النزعة الفاشية في الشخصية الأردوغانية: الدعم التركي للإرهاب الدولي والموقف الغربي المتخاذل

اختار الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، الآتي من خلفية الإسلام السياسي، اللجوء إلى القمع والبطش والقتل والتدمير، وتعطيل الحياة الديمقراطية، وذلك بشكل مباشر وملفت بعيد هزيمة حزبه، حزب العدالة والتنمية، في إنتخابات حزيران عام 2015، والتي حصل فيها حزب الشعوب الديمقراطي، الكردي المدعوم من قوى اليسار التركي، على نسبة 13% وتصدّر البرلمان التركي كرابع قوة سياسية.

هذه الانتخابات حرمت حزب العدالة والتنمية من تشكيل الحكومة بمفرده حيث إنه حصل على نسبة 40% فقط من الأصوات، وهو الأمر الذي أصبح بموجبه مجبرا على التحالف مع حزب آخر لكي يتمكن من الحصول على الأغلبية المطلوبة لتشكيل الحكومة، وذلك في سابقة هي الأولى من نوعها منذ عام 2002 حيث يحكم حزب العدالة والتنمية تركيا بمفرده. وكانت نتائج إنتخابات حزيران 2015 مفاجأة كبيرة وهزة هائلة ضربت عرش أردوغان، وهددت مشاريعه القادمة في تغيير الدستور، وتوطيد النظام الرئاسي الجديد، والسيطرة على كل مفاصل السلطة والإدارة في تركيا كرجل واحد أوحد يمضي بالبلاد منفردا إلى عام 2023 حيث الذكرى المئوية الأولى لولادة دولة تركيا الحديثة على يد مصطفى كمال “أتاتورك”. وأراد أردوغان أن يقدم نفسه كقائد للأمة وكمؤسس ثان لهذه الدولة القائمة على مرجعيات اقصائية عنصرية هي “العلم الواحد والشعب الواحد واللغة الواحدة”.

رفض أردوغان الاعتراف بالواقع والرضوخ لنتائج الانتخابات، وانكب على وضع مخطط شامل للمرحلة القادمة، يقوم على العنف والقتل والإرهاب، سبيلا وحيدا للحفاظ على السلطة واحتكار الحكم للأبد، والحيلولة دون تصدر الأحزاب والقوى السياسية المعادية لتوجهه وطموحاته والمناوئة لمشروعه. فأفشل المحادثات التي كان يجريها رئيس الوزراء أحمد داود أوغلو مع ممثلي الكتل السياسية في البرلمان بغية تشكيل حكومة إئتلافية، وأعلن بأن البلاد ستدخل انتخابات قادمة في تشرين الثاني 2015. كما قرر أردوغان التحالف مع حزب الحركة القومية المتطرف (MHP) والذي كان قد حصل على نسبة 16% في الانتخابات السابقة، بعد أن وعده بنسف عملية الحوار مع حزب العمال الكردستاني، وأغراه بشن حملة حرب واسعة على الكرد في داخل وخارج البلاد، وتدمير حركتهم السياسية الآخذة في الصعود والتصدر، وفرض عزلة مشددة دائمة على الزعيم الكردي عبد الله أوجلان المحتجز في سجن جزيرة إيمرالي منذ عام 1999، واعتقال الساسة الكرد، وعلى رأسهم كل من رئيسي حزب الشعوب الديمقراطي فيغان يوكسك داغ وصلاح الدين دمرتاش، منافسه الثاني في الانتخابات الرئاسية. كما توعد أردوغان برفض كل مشاريع السلام والتسوية مع الكرد مستقبلا، واللجوء إلى الخيار العسكري وتوسيع الحرب والعمليات العسكرية التي طالت هذه المرة العشرات من المدن والبلدات الكردية في شمال كردستان، وأسفرت عن خراب ودمار هائلين، وقتل الآلاف من المواطنين، وتهجير أكثر من مليوني مدني إلى مدن ومناطق الداخل التركي.كذلك استخدم أردوغان في الداخل التركي أذرع وقواعد المجموعات الإسلامية الإرهابية العاملة في سوريا، والتي تعاون معها منذ أن قطع علاقاته مع النظام السوري، بعد أن رفض هذا الأخير منح تنظيم الاخوان المسلمين جزء من السلطة، وسن دستور جديد يشدد فيه على المركزية ورفض الإعتراف بحقوق المكونات الثقافية والإدارية.

وقد عملت هذه المجموعات الإرهابية على تنفيذ عمليات تفجير، وأخرى انتحارية، في العديد من البلدات الكردية، مركزة على الجموع المدنية الداعمة للحملة الانتخابية لحزب الشعوب الديمقراطي، وهو ما أدى إلى مقتل العشرات من المواطنين الكرد في الاحتفالات والاعتصامات الداعمة لحزب الشعوب، وخلق حالة من الرعب والذعر في النفوس، إضافة إلى عمليات الاعتقال والتضييق، ومن ثم التزوير، التي طالت هذا الحزب، وهو الأمر الذي أدى إلى قلب نتائج الانتخابات في تشرين الثاني 2015 لصالح أردوغان وحزبه، حيث حصل حزب العدالة والتنمية هذه المرة على حوالي 50%، أي بفارق 10 نقاط أخذ جلها من جمهور حزب الحركة القومية المتطرف، والذي إنبهر بتحول أردوغان من رجل يراهن على حل القضية الكردية والسلام مع حزب العمال الكردستاني عبر الحوار مع كل من أوجلان في سجن جزيرة إيمرالي وقيادات الحزب في جبال قنديل، بتكليف رسمي منه لصلاح الدين دمرتاش، إلى حاكم عنصري قاتل يراهن على الحرب والإبادة حفاظا على “وحدة تركيا” وحماية المرجعيات العنصرية الثلاثة التي قامت عليها الدولة التركية، أي “العلم الواحد والشعب الواحد واللغة الواحدة”. ومن هنا ظهر التحالف العضوي مع حزب الحركة القومية المتطرف، وبدا المرء لا يفرق بين تصريحات أردوغان وبين ادبيات هذا الحزب الفاشي، بل بدا أردوغان أكثر دموية وعنصرية من قادة هذا الحزب الفاشي (1).وأنعكست هذه السياسة أيضا على الحرب الدائرة في سوريا، حيث وسعّ أردوغان من دعمه العسكري واللوجستي والدبلوماسي للمجموعات الجهادية الإرهابية، جاعلة إياها رأس حربة ضد الإدراة الذاتية الديمقراطية وقوات سوريا الديمقراطية. وهي السياسة التي تحدث عنها الصحفي التركي جان دوندار في تقارير نشرتها صحيفة “جمهوريت” التركية، وأتهم فيها الحكومة التركية بتقديم شحنات الأسلحة ل”داعش” وبقية المجموعات الإرهابية في سوريا. وبعد نشر دوندار هذا الكلام تعرض إلى محاولة إغتيال، ومن ثم تمت محاكمته في تركيا بتهمة “الخيانة”، إلى أن اضطر للهروب من البلاد والإلتجاء إلى ألمانيا (2).

كما وأعلن أردوغان حالة الطوارئ في ولايات كردستان الشمالية، وركز سياسة التقتيل والاعتقال والتخريب في الولايات الأربعة عشر التي فاز فيها حزب الشعوب الديمقراطي بالأغلبية المطلقة، ووجه أجهزة الاستخبارات والشرطة لاعتقال كل من ينتقد سياسته، وفبركة التهم له، وبدأ يعطل الحياة السياسية وينكل بالنقابات المهنية والجمعيات الحقوقية وكل من يرفض انفراده بالسلطة وتحويل البلاد إلى دولة بوليسية يعيش فيها الجميع في جو من الرعب والخوف تحت أحكام الطوارئ ومخاوف مواجهات الحرب الأهلية. وبالتوازي مع سياسة مصادرة الحريات وتكميم الأفواه واعتقال الساسة والبرلمانيين الكرد وإغلاق أفرع حزب الشعوب الديمقراطي، وشن الحملات العسكرية ضد مواقع حزب العمال الكردستاني، وتدمير المدن الكردية على رؤوس ساكنيها، ودعم الجماعات الإرهابية في سوريا، زاد أردوغان من التصريحات التي يعزف فيها على وتر الدين، وظهرت في خطاباته مفردات مثل “الجهاد” و”العثمانية الجديدة” و”الصليبيين” و”الكفرة”، وذلك في إضفاء صبغة دينية ومذهبية على الأحداث والتطورات، وشحن الجماهير دينيا، لكي تكون أكثر تقبلا لسياساته القادمة في تأجيج الحروب وتعطيل العمل بالديمقراطية، وتشديد قبضته على كل مفاصل السلطة والإدارة في البلاد. وبدا هذا الخطاب الديني المتشدد موجها ضد الخصوم والكرد في الداخل، وضد البلدان الأوروبية في الخارج، حيث استنهاض فكرة “المؤامرة” ودعوة الأتراك إلى “لبس الأكفان استعدادا للدفاع عن وطنهم” ضد ما أسماها أردوغان بالمخاطر الآتية من “أعداء تركيا” في الداخل، المدعومين من “الصليبيين” في الخارج، وهو ما يعني العودة إلى الحروب الدينية ووأد الدولة العلمانية القائمة على النموذج الغربي في فصل الدين عن الدولة (3).كما وجاءت المحاولة الانقلابية الفاشلة في تموز 2016 كفرصة ذهبية لأردوغان لكي ينكل بكل خصومه السياسيين بحجة الحفاظ على “الدولة” و”النظام الديمقراطي” فيها. فقد وجد أردوغان في محاولة الانقلاب التي اتهم اتباع رجل الدين التركي الأصولي فتح الله غولان بالوقوف ورائها، فرصة لإظهار قوته الشعبية فطلب من أنصاره النزول إلى الميادين والشوارع، وظهرت ميليشات إسلامية بزي موحد في كل مكان، ترفع صور أردوغان وأعلام “الخلافة العثمانية”، ورموز الإسلام السياسي، وتطلق الشعارات المعادية للغرب وللأديان والشعوب الأخرى.

ونكل هؤلاء بكل من اعتقدوا فيه مناصرا للإنقلاب ومعارضا لأردوغان. وظهر بأن أردوغان وفريقه كانوا يعملون على تشكيل ميليشات خارج أجهزة الشرطة والجيش، ولائها الوحيد لحزب العدالة والتنمية ولشخص قائده رجب طيب أردوغان، وهو ما يعيد إلى الأذهان التنظيم السري المسلح لشباب تنظيم الاخوان المسلمين، وتنظيم شباب هتلر(Hitler- Jugend)، وهذا النوع من التنظيمات المسلحة خارج إطار سلطة الدولة، تكشف النزوع الفاشي للأحزاب الشمولية القائمة على عبادة الفرد وحمل مشروع ايديولوجي يراهن على العنف أسلوبا لتنفيذه. ومثل هذه التنظيمات الشبابية المسلحة هي مشتركات بين الأحزاب الفاشية مثل النازية في ألمانيا وتنظيم الاخوان المسلمين العالمي، الذي يٌعتبر حزب العدالة والتنمية في تركيا عضوا فيه وفرعا له. وتنتشر الميليشيات الشبابية المسلحة التي يشرف عليها أردوغان وأفراد من عائلته ودائرته الضيقة المقربة، في خارج تركيا أيضا. ففي العديد من البلدان الأوروبية تواصل استخبارات أردوغان وحزبه تجنيد الشباب الأتراك المهاجرين بغية ترهيب المخالفين وترويع المواطنين الذين ينتقدون أردوغان وحكومته ويطلقون آراء معارضة لنهجه في تركيا (4).

ولم يكتف أردوغان بتحويل تركيا إلى دولة بوليسية ودولة الحزب الواحد والشخص الواحد، ولم يكتف، كذلك، بتحويل الفاشية إلى مذهب حكم وتعامل مع المخالفين والمعارضين لسياساته وتخوين الجميع ووسمهم بالأعداء و”عملاء الخارج”، وارتكاب جرائم الإبادة وإرهاب الدولة المنظم بقتله المدنيين الكرد، وتدمير المدن والقرى في شمال كردستان، ودعم المجموعات الإرهابية الجهادية في سوريا، وإمدادها بالسلاح والمقاتلين، بل تخطى ذلك في تهديد أوروبا علنا بالقتال وتحويل شوارعها إلى ساحات حرب مفتوحة، عبر إرسال الآلاف من الإرهابيين أو الإيعاز لمجموعاته المدربة وخلاياه النائمة في العديد من الدول الأوروبية وعلى رأسها ألمانيا بالتحرك وخلق القلاقل.

وقال أردوغان مهددا الدول الأوروبية بأنه وتركيا قادران على نشر الفوضى والحرب في الشوارع الأوروبية بحيث لا يستطيع أي مواطن أوروبي أن يمشي آمنا مطمئنا. وكان هذا التصريح أول كلام من نوعه يطلقه رئيس دولة ضد أوروبا، فما بالك أن هذه الدولة “حليفة” ومرشحة لنيل عضوية الاتحاد الأوروبي، وهي عضو في حلف شمال الأطلسي (الناتو)، وكانت الحكومات الأوروبية تعتبر الحزب الاسلامي الحاكم فيها لسنوات طويلة “نموذجا” واعدا ل”الاسلام المنفتح” القادر على التمازج مع الديمقراطية الغربية وآلياتها ورفض العنف والإرهاب المسوغين باسم الدين الإسلامي. فها هو هذا “النموذج” يهدد المواطنين الأوروبيين في الشوارع بالقتل والتصفية عبر إرسال الجهاديين الإرهابيين (5).

لقد اختار أردوغان أسلوب الإبتزاز والتهديد والبلطجة أساسا للتعامل مع الحكومات الأوروبية، وعلى رأسها الحكومة الألمانية، وذلك من أجل انتزاع التنازلات منها وفرض أجندته على أوروبا عبر التهديد والوعيد بالتخريب وسفك الدماء. وكانت ورقة اللاجئين السوريين أقوى الأوراق التي امتلكها أردوغان، فبعيد الأزمة التي ظهرت في خريف 2015 عندما قررت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، اعتباطيا ودون الرجوع إلى البرلمان، فتح الحدود الألمانية أمام أكثر من مليون لاجئ سوري وأفغاني وعراقي، في انتهاك واضح لمعاهدات “دبلن” و” شنغن” التي تنظم حركة اللاجئين داخل دول الأتحاد الأوروبي، وتلزم على اللاجئ تقديم طلب اللجوء في أول دولة عضو في الاتحاد يدخلها.

وقد أسفرت هذه الخطوة الاحادية الجانب من جانب ميركل عن انقسامات خطيرة واهتزازات ضربت الحياة السياسية داخل ألمانيا، حيث ظهر حزب البديل المعارض لأسلمة ألمانيا، واستطاع عبر خطابه المركز على هجمات الإسلاميين الإرهابيين الذين دخلوا مع اللاجئين، وجرائم الاغتصاب والسرقة والقتل التي ارتكبها اللاجئون، في الحصول على نسبة 12% ودخل البرلمان بكتلة تضم 92 نائبا، بينما فشلت الأحزاب التقليدية، ومن ضمنها حزب ميركل، في الحصول على الأغلبية لتشكيل الحكومة. لقد أثر قرار ميركل، الارتجالي الاحادي غير المسؤول، عن تغيير كبير ومفاجئ في التركيبة السكانية في العديد من المناطق الألمانية، وبدأت الانقسامات الاجتماعية تظهر، نظرا لأن اغلبية اللاجئين هم من فئة الرجال وجلهم من الشباب الصغار، وهناك نسبة من الاميين غير القادرين على العمل والاندماج، هذا ناهيك عن تأثرهم بالعنف الذي تربوا عليه في البيئات التي جاؤوا منها، فبدأت ميركل تظن الخلاص في أردوغان وحزبه القادران على وقف تدفق اللاجئين إلى وسط أوروبا. ومن هنا بدأت التنازلات من جانب ميركل وحزبها لأردوغان والسكوت عن جرائم هذا الأخير والمنحى الفاشي الذي سلكه ويسكله الآن.

وصار أردوغان يهدد برلين وعموم أوروبا بفتح الحدود وإرسال اللاجئين السوريين في قوارب الموت كلما أراد الحصول على الدعم الأوروبي في موضوع من المواضيع السياسية، وعلى رأس تلك المواضيع الحصول على الدعم المالي والدعم السياسي في محاربة الشعب الكردي وحركته التحررية (6).التراخي الأوروبي والانتهازية الواضحة في مواقف حكومات أوروبا، وعلى رأسها حكومة ميركل، جعل أردوغان يتجاسر أكثر وأكثر ويطلق المزيد من التهديدات والوعيد بنشر الحرب والخراب في أوروبا، بل وراح يطالب الحكومات الأوروبية بالتجاوز على قوانينها والتضييق على المواطنين الكرد ومؤسساتهم واغلاقها وملاحقة النشطاء الكرد وضرورة تسلميهم إلى تركيا. وأعطى أردوغان الأوامر بملاحقة واعتقال الصحفيين الألمان المؤيدين لقضية الشعب الكردي والمدافعين عن نضال الكرد في شمال كردستان وعن ثورة روج آفا في سوريا. وصارت الاستخبارات التركية تتعقب هؤلاء الصحفيين والكتاب وتعتقلهم حين دخولهم الأراضي التركية بتهم “دعم ومساندة الإرهاب”. وجاء اعتقال الصحفي الألماني من أصل تركي دنيز يوجل بسبب اللقاء الذي أجراه مع الرئيس المشترك لمنظومة المجتمع الكردستاني جميل باييك.

ذلك اللقاء الذي أزعج السلطات التركية، وقررت من اجله الانتقام من الصحفي الذي أجراه، حيث تم اعتقاله أثناء زيارة له لتركيا، وأبقي، بدون محاكمة، رهن الاعتقال والأسر عاما كاملا (7).وبدت حكومة ميركل، في انتهازية واضحة، ترضخ لتهديدات أردوغان، متغاضية عن النزوع الفاشي لحكومته، وعن كم الجرائم والانتهاكات ضد المعارضين والكرد، والدعم الواضح للإرهاب الاسلامي في داخل وخارج تركيا، فعمدت برلين إلى التضييق على النشاطات الكردية وملاحقة المؤسسات الكردية، وقمع المظاهرات السلمية، فمنعت رفع الأعلام الكردية، بما فيها أعلام وحدات حماية الشعب، ووحدات حماية المرأة، ولم تصدر الخارجية الألمانية أي تنديد بهجوم أردوغان على مقاطعة عفرين، ولا بدعمه للفصائل الجهادية الإرهابية وإمدادها بالسلاح الألماني في حربه ضد عفرين وعموم روج آفا. وأبقت برلين على العلاقات مع أنقرة طبيعية، بل وعمدت إلى العودة بهذه العلاقات إلى وضعها الطبيعي، في تأهيل واضح لأردوغان وسياساته القمعية، ساكتة عن التحالف بين أردوغان وحزب الحركة القومية الفاشي. وبهذه السياسة الانتهازية اللامسؤولة باتت حكومة ميركل، بسكوتها وتغطيتها الاقتصادية والسياسية، شريكة لأردوغان في كل الانتهاكات ضد الانسانية وفي تأهيل الفاشية الأردوغانية ومنحها الغطاء السياسي الشرعي للتحرك ومواصلة القتل والفوضى ودعم الإرهاب.

ويعتبر هذا الموقف الألماني مغايرا تماما للموقف حيال الدول الأوروبية الأخرى التي تتصدر فيها الأحزاب اليمينية. ففي النمسا شاهدنا ألمانيا وهي تقود الاتحاد الأوروبي في عزل فيينا عند فوز حزب الحرية النمساوي اليميني بقيادة يورغ هايدر في الانتخابات عام 1999، حيث لم يتمكن الحزب الفائز من تشكيل الحكومة إلا لفترة قصيرة بسبب الموقف الأوروبي الموحد من هايدر وحزبه، وفرض الاتحاد عقوبات وعزلة تامة بحق النمسا. حدث هذا مع النمسا، ولكنه لم يحدث مع أردوغان الديكتاتور المتفرد بالسلطة، والذي جعل من تركيا مقبرة للحريات والصحافة، وقمع المعارضة ووزج بهم وبالنواب المنتخبين في السجون، ودعم الإرهاب علانية، ومارس إرهاب الدولة ضد الكرد في الداخل والخارج، وانتهك كل المعايير الدولية والانسانية باستخدام اللاجئين ورقة لتمرير سياساته، بتعريض حياتهم للخطر بإرسالهم عبر زوراق مهترئة عبر البحر لأوروبا.

 لقد حصل أردوغان وحزبه من أوروبا، وعلى رأسها ألمانيا ميركل، على حقوق خاصة وامتيازات، وبات قادرا على البطش ودعم واحتضان الإرهاب الإسلامي، وممارسة إرهاب الدولة والقتل ضد الكرد في الداخل والخارج، وهو مطمئن البال من أنه لن يتعرض لأي محاسبة من الجانب الأوروبي أو الألماني، ولم يتم عزله أو فرض عقوبات عليه. وهو بذلك يعتقد أن اسلوب البلطجة والتهديد والتخويف حيال الأوروبيين والألمان بات يؤتي أكله ويثمر عن تنازلات ورضوخ تام. وبهذا فإن أردوغان سيواصل بناء شبكاته التجسسية والتخريبية في الداخل الأوروبي، وخصوصا ألمانيا، وسيستمر بالتدخل في شؤون هذا البلد ومحاولة التأثير في القرار السياسي فيه، وخلق الاضطرابات الاجتماعية التي تساهم في اندلاع المواجهات بين التكوينات المجتمعية المختلفة، وتشكيل دولة داخل الدولة عبر تأسيس سلسلة من الجمعيات والمؤسسات الدينية والاجتماعية والتعليمية، والاحزاب السياسية الجديدة التي تشرف عليها الاستخبارات التركية داخل صفوف الجاليات المسلمة وتهدف لمطاردة المعارضين لأردوغان والتضييق على الجالية الكردية ومؤسساتها، ونشر الإسلام السياسي، ومنع اندماج المسلمين وأبنائهم، والضغط على الأحزاب الألمانية التقليدية لإنتزاع المزيد من الحقوق الخاصة والامتيازات، وفرض مظاهر الأسلمة، ومقاومة القوانين الوضعية، وتشكيل المجتمعات المتوازية، وتهديد السلم والأمن الداخلي، والتأثير في قطاعات الاقتصاد والسياسة في البلاد، عبر التغلغل فيها باستخدام شتى الأساليب والوسائل من ترغيب وترهيب (8).

وقد انتبهت العديد من القوى والاحزاب الألمانية للتغلغل الأردوغاني في السياسة الداخلية والعديد من مظاهر الحياة الألمانية، وباتت المؤسسات الأمنية ومراكز الأبحاث التي تهتم بمواضيع الأمن والدفاع والاسلام السياسي والإرهاب تنشر أبحاث حول الايدي التركية العابثة بالأمن الألماني الداخلي، ومن بين هذه المؤسسات مؤسسة حماية الدستور، وهي بمثابة الاستخبارات الداخلية، حيث وصف رئيسها قبل مدة تركيا بالدولة المعادية لأمن ألمانيا الداخلي، وقال بأن مؤسسته لم تعد تعتبر منذ زمن تركيا دولة صديقة، بل باتت تنظر إليها وإلى نشاطاتها المتعددة كجهة معادية يجب مراقبتها ورصد أعمالها بدقة واهتمام (9).الرئيس التركي رجب طيب أردوغان وحزبه يحملان الآن مشروعا اقليميا كبيرا يقوم على دعم الإسلام السياسي وتمكينه في منطقة الشرق الأوسط، وهما لم يعد يتكلمان عن “الوسطية” و”الانفتاح” و” الحفاظ على العلمانية” و”تقبل العيش في ظل الديمقراطية”، بل صارا يطلقان خطابا متطرفا يراهن على الحرب والصراع والتغيير بالقوة. تركيا أردوغان لم تعد عامل استقرار في المنطقة والعالم، بل هي الآن من إحدى مسببات الحروب الدينية والأثنية، ومن أهم معاقل الإسلام السياسي والجهاد العالمي. هي لم تعد تود الانضمام إلى أوروبا، بل صارت تتوجه إلى الشرق وأفريقيا: فتبني قواعد عسكرية في الصومال والسودان وقطر، وتدخل هناك لاعبا في الأزمات القائمة، وكل همها هو دعم الحركات الاسلامية، لكي تنجح في الاستحواذ على السلطة والحكم.

تركيا أردوغان دعمت وتدعم الإرهاب في سوريا. عبر أراضيها جاء عشرات الآلاف من الجهاديين من كل العالم ودخلوا سوريا وانضموا إلى “داعش” و”النصرة” و”احرر الشام” و” الجيش التركستاني”. هؤلاء أرتكبوا المجازر في شنكال وكوباني، وفرضوا ظلام الإسلام السياسي على المدنيين في الرقة والموصل. تركيا كانت تسكت عن هذه الجرائم، وهي متورطة في ملفات عديدة مع هذه المجموعات منها مقايضة كادرها في قنصلية الموصل، وتبادل الرهائن، وتجارة النفط والبضائع. تركيا التي اعتلقت البرلمانيين الكرد المنتخبين في كردستان الشمالية، ودمرت المدن والقرى على رؤوس سكانيها، وهجرت الملايين منهم. تركيا التي تمارس القتل الجماعي والتطهير العرقي ضد الكرد في عفرين الآن تحت سمع وبصر العالم. تركيا أردوغان التي تهدد أوروبا بتحويل شوارعها إلى ساحة مواجهات مفتوحة، وباغراقها باللاجئين السوريين، الذين لاذوا بها هربا من جحيم مواجهات النظام السوري مع المجموعات الجهادية المدعومة من أنقرة، فوجودا أنفسهم يتحولون إلى اوراق ضغط بيد أردوغان يستخدمهم في الابتزاز للحصول على الأموال والدعم السياسي والأسلحة. تركيا التي تتدخل في الشؤون الأوروبية، وتنشر ثقافة الكراهية والتطرف بين الجاليات المسلمة، وتحثها على رفض الاندماج والاعتراف بالقوانين الوضعية. وتحاول التأثير في قرار هذه الدول بتشكيل الاحزاب وقوى الضغط المتحالفة مع الجهات والشخصيات الفاشية التوجه. السكوت الأوروبي عن النزوع الفاشي الأردوغاني واللجوء إلى التغطية على الفاشية الأردوغانية، سوف يؤدي إلى نتائج وخيمة ستنعكس على أوروبا نفسها. تركيا أردوغان أخطر بكثير من النمسا هايدر. فهايدر لم يدعم الإرهاب، ولم يقتل الآلاف، ولم يقم بالتطهير العرقي، ولم يهدد أوروبا بالحرب والتخريب. لكن أردوغان يفعل ذلك مصرا ومتشبثا بسياسته وأفعاله. أوروبا، وخاصة ألمانيا، شريكة الآن في ظهور الفاشية الأردوغانية، مثلما كانت شريكة في السابق في المجازر العثمانية ضد الشعب الأرمني، وفي التعاون مع الفاشية الإسلامية أثناء الحقبة الهتلرية. والآن هي تشجع وتغطي على الفاشية الأردوغانية المنهكة في القتل الجماعي والتطهير العرقي ضد الكرد، وإبادة الإيزيديين والمسيحيين وإنهاء وجودهم في الشرق. ورعاية الجهاد الدولي وتمكينه في المنطقة، والتغلغل بين ملايين المسلمين في أوروبا، وشحنهم بثقافة الكراهية والعنف، لاستخدامهم لاحقا جنودا في حرب “الخلافة الأردوغانية” في الشوارع الأوروبية. السكوت الأوروبي والالماني خاصة على تصدر الفاشية الأردوغانية يذكرنا بقول المفكر واللاهوتي الألماني مارتين نيمولار: ” في ألمانيا عندما اعتقلوا الشيوعيين لم أبال لأنني لست شيوعياً، وعندما اضطهدوا اليهود لم أبال لأنني لست يهودياً، ثم عندما أضطهدوا النقابات العمالية لم أبال لأني لم أكن منهم .. بعدها عندما أضطهدوا الكاثوليك لم أبالي لأني بروتستنتي .. وعندما أضطهدوني لم يبق أحد حينها ليدافع عني”.

إشـارات: 

1-    Cemîl Bayik: Berxwedan wê dawiya desthilatdariya AKP-MHP bîne. Yeni Özgür Politika 26.11.2016.2-    Der Spiegel. 08.09.2016. 3-    Bassam Tibi: Erdogan und die AKP begraben die säkulare Türkei. Wirtschafts Woche 17.08.2016.4-    Hamed Abdel – Samad: Erdogan will aus dem Faschismus eine Staatsdoktrin machen. Humanistischer Pressedienst 13.03.2017.5-    Bald kein Europäer mehr sicher auf den Straßen. Die Welt 22.03.2017. 6-    Erdogan droht EU mit Grenzöffnung für Flüchtlinge. Focus 25.11.2016.7-    Hannes Schrader: Fünf Fragen zum Fall Yücel. Die Zeit 17.02.2018. 8-    Nickolaus Brauns: Erdogan Satelliten: AKP-nahe Parteien versuchen Einfluss auf türkischstämmige Migranten in Europa zu nehmen. Yeni Özgür Politika 14.10.2017.9-    Verfassungsschutz- Chef zum Streit mit Ankara: „ Wir betrachten die Türkei auch als Gegner“. Der Spiegel 21.07.2017.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد