مستقبل شعب كردستان بعد إنهيار إتفاقية سايكس – پيكو

د. مهدي كاكه يي

إتفاقية سايكس – پيكو

إتفاقية سايكس – پيكو التي أُبرمت في سنة 1916، كانت إتفاقاً سرياً بين فرنسا وبريطانيا، بمصادقة الإمبراطورية الروسية، على إقتسام منطقة الهلال الخصيب بين فرنسا وبريطانيا لتحديد مناطق النفوذ في غرب آسيا بعد هزيمة الإمبراطورية العثمانية في الحرب العالمية الأولى والتي كانت تحكم هذه المنطقة. هذه الإتفاقية كانت حصيلة مفاوضات سرية بين الدبلوماسي البريطاني (مارك سايكس) والدبلوماسي الفرنسي (فرانسوا جورج پيكو) التي جرت خلال الفترة الممتدة بين شهر تشرين الثاني/نوڤمبر من سنة 1915 وشهر مايس/مايو من سنة 1916. كانت هذه الإتفاقية على صورة تبادل وثائق تفاهم بين وزارة الخارجية البريطانية والفرنسية والروسية القيصرية آنذاك.

تمّ الكشف عن الإتفاقية عند تسلّم الشيوعيين للحكم في روسيا سنة 1917، والذي أثار إحتجاج ورفض الشعوب التي كانت الإتفاقية تتعلق بها، كما أن هذا الكشف أحرج كلاً من فرنسا وبريطانيا.بموجب هذه الإتفاقية، تم تقسيم منطقة الهلال الخصيب، حيث حصلت فرنسا على الجزء الأكبر من الجناح الغربي من الهلال الخصيب (سوريا ولبنان وجنوب كوردستان)، بينما إمتدت المناطق التي سيطرت عليها بريطانيا من بلاد الشام الجنوبي، متوسعةً شرقاً لِتضم ولاية بغداد والبصرة وجميع المناطق الواقعة بين الخليج الفارسي والمنطقة الفرنسية في سوريا. كما أنه تقرر أن تصبح فلسطين تحت إدارة دولية، يتم الإتفاق عليها بالتشاور بين كل من بريطانيا وفرنسا وروسيا. نصّت الاتفاقية أيضاً على منح بريطانيا مينائَي حيفا وعكا، على أن تكون لِفرنسا حرية إستخدام ميناء حيفا وتمّ منح بريطانيا من قِبل فرنسا بالمقابل إستخدام ميناء الأسكندرونة الذي كان سيصبح تحت إدارتها.

معاهدة سيفر وحق شعب كوردستان في الإستقلال

لقد تم التأكيد على نصوص إتفاقية سايكس – پيكو مجدداً في مؤتمر سان ريمو الذي تمّ إنعقاده في سنة 1920 والذي خلاله تمّ تحديد الحدود النهائية للمنطقة. بعد هذا المؤتمر، أقرّ مجلس عصبة الأمم وثائق الإنتداب على المناطق المعنية في 24 حزيران/يونيو 1922. في شهر آب/يوليو 1920، تمّ إبرام معاهدة سيفر التي عقدت بين الحلفاء و(تركيا).

المادة 62 و63 و64 من هذه المعاهدة كانت تتعلق بِشعب كوردستان، حيث نصت هذه المواد على إنشاء دولة كوردستان والتي نصوصها هي:المادة 62: ستقوم لجنة مكوّنة من ثلاثة أعضاء تُعيّنهم الحكومات البريطانية والفرنسية والإيطالية على التوالي وتتخذ إسطنبول مركزاً لها، بوضع خطة خلال ستة أشهر من تأريخ تنفيذ المعاهدة للإستقلال الذاتي للمناطق التي تسكنها أغلبية كوردية والتي تقع شرقي الفرات وجنوبي الحدود الجنوبية لأرمينيا، وشمال حدود تركيا مع سوريا والعراق. و ينبغي أن تشتمل الخطة على ضمان حقوق الأقليات الآشورية – الكلدانية والأقليات الدينية الأخرى التي تسكن في المنطقة. المادة 63: توافق الحكومة التركية على تنفيذ قرارات اللجنة المذكورة في المادة 62 خلال ثلاثة أشهر من إخبارها بقراراتها.المادة 64: إذا ظهر أنّ غالبية الشعب الكوردي، كما حُدّد في المادة 62، قد أظهر الرغبة في الإستقلال عن (تركيا) خلال عام واحد، وإذا إعتبر مجلس عصبة الأمم أن هؤلاء القوم قادرون على التمتع بهذا الإستقلال، فإنّ (تركيا) ستوافق على تنفيذ توصيات المجلس، وأن تتخلى عن جميع حقوقها وممتلكاتها في هذه المنطقة (أنظر الى هامش صفحة 40 من كتاب الدكتور شاكر خصباك المعنون “الكرد والمسألة الكردية”، الطبعة الثانية، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت، 1989).معاهدة لوزانفي 24 يوليو/تموز سنة 1923، تمّ إبرام إتفاقية جديدة التي عُرفت بإسم معاهدة لوزان والتي ألغت معاهدة سيفر وبذلك تمّ التراجع عن تأسيس دولة كوردستان. بموجب معاهدة لوزان، تم التنازل أيضاً عن معظم المناطق الكوردستانية التي كانت تحت الإنتداب الفرنسي لتركيا الأتاتوركية، إضافة إلى منح تركيا بعض المناطق التي كانت قد أُعطيت لليونان في معاهدة سيفر.في وقتٍ لاحق تمّ تأسيس لبنان خلال فترة الإنتداب الفرنسي على سوريا، وتمّ فصل شرق الأردن خلال فترة الإنتداب البريطاني على فلسطين، وأصبح الإنتداب البريطاني على العراق الذي تشكّل من ثلاث ولايات عثمانية وهي شارَزور (الموصل) وبغداد والبصرة. في سنة 1939، تنازلت فرنسا عن منطقة إيسوس (الإسكندرونة) لِتركيا.حسب إتفاقية سايكس – پيكو، تم تأسيس الكيان العراقي من ولاية بغداد العثمانية مضافة اليها ولايتي شارزور (الموصل لاحقاً) والبصرة، بعد إقتطاع أجزاء من الولايتين الأخيرتين وتوزيعها بين الكيانات الجديدة التي ظهرت في المنطقة، تركيا والسعودية وسوريا.

كما تم تأسيس إمارات جديدة على أنقاض ولاية البصرة مثل إمارة الكويت وقطر. كانت ولاية شارَزور تشمل آمد (دياربكر) و(وان) من الشمال وتحدّها ايران من الشرق ودير الزور من الغرب وولاية بغداد من الجنوب، أي أن ولاية شارَزور كانت تشمل كوردستان بأكملها ما عدا القسم الشرقي منها التي بقي تحت الحكم الفارسي حسب معاهدة أرض روم التي أُبرمت بين الإمبراطورية العثمانية والصفوية في عام 1639. تم تقسيم الجزء الذي كان تابعاً للإمبراطورية العثمانية من كوردستان، حسب إتفاقية سايكس – پيكو، بين كل من العراق وسوريا وتركيا و بذلك أصبحت كوردستان مقسمة الى أربع أقسام وكل قسم يتبع احدى الدول الأربع التي مر ذكرها. أما ولاية البصرة، فكانت تشمل جنوب العراق والكويت ونجد وقطر والإحساء والقطيف وديزفول، حيث أُعطيت نجد والإحساء والقطيف للمملكة العربية السعودية وديزفول تمّ ضمها من قِبل إيران.

تقسيم جائر لمنطقة الشرق الأوسط

هكذا، تبعاً لإتفاقية سايكس – پيكو، تمّ تقسيم منطقة الشرق الأوسط بشكل قسري وظالم. على ضوء هذه الإتفاقية، تم تأسيس دول على أنقاض الإمبراطورية العثمانية ورُسمت حدودها دون الرجوع الى إرادة شعوب منطقة الشرق الأوسط ودون الأخذ بنظر الإعتبار خصائص شعوب المنطقة والإختلافات الإثنية والثقافية والتأريخية العميقة بين هذه الشعوب، بل فكرت بريطانيا وفرنسا بمصالحهما فقط. هكذا تم رسم حدود الدول المستحدثة والتي تمّ بها تمزيق أوطان الكورد والعرب السُنّة والشيعة وحتى أن هذه الحدود المصطنعة شتّتت العائلة الواحدة والقبيلة الواحدة ووزعتها بين عدة دول وحشرت شعوباً تعيش في مرحلة البداوة و القبلية وتشهد تخلفاً فكرياً وثقافياً وإجتماعياً، وهي متنافرة و متباعدة في لغاتها و ثقافاتها وتأريخها وأهدافها ومصالحها في كيانات جديدة في المنطقة، مهملةً التفكير بمستقبل هذه الشعوب والمشاكل والخلافات والنزاعات والحروب المدمرة التي ستنتظرها نتيجة هذا الحشر العشوائي.

إبرام إتفاقية سايكس – پيكو كان جريمة كبرى بحق شعوب الشرق الأوسط وبِحق البشرية جمعاء. إجبار شعوب متخلفة ومتنافرة على العيش معاً في كيانات سياسية مشتركة دون أن تربطهم لغة وثقافة ومصالح وأهداف مشتركة وتأريخ مشترك، كان يحمل في طياته بذور المشاكل والتناحر والمآسي والحروب وبالتالي غياب أي أمل في تحسين حياة هذه الشعوب ومواكبتها للتقدم والتطور العالمي والمشاركة في ركب بناء الحضارة الإنسانية. منذ رسم الحدود المصطنعة للمنطقة حسب إتفاقية سايكس – پيكو، لم تستقر الأوضاع في هذه الدول المصطنعة والذي كان سبباً في إزهاق نفوس الملايين من سكان المنطقة الأبرياء وتخلفهم وفقرهم بالرغم من توفر كل مقومات التقدم والرفاهية في هذه البلدان من بترول ومعادن وزراعة وسياحة وثروة بشرية، الا أنّ حكومات دول المنطقة المتعاقبة لم تستفد من هذه الإمكانيات الكبيرة وقامت عوضاً عنها بإهدار ثروات البلاد وزج شعوبها في حروب أهلية وخارجية كارثية.

كانت تتوفر فرصة جيدة لِحُكّام المنطقة لخلق شعور وطني ومصالح وأهداف مشتركة لشعوبها المتنافرة والتي كانت ستؤدي الى تكوين شعوب متجانسة، تعيش في وئام وسلام ورفاهية، إلا أنّ الحكام هم جزء من المجتمعات المتخلفة، لذلك عملوا على تعميق التناقضات والخلافات والإختلافات بين شعوب وقوميات وأديان ومذاهب المنطقة. فُرضت هذه الوحدة القسرية على شعوب المنطقة بالقوة والعنف والإكراه والإرهاب وبذلك سبّبت هذه الوحدة القسرية حروباً ومعارك مستمرة بين التجمعات السكانية المختلفة والتي لا تزال مستمرة وخلّفت وراءها الملايين من الضحايا الأبرياء وحولت بلدانها الى خراب وقادت الى الفقر والجهل والمرض والتخلف رغم الحضارة العريقة لِبلدان المنطقة ورغم خيراتها ومياهها وبترولها وثرواتها البشرية.

يجب أن يكون الإنسان ورُقيّه وحريته ورفاهيته هي الهدف الذي تناضل المجتمعات البشرية من أجله، حيث أنّ الحدود الدولية المصطنعة ليست مقدسة ولا تتطلب التضحية من أجلها، بل يجب إحترام إرادات الشعوب ورغباتها. القوة والإكراه عاجزتان عن فرض الوحدة على الشعوب بالضد من إراداتها، وإنْ نجحتا في ذلك، فأنهما تخلقان وحدة هشة تنهار وتختفي عندما تزول أو تضعف مصادر تلك القوة والإكراه، كما هو الحال في الوقت الحاضر في كثير من دول المنطقة.فشل الكيانات السياسية المصطنعةلننظر الى دولة الهند الحالية التي كانت دولة واحدة والآن أصبحت ثلاث دول (الهند وپاكستان وبنگلادش)، الإتحاد السوفيتي السابق إختفى وإنبثقت منها دول عديدة. نتجت عن چيكوسلوڤاكيا دولتان، هما جمهورية الچيك وسلوڤاكيا، حيث أنّ هذين الشعبَين إنفصلا عن بعضهما دون إراقة دماء. يوغسلافيا السابقة تجزأت الى عدة دول، كما إستقلت في الآونة الأخيرة كل من كوسوفو وجنوب السودان. هكذا تستمر الشعوب في فرض إراداتها وليست هناك قوة على كوكبنا الأرضي قادرة على قهر هذه الإرادات.

شعب كيوبك الناطقون بالفرنسية في كندا (تبلغ نفوسه 23.2% من سكان كندا) والشعب الأسكتلندي الذي تبلغ نسبتهم 8.5% من نفوس بريطانيا والشعب الكتلاني والباسك في إسپانيا و شعوب الشرق الأوسط وغيرها من الأمم والشعوب الأخرى، بما فيها شعب كوردستان، هي في طريقها نحو إستقلالها خلال المستقبل المنظور.الدول الكبرى والإقليمية والكُتّاب والمثقفون والسياسيون الذين يصرّون على صهر شعوب المنطقة وإرغامها على العيش المشترك في كيانات سياسية مشتركة، قافزين على واقع هذه الشعوب، يتهربون مما ينقله لنا التأريخ عن العلاقات العدائية الموجودة بين شعوب وقوميات وأديان ومذاهب المنطقة. إن هؤلاء هم أُناس حالمون، يعيشون على الأوهام والتمنيات. بإصرارهم هذا، سواء عن فهم أو بدونه، فأنهم يعملون على إستمرار نزيف شعوب المنطقة و دمار دول المنطقة وتخلفه وتناحر شعوبها. إنهم يصرّون على إستمرارية الموت والحروب والدمار والخراب والفقر والجهل والمرض، دون أن يردعهم ضميرهم الى التوجه الى حلول واقعية حكيمة لإنقاذ الإنسان في هذه البقعة الجغرافية من الحروب والمآسي التي يعيش فيها ودون إعتراف هؤلاء بفشل تجربة العيش القسري المشترك بين شعوب المنطقة بالضد من إرادتها ورغبتها. هؤلاء المتباكون على وحدة الكيانات السياسية المصطنعة في المنطقة، هم أناس يحملون عقليات فرض الإرادات بالقوة التي أصبحت جزءً من الماضي والتي تجاوزتها العقليات المتحضرة العصرية التي تتفاعل مع القيم والأفكار المُعبرة عن عالمنا الراهن.

العقليات المتحجرة عاجزة عن التخلص من الأفكار الماضوية التي كانت سائدة خلال حُقب إزدهار الأفكار العنصرية وأنهم عاجزون عن فهم وإستيعاب التطورات الكبرى الحاصلة في الفكر والقيم والمفاهيم والإقتصاد والتكنولوجيا على كوكبنا الأرضي، فلذلك يصرون على تطبيق ما في عقولهم من أفكار بالية التي لا صلة لها مع واقع شعوب المنطقة، غير آبهين بمئات الآلاف من النفوس البريئة التي تفقد حياتها والدمار الذي تتعرض له بلدان المنطقة. لِندع شعوب المنطقة تُقرر مصائرها بنفسها، دون وصاية ونسمح لها في إستفتاء شعبي حر أن تختار هذه الشعوب حياتها و مستقبلها، دون أن يدّعي أحد بتمثيله لها. في هذه الحالة فقط نحافظ على دماء هذه الشعوب وثرواتها ونفسح المجال لها للعيش بِحرية وأمان وطمأنينة، بعيدين عن أهوال الحروب ومآسي العنف.

في هذه الحالة فقط ندع الجميع يتفرغون للبناء والإعمار والتقدم والتطور. بهذه الطريقة فقط نمارس الأساليب الديمقراطية ونحترم إرادة الشعوب وحريتها وتتحقق مساواة الشعوب وحرية الإنسان وسموّه. يجب أخذ الدروس والعبر من التأريخ، حيث عاشت شعوب المنطقة ضمن كيانات سياسية موحدة لِحوالي مائة سنة وخلال هذه الفترة الطويلة لم تلتئم لحمتها ولم تستطع الحفاظ على وحدة دولها الهشة المفروضة عليها إلّا من خلال البطش والإرهاب والعمل على إلغاء هويات وشخصيات ولغات وثقافات وتاريخ وتراث الشعوب المحكومة والمضطهَدة ونهب ثرواتها وغرق هذه البلدان في دوامة من الحروب والدمار والخراب والتخلف والجهل والجوع والمرض.

كفانا نفاقاً و تباكياً على الوحدة القسرية لِدول المنطقة ولنكن جريئين صادقين مع أنفسنا ومع الآخرين ونضع النقاط على الحروف بأن نضع مصلحة شعوب المنطقة فوق أي إعتبار آخر ويكون هدفنا المركزي هو حرية ورُقي وتقدم ورفاهية الإنسان في منطقة الشرق الأوسط. يجب عدم التباكي على كيانات سياسية أصبحت بمثابة سجون كبيرة، حُشر فيها الشعوب حشراً كالقطيع، تاركينها تعاني وتتقاتل فيما بينها وتموت و في نفس الوقت تتم مباركة وضعها الإنساني المزري بحجة الحفاظ على الحدود “المقدسة” لهذه الدول ومباركة قيام الحكومات الإقليمية الدكتاتورية الشمولية في سعيها لإطالة أعمارها عن طريق قهر إرادة شعوب المنطقة وعلى حساب حريتها وتقدمها ورفاهيتها.

حقائق مُهمّة عن واقع القضية الكوردستانية

من خلال التمعن في الواقع الكوردستاني، يظهر بعض الحقائق المهمة المتعلقة بالقضية الكوردستانية والتي ينبغي أن تُشكّل هذه الحقائق ركائز أساسية للإستراتيجية الكوردستانية. تُحدد هذه الحقائق الخيارات الكوردستانية الهادفة الى تحقيق حرية شعب كوردستان وتحرير وطنه. لذلك ينبغي أن تؤخَذ هذه الحقائق بنظر الإعتبار عندما يتم البحث عن حل القضية الكوردستانية وإختيار الشعار الذي ستتبنّاه القيادة الكوردستانية لمثل هذا الحل ولوضع إستراتيجية متكاملة وناجحة للنضال الكوردستاني.الحقيقة الأولى: إن كوردستان بلد مُغتصَب من قِبل عدة دول ولذلك فهي مجزأة، كل جزء يتبع سياسياً وثقافياً ولغوياً وإقتصادياً وإجتماعياً للدولة المُغتصِبة له و التي تنهب أيضاً الثروات الطبيعية الهائلة لكوردستان. نتيجة واقع التجزئة ومؤامرات الدول المُغتصِبة لكوردستان وإنعدام قيادة وطنية كوردستانية محنّكة، أصبح النضال الكوردستاني مجزأً ومشتتاً، حيث أن كل جزء من أجزاء كوردستان يناضل بمعزل عن الأجزاء الأخرى، بل أن الأقاليم الكوردستانية في أحايين كثيرة تُخاصِم وتحارب بعضها البعض بدلاً من توحيد نضالها ضد مُغتصِبي كوردستان.

كما أن كل جزء مُغتصَب من كوردستان قام بتأسيس تنظيمات سياسية خاصة به، بدلاً من تنظيمات سياسية موحدة تضم كافة أجزاء كوردستان وبذلك يقرّ القادة السياسيون الكوردستانيون عملياً بتجزئة كوردستان والإعتراف بالواقع الكوردستاني الحالي وبحدود الدول المُغتصِبة لكوردستان التي رسمتها الدول الإستعمارية وعمل هؤلاء القادة ولا يزالون يعملون على تجزئة النضال الكوردستاني وتفريق وإضعاف قوة شعب كوردستان.

الحقيقة الثانية: إن الخطورة الكبرى التي يواجهها شعب كوردستان تكمن في أن إستعمار كوردستان هو إستعمارٌ إستيطاني، حيث تدّعي الدول المُغتصِبة لكوردستان بأن شعب كوردستان هو أجزاء من “الشعب التركي” و”الشعب العراقي” و”الشعب السوري” و”الشعب الإيراني” وأن كوردستان هي جزء لا يتجزأ من أراضي هذه الدول المُغتصِبة لكوردستان. أي بكلامٍ آخر فأن الدول المُغتصِبة لكوردستان تعتبر كوردستان مُلكاً لها وبذلك تُجرّد شعب كوردستان من هويته وتُلغي وجود كوردستان كوطن للكوردستانيين وتنهب ثرواتها. هذا الإستعمار الإستيطاني يُشكّل خطراً جدّياً على وجود الشعب الكوردستاني كشعبٍ مستقل له حضارته وثقافته وتأريخه العريق. لِكي يدوم إستمرار الإستعمار الإستيطاني لكوردستان، يعمل المحتلون على إزالة آثار وجود الشعب الكوردستاني، حيث عملت الدول المُغتصِبة لكوردستان ولا تزال تعمل على تعريب وتتريك وتفريس كوردستان وشعبها، حيث قامت بتشريد ملايين الكوردستانيين من أماكن سكناهم في كوردستان وترحيلهم قسراً الى المناطق العربية والتركية والفارسية في كل من (العراق وسوريا) و”تركيا” وإيران على التوالي وتم إحلال العرب والترك والفرس محلهم وتم إغتصاب ممتلكاتهم. كما تم تغيير عشرات الآلاف من الأسماء الكوردية للشوارع والأماكن والقرى والمناطق والمدن الكوردستانية لإلغاء الوجود الكوردي في وطنه وعلى أرضه التأريخية.

نتيجة هذه السياسة الإستعمارية الإستيطانية، تم تتريك وتعريب وتفريس الملايين من الكورد وتقلصت وإنكمشت مساحة كوردستان.الحقيقة الثالثة: قامت الدول المُغتصِبة لكوردستان، بترسيخ الفكر القومي العنصري الإستعلائي في نفوس شعوبها وتلقينها بمعلومات كاذبة مشوّهة عن الشعب الكوردي وأصله وتأريخه وحضارته ضمن مخطط مبرمج لخلق عداءٍ قومي بين شعب كوردستان من جهة والشعوب التركية والفارسية والعربية من جهة أخرى لكسب شعوبها الى جانبها للمساهمة في إنجاح مخططاتها العنصرية بِمحو شعب كوردستان كشعب وتتريك وتفريس وتعريب كوردستان لسرقتها ونهب ثرواتها. هذا المخطط العنصري لغسل أدمغة الشعوب التركية والفارسية والعربية تمّ ويتم عن طريق وسائل الإعلام ومناهج التعليم وعن طريق زج هذه الشعوب في حروب كارثية وتجويعها وتجهيلها ونشر الأمية في صفوفها لتسهيل عملية غسل أدمغتها وإنقيادها الى القبول والإيمان بالفكر العنصري وخلق مواقف عنصرية وعدائية تجاه حق الشعب الكوردستاني في الحرية والإستقلال كأي شعب آخر من شعوب العالم. حكومات الدول المُغتصِبة لكوردستان نجحت الى حد كبير في إقناع شعوبها بأن كوردستان هي أرض تركية (القسم المُغتصَب من قِبل “تركيا”) وعربية (القسم المُغتصَب من قِبل العراق وسوريا) وإيرانية (القسم المُغتصَب من قِبل إيران).

هذا النجاح لحكومات الدول المُغتصِبة لكوردستان، خلق شرخاً كبيراً في العلاقة بين شعب كوردستان من جهة والشعوب التركية والفارسية والعربية من جهة ثانية والذي عمل على جعل تمتع كوردستان بإستقلالها من الأمور الصعبة من خلال الحوار والتفاهم والإتفاق و في نفس الوقت قاد الى جعل النضال الكوردستاني أكثر صعوبةً.لو أُعطيت الشعوب التركية والفارسية والعربية فرصةً جيدة لتكون واعية ومُدرِكةً لمصالحها، لَكانت هذه الشعوب تتحالف مع شعب كوردستان لتحريره من الإحتلال وتحرير هذه الشعوب نفسها من حكوماتها الدكتاتورية والعنصرية لتحقيق الحرية والعيش الكريم لنفسها ولشعب كوردستان ولَقامت ببناء أنظمة ديمقراطية في بلدانها، تنعم بالحرية والسلم والأمان والإزدهار. إن مصالح شعب كوردستان تلتقي مع مصالح شعوب الدول المُغتصِبة لكوردستان للقضاء على الأفكار الشمولية والعنصرية المتخلفة وبناء دول ديموقراطية تعمل حثيثاً للإلتحاق بالدول المتقدمة المتحضرة والمساهمة في خدمة الإنسانية وتعمير وتطوير كوكبنا الأرضي، إلا أن تخلف شعوب الدول المُغتصِبة لكوردستان هو عائق أمام توحيد صفوفها مع شعب كوردستان لتحرير نفسها من براثن الدكتاتورية والشمولية والعنصرية من جهة وتحقيق إستقلال كوردستان من جهة أخرى.

الحقيقة الرابعة: إن الدول المُغتصِبة لكوردستان يتم حكمها من قِبل حكومات شمولية عنصرية متخلفة، حاولت و تحاول إلغاء وجود الشعب الكوردي وإلغاء هويته ولغته وتأريخه وثقافته وتراثه. إن هذه الحكومات العنصرية تستخدم العنف وكل الوسائل الأخرى للقضاء على شعب كوردستان وإعاقة نضاله من أجل التحرر وإستقلال بلاده، بما فيها القيام بالإبادة الجماعية وإستخدام الأسلحة الكيميائية وفرض الحصار الإقتصادي وإتباع سياسة الأرض المحروقة وهدم عشرات الآلاف من القرى والمدن الكوردستانية وتشريد سكانها وحرق غابات كوردستان وتدمير بيئتها والعمل على إلغاء الهوية واللغة الكوردية والتأريخ الكوردي العريق ومحو وإزالة هوية وثقافة وتراث شعب كوردستان.

الحقيقة الخامسة: إن شعوب الدول المُغتصِبة لكوردستان هي شعوب متخلفة نتيجة أسباب عديدة ولذلك فهي غير مؤهلةٍ لبناء أنظمة حُكمٍ ديمقراطية وقبول التعددية والرأي المختلف والإعتراف بحق الشعوب في تقرير مصيرها بنفسها، بما فيها تحرر شعب كوردستان. قديستغرق تأهيل هذه الشعوب وتطورها أجيالاً عديدة. لذلك ينبغي على الكوردستانيين أن يعرفوا هذه الحقيقة وعلى ضوئها يجب أن يُحددوا أهدافهم ويضعوا إستراتيجياتهم ووسائل نضالهم. كمثالٍ، لِنأخذ النظام الفيدرالي في بلجيكا والتي هي دولة متطورة. لقد إجتاز المجتمع البلجيكي المراحل الإقطاعية والعشائرية ويعيش في المرحلة الرأسمالية وله نظام علماني، لا يتدخل الدين في شئوون الدولة والحكم وأنها عضوة في الإتحاد الأوروبي.

بلجيكا مملكة صغيرة تقع في شمال غرب أوروبا وتبلغ نفوسها حوالي عشرة ملايين نسمة ومساحتها 33990 (89.8% منها يابسة و10.2% مياه). البلجيكيون يتألفون من الشعب الفلمنكي (Flanders)، الناطقون باللغة الهولندية ويُشكّلون 58% من سكان بلجيكا ويعيشون في شمال البلاد، ومن الشعب الوَلوني الناطق باللغة الفرنسية والذي يعيش في جنوب البلاد في مقاطعة (Wallonia)، ويُشكّلون 32% من مجموع سكان بلجيكا. هناك أيضاً مجموعة سكانية صغيرة ناطقة باللغة الألمانية تعيش في بلجيكا. الشعوب البلجيكية تُدين بالمذهب الكاثوليكي. الدستور البلجيكي ينص على حق الحكومات الفيدرالية في نقض قرارات الحكومة المركزية. قال الجنرال ديگول مرة “الفلمنكيون البلجيكيون يجعلون حياة الوَلونيين مزعجة لدرجة أنّ الوَلونيين يرمون أنفسهم في أحضاننا”. قد يحدث هذا ما قاله الجنرال ديگول ويختار الشعب الوَلوني الإنفصال عن بلجيكا و الإنضمام الى فرنسا، حيث تمر الحكومة البلجيكية بإستمرار بأزمات سياسية حادة بسبب الخلاف المستمر بين الناطقين بالهولندية والفرنسية وصعوبة عيشهم معاً ضمن دولة واحدة. يُظهِر إستفتاء أجرته صحيفة (La Voix du Nord) الفرنسية و(Le Soir) البلجيكية، أنّ 49% من الوَلونيين يؤيدون إنضمام مقاطعتهم الى فرنسا، بينما يؤيد 60% من الفرنسيين هذا الإنضمام.

هكذا نرى أن الشعب البلجيكي المتحضر الذي يتقدم شعوب منطقة الشرق الأوسط بمئات السنين في التطور الإجتماعي والسياسي والإقتصادي والفكري، لا تستطيع القومية الفلمنكية و الوَلونية العيش معاً في دولة فيدرالية وكلتا القوميتين تشتركان في المذهب الكاثولوكي وتختلفان في اللغة فقط. إذن كيف تستطيع الشعوب المتخلفة في منطقة الشرق الأوسط أن تعيش في كيانات سياسية موحدة؟!الحقيقة السادسة: تتعاون و تُنسّق الدول المُغتصِبة لكوردستان فيما بينها للوقوف بوجه تطلعات شعب كوردستان ومنعه من أن يتحرر من الإستعمار الإستيطاني والإحتلال والعبودية. رغم الخلافات السياسية والثقافية والمذهبية والإقتصادية والتأريخية القائمة بين الدول المُغتصِبة لكوردستان، فأنها تتعاون معاً للإستمرار في إستعباد شعب كوردستان والإستمرار في إغتصاب بلاده ونهب ثروات كوردستان. هكذا نرى أنّ القضية القومية لا تزال تلعب دوراً كبيراً في دول ديمقراطية متقدمة ومتطورة، حيث أنه من المتوقع أن تنال شعوبٍ كثيرة في الدول الغربية المتقدمة التي تعيش ضمن كيانات سياسية مشتركة، حريتها وإستقلال بلدانها. القوميون الأسكتلنديون يناضلون من أجل إستقلال بلدهم عن بريطانيا وينظمون إستفتاء بعد آخر لتحقيق هذا الهدف.

الشعب الكتالوني و الباسك في إسپانيا يعملان بدورهما من أجل إستقلال بلدَيهما عن إسپانيا. في بلجيكا، شعب الفلامان (الفلامنج) الناطق باللغة الهولندية و شعب الوالون (الوالس) الناطق باللغة الفرنسية، لا ينسجمان معاً في العيش المشترك في بلجيكا ومن المحتمل جداً أن يستقل هذان الشعبان في المستقبل المنظور ويؤسسان دولتَين مستقلتَين على أنقاض مملكة بلجيكا الحالية. شعب كيوبك الناطق بالفرنسية يناضل من أجل الإستقلال عن بقية سكان كندا الناطقين باللغة الإنكليزية. إذا كانت الدول الغربية الديمقراطية التي قد تسبق الشعوب المتأخرة، مثل الشعوب التركية والفارسية والعربية، في التقدم والتطور بمئات السنين، لا تستطيع حل التعدد الإثني في بلدانها فكيف يستطيع شعب كوردستان العيش مع الشعوب المتأخرة للدول المُغتصِبة لكوردستان ضمن كياناتها السياسية الحالية؟!!الحقيقة السابعة: القضية الكوردستانية غير معنية بجزء مُعيّن من كوردستان وعلاقة ذلك الجزء بِحكومة الدولة المُغتصِبة لكوردستان، بمعزل عن الأجزاء الأخرى، وبكلام آخر فأن القضية الكوردستانية هي قضية واحدة لشعب واحد، مُغتصَب وطنه من قِبل عدة دول، لذلك لا يمكن حل القضية الكوردستانية بتجزئة هذه القضية الى عدة قضايا مستقلة وكل قضية تكون مرتبطة بإحدى الدول المُغتصِبة لكوردستان بحيث يتم عزل الأقاليم الكوردستانية عن بعضها البعض، بل أن القضية هي قضية شعب كوردستان بأسره وحل القضية الكوردستانية يتم فقط على نطاق كوردستان بأكملها لأن القضية الكوردستانية هي قضية الكوردستانيين جميعاً ولا يمكن حلها ضمن نطاق كل دولة مُغتصِبة لجزء من كوردستان بمعزل عن الأجزاء الأخرى.

مما سبق، يتوصل المرء الى إستنتاجَين مُهمّين، الأول هو إستحالة تمتع الشعب الكوردستاني بحقوقه في المستقبل المنظور في ظل الدول المُغتصِبة لكوردستان، حيث لا تعترف حكومات وشعوب الدول المُغتصِبة لكوردستان بحق تقرير المصير لشعب كوردستان. إن التطور الإجتماعي للمجتمعات البشرية عبارة عن عملية بطيئة جداً، لذلك فأن تطور شعوب البلدان المحتلة لكوردستان يستغرق أجيالاً عديدة، عندئذٍ قد يرتفع المستوى الفكري ووعي هذه الشعوب بحيث تتبنى النظام الديمقراطي وتتفاعل مع المفاهيم والأفكار الإنسانية المعاصرة و تعترف بحق شعب كوردستان في تقرير مصيره والتعبير عن إرادته. الإستنتاج الثاني هو أنه لا يمكن حل القضية الكوردستانية في كل جزء مُغتصَب من كوردستان بمعزل عن الأجزاء الأخرى، حيث أن تجزئة القضية الكوردستانية تعني تجزئة كوردستان وتشتت شعبها ونضاله. الحقائق السالفة الذكر تؤكد على إستحالة بناء أنظمة سياسية ديمقراطية في الدول المُغتصِبة لكوردستان خلال المستقبل المنظور والبعيد، بحيث تعترف أنظمة الدول المُغتصِبة لكوردستان بحق الشعب الكوردستاني في تقرير مصيره بنفسه وأن يكون ندّاً متكافئاً لهذه الشعوب.

إستحالة تعايش شعوب المنطقة في كيانات سياسية موحدةلا يمكن نجاح النظام الفيدرالي في دول منطقة الشرق الأوسط التي تجتمع فيها شعوب وطوائف مختلفة، حيث أنها لم تنجح في إيجاد ثقافة موحدة وتكوين أهداف مشتركة لها طوال عيشها المشترك، ولم تتوفر ظروف ملائمة لهذه الشعوب في يوم ما، عبر تأريخها الطويل، ليكون كل شعب وطائفة وقومية وأقلية ومذهب ودين، حراً في إختيار حياته وطبيعة ونوعية علاقاته مع الآخرين ولم تتوفر العدالة والمساواة بين هذه الشعوب ولم تُتح الفرصة لها أن يشترك الجميع في الحكم ويمتلكون السلطة بشكلٍ متساوٍ وبشفافية، بل خلال تأريخها، تسلطَ فريق واحد على مقدرات البلاد وإستأثر بالحكم وأخضع الآخرين بالحديد والنار.

لذلك فشلت هذه الشعوب والقوميات والمذاهب والأديان في التلاقي والتفاعل والإنسجام. يغضّ الطرف الكثير من السياسيين والمثقفين والكُتّاب عن واقع التنافر الذي يطغي على علاقات الشعوب التي تعيش ضمن الكيانات السياسية للدول المُغتصِبة لكوردستان والتي لم تعش معاً في يوم من الأيام بإرادتها وحريتها، وإنما فُرض عليها العيش المشترك بالقوة من قِبل الأجانب، إبتداءً من إتفاقية سايكس – پيكو ومعاهدة سيفر ومروراً بِمعاهدة لوزان والإستفتاء الصوري الذي تمّ إجراؤه والذي تمّ بموجبه إلحاق إقليم جنوب كوردستان بالكيان العراقي الجديد وإنتهاءً بإستخدام السلاح ضد شعب كوردستان واللجوء الى الإبادة الجماعية وإستعمال السلاح الكيميائي وتعريب وتتريك وتفريس كوردستان، بشراً وأرضاً، في محاولة للإستمرار في إغتصاب كوردستان.

خطورة رفع شعارات تُكرّس إغتصاب كوردستانللأسباب السابقة الذكر، فأن رفع شعار الحكم اللامركزي أو الحكم الذاتي أو الفيدرالية أو الكونفيدرالية الديمقراطية من قِبل شعب كوردستان للعيش تحت حكم الإحتلال، هو خطأ تأريخي فادح، حيث لا يمكن تحقيق تمتع الكوردستانيين بحقوقهم في ظل حكم عنصري شمولي والعيش مع شعوب متخلفة لا تقرّ بحقوق شعب كوردستان. كما أن رفع مثل هذه الشعارات للقبول بالعيش في ظل الدول المُغتصِبة لكوردستان، هو إقرار صريح بقبول إغتصاب كوردستان وتجزئة شعبها.

إن تجزئة القضية الكوردستانية تعني أيضاً تجزئة النضال الكوردستاني والتي بدورها تؤدي الى إضعاف هذا النضال وتقليل فرص تحقيق طموحات شعب كوردستان، بينما تقوم الدول المُغتصِبة لكوردستان بالتنسيق فيما بينها سراً وعلناً لتتمكن من الإستمرار في إغتصاب كوردستان وإستعمار شعبها والوقوف بوجه تطلعات الكوردستانيين في التمتع بالحرية والإستقلال ومن أجل الإستمرار في نهب ثروات كوردستان. عدم ثبات الشعارات التي ترفعها الثورات والتنظيمات السياسية الكوردستانية وضبابيتها، تؤديان الى عدم تحقيق الأهداف الكوردستانية وإرباك شعب كوردستان ونضاله، حيث أن الثورات والأحزاب الكوردستانية تقوم بتغيير هدف نضالها بإستمرار كأنْ تناضل من أجل الإدارة اللامركزية أو الحكم الذاتي أو الفيدرالية أو حق تقرير المصير أو الإستقلال. إن عدم رفع شعار إستقلال كوردستان تجعل القضية الكوردستانية شأناً من الشئون الداخلية للدول المُغتصِبة لكوردستان وبذلك تتقوقع القضية الكوردستانية داخل حدود الدول المُغتصِبة لكوردستان وتمنعها أن تصبح قضية عالمية لشعب مستعمَر وبلاد مُغتصَبة، تحتاج الى تدخّل الأمم المتحدة والدول الكبرى وتلقّي الدعم والمساعدة منها ليتحرر شعب كوردستان من العبودية والإحتلال.

النضال الكوردستاني في ظل إعادة رسم الخارطة السياسية للمنطقةالتطورات التي تمر بها منطقة الشرق الأوسط وزوال الحدود السورية والعراقية التي تمّ رسمها تبعاً لإتفاقية سايكس – پيكو وظهور كيانَين سياسيين جديدَين في جنوب وغرب كوردستان اللذَين قائمَين الآن داخل الحدود المرسومة من قِبل الإتفاقية المذكورة ويُداران من قِبل إدارتَين كوردستانيتَين، وإنهيار العراق وسوريا كَكيانَين سياسيَين عملياّ، حيث أنهما اليوم عبارة عن كانتونات طائفية، تتحكم بها المجموعات الإرهابية والطوائف والميليشيات السورية والعراقية والأجنبية المختلفة. كل هذه التطورات أنهت إتفاقية سايكس – پيكو عملياً وأنّه أخذ يتبلور رسم خارطة سياسية جديدة لمنطقة الشرق الأوسط، تأخذ التطورات الحاصلة في منطقة الشرق الأوسط الكبير وحقوق وحرية وتطلعات شعوب المنطقة بِنظر الإعتبار.

بناءً على ما تقدم، فأن منطقة الشرق الأوسط الكبير تمر بتطورات حاسمة تقود الى تفتت كيانات العديد من دول المنطقة، من ضمنها الدول المُغتصِبة لكوردستان وتأسيس دول جديدة على أنقاضها، أهمها كوردستان، حيث أنها ستصبح أكبر دولة في المنطقة. لذلك على القيادات الكوردستانية أن تتدارك التطورات الحاصلة في المنطقة وتهجر العقليات القديمة التي عفى عليها الزمن وتحمل عقلية العصر لكي تكون قادرة على رسم إستراتيجية إستقلال كوردستان وتوفير مستلزمات ومقومات نجاحها وذلك بإستثمار الفرصة التاريخية المتوفرة حالياً والتي خلقتها الظروف الكوردستانية والإقليمية والدولية وأن تضع مصلحة شعب كوردستان فوق المصالح الشخصية والحزبية. تتحمل هذه القيادات مسئولية تاريخية كبرى أمام شعب كوردستان وأمام التاريخ والضمير الإنساني في القيام بتوحيد الصف الكوردستاني وترتيب البيت الكوردستاني والإبتعاد عن المحاور الإقليمية وعدم التعاون والتحالف مع الدول المُغتصِبة لِكوردستان، وإلا ستقود القيادات الكوردستانية شعب كوردستان الى الكوارث والتراجيديا وستقود نفسها الى الفناء والسقوط و عندئذ سيلعنها التاريخ والأجيال الكوردستانية القادمة.

لِتفادي التراجيديا الكوردستانية ولعنة التاريخ والضمير الإنساني ولِقيادة شعب كوردستان الى الحرية والإستقلال، يجب عقد مؤتمر كوردستاني عام بأسرع وقت ممكن، تشارك فيه على الأقل الأحزاب الكوردستانية الكبرى (حزب العمال الكوردستاني والحزب الديمقراطي الكوردستاني والإتحاد الوطني الكوردستاني وگۆڕان وحزب الإتحاد الديمقراطي) وشخصيات وطنية وأكاديمية وممثلو منظمات المجتمع المدني ويؤسسوا خلال المؤتمر مرجعية سياسية جامعة وقيادة عامة للقوات المسلحة الكوردستانية وتأسيس جيش مهني موحّد، بعيد عن الولاءات الحزبية.

رغم كون أكثرية مواطني كوردستان مسلمين، إلا أنه شعب مسالم ومنفتح، توّاق للحرية وأنه شعب غير متزمتٍ دينياً وليس عنصرياً، يتقبل المبادئ والقيم والأفكار العصرية بسهولة، لذلك فهو قادر على التفاعل مع التطورات السياسية والإجتماعية والثقافية والفكرية والتكنولوجية الحاصلة في العالم. هكذا فأنه يُشكّل جزءاً من الشعوب المؤمنة بالديمقراطية والحرية. تُقدّر نفوس كوردستان بحوالي 50 مليون نسمة، وهي ثروة بشرية كبيرة في المنطقة والتي لا يمكن الإستهانة بها وأنّ كوردستان بلاد كبيرة، تُقدّر مساحتها بأكثر من نصف مليون كيلومتر مربع. كما أن لِكوردستان موقع إستراتيجي مهم وأنها غنية بمواردها الطبيعية من بترول وغاز طبيعي (يبلغ إحتياطي النفط في كوردستان 160 مليار برميل، أي أنها ثامن أغنى دولة نفطية في العالم وتملك 5,7 تريليون متر مكعب من الغاز الطبيعي) وكذلك فأنها غنية بالمعادن والمياه، حيث تقع منابع نهرَي دجلة والفرات فيها.

لذلك ستلعب كوردستان، عند إستقلالها، دوراً أساسياً في التوازنات الدولية في المنطقة و تساهم في تطويرها وتقدمها و في بناء جسر يربط بين العالم الشرقي والغربي في مختلف مجالات الحياة.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد