في الذكرى السابعة للإبادة.. «الإيزيديات المفقودات» جرح غائر في نفوس ذويهم

كاتي دينيرياز

أعلن البيت الإيزيدي بإقليم الجزيرة بأنه قام بإنقاذ كل من سلمى البالغة من العمر 25 عاماً، ودارين التي تبلغ 21 عاماً، وهما اسمين مستعارين وصفت بهما فتاتين في سن المراهقة من الطائفة الإيزيدية، حيث كانتا محتجزتين لدى الدولة الإسلامية في منطقة دير الزور شرقي سوريا. وأوضح البيت الإيزيدي بأن :” سلمى على وجه الخصوص تعرضت لأبشع أنواع الظلم والتعذيب”.
ويتزامن إنقاذ هؤلاء النساء مع مرور الذكرى السابعة للإبادة الجماعية التي تعرضّ لها الإيزيديون على أيدي تنظيم “داعش” عندما شن هجوما مباغتاً في آب /أَغُسْطُس عام 2014 على شنكال، وأقدم على خطف وقتل أكثر من ستة آلاف إمرأة وطفل فضلاً عن استعبادهم.
يأتي تحرير هاتين امرأتين في الوقت الذي فقدت كثير من العوائل الأمل في إسترجاع فلذات أكبادهن اللواتي بإعتقادهم إما لقين حتفهنّ في المعارك أو في الأسر، ويشكل تحريرهنّ تأكيداً للتقارير التي تفيد بأن نحو 2768 إيزيديات لا زلنّ على قيد الحياة.
وتعرضت الحكومة العراقية لحملة ضغط عبر وسائل التواصل الاجتماعي في أيار/ مايو، طالبتها ببذل مزيداً من الجهد لتحرير الإيزيديات المختطفات.
وذكر البيت الإيزيدي أن سلمى قد تنقلت في عدة مناطق في سوريا، آخرها كان حيث تم تحريرها في محافظة دير الزور. ويأتي ذلك في الوقت الذي أفادت تقارير عن تحرير عدد من النساء والأطفال مع سقوط “تنظيم داعش” في العام 2019، والبعض الآخر تم تهريبهم لمناطق “المعارضة السورية المتشددة “وإلى داخل الأراضي التركية.
وحسب منظمة صرخة الاستغاثة “Háwar help” وهي مؤسسة خيرية تُعنى بالمجتمع، فإن هنالك إيزيديات تمكثنّ مع عوائل “تنظيم داعش” في العراق، ففي تموز /يوليو تم تحرير إيزيدية كانت متواجدة في بغداد.
ويفيد الناشط الإيزيدي ميرزا دنايي، المدير التنفيذي لمنظمة الجسر الجوي الإنسانية في العراق، بأنه :” لا توجد هنالك إستراتيجية وطنية واضحة في الإستقصاء عن النساء الإيزيديات والأطفال المفقودين، وتقتصر عمليات البحث على مبادرات فردية تشتمل على ذوي المفقودين وبعض الأشخاص الفاعلين الذين بمقدورهم المساعدة في العثور عليهنّ”.
ومن بين هؤلاء الأشخاص الفاعلين في إنقاذ الإيزيديات عبدالله شريم ، ذو الـ 46 عاماً، والذي روت قصته الكاتبة دنيا ميخائيل في كتابها “بائع عسل شنكال “، حيث وعبر تجارة العسل مع سوريا إستطاع إنشاء شبكة مخبرين لتحرير الإيزيديات المختطفات هناك. وكانت ابنة شقيقته من بين أوائل الإيزيديات تمكن من تحريرها من أصل ستة وخمسين (56) ما بين امرأة وطفل تم إختطافهم من قبل “تنظيم داعش”. ومنذ ذلك الحين ساهم بتحرير مئات الإيزيديين المختطفين.
ويضيف شريم بأن الإيزيديين المختطفين قد تقطعت بهم السبل بعد تقهقر تنظيم “داعش”، وأضحت عملية إيجادهم بالغة الصعوبة- وهو على علم عبر شبكة مخبرين متعاونين معه بأماكن تواجد الإيزيديات في كل من إدلب وشمال حلب- مع كل الجهود المبذولة من طرفه، غير أنه يواجه متاعب جمة في ظل غياب الدعم الرسمي للتنسيق في عمليات الإنقاذ، إذ يؤكد :” يد واحدة لا تصفق”.
يقول ألكسندر هوغ، رئيس اللجنة الدولية المعنية بالمفقودين في العراق، والذي يعمل مع السلطات لتعزيز وجهة نظر قائمة على سيادة القانون: ” إن ما يزيد الطين بلة هو تواجد الذين تم إختطافهم في مناطق غير حكومية في سوريا مما يعقد عملية إنقاذهم”.
وفي سياق متصل ذكرت باري إبراهيم، المديرة التنفيذية لمؤسسة الإيزيديين الأحرار، عن تلقيها معلومات تفيد بتواجد الإيزيديين داخل مخيم الهول والذي يضم أكثر من ستين الف شخص، أغلبيتهم من النساء والأطفال، كما أن إيديولوجية” تنظيم داعش” لا تزال تسيطر على البعض منهم.
وحسب إبراهيم فإن عمليات إنقاذ الإيزيديين المختطفين تصطدم بصعوبات جمة في ظل توزعهم بين تركيا وسوريا والعراق، غير أنها تقول ” ينبغي علينا ألا نفقد الأمل وأن تتضافر الجهود للعثور عليهم بدءاً من مخيم الهول”.
إن الوصول لمخيم الهول والبحث عنهن أمر مُسْتَعْصٍ نسبياً، فالإيزيديات يخشينّ حرمانهنّ من أطفالهنّ، لذا لا ترغب بعضهنّ بالعودة إلى موطنهنّ تزامناّ مع إصدار شيوخ الدين الطائفة الإيزيدية قراراً يقضي بعدم الترحيب أو استقبال أبناء الإيزيديات بسبب كون آبائهم من مقاتلي” تنظيم داعش”.
وتضيف إبراهيم إنه لأمر مهم أن تعيّ الإيزيديات المختطفات بأن هناك” منظمات تعمل ليلاً ونهاراً من أجل إنقاذهنّ، وأبوابها مشرعة أمامهنّ في أي وقت، لقد دب الهلع والقلق في حياة النساء الإيزيديات مع إطفالهنّ”. إن المساعدة الدولية في هذا الصدد (تحرير الإيزيديات) أمر منقوص وتشوبه كثير من المنغصات، حيث تتسائل إبراهيم :” أين صوت من زعم إنه صوت المستضعفين وصوت من لا صوت له؟”
واسهبت إبراهيم قائلة :” هنالك أشخاص ودول يبدون دعمهم ويطلقون وعود بالمناسبات الرسمية في سبيل إنقاذ الإيزيديين بيد أن الأقنعة تسقط على أرض الواقع: من الذي سيمد يد الغوث لتحرير الإيزيديين وضمان عودتهم الآمنة إلى منازلهم، فهم لا يزالون يعانون الويل والهلاك بعد مرور سبعة أعوام منذ سبي تنظيم داعش لهم”.
ويأمل الناشط ميرزا ديناي أن تتضافر الجهود في أعقاب سن قانون لمساعدة الناجيات الإيزيديات من فظائع داعش، والذي ينص على إنشاء مديرية خاصة من شأنها المساعدة في عمليات البحث عن المختطفات، وتقديم تعويضات للنساء والفتيات الناجيات من الفظائع التي ارتكبها ما يسمى بـ”الدولة الإسلامية”، ولكن لم يتم الكشف عن المزيد من التفاصيل بعد.
هنالك أرقام كبيرة من المفقودين في جميع أرجاء العراق نتيجة للصراع الذي طال أمده وما تخلله من إنتهاكات لحقوق الإنسان، وتشير التقديرات الرسمية بأن عددهم يتراوح ما بين مائتي وخمسين ألف إلى مليون شخص. ووفقًا لتقرير صادر عن اللجنة الدولية لشؤون المفقودين في آذار /مارس، فإن الجهود الرامية في البحث عن المفقودين تتم بطريقة غير منسقة تطغى عليها المبادرات الفردية. وحسب هوغ :” إذا ما سلطت الحكومة الضوء على قضية المفقودين، آخذة بعين الإعتبار البيانات التي تخصهم، فإن ذلك سيزيد من فعالية تحديد هوية المفقودين والعثور عليهم”.
ويشدد هوغ على أهمية إختبار الحمض النووي. ففي ظل توزع الأشخاص عبر الحدود الإدارية للمناطق داخل العراق ناهيك عن الهجرة إلى خارجه، وخاصة الإيزيديين الذين لا يزالون يقطنون البعض منهم في المخيمات بإقليم كردستان مع الذين غادروا العراق، سيصبح الحصول على عينات الحمض النووي من العائلات لتحديد المفقودين أكثر صعوبة.
وتقوم اللجنة الدولية لشؤون المفقودين، إلى جانب منظمات دولية أخرى، بما في ذلك (فريق الأمم المتحدة الذي يحقق في جرائم تنظيم داعش)، بتقديم الدعم للحكومة العراقية في الكشف عن المقابر الجماعية، بما في ذلك بعض المقابر في شنكال. ففي وقت سابق من هذا العام، تم دفن رفاة 104 شخص في قرية كوجو، وهو مكان لأسوأ الفظائع التي ارتكبها “تنظيم داعش”، وذلك بعد التعرف على الحمض النووي للضحايا.
وذكرت ياسيم أريكوت تريس وهي طبيبة نفسية تعمل في مؤسسة الإيزيديين الأحرار بأن وجود قبر تزوره عوائل الضحايا ” وقيامهم بجميع الطقوس اللازمة لأرواحهم” سيخفف ولو قليلاً من وطأة معاناة هذه العوائل .
لاتزال هنالك عشرات المقابر الجماعية لم يتم الكشف عنها بعد، فيما لايزال مصير الآلاف مجهولاً، لا يعرف ذويهم عنهم أي شيء، حيث تقول أريكوت تريس في هذا الصدد :” ستبقى العوائل تنتظر عودة مفقوديها حتى يتمكنوا من معرفة ما إذا كانوا أحياء أو أموات “. مضيفة” إنه كالجرح الذي لا يندمل”.
وتستذكر تريس إمرأة كانت تعمل برفقتها حيث لايزال أخيها وأختها في عداد المفقودين بعد مضي ستة أعوام على الإبادة الجماعية، حيث تقول :” إن هذه المرأة متزوجة ولديها أطفال وأمور أخرى جميلة في حياتها، بيد أن هناك غصة ألم بداخلها بسبب فقدان إخوتها حيث يتلعثم لسانها وهي تقول أين أنا ؟ أين إخوتي ؟ ما الذي جرى لهم؟ حيث تبدو على محياها الحزن، ولاتزال ترتدي زي الحداد ولا تحضر حفلات الزفاف أو الاحتفالات منذ زمن بعيد”. مشددة أن:” حزنها لا يندمل “.
وفيما يتعلق بـ شريم فقد تمكن 42 شخصا من أقاربه بالعودة إلى ديارهم فيما لايزال مصير 14 منهم مجهولاً ، ولذلك لن يرجع شريم لقريته في شنكال، إذ يقول :” لا طاقة لي في التعايش مع كل هذا الكم الهائل من الذكريات المؤلمة وسط غياب أخي وأخواتي “. أما بالنسبة لامرأتان اللتان تم العثور عليهنّ في تَمُّوز/يُوليُو، فإن ذلك يبعث الراحة في نفوس عوائلهن، فقد إلتقت سلمى بأقاربها في شنكال بعد غياب دام سبعة أعوام فيما لازالت دارين تنتظر بشوق لم شملها مع عائلتها.
وتشير باري إبراهيم :” هنالك جرح لا يندمل عاناه شعبنا، ولا يوجد علاج يخفف وطأته”. ولكنها متفائلة رغم هذه الكآبة ” عندما استمع إلى قصص نساء إيزيديات لازلنّ على قيد الحياة وأخريات نقوم بعلاجهنّ، فإن ذلك يبعث جرعة أمل في داخلي، لأننا من خلال التمسك بالأمل سنتغلب على الصعاب حتى ولو لم يكن ممن فقدناهم بيننا.

المصدر: صحيفة الغارديان

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد