كورونا يعيد “المخبر” إلى ألمانيا

كريستيان شتوكر

تعيد جائحة كورونا في هذه الأيام الروح إلى مصطلح “المخبر”، الذي لم يكن يستخدم إلا قليلاً في الأوقات العادية. عملياً، يمكن القول إن الاقتباس المشهور الذي يتم ربطه بالشاعر والمحاضر الألماني أوغست هاينريش هوفمان فون فالاسليبين ينطبق تماماً على الوشاة في نصف الحالات المُبلّغ عنها. قال هوفمان حينها وهو يتحدث عن المخبر: “أكثر الأشخاص وضاعة في البلاد كان ولا يزال هو المخبر”. أنا اتفق مع أوغست في هذا الأمر، لا سيما وأن هوفمان هو صاحب نص “نشيد الألمان”. الوحدة والحق والحرية، الوطن والمخبر.

في هذه الأيام تعيش منصة التواصل الاجتماعي “تويتر” إحدى أفضل أوقاتها، حيث تنتشر التغريدات حول قصص دقيقة وحقيقية لمخبرين مفترضين. الصحفي الألماني، يوخن بيتنر، على سبيل المثال، كان أحد ضحايا هؤلاء المخبرين، فقد كتب على صفحته بأن أحد الأشخاص قام بإرسال الشرطة إلى منزله في ولاية شليسفيغ هولشتاين بسبب سيارة صديقته التي تحمل لوحة ولاية برلين.

ارتباطات: النازية، الكتلة السكنية، فالاسليبين

عند قراءة التعليقات المكتوبة على تغريدة الصحفي الألماني يجد المرء تكراراً غير مسبوق لكلمة “المخبر” إضافة إلى أن بعض المغردين يسردون في تعليقاتهم أمثلة إضافية عن محاولات عدة لتطبيق القانون بشكل فردي. أحد المعلقين نشر صورة وضعها شخص ما على نافذة سيارته الامامية بعد أن كتب عليها بلهجة مليئة بالتهديد والوعيد قائلاً: “عد إلى مكانك الذي تعيش فيه. أنت غير مرغوب بك هنا!”. في حادثة مشابهة قام أحد المتقاعدين الذي كان يسير في الشارع بالاتصال بالشرطة لأنه شاهد امرأة تسير مع طفلتيها، حيث إنه لم يكن يرغب أن يصدق بأنها هي والدتهم. قبل ذلك كان قد قام بتعدادهم بصوت عالٍ قائلاً: “واحد، اثنان، ثلاثة!”.

ولكن إذا ما بحث المرء في تويتر عن مصطلح “المخبر” المنتعش حديثاً، فسيجد المزيد من هذه القصص الفردية المماثلة. ردود الفعل متشابهة في الغالب: ارتباطات نازية، غالبًا ما يظهر مصطلح “حارس الكتلة”، أو اقتباس أوغست الشهير. وكما هو معروف من الحقبة النازية أو جمهورية ألمانيا الديمقراطية (السوفيتية) وغالباً سلوك الناس في الديمقراطية الليبرالية والذي بكل تأكيد يستحق النقد، فإنه غالبًا ما يتم تجاهل حقيقة وجود اختلاف في مصطلح “الوشاية” في السياقات المتباينة.

ولكن على أية حال، فإن التضامن هو لصالح الوشاة. يكتشف الجانبان، سواء أكان أنصار الاستبداد أو نقاده، أدلة في هذه القصص المتبادلة عن حوادث الوشاية، تدعم أفكارهم حول المسار الخاطئ الذي تمر به ألمانيا.

مسافة أمان على تلة الصليب

مدى تمثيل هذه التقارير والقصص للواقع العام لا يزال غير واضح، ولكن لا يبدو أنها عبارة عن عدد من الحالات الفردية، فقد أعلنت شرطة مدينة ميونيخ الألمانية بأنها تلقت 171 بلاغاً خلال أسبوع واحد عن انتهاكات لقوانين وإجراءات مكافحة كورونا، 138 منها أدت بالفعل إلى محاضر شرطية بحق المخالفين بسبب انتهاكات تخص مسافات الأمان المفروضة أثناء السير وانتهاكات الخروج من الأماكن التي تدخل في مناطق الحظر. من جانب آخر، كتبت الشرطة في العاصمة، برلين، تغريدة أشارت فيها بعد فترة وجيزة من إدخال القواعد الجديدة الخاصة بمكافحة كورونا، إلى أن الحانة المفتوحة ليست سببًا لطلب مكالمة الطوارئ.

الخبر المفضل لدي والذي أعلنت عنه الشرطة يتعلق بحادثة حصلت على قمة جبل (Riedberger Horn) وهي الأعلى ضمن سلسلة جبال القرن التابعة لجبال الآلب في ولاية بافاريا الألمانية. فبحسب إذاعة صوت بايرن فإن متسلقي الجبل “مكثوا بالقرب من الصليب الموجود على القمة دون إبقاء مسافات أمان بين بعضهم البعض وبالتالي قاموا بانتهاك قاعدة مسافة الأمان التي يجب ألا تقل عن متر ونصف بين كل شخصين”. بصراحة اسأل نفسي: من هذا الشخص الذي قام بإبلاغ الشرطة وكيف كان بإمكان قوات الشرطة الوصول إلى المكان الذي شهد الانتهاك بهذه السرعة.

تحامل الألمان العميق على أنفسهم

يبدو أن كل هذا قد تم إثباته من خلال التحامل العميق بين الألمان: في حالات الشك، يعلن جزء من السكان استعدادهم ليتحولوا إلى اليد الطولى لسلطة الدولة. والآن، في هذه الأوقات التي تبدو فيها الأمور أكثر وضوحًا مما كانت عليه منذ فترة طويلة، من الواضح أن إغراءات لعب دور ذراع السلطة كبيرة وغير مسبوقة.

في الواقع، من المهم جداً الانتباه لقواعد مسافات الأمان لأنها مصيرية وتتعلق حقا بحياة الإنسان. ولكن في بعض الحالات المذكورة، يشعر المرء أن شخص ما (المخبر) يريد ببساطة ممارسة بعض السلطة.

هل “الشخصية السلطوية” موجودة بالفعل؟

في علم الاجتماع وعلم النفس الاجتماعي، يستمر الجدل منذ ثلاثينيات القرن المنصرم حول ما إذا كان هناك نوع معين من الأشخاص عرضة بشكل خاص لمثل هذا السلوك الذي يتّبعُه المخبر. اخترع عالم النفس والفيلسوف الألماني، إريك فروم مصطلح “الشخصية الاستبدادية” على أساس نظرة فرويد للإنسان. في عام 1950، نُشرت دراسة أعدها الفيلسوف الألماني وأحد أبرز رواد مدرسة فرانفكورت، تيودور أدورنو وثلاثة من زملائه تحت عنوان “الشخصية الاستبدادية”، التي كانت مشهورة ولا تزال مثيرة للجدل حتى يومنا هذا، والتي لعبت فيها مفاهيم التحليل النفسي مرة أخرى دورًا مركزياً. ولذلك لا تحظى هذه الدراسة بشعبية كبيرة بين علماء النفس التجريبي. ففي ذلك الوقت كان هناك جدل حاد حول ما إذا كانت الشخصية الاستبدادية شيئًا محافظًا على وجه التحديد، أو ما إذا كان يمكن للمرء أن يجد أنماطًا مماثلة في ظل أفكار سياسية مختلفة تمامًا في المجتمعات الستالينية المتواجدة في الكتلة الشرقية.

في عام 2003، اندلع هذا الجدل مرة أخرى في الولايات المتحدة الامريكية عندما نشر أربعة علماء نفس اجتماعيون تحليلًا تلوياً مستفيضاً عن الاستبداد والمحافظة بعد أن جرى دراستهما بعد تناولهما من بين أمور أخرى مع الخوف والتعصب الأعمى والعدوانية والتشاؤم. شعر السياسيون الجمهوريون بالإهانة العميقة من الاستنتاجات القائمة على جبل ضخم من البيانات. لم يكن الجدل حول الشخصية الاستبدادية غير سياسي أبداً.

الاستعداد لمعاقبة المنحرفين عن الخط العام

بالرغم من كل شيء فإن جميع وجهات النظر المختلفة القائمة على منهجيات بحث مختلفة، تشترك في شيء واحد: فهي تربط الشخصية الاستبدادية بفهرس معين متشابه في الغالب في الخصائص والسلوكيات. ولكن في هذا السياق يظهر جانبان في كل مكان تقريبا: التوق إلى القيادة الاستبدادية والاستعداد لمعاقبة الأشخاص الذين ينحرفون عن القاعدة أو ينتهكون القواعد التي وضعتها القيادة.

هناك الكثير من الإشارات التي توحي بأن مثل هذه الميول تصبح أكثر وضوحاً في أوقات تزايد انعدام الاستقرار وهو على الأقل ما تطرحه الاقتصادية الأمريكية المختصة بالسلوكيات، كارين ستينر، التي تعمل على هذا الموضوع لسنوات عديدة. الاستعداد الشخصي لهذا النوع من السلوك مستقر نسبياً، ولكن التعصب الذي يتم يصدره الفرد للخارج في الواقع أكثر احتمالًا إذا تم أخذ “الظروف المهددة” بعين الاعتبار.

يبدو أن هذا ينطبق على نحو جيد مع الحكايات حول حراس الحي المتحمسين: يشعر العالم بعدم الأمان أكثر من المعتاد في هذه الأيام. في الوقت نفسه، يُظهر عشاق السلطوية ردود فعل جذابة تعلن رضاهم التام من إجراءات الدولة: التدابير القسرية، ونقاط تفتيش الشرطة، والعقوبات الفورية ضد السلوك المنحرف عن القواعد العامة.

في نفس الوقت، ومع ذلك، هناك أمل وتصرفات إيجابية كثيرة مختلفة على الجانب الآخر: الاستعداد للمساعدة، العرض الودود للتسوق للجيران الأكبر سناً، رغبة شخصية في الحفاظ على مسافة أمان في محال الأغذية أو في الحديقة، الغرباء الذين يستقبلون بعضهم البعض فجأة في الشارع. هذا مثال جميل.

إن الجمهورية الفيدرالية الألمانية ليست “الرايخ الثالث” وليست جمهورية ألمانيا الديمقراطية السوفيتية، وليست دولة استبدادية، وليست جنة لأنصار السلطويين. لذلك، ينبغي للمرء أن يفضل الاستغناء عن مصطلح “المخبر”.

 شروحات:

-الكتلة السكنية: خلال الحقبة النازية كان يتم تقسيم الأحياء السكنية إلى كتل يتم توكيل حمايتها إلى حارس الكتلة. الكتلة السكنية كانت تحوي على منازل يتراوح عددها من 40 إلى 60 وغالباً ما يعيش فيها حوالي 170 شخص.

المصدر: دير شبيغل

ترجمة: قصي شيخو

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد