عنبرين زمان | المونيتور
اليوم هو أول أيام عيد الفطر في تركيا بحسب التقويم القمري. وتماشيا مع أهمية الحدث، خاطب الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الأمة التركية في خطاب متلفز في اليوم الأخير لشهر رمضان. وكما هو متوقع، استدعى “أردوغان” في خطابه الحديث عن قوى خارجية عازمة على تدمير تركيا وتعهد بعدم السماح لها بالنجاح في هدفها. على نحو غير عادي، وبصفته شخص يدعي البطولة والانتصار للعرب السُنة في سوريا، فإن “أردوغان” الذي كان يبدو بمظهر منكمش، لم ينطق بكلمة عن عنف النظام الذي يتزايد في محافظة “إدلب” التي يسيطر عليها المتمردون الذين تدعمهم تركيا.
يُعتبر الهجوم الأخير للنظام، المدعوم من روسيا، ضد “إدلب”، هو أكبر تصعيد للحرب منذ الصيف الماضي، وهو دليل أيضا على فشل جهود “أنقرة” لإرجاء هذا الهجوم. ويقول محللون إن قرار “أنقرة” لمحاولة إحداث التوازن، بإدخال نفسها كقوة عازلة بين المتمردين والنظام وروسيا، والذي تم رسميًا بموجب اتفاق أبرم في سبتمبر/أيلول بين “أردوغان” والرئيس الروسي فلاديمير بوتين في “سوتشي”، قد ينهار في نهاية المطاف. بموجب شروط هذا الاتفاق، كان من المفترض أن تقلل تركيا من تأثير هيئة تحرير الشام، وهي جماعة متشددة متطرفة لا تزال تشكل أكبر تهديد لحكومة الرئيس السوري بشار الأسد. بدلاً من ذلك، عزز الجهاديون الذين يزعمون أنهم قطعوا صلاتهم مع مرشديهم من تنظيم القاعدة منذ شهر يناير/كانون الثاني، قبضتهم على إدلب وشمال حماة.
يوم الجمعة الماضية، وجه “الكرملين” أصابع الاتهام بصراحة إلى “أنقرة”، قائلاً إن من مسؤوليتها منع المتمردين من إطلاق النار على المدنيين والأهداف الروسية. وجاء البيان بعد دعوة “أردوغان” لوقف إطلاق النار في الليلة السابقة في محادثة هاتفية مع “بوتين”.
بالأمس، أوضح المتحدث باسم الكرملين ديمتري بيسكوف، أن روسيا ليس لديها مثل هذه الخطط، قائلا: “من نافلة القول أن عمليات الإرهابيين من داخل إدلب أمر غير مقبول ويتم أخذ العلم بها لتحييد مواقعهم”. وأضاف “بيسكوف”: “تحافظ روسيا على التعاون مع تركيا، المسؤولة عن منع مثل هذه الهجمات”.
ويعتقد مارك بيريني الباحث الزائر في جامعة “كارنيغي أوروبا” والسفير السابق للاتحاد الأوروبي في سوريا وتركيا، أن “أنقرة” واجهت مهمة مستحيلة في “إدلب”. وقال “بيريني”، لـ”المونيتور”: “منذ البداية، كان اتفاق سوتشي بمثابة فخ سياسي لأنقرة.. كان من الواضح أن موسكو تريد القضاء على الجهاديين الباقين وأن أنقرة لن تفعل ذلك”.
أثارت هذه المقاومة غضب “موسكو”، وجاء معها هجوم “إدلب” الذي طال انتظاره. ويلاحظ فابريس بالانش الخبير المخضرم في شؤون سوريا بجامعة ليون الثانية بفرنسا، أن “الأمر لم يساعد، في نظر روسيا، أن أردوغان لم يعمل بجد بما يكفي لإخراج القوات الأمريكية من شمال شرق سوريا، للسماح للنظام والروس بالتدخل”. بدلاً من ذلك، بحسب “بلانش”، يحاول الأتراك نقل قواتهم إلى شمال شرق سوريا في صفقة مع الولايات المتحدة. وكان “بلانش” يشير بذلك إلى الخطط الأمريكية لإنشاء منطقة آمنة في المنطقة التي يسيطر عليها الأكراد، وهي خطة لم تتحقق حتى الآن.
في الواقع، قد ينظر المسؤولون الأتراك الذين يشعرون بالقلق من انحراف بلادهم بعيدًا عن “الناتو” إلى مدار روسيا، إلى انهيار اتفاق “سوتشي” باعتباره منحدرًا لاتفاق “أنقرة” المثير للجدل لشراء صواريخ S-400 الروسية، وهي قضية دفعت العلاقات التركية الأمريكية إلى شفا الهاوية. وبحسب ما ورد، منحت “واشنطن” لأنقرة مهلة حتى منتصف يونيو/حزيران لإلغاء الصفقة قبل بدء قائمة العقوبات المقترحة.
ومع ذلك، فإن كريم هاشم، وهو محلل في “موسكو” يراقب عن كثب الصراع السوري المستمر منذ ثماني سنوات، يقول: “إذا أراد أردوغان أن يحرق جسوره مع الروس، فسيسعى بلا شك للحصول على ضمانات من الأمريكيين حول دعم حكومته سياسياً اقتصاديًا وعسكريًا وغير ذلك، وهناك علامات قليلة على ذلك في الوقت الحالي”.
حتى ذلك الوقت، يقول “هاشم” لـ”المونيتور”، فإنه “من المرجح أن يسعى أردوغان إلى المضي قدماً في تأرجحه الخطير بين الولايات المتحدة وروسيا”.
قد تفسر آمال تركيا في الحفاظ على العلاقات مع روسيا على قدم وساق، سبب عدم إظهار أي من الصحف الموالية للحكومة محنة المدنيين الذين ضربتهم قنابل النظام على صفحاتها الأولى اليوم وأمس. مثلا، ذكرت صحيفة “يني شفق” لفظ “الانفجارات” في نسختها على الإنترنت، لكنها كانت تشير إلى العدد الكبير من السياح الروس الذين يتدفقون على منتجعات جنوب البحر الأبيض المتوسط في تركيا.
حذرت الأمم المتحدة من كارثة إنسانية وشيكة تواجه سكان “إدلب” الذين يقدر عددهم بثلاثة ملايين نسمة في حالة استمرار تصاعد هجوم النظام. اعتبارًا من 22 مايو/آيار، فر قرابة 300000 مدني مع استمرار النظام في قصفه العشوائي الذي استهدف المستشفيات والمدارس. ولكن مع عدم رغبة تركيا في زيادة عدد اللاجئين السوريين المتضخم، الذي يُعتقد أنه قريب من أربعة ملايين، ليس لديهم مكان آمن يمكنهم اللجوء إليه.
وأظهرت اللقطات التي التقطت من “معرة النعمان” على مواقع التواصل الاجتماعي المدنيين يصرخون طلبًا للمساعدة أثناء سيرهم في الشوارع المغطاة بالدماء بعد سقوط القنابل في أحد الأسواق. قتل أربعة مدنيين على الأقل، من بينهم امرأة، وفقًا لما ذكرته الشبكة السورية لحقوق الإنسان. وقالت مجموعة مراقبة أخرى، هي المرصد السوري لحقوق الإنسان ومقره لندن، إن عدد القتلى المدنيين منذ بدء التصعيد الأخير في 30 أبريل/نيسان قد بلغ 333، منهم 78 طفلاً.
في غضون ذلك، في حين أن موسكو “ستواصل إعطاء [أردوغان] كل مظاهر الدور الدبلوماسي المركزي، فإنها تريد في نهاية المطاف أن تتخلى “أنقرة” عن وجودها العسكري في إدلب وعفرين وجرابلس، وأن تعيد السيطرة الكاملة إلى النظام”، بحسب ما توقع “بيريني”. ومن المفارقات أن الطائرات العسكرية الروسية تزود حاليًا قاعدة سلاحها في “حميميم” بالصواريخ والأسلحة الأخرى، باستخدام المجال الجوي التركي بموافقة “أنقرة”، ما يشير إلى أن “أنقرة” قد تتنازل عن هذه النتيجة، أو ببساطة ليس لديها خيار آخر.
—-
عنبرين زمان: مراسلة رئيسية لشؤون الشرق الأوسط وشمال إفريقيا وأوروبا بـ”المونيتور”. كاتب عمود في “المونيتور” على مدار السنوات الخمس الماضية، حيث درست سياسات تركيا والعراق وسوريا وعملت على كتابة الرسائل الإخبارية اليومية. تخصصت في تغطية شؤون تركيا والأكراد والصراعات في المنطقة لصحيفة “واشنطن بوست” و”ديلي تلغراف” و”لوس أنجلوس تايمز” و”صوت أمريكا”. عملت كمراسلة لمجلة “إيكونوميست” في تركيا بين عامي 1999 و2016، وعملت كاتبة عمود في العديد من منافذ الصحافة باللغة التركية.