بذريعة ” إعادة الإعمار”.. نظام الأسد يفرض الضرائب على كاهل المواطنين

Mohammad Bassiki و Nick Mathiason

تركت الصيدلانيّة أم أحمد كلّ شيءٍخلفها عندما فرّت هي وأطفالها من منزلهم جنوبي دمشق بداية الحرب الأهليّة الطويلة.صورة الألعاب مُبعثرة في كل أرجاء المنزل، بما في ذلك تلك الشهادات التي حصلت عليها عندما تأهلت للعمل الصيدلي.

بعد انتقالهم مراراً وتكراراً، يقطنون الآن في حي ركن الدين بالعاصمة دمشق داخل شقة مُظلمة كانت قد استأجرتها، والتي لا تقارن بمنزلهم السابق، الذي كان مُنيراً طوال الوقت.

بكت أم أحمد بحرقةٍ، وفضّلت أن يُشار إليها باسم مستعار خوفاً من عمل انتقامي من الحكومة، حيث قالت:” كان منزلي مُجهّزاً من كافة النواحي، والصيدلية فيها جميع أصناف الأدوية “. مضيفةً ” لقد أصبح كل شيء هباءً منثورا”.

منزلُها المدّمر، والذي تبلغ مساحته مئة مترٍمربع في مدينة داريا، التي كانت سابقاً معقلاً للجيش السوري الحر المعارض، تحتاج تكلفة إزالة الانقاض نحو 25 ألف ليرة سورية، أي ما يعادل ٢٠ دولاراً، حيث لا تستطيع التفكير حتى بإعادة بناءه من جديد كونها لا تملك المال الكافي لذلك.

وقد هُجّر ما يُقارب من 6,2 مليون شخص في الداخل بسبب الحرب الأهلية السورية المستعرة التي طال أمدُها، والتي أغرقت البلاد بأزمة إنسانية واقتصادية خانقة،وفرّ أكثر من 5,6 مليون شخص وسُجِّلوا كلاجئين، حيث قدّرت الأمم المتحدة عام ٢٠١٨ تكلفة الدمار الناجم عن الحرب، ما يصل إلى 388 مليار دولار، أي ما يزيد عن 20 مرة من قيمة الاقتصاد السوري برُمّته العام الفائت.

رفضَ الغربُ مساندة بشار الأسد لإعادة إعمار سوريا، وصرحّت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي بأنهما لن يدعما إعادة إعمار البلد مالم يتم التوصل الى تسوية سياسية.

سوريا على أعتاب انتخابات رئاسية هذا الأربعاء، حيث تم شجبُها على نطاق واسع، ووصفِها بالمزيّفة بغية إضفاء صفة الشرعية للرئيس الحالي.

وإجراء الانتخابات يُبرز البلد على أنه في تقدُّم، رغم الحرب المستعرة والاقتصاد المنهار، وسط عجز الحكومة عن تأمين الخبز لمواطنيها، ناهيك عن إعادة بناء مُدنها المدمرة.

وفي ظل عدم وصول المساعدات الدولية، فرضَ النظام السوري الضرائب ليموّل إعادة الإعمار، في عام ٢٠١٢، تم تشكيل لجنة للمساعدة في إعادة إعمار البلد بعهد نائب رئيس الوزراء و وزير الإدارة المحلية إبّان تلك الفترة، عمر غلاونجي، والذي تم إدراجه ضمن قائمة عقوبات الاتحاد الأوربي في العام ذاته.

تعرفت أم أحمد من خلال متابعتها للتلفزيون الرسمي في مايو / أيار من العام ٢٠١٤، بأن لجنة إعادة الإعمار السورية قدمت وعودٍبإعادة بناء منازلهم المهدّمة، حيث قامت على ضوء ذلك، بإيداع طلب لهالدى هذه اللجنة.

تمكّنت اللجنة من جمع ما يقارب ٣٨٦ مليار ليرة سورية، أي ما يُعادل ٣٠٧ مليون دولار، وفقاً لتحليلٍ أجراه مشروع الإبلاغ عن الجريمة المنظمة والفساد (OCCPR ) وشريكتها السورية سراج ( SERAJ )وبرنامج الصحافة الاستقصائية ( Finance Uncoveredd)، لكنْ لا يوجد ما يُثبت أن الأموال تُنفق لمساعدة المدنيين كأُم أحمد، حالُها حال الآلاف لم يصِلها أيُّ خبر منذ أن قدمت طلباً بغية تعويضها.

كشفت تسجيلات مسربة، أن لجنة إعادة الإعمار التابعة للنظام قد حصّلت على أغلبية المساعدات من فرض الضرائب على وزراء الحكومة والمؤسسات العامة، مما يُصعّب تتبع ما يتم إنفاقه، وذهبت بعض الأموال التي تمكّن مكتب الإبلاغ عن الجريمة المنظمة والفساد من تعقّب أثرها، رغم قلّتها، إلى تجديد الأماكن العسكرية وإيواء القوات الحكومية، حيث تُنفقُ معظم الأموال في المناطق الموالية للحكومة.

تتناغم هذه النتائج مع بحث أجراه مركز “كارنيغي” للشرق الأوسط، والذي رأى أن نظام الأسد استخدم ” إعادة إعمار انتقائي ” لدعم سلطته السياسية والاقتصادية في بعض المناطق، بينما تم تجاهل الفئات الاجتماعية الفقيرة والتي يعتبرها النظام كمصدر تهديد له.

في يوليو/ تموز من العام ٢٠١٧، منحت لجنة إعادة الإعمار ١٧٥ مليون ليرة سورية لترميم حي مزة ٨٦، الذي يقع بالعاصمة دمشق، ويُعدّ الشريان الحيوي لدعم النظام، في غضون ذلك، لم يتم إعادة إعمار المناطق التي تقطن فيها أم أحمد على مقرُبة من داريا، معقل الجيش السوري الحر المعارض السابق، على الرغم من تعرضها لدمارٍ هائل بفعل الحرب.

قال مظهر شربجي، مسؤول رفيع المستوى في وحدة مجالس الإدارة المحلية، وهي مجموعة معارضة ترقُبُ جهود إعادة الإعمار، إن اللجنة ” تُتيح المجال أمام إنفاق الأموال من إيرادات إعادة الإعمار للجيش والشرطة والدوائر الأمنية التي أعطت أمولا للأمن العسكري و قطاعات الأمن الداخلي و السياسي على حساب الضحايا المدنيين”.

ولم تُصرّح لجنة إعادة الإعمار بأي شيء حيال الاستفسارات الكثيرة التي تِرد إليها، ووجّه مسؤول إعلامي في وزارة المالية مكتب الإبلاغ عن الجريمة المنظمة والفساد نحو وزارة الإعلام لاستحصال إذن لتوجيه أسئلة للجنة، ولم تُمنح الموافقة بعد.

في العام ٢٠١٣، تم تحديد الضريبة بنحو ٥٪ زيادة على الضرائب الأساسية،مثل بيع العقارات، وتجديد رُخص السيارات، إضافة إلى ذلك ضرائب غير مباشرة،مثل ضريبة القيمة المضافة والغرامات المترتبة للقضايا القانونية، ضرائب الدخل كانت مُستثنية من ذلك.

ضاعفت الحكومة، والتي تفتقر إلى السيولة المالية،الضرائب إلى ١٠٪ في 2017، عندما أوضح زبير درويش، المدير العام للجنة العامة للضرائب والرسوم في سوريا في تلك الفترة، لصحيفة تشرين الرسمية،أنه سيتم إنفاق الأموال على ” دعم إعادة الإعمار، وبناء ما تم تدميره، وكذلك دعم إعادة توطين العائلات المُهجرّة”.

وأوضح وزير المالية آنذاك، مأمون حمدان، أن الحكومة بحاجة لجمع مزيدٍ من الإيرادات للمساهمة بإعادة بناء البنية التحتية والممتلكات الخاصة المدمرة بفعل الحرب.

وفي الوقت الذي كان يظنُّ الشارع السوري،إن الضرائب سيكون ريعُها لإعادة إعمار منازلهم، تم تفعيل نظامٍ يُتيح للمواطنين أن يتقدموا بطلباتهم للحصول على تعويض إلى لجنة إعادة الإعمار الرئيسية للموافقة عليها.

بعد الاطلاع على الوثائق من قبل مكتب مكافحة الجريمة المنظمة والفساد، وسراج، ومنظمة الصحافة الاستقصائية، فإن ذلك لم يحدث على أرض الواقع، وأشارت عدة مصادر مختلفة والمناقشات النيابية ووسائل الإعلام الرسمية، إلى أن الحكومة السورية َخصّصت30 مليار ليرة سورية من أجللجنة إعادة الإعمار عام 2013 ، ثم ما لبث أن ارتفع إلى نحو 50 مليار ليرة سورية، تقريباً 40 مليون دولار حسب نشرة أسعار العملات حينها، كل عام منذ ذلك الحين، ما مجموعه 380 مليار ليرة سورية، أو أكثر من 1.4 مليار دولار، وقد قفزت التبرُعّات من ضريبة إعادة الإعمار على مرّ السنين من ما يُعادل نحو 56 مليون دولار في 2016 إلى 132.4 مليون دولار في 2020.

وفي غضون ذلك، تُظهر الكشوفات عن حجم الإنفاق والذي يبلغ نحو 263 مليار ليرة سورية فقط، الأمر الذي يُقلّل من المصروف بنحو 117 مليار ليرة سورية _ ما يُقدّر ب 229 مليون دولار _ رغم التذبذُب بقيمة الليرة في هذه الآونة، حيث لا يزال مصير تلك الأموال طيَّ الكِتمان.

وتُظهرالوثائق أن أقل من 10٪ _ 24.2 مليار ليرة سورية _ من الإيرادات خُصصّت للجنة منذ عام 2014 تم إنفاقها على إعادة بناء منازل المواطنين.

على النقيض تماماً، 90.3 ٪ من الميزانية تم صرفُها على الوزارات الحكومية والمؤسسات العامة، والتي أصبح من الصعب التحقُّق عن كيفية إنفاق معظمها، وتم رصد جزء قليل منها، 1.32 مليار ليرة سورية، أُنفقت على القوى الأمنية والعسكرية السورية.

وبحسب هايد هايد، وهو أكاديمي استشاري بارز في مؤسسة تشاثام هاوس في لندن، والذي أكد ” أن ما يُعانيه المجتمع من عدم امتلاك معلومات كافيةعلى عمل الكيانات الحكومية، يُعطي النظام حُرية التصرف بالموارد العامة، وحتى المساعدات الإنسانية”.

ومن هذا المنطلق، باستطاعة النظام استخدام الأموال للحفاظ على نفسه وضمان ديمومته، إما عبر صرفها على الشرطة والأمور الأمنية، أو لمدّهبالسيولة”.

وقال المهندس المعماري السوري، مظهر شربجي، الذي أجرى بحثاً في كيفية تمزيق الحرب بلداناً مثل لبنان، ألمانيا، اليابان وكوريا الجنوبية،التي تمكّنت من النهوض مجدداً من تحت رماد الحرب، إن اللجنة أعطت الأموال بكل جلاء لقطعات الأمن العسكري والداخلي والأمن السياسي، على حساب الضحايا المدنيين “.

هذاالزعم من الصعب التحقق منه، بسبب نقص الشفافية، لكن شربجي أعطى مثالاً عن داريا، مسقط رأسه، وقال، إن نحو 70 ٪ من المدينة قد دُمر جزئياً، وما يقارب من نصفها مُهدّم بحيث لا يمكن ترميمه، وفي ظل غياب الطاقة الكهربائية والدمار الهائل الذي طال البنية التحتية وشبكات الصرف الصحي، ووفقًا لشربجي،فلم يتم بناء أية منازل أو بنية تحتية على مرّ الأعوام الثلاث الماضية.

وأظهر تحليل لقرارات الإنفاق المنشورة، في الوقت عينه، أن لجنة إعادة الإعمار منحت 50 مليون ليرة سورية في العام ٢٠١٦ لنحو 167 عنصراً في الجيش والشرطة، و350 مليون ليرة سورية لإعادة إعمار المنازل التي تعود لجرحى القوى الرديفة الذين قاتلوا إلى جانب الجيش السوري.

فيما تُعتبر هذه الإيرادات جزءً قليلاً من حجم الإنفاق الكلي، يقترح أسامة القاضي، مدير فريق العمل الاقتصادي السوري، الذي يُشرف على جهود إعادة الإعمار، بإن ضريبة إعادة الإعمار تستخدم للحيلولة دون تدهور التمويل الحكومي.

وسط غياب الشفافية والفساد المستشري داخل الحكومات السورية المتتالية على مدى خمسة عقود يُصعّب في تحديد مكان الأموال الهائلة التي اكتسبها النظام من السوريين تحت شعار إعادة الإعمار”.

ولا يزال نحو 10 ملايين سوري يمكثونَ بعيداً عن منازلهم، وتُعاني البنية التحتية من هشاشة هيكليتها، كذلك يتم قطع الكهرباء والمياه باستمرار، ناهيك عن الخدمات الأخرى، كما أن السلع الأساسية مفقودة .

وتستمر الحكومة بفرض الضرائب على باقي المدن التي كانت تقبع تحت سيطرة المتمردين تحت الركام، والتي تمكّن النظام السوري من إعادة فرض سيطرته عليها، مثل حمص القديمة والمناطق الريفية المحيطة بها، وريف دمشق، وحلب، ودرعا، ودير الزور، وغيرها الكثير.

أوضح الصحفي المتخصص بالشأن الاقتصادي سامر طويل:” إن المواطنين والشركات التجارية السورية هم ضحايا جهود حكومية ممنهجة لاستحصال الأموال عبر ضريبة إعادة الإعمار، ولكنهم لم يُفلحوا في الوصول إلى هدفهم “.

ترجمة: المركز الكردي للدراسات

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد