مجلة “إيكونوميست”
على مدار ثماني سنوات، لم يُسمح لعدو تركيا العام الأول عبدالله أوجلان القائد الكردي المعتقل زعيم حزب العمال الكردستاني المحظور في تركيا، بمقابلة محاميه. دخل مئات السجناء الأكراد الآخرين بالإضراب عن الطعام في أواخر عام 2018 للمطالبة بإنهاء عزلته، وانتحر ثمانية منهم على الأقل. وانتهت فترة العزلة أخيرا في الثاني من آيار/مايو، عندما زار اثنين من محاميي “أوجلان” في سجن جزيرته على بحر مرمرة، حيث لا يزال محتجزًا هناك منذ ما يقرب من عقدين.
سرعان ما طغت الدراما السياسية على الأخبار الواردة بشأن الزيارة، فبعد أربعة أيام فقط منها، صوت مجلس إدارة الانتخابات في تركيا لإلغاء نتيجة الانتخابات البلدية في “إسطنبول”، والتي سجلت فيها المعارضة اضطرابًا ملحوظًا، وأمرت بتكرارها. ويقول المحللون إن القرارين، وهما إعادة فتح القنوات مع “أوجلان” ومحاولة قلب التصويت لصالح حزب “أردوغان”، لم يكن من الممكن أن يحدثا دون تدخل الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، بمعنى أن الكثيرين من المحللين يرون علاقة بين الحدثين.
كان الناخبون الأكراد، أكثر من أي مجموعة أخرى، هم الذين ساعدوا مرشح المعارضة لمنصب عمدة إسطنبول أكرم إمام أوغلو، في تحقيق الانتصار بفارق ضئيل في أواخر مارس/آذار، حيث إنهم –باعتبارهم نازحين من قرى وبلدات جنوب شرق تركيا التي عانت من عقود من الحرب بين حزب العمال الكردستاني والجيش التركي، وكذلك عانوا من الفقر، استقروا في غرب البلاد. وتضم إسطنبول حاليا عدد سكان يبلغ 15 مليون نسمة، من بينهم ما لا يقل عن مليوني كردي، أي أن عدد الأكراد في إسطنبول أكبر من أي مدينة كردية في جنوب شرق تركيا الذي يغلب عليه الطابع الكردي. معظم هؤلاء الأكراد في إسطنبول يدعمون حزب الشعوب الديمقراطي، وهو تحالف من الليبراليين والقوميين الأكراد لم يقدم مرشحا لنفسه في إسطنبول، واكتفى بتأييد “إمام أوغلو” بدلا من ذلك. في يوم الانتخابات، أيد أكثر من 80% من الناخبين من حزب الشعوب الديمقراطي السيد “إمام أوغلو”، وفقا لبحث أجراه مركز أبحاث TEPAV، في حين أن النسبة الباقية امتنعت عن التصويت على ما يبدو.
للفوز بإعادة الانتخابات، قد يضطر حزب “العدالة والتنمية” الذي يتزعمه “أردوغان” إلى جذب بعض من الممتنعين عن التصويت، وكذلك الأكراد المحافظين، لضمان انتخاب مرشحه، وهو رئيس الوزراء السابق بن علي يلدريم. وتقول أصلي أيدينتاشباش زميل المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية: “فقدان أردوغان محافظة إسطنبول له علاقة كاملة بالمعارضة الكردية.. وقد يضطر إلى التركيز على الأكراد لمجرد الحفاظ على السلطة”.
وتقول “أيدينتاشباش” إن قرار السماح لـ”أوجلان” بلقاء محاميه يبدو جزءًا من هذا التواصل. وتأتي هذه الخطوة وسط شائعات مفادها أن المسؤولين الأتراك التقوا مؤخرًا بأعضاء من وحدات حماية الشعب الكردية، لمناقشة خطط إنشاء “منطقة آمنة” محتملة في شمال شرق سوريا. على الرغم من معارضة أمريكا، التي تعاونت مع وحدات حماية الشعب لسحق “خلافة داعش”، فقد هددت حكومة “أردوغان” مرارًا وتكرارًا بمهاجمة معاقل وحدات حماية الشعب في سوريا. وفي بيان تم نقله عبر محاميه، دعا “أوجلان” تركيا والمتمردين الأكراد إلى تجنب العنف ومتابعة التسوية “في إطار سوريا الموحدة”.
لإحداث أي تقدم جديد مع الناخبين الأكراد قبل الانتخابات المتكررة في إسطنبول، المقرر إجراؤها في 23 يونيو، سيتعين على “أردوغان” أن يفعل أكثر من مجرد التعبير عن نوع من المشاعر تجاه زعيم حزب العمال الكردستاني. خلال عقده الأول في السلطة، عرض رجل تركيا القوي على الأكراد حقوق ثقافية جديدة وأجرى محادثات سلام مع المجموعات التي كانت توصف بـ”الانفصالية”. على مدار الأعوام الأربعة الماضية، قاد “أردوغان” وأمر بعمليات الجيش الوحشية ضد مقاتلي حزب العمال الكردستاني في مدن في جميع أنحاء الجنوب الشرقي، واعتقالات الآلاف من الناشطين الأكراد، ولجأ إلى التحالف مع القوميين الأتراك، بالإضافة إلى شن ما يعتبره الكثير من الأكراد غزوا بريًا في سوريا، من أجل احتلال محافظة عفرين. لدى “أردوغان” أكثر من شهر بقليل للتخلص من هذا الإرث، ولكن قد يكون الأوان قد فات.