حملة الحرب التركية: سياسة الاغتيالات والتصفيات بحق السياسيين والكوادر الكرد!

جاء حادث اغتيال الطائرات التركية لعضو اللجنة القيادية في منظومة المجتمع الكردستاني وأحد أهم المسؤولين الأيزيديين في منطقة شنكال في 15/8/2018 زكي شنكالي، ليشير إلى استمرار الحكومة التركية في سياسة تصفية واغتيال الشخصيات القيادية والسياسيين والنشطاء العاملين في حركة التحرر الكردستانية، وذلك في إطار حملة الحرب والتدمير التي تطال الشعب الكردي في داخل وخارج تركيا، والتي توسعت بشكل أكثر دموية في السنوات الخمس الأخيرة من حكم حزب العدالة والتنمية، وهي السنوات التي شهدت تراجع شعبية الحزب وزعيمه رجب طيب أردوغان، جراء فتح ملفات الفساد العائلي، وقضايا دعم الإرهاب الإسلامي في سوريا، وحملات مطاردة المعارضين، وتكميم أفواه الإعلاميين، وتقييد الصحافة والحريات العامة.

وتصاعدت سياسة الحرب والقتل بشكل خاص بعد خروج “أردوغان” وحزبه مهزومين من انتخابات حزيران/يونيو 2015 ، وقرار إعادة الانتخابات بعد الرهان، هذه المرة، على الإرهاب والشحن القومي، والتحالف مع حزب الحركة القومية العنصري، لضمان الأغلبية البرلمانية ومن ثم توسيع حملات الحرب ضد الكرد، والتي جاءت في كردستان الشمالية على شكل تفجير المظاهرات والاعتصامات  السلمية لترويع المواطنين، وتدمير المدن والقرى على رؤوس ساكنيها وتهجير المدنيين واعتقال البرلمانيين والمسؤولين في حزب الشعوب الديمقراطي، وتشديد العزلة على الزعيم الكردي عبدالله أوجلان السجين منذ عام 1999. وفي مناطق فيدرالية شمال سوريا، على شكل حملات الاحتلال المباشر ودعم المجموعات الإرهابية الجهادية، وتنفيذ سلسلة من الاغتيالات وأعمال التخريب. وفي إقليم كردستان العراق، عبر توسيع العمليات العسكرية، وبناء القواعد ونقاط المراقبة والتجسس، وتكثيف طلعات القصف الجوي، ودعم “داعش” في شنكال وغيرها.

ويتضح من سياسة الحرب والتدمير التي ينتهجها “أردوغان” واستخباراته، على أكثر من صعيد وبأكثر من شكل وطريقة، مدى رغبة الحكومة التركية في إحداث أكبر قدر ممكن من الدمار والتخريب في مناطق كردستان، وإلحاق ضربات قوية بالشعب الكردي ومكتسباته، سواء عبر تدخل الجيش التركي نفسه، أو بواسطة المجموعات الجهادية المرتبطة به، كما حدث في شنكال وكوباني وعفرين. ولعل من أحد أساليب الحرب الدموية القذرة التي أطلقها “أردوغان” والتحالف الذي يقوده مع شركاءه العنصريين والجهاديين الإرهابيين، هي أعمال الاغتيالات والتخريب التي نفذتها استخباراته والمجموعات الجهادية الإرهابية المرتبطة بها ضد الشخصيات القيادية الكردية (سياسية وعسكرية) والكوادر والعاملين في الميدانين الاجتماعي والخدمي في داخل وخارج كردستان.

وكانت من أولى الاغتيالات، جريمة اغتيال السياسي الكردي عيسى حسو في مدينة القامشلي في 30/07/2013 وذلك عبر تفجير سيارته عن بعد. وكان “حسو” يعتبر من الشخصيات الكردية التي ساهمت في بناء (الهيئة الكردية العليا) وترتيب البيت الكردي عبر الحوار والتفاهم، بالاضافة إلى نضاله الطويل في صفوف حركة التحرر الكردستانية، وتعرضه للسجن والاعتقال لأكثر من مرة. وقد أثبتت التحقيقات تورط أحد عملاء المجموعات الإرهابية الجهادية في الجريمة، وتبين بأن العملية وقعت بتوجيه وإشراف من الاستخبارات التركية.

أما الاغتيالات في الخارج، فقد بدأت بجريمة نفذتها الاستخبارات التركية في الخارج، وذلك عندما اغتال عميل تابع لهذه الاستخبارات في العاصمة الفرنسية باريس في 9 كانون الثاني/يناير 2013 كل من القيادية في حزب العمال الكردستاني ساكنة جانسز، والناشطتين فيدان دوغان وليلى شايلمز. وقد أثبتت التحقيقات التي أجرتها السلطات الفرنسية لاحقا تورط عنصر تابع لاستخبارات “أردوغان” يسمى عمر غوناي في الجريمة، واتضح أن هذا العنصر كان مجندا من قبل الاستخبارات التركية لتنفيذ عملية الاغتيال. والغريب أن “غوناي” توفي في السجن الفرنسي في 13 كانون الأول/ديسمبر 2016، قبل بضعة أيام فقط من محاكمته بتهمة قتل الناشطات الكرديات الثلاثة بتكليف من جهاز الاستخبارات التركي.

وفي 27 تشرين الثاني/نوفمبر 2015، أقدمت عناصر من الاستخبارات التركية على اغتيال المحامي الكردي طاهر آلجي في وسط مدينة آمد/ ديار بكر. وكان “آلجي” معروفا بمواقفه الوطنية ودفاعه عن القضية الكردية والنشطاء والسياسيين الكرد المعتقلين، وانتقاده الدائم لسياسة الحكومة التركية ورهانها على الحرب والحسم العسكري. وأظهرت التحقيقات التي قامت بها لجنة خاصة شكلها حزب الشعوب الديمقراطي، تورط عناصر تابعين للاستخبارت التركية والشرطة السرية في عملية التصفية.

وفي 22/08/2016، أقدم عملاء الاستخبارات التركية على اغتيال عبدالستار الجادر رئيس المجلس العسكري لـ”جرابلس” التابع لقوات سوريا الديمقراطية، وذلك بعيد تشكيل المجلس وإعلانه خطة تحرير المدينة من المجموعات الإرهابية، ورفضه الاحتلال والتدخل التركي في المنطقة. وكان “الجادر” ينتمي إلى عشيرة “الجادر”، وهي من أكبر العشائر العربية في المنطقة وتتمتع بعلاقات وطيدة مع الشعب الكردي.

وتواصلت الاغتيالات وأعمال التخريب، حيث استشهد العشرات من القيادات الميدانية والسياسية والاجتماعية في شمال سوريا في كمائن واعمال قنص وتفجير، مثل خالد كوتي وأحمد كوماني والمحامي إبراهيم محمد الطيار، رئيس لجنة العدالة في “مجلس الرقة المدني” التابع لقوات سوريا الديمقراطية.  كما تمكن عملاء الاستخبارات التركية من اغتيال الشخصية الوطنية عمر علوش مسؤول العلاقات العامة في “مجلس الرقة المدني” في منزله بمدينة تل أبيض في 15/03/2018. وكان “علوش” معروفا بعلاقاته الطيبة مع العشائر العربية، حيث كان له دور مهم في عقد المصالحات وتفعيل المجالس الشعبية لإشراك المواطنين العرب وكل أبناء المكونات في آليات صنع القرار وإدارة المناطق المحررة من تنظيم “داعش” والمجموعات الإرهابية المرتزقة. وأوضحت التحقيقات التي جرت عقب جريمة الاغتيال، تورط عناصر تابعين للاستخبارات التركية في عملية الاغتيال.

ويتضح من خلال النظر في هوية ومكانة الشخصيات التي تستهدفها الدولة التركية، دور هذه الشخصيات في المجتمع ومساعيها من أجل إحلال السلام الاجتماعي ومشاركة الجميع في الإدارة والاهتمام بالشؤون الحياتية العامة بعيدا عن خطاب الكراهية والشحن القومي والرهان على المجموعات الإرهابية الوافدة أو التدخل العسكري الاقليمي، فهذه الشخصيات تقوم بدور محوري في تفعيل الحوار ونزع فتيل المواجهات وتوطيد روح الاخوة والمحبة بين الجميع. وهذا الكلام ينطبق بشكل كامل على كل من شخصيتي زكي شنكالي وعمر علوش، اللذيّن قاما بدور كبير في إرساء روح التفاهم والاخوة بين الجميع، ومنعا المواجهات والصراعات القبلية والحزبية والجهوية في كل من مناطق شنكال والرقة وتل أبيض. لذلك جاء قرار تصفيتهما، لأن الدولة التركية تراهن على الحرب الأهلية بين العرب والكرد، وتراهن على الاقتتال الداخلي بين الكرد أنفسهم، وتحريض المكونات ضد بعضها. وحزب العدالة والتنمية، ولكي يمنع أي تقارب عربي ـ كردي في مناطق فيدرالية شمال سوريا، فهو يلجأ إلى الاغتيالات والتصفية بحق كل الشخصيات العربية والكردية التي تلعب دورا محوريا في توطيد التفاهم ونشر ثقافة أخوة الشعوب والتعايش السلمي المشترك، ورفض المشاحنات القومية والمذهبية والعمل كبنادق للإيجار لصالح الأطراف الإقليمية.

وفي الخارج، حيث الاستخبارات التركية تنشط بشكل كبير، وخاصة في ألمانيا التي تقول السلطات إن هناك أكثر من 6000 عنصر من عناصر الاستخبارات التركية يتجسسون على المعارضين والسياسيين والنشطاء الكرد واليساريين الأتراك. وكانت السلطات الألمانية قد ألقت القبض على أحد عملاء الدولة التركية، كان مكلفا بتصفية السياسي الكردي يوكسل كوج. وقد دخل هذا العميل بهيئة صحفي بين أوساط الجالية الكردية، وكان يراقب في الفترة ما بين أيلول/سبتمبر 2015 إلى كانون الأول/ديسمبر 2016 بشكل دقيق “كوج” وسياسيين كرد آخرين في منطقتي هامبورغ وبريمن، ويتحين الفرص لارتكاب جرائم تصفية واغتيالات بتوجيه ومشاركة من عناصر آخرين في الاستخبارات التركية العاملة على الأراضي الألمانية. وقد نشرت الصحافة الألمانية حيثيات القضية، مطالبة حكومة “ميركل” بملاحقة عملاء الدولة التركية وتقديمهم للمحاكمة وعدم التهاون في حماية المعارضين السياسيين والنشطاء من بطش الاستخبارات التركية. كما ظهرت تقارير عن تغلغل أصابع استخبارات “أردوغان” داخل جهاز حماية الدستور والشرطة الألمانيين، حيث تستهدف هذه العناصر الفعاليات الكردية وتعمل على تزييف التقارير والتأثير في الوقائع، من أجل خلق مواجهات بين الشرطة الألمانية والمتظاهرين الكرد، أو إلصاق الصفة الجنائية بالفعاليات الكردية السلمية، وتحريض الشارع الألماني على الكرد بصفة عامة، وعلى حركة التحرر الكردستانية بصفة خاصة.

وكان حزب العمال الكردستاني قد ألقى القبض قبل عام في مدينة السليمانية في إقليم كردستان الجنوبي، على ضباط كبار في الاستخبارات التركية، كلفوا بمهمة اغتيال شخصيات قيادية في حركة التحرر الكردستانية. وقد تم الكشف عن هوية خلية الاغتيالات، وتم اعتقال كل أعضائها في كمين محكم، واقتيادهم إلى قواعد الحزب في جبال قنديل. وتبين فيما بعد أن الضباط الأتراك دخلوا إقليم كردستان بجوازات مزورة على هيئة تجار، بهدف التحضير لعملية اختطاف أو اغتيال شخصيات قيادية في حركة التحرر الكردستانية. وكانت هذه العملية بمثابة ضربة كبيرة لحكومة “أردوغان”، كشفت عن الأساليب القذرة التي تلجأ إليها في تصفية المعارضين، ودفعتها إلى سحب ممثليتها من السليمانية والطلب من ممثل الاتحاد الوطني الكردستاني مغادرة “أنقرة”.

الدولة التركية بقيادة كل من حزب “العدالة والتنمية” و”الحركة القومية” ستواصل سياسة التخريب والقتل والاغتيالات في كردستان وخارجها. إنها حملة حرب شاملة يستخدم فيها “أردوغان” وشريكه في الحكم كل الأساليب والطرق، ولا يتوانيان عن فعل أي شيء، بما في ذلك خرق القانون الدولي وسيادة الدول، والتعاون مع الإرهاب الجهادي الملاحق عالميا، من أجل النيل من الكرد وتخريب مناطقهم ودفعهم إلى الهجرة. وما حدث خلال الأعوام الخمسة الأخيرة، يُبين مدى حجم التخريب والدمار الذي أحدثه إرهاب الدولة الذي يمارسه “أردوغان” وطغمته ضد الشعب الكردي داخل وخارج تركيا. وحركة التحرر الكردستانية تعي أبعاد هذه الحرب، لذلك فقد احتاطت وأعلنت التعبئة العامة على كافة الأصعدة، وعملت على رفع مستوى الجاهزية العسكرية للدفاع عن الشعب الكردي والرد على حملات القتل والتخريب التركية.

المتتبع للعمليات العسكرية النوعية في كردستان الشمالية وخارجها، سوف يعي مدى التطور الكبير في قدرات حركة التحرر على الرد والتأثير المباشر في الآلة العسكرية التركية. كذلك تصاعدت العمليات النوعية في مقاطعة “عفرين” المحتلة ضد قوات الجيش التركي والمجموعات الإرهابية المرتزقة التابعة لها، والرهان الآن أصبح على حماية الشعب الكردي ورد القتل والتخريب بحقه، عبر إلحاق أكثر الضربات إيلاما لحكومة “أردوغان” وشريكه التي تمارس إرهاب دولة منظم وسياسة الأرض المحروقة ضد الكرد في داخل وخارج تركيا.

—–

* من فريق المركز الكردي للدراسات

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد