صفقة النفط السوري على المحك مع انتهاء الترخيص الأمريكي

بين لاندو، كاتي دوريان، محمد الحسين، ليزي بورتر

باتَ الاتفاق الموقّع مع شركة “دلتا كريسنت انرجي” لتطوير وتسويق النفط من شمال وشرق سوريا على المِحكّ، بعد أن انتهى الترخيص الممنوح لها من قبل وزارة الخزانة الأمريكية في أيار/مايو، في ظل غياب أيِّ تصريحٍ رسمي فيما إذا سيُمدد للشركة أم لا.

إن نحو ملياري دولار من صافي مبيعات النفط أصبحت على المحكّ حسب شركة دلتا كريسنت انرجي، حيث تمّ التعاقد على شحن النفط عبر العراق إذا ما تمّ منح الترخيص لها مجدداً.

ومُنحَ الترخيص للشركة في نيسان/إبريل عام 2020، إبّان عهد الإدارة الأمريكية السابقة برئاسة دونالد ترامب، حيث سُمِحَ لشركة دلتا كريسنت إنرجي بالعمل في شمالي سوريا من دون أن تطالها العقوبات، لكنّ الوضع الآن تغير، فوفقاً لمسؤول أمريكي، أخبرت إدارة بايدن شركة دلتا كريسنت إنرجي بالتحضير لإيقاف عملياتها بالمنطقة. وامتنعت وزارتا الخارجية والخزانة الأمريكية عن التعليق فيما يتعلق بقرار إعفاء الشركة عن العمل.

لا تزال شركة دلتا كريسنت إنرجي تأمل في أن تستطيع إنقاذ الصفقة، وفي تبادل للرسائل عبر البريد الإلكتروني مع موقع تقرير نفط العراق  ( Iraq Oil Report ) في أواخر أيار / مايو، أوضح أحد مؤسسي الشركة الثلاثة، جون دورير، بأن التنازل الأساسي مُنحَ من قبل مكتب مراقبة الأصول الأجنبية التابع للخزانة الأمريكية بناءً على سياسة وضعتها إدارة أوباما عندما كان جو بايدن نائباً للرئيس.

وقال دورير في رسالة له عبر الايميل في الثاني والعشرين من أيار / مايو:” لقد مدّدت إدارة بايدن الرخصة الممنوحة لشركتنا عبر مكتب مراقبة الأصول الأجنبية، وبكل تأكيد، إذا ما بدّلت هذه الإدارة من سياستها بالمستقبل،  ليس فقط سيُعرّض ترخيصنا للخطر، ولكنّ هذا القرار سيضع مستقبل الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا وقوات سوريا الديمقراطية على المحك أيضاً”.

إن الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا (AANES)، والتي تتّخذ من روجافا مقراً لها، وتخضع لسيطرة قوات سوريا الديمقراطية الكردية في المقام الأول، هي منطقة غير ساحلية محصورة بين تركيا والعراق، ولا يوجد لها منفذ لمحطة تصدير للنفط. وتُنتج منطقة شمال وشرق سوريا عشرات الآلاف من براميل النفط يومياً، ولكن لا يحقّق ذلك إلا جزءً صغيراً من إمكانات إيراداتها. 

وفي ظل غياب الدعم والتمويل الدولي إضافةً للمعدات، لا تستطيع الإدارة في روج آفا تأمين مستلزمات الإنتاج أو القيام بعملية تكرير النفط، وفي ظل غياب وجود اتفاقيات رسمية من أجل التصدير، فإن النفط السوري يُباع بأسعار زهيدة بعيدة عن أسعار النفط العالمية.

وبموجب الترتيب القائم، والذي أورده موقع تقرير نفط العراق (Iraq Oil Report) في تحقيق أجراه العام الفائت، حيث يُباع النفط بعد وضع خصومات كبيرة عليه، ومن ثمّ يُنقلُ إلى كردستان العراق، ومكّن ذلك الإدارة في روج آفا من تأمين السيولة المالية من إنتاجها، ولإنعاش التجارة، يتم بيع النفط بأسعار زهيدة تُقدر بنحو تسعة دولارات للبرميل، ما يعني بأن أكثر المستفيدين من هذه العملية هم سائقي الشاحنات والتجار والسماسرة.

وأوضح تاجر من محافظة دهوك، إن النفط السوري الخام، والذي يُشار إليه بـ ” المحمودية ” أو ” توب زاوا ” ، لا يزال يُنقل إلى المصافي في كلٍّ من دهوك وهولير”أربيل” عاصمة إقليم كردستان، وتشير تقارير بأن العميل الرئيسي للنفط السوري في إقليم كردستان هي مصفاة لاناز في هولير.

وجزء من الاتفاق بين شركة دلتا كريسنت إنرجي وإدارة روج آفا، هو تأمين طريق آمن لتصدير النفط، وقال دورير، إن الحكومة العراقية الفدرالية ” أعطت الموافقة على ذلك ولكنه لم يُنفذ بعد “، ورخصة التصدير المعلقة بانتظار تجديدها من مكتب مراقبة الأصول الأجنبية، والتي حظيت في بادئ عملها على موافقة الحكومة الأمريكية، وأضاف بأن 98٪ من عقود مبيعات النفط لشركة دلتا كريسنت إنرجي ستعود بالفائدة على الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا لدعم اقتصاد المنطقة.

وقال دورير، إن شركة نقل عراقية حصلت على تراخيص النقل من الحكومة العراقية، ولم يُفصح عن اسمها.

وأوضح أنه تم إعلام شركة دلتا كريسنت إنرجي بذلك، وإذا ما جدّدت تراخيص العقود المبرمة من قبل مكتب مراقبة الأصول الأجنبية، سيقوم العراقيون بفتح معبر ربيعة غربي العراق والسماح لشركة دلتا كريسنت إنرجي لنقل النفط ليُشحن عبر ميناء البصرة. فيما نفى مسؤول عراقي رفيع المستوى إقرار أيّة تراخيص لتصدير النفط عبر أراضي العراق.

تتمتع شركة تسويق النفط العراقي  (SOMO)  بحقوق الامتياز على النفط العراق الخام وصادرات الوقود، وموافقتها ضرورية لأيّة عمليات تصدير عبر الموانئ العراقية الجنوبية، ونفت أيضاً بدورها وجود أيّة تعاملات مع شركة دلتا كريسنت إنرجي، حيث أوضحت شركة تسويق النفط العراقي  (SOMO)  بتصريح مكتوب في 27 أيار / مايو ” نرجو الأخذ بعين الاعتبار أنه لا يوجد أيّة علاقة تجارية تربطُنا بشركة دلتا كريسنت إنرجي، ولم يتم التواصل معهم”.

أجرت شركة دلتا كريسنت إنرجي مباحثات مع إقليم كردستان حول احتمالية التصدير عبرها في أيلول / سبتمبر عام 2020، لكنْ لم يتوصّل الطرفان لأي اتفاق، وفقاً لكلٍّ من دورير ومسؤول رفيع المستوى بإقليم كردستان.

وقال دورير” لا نملك تفويضاً يسمح لنا بتصدير النفط إلى كردستان العراق، والتصدير إلى وعبر إقليم كردستان العراق أمر حيوي بالنسبة لنا، و ونحن مستمرون بالحوار مع الأطراف المعنية بخصوص ذلك”.

جهود شركة دلتا كريسنت إنرجي معقدة نتيجة للوضع السياسي المحيط بإدارة ترامب ومزاعم الرئيس السابق بأن مَهمّة القوات الأمريكية في سوريا هو ” تأمين النفط”، وقد تبرّع دورير بالمال للسيناتور ليندسي غراهام، الذي كان عضواً في لجنة العلاقات الخارجية بمجلس النواب الأمريكي عندما حصلت شركة دلتا كريسنت إنرجي على موافقة الترخيص من مكتب مراقبة الأصول الأجنبية، وعمل أيضاً على استقطاب الرأي العام لتقديم الدعم للشركة، وفي آب/أغسطس عام 2020، أعرب وزير الخارجية آنذاك مايك بومبيو عن دعمه للاتفاق .

تقدّمت أربع شركات للحصول على موافقة مكتب مراقبة الأصول الأجنبية، وحصلت شركة دلتا كريسنت إنرجي فقط على امتياز الترخيص، وأعطت الشركة صلاحيات حصرية في التفاوض مع الإدارة في روج آفا، أثار ميل الجمهوريين في واشنطن للمحابّاة السياسية طرح تساؤلات حول ما إذا كانت الصفقة ستبقى سارية المفعول في عهد الديمقراطيين بإدارة جو بايدن.

وأضاف المسؤولون أن الولايات المتحدة أكدت على شراكتها مع الإدارة الذاتية في شمال وشرق سوريا، وأن الوجود الأمريكي بالمنطقة ” هو فقط من أجل قتال تنظيم ميليشيا الدولة الإسلامية الذين لا يزالون نشطين بالمنطقة، ووجودهم هناك ليس لأي سبب آخر، هم ليسوا هناك من أجل حماية النفط أو لاستغلال عائدات النفط”.

في 21 أيار / مايو، نشر موقع المونيتور أن إدارة بايدن قررت عدم تمديد الترخيص، وعبر مبادلات رسائل بالإيميل في وقت لاحق، قال دورير إن التقرير سابق لأوانه، وأن الشركة تتابع عملها على افتراض أن الترخيص سيُجدد.

وفي 27 و 28 من أيار / مايو، نشرت كل من وكالة أسوشيتد برس، وذا ديلي بيست تقريراً عن أنّ الحكومة الأمريكية حسمت أمرها بعدم تجديد الترخيص الممنوح من قبل مكتب مراقبة الأصول الأجنبية، ولم يرُدّ دورير على تساؤلات موقع تقرير نفط العراق عبر الإيميل بعد نشر هذه التقارير .

وإعطاء الترخيص من قبل مكتب مراقبة الأصول الأجنبية جاء وفقاً لأمرٍ تنفيذي صُدِرَ في آب / أغسطس من العام 2011، والذي ينصُّ على أنّ ” بالإمكان إصدار تراخيص لكلِّ قضية على حِدىٍ لإعطاء الأمريكيين الضوء الأخضر للانخراط بأيّة معاملة محظورة وفقاً للشقِّ الثاني من الأمر التنفيذي ذي الرقم 13582، بما في ذلك الاستثمارات الجديدة التي تنطوي على عمليات الشراء والتجارة والاستيراد والتصدير، أو إنتاج النفط أو المنتجات النفطية من أصل سوري لصالح  الائتلاف الوطني السوري لقوى الثورة والمعارضة أو داعميها “. وقال دورير، إن بنود الترخيص الأصلي الذي مُنِحَ في نيسان / إبريل من العام 2020 وتمديده لنهاية إيار / مايو 2021 من قبل إدارة بايدن هي متماثلة.

لم تُبلّغ شركة دلتا كريسنت إنرجي “بانتهاء الترخيص” من قبل مكتب مراقبة الأصول الأجنبية أو أيّة وكالة أخرى من الحكومة الأمريكية، هذا ما قاله عندما طُلِبَ منه توضيحٌ فيما إذا التمديد الذي منحته إدارة بايدن لشركة دلتا كريسنت إنرجي و مدته 90 يوم هو لترتيب إنهاء وجودها من هناك، ولا يزال موقع وزارة الخارجية يتضمن دعوة للأمريكيين للاستثمار في صفقات نفطية بشمال وشرق سوريا، حسب قوله.

وأوضح دورير، أن حصول شركة دلتا كريسنت إنرجي على ترخيص لمدة عامين في كانُون الثّانِي / يَنَاير عام 2021 ، مضيفاً أن مكتب مراقبة الأصول الأجنبية يمنح تراخيصلً لمدة عام، وبإمكانه أيضاً السماح لمدة عامين . موضحاً ” لم نتلقَّ في الاجتماعات التي نجريها أيّة دلالات بأن الدعم بدأ بالانحسار، بل على النقيض تماماً في الواقع”.

وأضاف دورير أن السفارة الأمريكية في بغداد أنهت في الأسابيع الأخيرة التواصل مع شركة دلتا كريسنت إنرجي على مبدأ ” كل القرارات المتعلقة بجهودنا تُصدر من واشنطن “، واستهجن البعثة الدبلوماسيّة الأمريكية في العاصمة العراقية التي قيّدت الدعم للمصالح التجارية للشركة الأمريكية.

إن احتياطي النفط السوري متواضع، وتدهور الإنتاج لمستويات قياسية على مدى عقدين من الزمن، والعديد من أصنافها الخفيفة من النفط الخام قد نضُبت، وبمراجعة إحصائية للطاقة العالمية عام 2020 لشركة بي بي ، والتي كانت تُعرف في السابق باسمِ بريتيش بتروليوم، أن احتياطي النفط السوري توقف عند حاجز 2.5 مليون برميل بحلول نهاية عام 2019 .

ومعظم حقول النفط السورية تقع في الشمال والشرق، وتنتشر منشآت تكرير النفط الخام حول شمال وشرق سوريا، سابقاً كان النفط السوري ومركز صناعة الغاز يُشكّلان مخاطر جسيمة على البيئة، ونسبة الكبريت مرتفعة بالنفط السوري، ناهيك عن كونه من النوع الخام الثقيل.

وتُخطّط شركة دلتا كريسنت إنرجي بإنشاء مصفاة لتكرير النفط إذا ما تم تجديد الترخيص الذي لا يزال قيد النظر فيه من قبل مكتب مراقبة الأصول الأجنبية .

وقد دمرت العقوبات ضد نظام الأسد قطاعي النفط والغاز السوريَّين، وكذلك فالبلد محظور من استيراد أية مشتقات نفطية مكررة، والذي يعتمد بدوره على شحنات من حليفتها إيران، التي تخضع بدورها لعقوبات وممنوعة من تصدير النفط الخام والإنتاج المكرر.

المسؤولون في الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا المنخرطين في قطاع الطاقة، هم مع تمديد العقد لصالح شركة دلتا كريسنت إنرجي، وأوضح مسؤول بالمنطقة أن شركة دلتا كريسنت إنرجي عملت على تدريب مئات الطواقم المحلية، لكن على مايبدو هنالك تردُّد لمزيد من الاستثمار وبعض العمل تم تأجيله.

وقال المسؤول :” نحن في الاتجاه الصحيح مع شركة دلتا كريسنت إنرجي، وآمل أن تنطلق مشاريعها في أقرب وقت ممكن، وأن التمديد لشركة دلتا كريسنت إنرجي أو أيّة شركة نفط أمريكية أو دولية أخرى مشابهة سيُحقق الفائدة لجميع السوريين، والبديل لهذه الشركات الكبرى يعتمد على مصاف صغيرة ذات قدرات متدنيّة وما لَها من تأثيرٍ كبيرٍ مُضرٍّ بالبيئة “.

موقع تقرير نفط العراق ( Iraq Oil Report)

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد