في ظل الحوار الاستراتيجي المتوقع بين البلدين… مستقبل التواجد العسكري الأمريكي في العراق

مركز دراسات الأمن القومي الإسرائيلي

تمهيد

ترى الإدارة الأمريكية في تعيين رئيس المخابرات العراقي السابق، مصطفى الكاظمي، رئيساً للوزراء في البلاد، فرصة طيبة لتعميق قبضة الولايات المتحدة على العراق، في محاولة لمواجهة الجهود الإيرانية المضنية بشأن تعزيز نفوذها فيها.

 ومن المتوقع أن يجرى حواراً استراتيجياً بين الولايات المتحدة والعراق، في القريب العاجل -دون تحديد موعدـ وفي حال إجراءه سيصبح بمثابة “مفترق طرق” في العلاقات بين البلدين، خاصة وأن نتائج هذا الحوار المهم قد تؤثر على مستقبل الوجود العسكري الأمريكي في العراق.

 وفي حال نجاح هذا الحوار، فإن إسرائيل ستكون أكثر دولة سعيدة بذلك، فتل أبيب لها مصلحة واضحة في هذا الأمر، فالانسحاب الأمريكي من العراق سيترك الساحة لإيران وحدها في العراق، دون منافسين، كلاعب مهيمن ومسيطر على الأراضي العراقية ككل.

 وإضافة إلى الحاجة الضرورية لإجراء حوار مع الولايات المتحدة، فإنه يجب على إسرائيل تتوخى الحذر وأن تأخذ في الحسبان أن العمليات العسكرية الأمريكية في العراق قد تؤثر سلبا على المصالح الأمريكية فيها وفي المنطقة ككل، وتؤثر بدورها على نتيجة الحوار الاستراتيجي مع العراق نفسه.

 مقدمة

لاقى تعيين رئيس المخابرات العراقية، مصطفى الكاظمي، بعد شهور من توليه هذا المنصب، رئيسا للوزراء في البلاد، في مايو 2020، ترحيباً كبيراً لدى الإدارة الأمريكية. 

على الرغم من انتخاب مصطفى الكاظمي بدعم من إيران ـ أو بتأييد من إيران ـ بعد نجاحه على حساب مرشح آخر، فإن رئيس الوزراء العراقي الجديد (الكاظمي) يعد من الشخصيات العراقية المقربة من واشنطن. وتحافظ الإدارة الأمريكية على علاقة وثيقة بالكاظمي. وفي هذا السياق، تم إجراء مكالمات هاتفية بينه وبين الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، ووزير خارجيته مايك بومبيو، ليس مرة، وإنما لمرتين متتاليتين.

 بعيد انتخاب الكاظمي مباشرة، قامت الإدارة الأمريكية بتمديد الإعفاء الممنوح للعراق بمواصلة شراء الغاز من إيران لمدة شهرين إضافيين، على الرغم من استمرار فرض العقوبات الأمريكية على إيران. وحتى قبيل انتخاب الكاظمي رئيسا للحكومة العراقية، في أبريل 2020، فإن وزير الخارجية الأمريكي، مايك بومبيو، قد أعلن أن الولايات المتحدة والعراق تخططان لإجراء “حوار استراتيجي” (من المتوقع أن يبدأ في يونيو 2020) حول مستقبل العلاقات الثنائية بين البلدين.

 الصراع الأمريكي الإيراني

 بعد اغتيال قائد “فيلق القدس” بالحرس الثوري الإيراني، الجنرال قاسم سليماني، في الثالث من شهر يناير الماضي، أضحى العراق مسرحاً رئيساً للصراع أو المواجهة بين الولايات المتحدة الأمريكية وإيران.

 واصل المسؤولون الأمريكيون في العراق تلقي هجمات شنتها الميليشيات الشيعية المرتبطة بإيران، بدعوى التزام هذه الميليشيات بإخراج القوات الأمريكية من العراق، وهو هدف استراتيجي رئيس لإيران، حيث تعتبر الأخيرة الانسحاب الأمريكي وسيلة مهمة للحفاظ ليس على نفوذها فحسب، وإنما على تعزيزه في العراق أيضا.

 وعلى الرغم من ذلك كله، فإن الإدارة الأمريكية أعربت عن حذرها التام من ذلك، خاصة في الأشهر الأخيرة الماضية، حيث أبدت واشنطن تخوفها من زيادة مثل العمليات، بالتوازي مع تجنبها لأي تحركات قد تؤدي إلى تدهور الأوضاع، لكنها سمحت بالرد، أيضا، ولكن، بشكل معتدل، أو بطريقة متوازنة، على هجمات الميليشيات، حتى بعد أن تسببت في وقوع إصابات.

 الاستقرار الرئيسي في العراق

ازدادت الاضطرابات الداخلية في العراق خلال الأشهر الأخيرة، وبكثافة، وسط احتجاجات عنيفة واسعة النطاق ضد فساد الحكومة العراقية السابقة، التي استشرت في جميع أنحاء البلاد، والتي أدت بدورها إلى استقالة رئيس مجلس الوزراء، عادل عبد المهدي، في نوفمبر 2019.

 أدى تفشي فيروس كورونا المستجد “كوفيد 19” إلى تقليص نطاق الاحتجاجات وأعمال العنف في العراق، ولكن في الوقت نفسه، سلط الفيروس الضوء على المشاكل الاقتصادية والاجتماعية العميقة التي يعاني منها العراق.

 رداً على هجمات الميليشيات الشيعية الموالية لإيران، وفي ظل تفشي فيروس كورونا المستجد، أعادت الولايات المتحدة نشر قواتها في البلاد من جديد، حيث قامت بإعادة توزيع تلك القوات، فقد أخلت قواعد عسكرية صغيرة وحشدتها في قواعد كبيرة. وللمرة الأولى في العراق، تم نشر بطاريتي المنظومة الدفاعية الأمريكية “باتريوت” في القاعدتين المركزيتين الأمريكيتين في العراق “عين الأسد” وفي قاعدة أربيل.

 في هذا السياق، طلبت الإدارة الأمريكية مرة أخرى من الحكومة العراقية بتنفيذ إصلاحات حكومية شاملة، في الوقت نفسه، تقوم تلك الإدارة بترتيب المساعدة الاقتصادية للعراق مع المجتمع الدولي. لقد خصصت الولايات المتحدة الأمريكية نفسها نصف مليار دولار من المساعدات الخارجية للعراق في عام 2020، بالإضافة إلى المساعدات الإنسانية التي تم تحويلها إلى البلاد في السنوات الأخيرة، بما يزيد عن 2.5 مليار دولار، منذ العام 2014.

 عمليات “داعش”

 لو لم يعد تنظيم الدولة الإسلامية “داعش” يمتلك أراضٍ في العراق، فإن خطر الإرهاب قد اختفى في الفترة الأخيرة، ويبدو أن التنظيم قد زاد من عملياته الإرهابية مؤخرا، باستخدام استراتيجية “اضرب واهرب”، فقد استغل “داعش” عدم الاستقرار الداخلي للبلاد وانتشار الفوضى والاضطرابات في الفترة الأخيرة، في إعادة نشر قواته الأمنية والعسكرية، في ظل تفشي فيروس كورونا.

 وتتركز مهام القوات الأمريكية في العراق، بشكل أساسيّ، في مساعدة قوات الأمن العراقية، سواء الجيش أو الشرطة، وتتمثل تلك المساعدة في التدريب والوسائل التكنولوجية، أو الدعم اللوجستي، ولكنها لا تشارك، بوجه عام، في تنفيذ العمليات العسكرية ضد الإرهابيين. سبق أن طلبت الحكومة الأمريكية – دون نجاح حتى الآن – من الحكومة العراقية العمل بحزم على دمج الميليشيات الشيعية في قوات الأمن لزيادة السيطرة على عملياتها، مع الإشارة إلى أن الميليشيات الشيعية هي التي قامت مؤخرا بأنشطة ضد أهداف تابعة لتنظيم “داعش”.

 من المرجح أن يحتل “الحوار الاستراتيجي” المتوقع الشروع فيه بين الولايات المتحدة والعراق في المستقبل القريب، مرتبة رئيسة في العلاقات المستقبلية بين البلدين. 

 العلاقات الثنائية

 حتى الآن، فإن العلاقات الثنائية بين الطرفين، العراقي والأمريكي، قائمة على الاتفاقيات الموقعة في الحوار الاستراتيجي السابق الذي جرت وقائعه، في نوفمبر 2008، والذي حدد الخطوط العريضة للعلاقات الاستراتيجية في المجالات الأمنية والاقتصادية والثقافية، حيث أكد، بشكل رئيس، خروج جميع القوات الأمريكية تدريجياً من العراق، بحلول نهاية عام 2011.

 وعلى الرغم من ذلك، وبعدما سحبت الولايات المتحدة الأمريكية معظم قواتها في العام 2011، فقد فشلت في التوصل إلى اتفاق مع الحكومة العراقية بشأن تنظيم وجودها العسكري الجديد في البلاد، على خلفية زيادة نشاط عمليات تنظيم “داعش”.

 وتجدر الإشارة إلى أن القوات الأمريكية التي تعمل في العراق، اليوم، مكونة من حوالي 5000 جندي، وذلك بموجب أمر حكومي. في الأشهر الأخيرة، وتحديدا، بعد اغتيال قائد “فيلق القدس” الإيراني، التابع للحرس الثوري، الجنرال قاسم سليماني، في يناير الماضي، على أرض العراق، فإن المباحثات الداخلية العراقية زادت، وبكثافة، حول مستقبل الوجود الأمريكي في البلاد، وخاصة مع زيادة هذا الحديث من قبل الأحزاب السياسية العراقية التي تنادي بخروج تلك القوات الأمريكية من بلادها. وبالتوازي مع ذلك، تبنى البرلمان العراقي قراراً غير ملزم يطالب الحكومة برحيل القوات الأمريكية من أراضيه.

 بوجه عام، تولي الإدارة الأمريكية أهمية كبيرة بشأن علاقتها بالعراق، والتي تعتبرها عنصراً رئيسياً في قدرتها على تحقيق أهدافها في منطقة الشرق الأوسط، وخاصة تجاه المواجهة مع إيران، واستقرار منطقة الخليج العربي، والحد من عمليات جديدة لتنظيم “داعش”.

 إضافة إلى ذلك، يبدو أن بعض المسؤولين السياسيين في واشنطن، على رأسهم وزير الخارجية، مايك بومبيو، وكذلك طاقم الموظفين المسؤولين عن العراق، بقيادة السفير الأمريكي الجديد في بغداد، يؤمنون بأن تعيين مصطفى الكاظمي يمثل فرصة حقيقية لتقوية وتعميق قبضة الولايات المتحدة في العراق، وكذلك للتأثير على عوامل التنمية فيها.

 مع ذلك، من الواضح أن الوقت المتاح لهم قصير لتحقيق هذا الأمر، حيث من المقرر إجراء انتخابات البرلمان العراقي في غضون عام واحد. ومن هنا، تأتي الأهمية الكبيرة للحوار الاستراتيجي، والتي تعتمد عليه واشنطن، بشكل رئيسي. على الرغم من اهتمام الإدارة الأمريكية بعدم الانجرار إلى مواجهة عسكرية في العراق، فإن المستوى الأمني ​​الأمريكي ينظر بجدية إلى أهمية الوجود العسكري في العراق، باعتباره العنصر الرئيس في قدرة الولايات المتحدة الأمريكية على حماية مصالحها في منطقة الشرق الأوسط.

 طموح ترامب

 من ناحية أخرى، فإن طموح الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، هو الاستمرار في تقليص الوجود العسكري الأمريكي في الشرق الأوسط، حيث تشير الأمور إلى أنه بمجرد أن تكمل الإدارة الأمريكية اتفاق سحب قواتها من أفغانستان، فإنها ستعمل أيضاً على إخراج قواتها من العراق.

 إضافة إلى ذلك، وبحسب تقارير إعلامية عراقية مختلفة، فقد أعلن السفير الأمريكي في بغداد، أثناء اجتماع أقيم في منتصف فبراير 2020، مع أحد المرشحين السابقين لمنصب رئيس الوزراء العراقي، فإن الولايات المتحدة تمارس ضغوطاً بشأن انسحاب القوات العسكرية العاملة في العراق، وبأن نية الإدارة الأمريكية استكمال الانسحاب على مدى العامين المقبلين.

 يسمح الرئيس ترامب، في الوقت الراهن، باستمرار الوجود العسكري في العراق، وفي الوقت نفسه، يستمر في تمرير خطة الانسحاب منها، أي هو يسير ما بين الميل ناحية سحب قواته من العراق، أو التصرف بناء على اعتبارات استراتيجية تحافظ على الوجود العسكري الأمريكي في العراق.

 وبناء على تلك الرؤية، أو الموقف الأمريكي المتأرجح، فإن القيادة العراقية تواجه مشكلة كبيرة، ففي الوقت الذي تقابل دعوات أمريكية بإنهاء الوجود العسكري في أراضيها، فهي تعلم، علم اليقين، أو تدرك حقا أن الوجود الأمريكي مهم بدعوى تعاطيها مع التهديدات الإرهابية، وكذلك نية إيران تعميق نفوذها في البلاد، وما بين المشاعر الوطنية الداخلية التي حالت في السابق دون صياغة اتفاقات مع الولايات المتحدة الأمريكية، أو التي ترفض تواجدها على الأراضي العراقية.

 يبدو أن نتائج الحوار الاستراتيجي بين الولايات المتحدة والعراق، وكذلك مستقبل التواجد العسكري الأمريكي في البلاد، يشدان من عضد أو قدرة البلدين على التغلب على العراقيل العاطفية والعملية، التي يمكن أو تحول دون تعطيل مصالحهما، في المرحلة الراهنة.

 وربما، على الأقل من الناحية العملية، أن تكون نقاط الاختبار للولايات المتحدة الأمريكية، أولا وقبل كل شيء، معتمدة على مدى استعداد العراق لاتخاذ خطوات ملموسة وحقيقية على أرض الواقع لتأمين المصالح الأمريكية في البلاد، مع التركيز على القوات الأمريكية، بما في ذلك القدرة على دمج الميليشيات الشيعية ضمن قوات الأمن في البلاد، وبالأساس في الحكم للسيطرة عليها. وبالإضافة إلى ذلك، فإن العراق سيتخذ خطوات لإقرار استقلاله لمكافحة جهود إيران بشأن زيادة نفوذها في البلاد. فضلا عن وجوب تبني إصلاحات سياسية من شأنها زيادة الاستقرار في العراق.

 خاتمة

بالنسبة لإسرائيل، فإن قرارات الولايات المتحدة بشأن مستقبل علاقاتها مع العراق، وخاصة فيما يتعلق بوجودها العسكري فيها، سيكون لها تأثير مباشر على المصالح الإسرائيلية.

 وفي هذا السياق، فإن انسحاب الولايات المتحدة الأمريكي من العراق، وهو هدف استراتيجي لإيران، سيجعل منها لاعبا مهيمنا ومسيطرا على البلاد، صاحب نفوذ عسكري (بواسطة الميليشيات الإيرانية)، سياسيا واقتصاديا، دون منافسين مؤثرين.

 وبناء على ما سبق كله، فإن لإسرائيل مصلحة واضحة في نجاح الحوار الاستراتيجي بين الولايات المتحدة والعراق. حتى لو اتضح أن الاتجاه السائد هو خروج القوات الأمريكية من العراق، فمن المهم العمل على محاولة تشجيع الاستثمار الاقتصادي في العراق من ناحية دول الخليج العربي، وعلى رأسها المملكة العربية السعودية، بهدف السماح بتوازن ما للوجود الإيراني على الأراضي العراقية.

 على أية حال، بخلاف الحاجة الضرورية إلى إجراء حوار مع الولايات المتحدة، فإنه يجب على إسرائيل توخي الحذر، والأخذ في الحسبان أن العمليات العسكرية في العراق قد تؤثر سلبا على المصالح الأمريكية، وكذلك تؤثّر، أيضاً، على نتيجة الحوار الاستراتيجي مع العراق.

–المصدر: مركز دراسات الأمن القومي الإسرائيلي

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد