا الديمقراطية ذلك”.

الآن، وحتى في الوقت الذي تتنحى فيه القوات الأمريكية للسماح لتركيابمهاجمة قوات سوريا الديمقراطية المدعومة من الولايات المتحدة، فإن فريق (جيفري) يطرح خططاً لتخليص وعزل العناصر العربية عن قوات سوريا الديمقراطية، من أجل بناء قوة مضادة لإيران بعيدا عن الحدود التركية”. وقد أكدت إدارة “ترامب” أن القوات الأمريكية ستبقى في قاعدة “التنف”، وهي قاعدة عمليات خاصة في جنوب سوريا.

على النقيض، وجد مجلس سوريا الديمقراطية جمهوراً أكثر تقبلاً في “الكونجرس”، حيث التقت الرئيس التنفيذي لمجلس سوريا الديمقراطية إلهام أحمد، أمس، مع السيناتور ليندسي جراهام وكريس فان هولين، اللذين يقودان جهودًا لفرض عقوبات اقتصادية على تركيا، وأخبرها “فان هولين” إنه يتطلع إلى الاحتفاظ بعدد “كاف” من القوات الأمريكية في شمال شرق سوريا لردع تركيا.

تعتبر الحكومة التركية المكون الكردي في قوات سوريا الديمقراطية امتدادًا للحركة الانفصالية الكردية داخل تركيا، وكان الجيش الأمريكي قد أيد القوة الكردية والعربية والآشورية المختلطة ضد “داعش”، لكن العلاقة المستمرة مع قوات سوريا الديمقراطية كانت مصدر توتر بين الحكومتين التركية والأمريكية. وبعد أشهر من المفاوضات الساخنة بين الولايات المتحدة وتركيا، أعلن الجيشالأمريكي عن “آلية أمنية” في سوريا، تقوم بموجبها قوات سوريا الديمقراطية بإزالة التحصينات والأسلحة الثقيلة الموجهة إلى الجانب التركي والسماح بدوريات أمريكية تركية مشتركة على الجانب السوري من الحدود.

وأنهى “ترامب” الآلية الأمنية بعد مكالمة هاتفية في 6 أكتوبر/تشرين الأول مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، دون إطلاع مسؤولي مجلس سوريا الديمقراطية على قراره. وبعد يومين، تدفقت القوات التركية عبر الحدود. وفي مواجهة رد الفعل المحلي، نفت إدارة “ترامب” أنها منحت تركيا “الضوءالأخضر”.

ومع القرار الأمريكي، فإن الخطوات المقبلة لتركيا باتت في أيدي روسيا وليس في “واشنطن”، حيث التقى الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين في “سوتشي”، أمس، في نقاش “ساخن” كان من المفترض أن يستمر لمدة ساعة لكنه امتد إلى ست ساعات. وبعد الاجتماع، أعطى الرئيسان القوات الكردية مهلة 150 ساعة للإجلاء من جميع المناطق التي يصل طولها إلى 30 كم جنوب الحدود مع تركيا، وأعلنوا عن بدء دورياتمشتركة روسية تركية على بعد 10 كيلومترات جنوب الحدود. وتتطابق الصفقة الروسية التركية تقريبًا مع “الآلية الأمنية” التي تفاوض “جيفري” عليها في أغسطس/آب، باستثناء وجود القوات الروسية بدلاً من القوات الأمريكية، إلا أن مجلس سوريا الديمقراطية رفض التعليق.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد