“أوراسيا ريفيو”: تخلي “ترامب” عن كرد سوريا قد يكون حافزا للانقسام في أوروبا

بيتر جان دوكس| أوراسيا ريفيو

في 6 أكتوبر/تشرين الأول، بعد مكالمة هاتفية مع نظيره التركي رجيب طيب أردوغان، أمر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بسحب القوات الأمريكية من المناطق التي يسيطر عليها الكرد في سوريا. سمحت هذه الخطوة للرئيس التركي “أردوغان” بشن عمليته العسكرية التي طال انتظارها ضد وحدات حماية الشعب الكردية، وهي المجموعة التي شكلت العمود الفقري للحملة التي تقودها الولايات المتحدة ضد ما يسمى “داعش” في سوريا، لكن تركيا تعتبرها منظمة إرهابية. لن يكون لقرار “ترامب” عواقب طويلة الأمد، فيما يتعلق بسوريا وغرب آسيا والعلاقات الخارجية بشكل عام فحسب، بل من المحتمل أيضًا أن يؤثر على السياسة الأوروبية.

قرار ترامب يمكن أن ينشط “داعش” من جديد، والذي بدوره سيؤثر سلبا على أوروبا. بسبب التهديد التركي، أوقفت وحدات حماية الشعب عملياتها ضد “داعش” وقامت بنقل القوات شمالًا، وقد يشكل الفراغ الأمني ​​الذي تلا ذلك فرصة للجماعة المسلحة لاستعادة قوتها. في أعقاب الهجوم التركي، هرب مسلحو “داعش” بالفعل من السجون التي يسيطر عليها الكرد بسبب نقص القوى العاملة. يريد صانعو السياسة الأوروبيون تجنب ظهور “داعش” أكثر جرأة، حيث إن النقطة الأهم هي أنه تم تنسيق هجمات “داعش” في باريس وبروكسل من داخل سوريا، وتم التنفيذ عبر مسلحين عادوا من سوريا إلى تلك البلاد.

قد يؤدي عدم الاستقرار في سوريا مرة أخرى إلى ارتفاع أعداد الهجرة إلى أوروبا. خلال أزمة اللاجئين الأوروبية لعام 2015، تم نقل حوالي 4  ملايين لاجئ سوري إلى أوروبا نتيجة للحرب الأهلية السورية. في الآونة الأخيرة، بدأ معدل الوافدين عبر طريق شرق البحر المتوسط ​​في الازدياد مرة أخرى. ومع تنامي عدم الاستقرار في سوريا، هدد “أردوغان” بإرسال اللاجئين السوريين الذين يعيشون في تركيا نحو أوروبا، وفي ظل عدم وجود آلية أوروبية لإعادة توطين اللاجئين في مكانهم الصحيح، يخشى القادة الأوروبيون تكرار السيناريو الذي جرى عام 2015.

إن تحرك البيت الأبيض لإنهاء دعمه لوحدات حماية الشعب ومغادرة سوريا يعني أيضًا أن القوى الأوروبية فقدت حلفائها الرئيسيين -وبالتالي الرافعة المالية المرتبطة بها- في الصراع. في ظل عدم وجود استراتيجية فعالة بشأن سوريا، اعتمد الأوروبيون في الغالب على الولايات المتحدة وحلفائها الكرد على الأرض لمحاربة “داعش” والحفاظ على النفوذ، وإن كان محدودا، على الصراع الأوسع. مع رحيل الولايات المتحدة وإعادة تنظيم وحدات حماية الشعب لاحقا مع نظام “الأسد”، سيكون من الصعب على الأوروبيين تحقيق أهدافهم في سوريا.

من خلال سحب الضمانات الدفاعية ضد وحدات حماية الشعب تجاه تركيا، يلقي الرئيس “ترامب” شكوكًا حول دور الولايات المتحدة كضامن لأمن أوروبا فيما يتعلق بروسيا. كان عدم اليقين بشأن التزام الولايات المتحدة بحلفاء الناتو قد ظهر بالفعل خلال رئاسة جورج دبليو بوش، ولكنه وصل إلى ذروته في عهد “ترامب”، الذي وصف الناتو بأنه “عفا عليه الزمن”. وهذا أمر يثير القلق بشكل خاص بالنسبة لدول البلطيق وبولندا، اللتين تعتمدان بشدة على الولايات المتحدة من أجل الأمن.

يمكن لصانعي السياسة الأوروبيين إدارة كل هذه العواقب السلبية عن طريق تحسين علاقتهم مع روسيا. في حين أن روسيا كانت بالفعل الجهة الفاعلة الأكثر أهمية في سوريا، فإن الانسحاب الأمريكي جعل من “موسكو” وسيط القوة الذي لا غنى عنه في الصراع. سواء كان الهدف هو محاربة “داعش”، أو وقف تدفقات اللاجئين، أو التأثير على انتقال سوريا في مرحلة ما بعد الصراع، فمن غير المرجح أن يتحقق أي منها دون إشراك روسيا. علاوة على ذلك، فإن عدم فعالية استراتيجية الاتحاد الأوروبي لمعاقبة نظام “الأسد” وحجب تمويل إعادة الإعمار تزيد من الحاجة إلى التواصل مع “موسكو”.

إن الطبيعة غير الموثوقة بشكل متزايد لالتزام الولايات المتحدة بالدفاع عن أوروبا في مواجهة العدوان الروسي المحتمل يمكن التغلب عليها بالمثل من خلال تعزيز العلاقات مع “موسكو”. منذ عهد بوش الابن، تفكر القوى الأوروبية في قدرات عسكرية أقوى مستقلة عن الولايات المتحدة. في حين اتخذت خطوات في هذا الاتجاه -خاصة خلال رئاسة ترامب- من المرجح أن يستغرق اللحاق بالقدرات العسكرية الروسية عقودًا. وبالتالي، من دون الولايات المتحدة، فإن الردع ليس خيارًا قابلاً للتطبيق بالنسبة للاتحاد الأوروبي على المدى القصير، مما يستلزم الحاجة إلى استراتيجية للتهدئة.

سواء اختار صناع السياسة الأوروبيون مواجهة التداعيات أو قرروا إعادة علاقتهم مع روسيا لتخفيفها، فمن المحتمل أن تنشأ الانقسامات داخل البلدان وفيما بينها. وهذه الانقسامات يمكن أن تعوق بدورها صنع السياسة في الاتحاد الأوروبي في مجالات أخرى غير مرتبطة.

كانت الهجمات الإسلامية والتدفقات الكبيرة للاجئين من العوامل الهامة للاستقطاب وصعود اليمين المتطرف. أدت قضية الهجرة أيضًا إلى خلافات داخل الاتحاد الأوروبي؛ بين أولئك الذين يدافعون عن حصص نقل اللاجئين والمعارضين له. أكدت الانتخابات الإقليمية الأخيرة في كل من ألمانيا وإيطاليا من جديد استمرار قوة أحزابها اليمينية المتطرفة. لا تزال هناك اختلافات حول حصص اللاجئين، حيث يكافح زعماء فرنسا وألمانيا وإيطاليا لجعل الدول الأخرى الأعضاء في الاتحاد الأوروبي توافق على نظام نقل طوعي.

ومن المرجح أن يؤدي التقارب مع “موسكو” إلى تفاقم الانقسام بين الشرق والغرب في أوروبا. كانت دول أوروبا الغربية مثل ألمانيا وفرنسا ـوهما الفاعلان الرئيسيان في السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبيـ أكثر حذرًا فيما يتعلق بروسيا. في الآونة الأخيرة، دعا الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى إعادة تعيين علاقات الاتحاد الأوروبي مع روسيا. ومع ذلك، فإن سياسة التهدئة ستواجه معارضة من دول أوروبا الوسطى والشرقية، التي تخشى العدوان الروسي على غرار تدخلها في أوكرانيا.

بغض النظر عن الطريقة التي تقرر بها أوروبا التعامل مع هذا الواقع الجديد، فإن قرار “ترامب” بالتخلي عن حلفاء الولايات المتحدة الكرد في سوريا من المرجح أن يؤدي إلى انقسام في القارة. إن الخلاف المتوقع بشأن الهجرة أو سياسة الاتحاد الأوروبي تجاه روسيا يمكن أن ينتقل لاحقًا إلى مجالات السياسة الأخرى -مثل تغير المناخ- مما يزيد من تفاقم عملية صنع القرار المعقدة بالفعل والتي تسير بخطى بطيئة في الاتحاد الأوروبي.

—–

*بيتر جان دوكس: باحث بمركز الأمن الداخلي والإقليمي (IReS).

ترجمة: المركز الكردي للدراسات

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد