يوسف خالدي
إنطلقت الإنتفاضة السورية العظيمة من خلفية وطنية سورية ، بدت لأول وهلة وكأنها جاءت تماهياً مع تلك الأحداث التي شهدتها دول عربية في المنطقة ، وأطلق عليها بداية ، ثورات الربيع العربي التي شهدت إنطلاقتها تونس ، وقد بدا أن الأسباب التي إشتركت فيها تلك الدول مع الحدث السوري وأقصد به هنا الدوافع والأسباب ذاتها من النواحي البنيوية ومستوى معاناة قطاعات كبيرة من تلك المجتمعات من أنظمة حكم تميزت بالشمولية ، وأحادية السلطة ، وتمركز المال والثروة والسلطة في قبضة النخبة من الفئات القابضة على مراكز الحكم ، وتسخير الدولة ومقدراتها لصالح تلك النخب وإحتكارها للسلطات الثلاث مشتركة في إندلاع نارها.
في تونس ومصر خرجت مئات الألوف ثم الملايين إلى الساحات، حين إنسحبت أجهزة الأمن المركزي من الساحات والشوارع ، تولى الجيش مهام الشرطة مع الوقوف في حالة الحياد، أما في ليبيا فقد بدأت سلمية ولكنها سرعان ما إنتقلت إلى حالة الإشتباك مع أحهزة الدولة ، بعد أن هاجمت الجموع المراكز الحكومية وقابلتها قوات الأمن بالعنف المضاد ،وتوسع المواجهات بين الحكومة والمحتجين بالذخيرة الحية.
رغم ذاك التشابه بين الإنتفاضة السورية و تلك التي في تونس ومصر ، كان هناك تمايز واضح وجلي بين الحالتين من ناحيتين.
أولاً: الفارق بين المجتمع السوري الذي تميز بصفته المركبة والمعقدة، قياساً بالمجتمع المصري والتونسي، والليبي، أو اليمني لاحقاً، كون المجتمع السوري يمتاز بتعدده العرفي، والديني والطائفي والعشائري، والسياسي والفكري . عن باقي تلك المجتمعات في الدول المذكورة ، حيث تتصف بصفتها البسيطة ، وتميزها بنوع من التقارب في بعض العوامل .إن المجتمعات المركبة هوية ، تمتلك صفة الإنقسام ، والتشظي إن كانت الهوية الجامعة تتنكر لتلك الأخريات الفرعية ، فتكون قابلة للإنفجار حال توفر الظروف واسباب ظهور الحالات ما قبل الوطنية إلى السطح وتراجع الروابط الجامعة الموحدة قسراً على الأغلب . فالدستور السوري بقي معطلاً ، وبقيت الأحكام العرفية سائدة ، مع إستمرار تعطيل الحياة السياسة ، وإستحالة تداول السلطة ، بسبب غياب القوانين التي تنظم الحياة السياسية ، وبقاء الأحزاب محظورة ، مع تدهور القضاء ومؤسساته ، وغياب التشريع العقلاني ، وحصر صلاحية الإصلاح والتغيير بيد رئيس الدولة ، الذي يحوز على كل الصلاحيات ، والسلطات فوق القانون والدستور المعطل أصلاً ، مع إستمراية إدارة الدولة بوساطة القوانين الإستثنائية والبلاغات الصادرة عن أجهزة الدولة ، العلني منها أم السرية. مع إعطاء الحق لحزب البعث في أن يكون المرجعية.
—–