سيث جاي فرانتزمان
من المرجح أن تواجه إسرائيل في العام القادم مسار مسدود فيما يتعلق بسياستها في سوريا، في الوقت الذي تسعى دول المنطقة لإعادة سوريا إلى جامعة الدول العربية وتفضل وضع حد للإضطرابات والفوضى التي رسخت الحرب الأهلية السورية لعقد من الزمن مع استمرار قبضة نظام بشار الأسد على الحكم.
هذا ليس بالأمر سهل في ظل وجود الولايات المتحدة وقوات سوريا الديمقراطية اللتان تتمعان بالقوة وتسيطران على شرق الفرات، بينما تحتل تركيا بدورها شمال سوريا. علاوة على ذلك لا تزال هناك معضلة اللاجئين، كما أن النظام السوري في وضع يرثى له، وتمتع كل من روسيا وإيران بسطوة وتأثير قويين في الساحة السورية.
ما تخشى إسرائيل منه في المقام الأول هو توسع النفوذ الإيراني. حيث دأبت إيران التعاون مع النظام السوري لعدة عقود، بيد إنها في الأعوام الأخيرة بدأت بإنشاء قواعد لها وإرسال عناصر من الحرس الثوري الإيراني إلى سوريا وكذلك عمدت إلى دعم الميليشيات ونشر قوات حزب الله بمناطق محاذية للحدود الإسرائيلية على مقربة من الجولان .
وقد تصدت إسرائيل لنفوذ الأذرع الإيرانية التي لا حَصْرَ لها. فقد أوضح القائد السابق للقوات الجوية الإسرائيلية اللواء عمير إيشيل، والذي يشغل في الوقت الحالي منصب المدير العام لوزارة الدفاع الإسرائيلية، بأن إسرائيل قامت بإستهداف شحنات أسلحة في سوريا كانت متجهة صوب حزب الله، وذلك في شهر آب( أغسطس) عام 2017، حوالي ١٠٠ مرة.
وفي كانُون الثّانِي ( يناير) ٢٠١٩ أخبر رئيس أركان الجيش الإسرائيلي السابق غادي أيزنكوت صحيفة نيويورك تايمز بأن إسرائيل ضربت حوالي 1000 من الأهداف الإيرانية في سوريا. وبعملية حسابية بسيطة فأن هنالك تصاعد ملحوظ بعدد الهجمات والتي قفزت من ١٠٠ هجوم على مدى الخمسة أعوام الماضية لتصل إلى 1000 ضربة وذلك عند وصول نهاية عام 2019.
تزامن هذا التصعيد في ظل تزايد تواجد إيران في سوريا خلال العامين ٢٠١٨ – ٢٠١٩. وقد عملت إيران على تأسيس قاعدة للطائرات المسيرة بمطار التيفور (T-4) في سوريا لاختراق المجال الجوي الإسرائيلي وذلك في شُبَاط ( فبراير ) عام ٢٠١٨ . وقد إستخدمت طائرة مسيرة أخرى خلال الصراع في شهر أيار ( مايو ) الفائت لإختراق المجال الجوي الإسرائيلي بالقرب من مدينة بيسان.
رسخت إيران لجلب نظامها الجوي المتطور الذي يستند على تقنية ثلاثية الابعاد إلى مطار التيفور ( T-4 ) في سوريا وذلك في نيسان ( إبريل) عام ٢٠١٨. وفي خريف العام ٢٠١٩ ارسلت إيران فريق ” الطائرة المسيرة القاتلة” المكون من عملاء حزب الله على مقربة من الجولان لتقوم إسرائيل بإستهداف الفريق في آب ( أَغُسْطُس) بنفس العام. ويشار أن في شهر أيلول (سبتمبر) استخدمت إيران الطائرات المسيرة لشن هجمات ضد السعودية.
أظهرت صور الأقمار الصناعية والتي إنتشرت بشكل ملحوظ في الإعلام عام ٢٠١٨ ، بما في ذلك شن ضربات جوية بالقرب من البوكمال ومواقع بالقرب من دمشق، والتي جميعها دللت على حجم التوسع الكبير للبرنامج الإيراني.
أنشأت إيران قاعدة لها تدعى ” الإمام علي ” عند الحدود السورية مع العراق على سبيل المثال. وفي تشرين الثاني ( نوفمبر) عام ٢٠١٧ ، كشفت بي بي سي (BBC) ، إستنادا إلى معلومات إستخبارات غربية، بأن إيران كانت تنشأ ” قاعدة بموقع يتواجد فيه الجيش السوري بالقرب من الكسوة، تبعد نحو ١٤ كم (8 أميال) جنوب دمشق و٥٠ كم ( ٣٠ ميل) من الحدود الإسرائيلية”.
وعلى ما يبدو فإن الأمور في الوقت الحالي قد تغيرت. فعندما كان نفتالي بينيت يشغل منصب وزير الدفاع آشار إلى أن إيران كانت تسحب قواتها من سوريا في أيار ( مايو) عام 2020 . وقد أشارت تقارير بأن إيران ربما تخفض قواتها ثانية، ومع كل ذلك لا تزال لها سطوتها بأجزاء من سوريا. كما قامت الولايات المتحدة بشن هجومين عبر سلسلة من الضربات الجوية إستهدفت الجماعات التابعة لإيران في سوريا، والتي أصبحت تشكل مصدر تهديد للقوات الأمريكية بحقلي عمر وكونيكو في شرقي البلاد.
وفي غضون ذلك، فإن المناطق المحيطة بدرعا في سوريا، والتي أعاد النظام السوري فرض سيطرته عليها في العام ٢٠١٨ و كذلك التي من المفترض أن تشهد إجراء مصالحة بين النظام وروسيا من جهة والمقاتلين السابقين من جهة أخرى، لا تزال تشهد موجة إضطرابات وكذلك قيام المقاتلين السابقين من المعارضة بشن العمليات ضد عناصر النظام.
وأفادت تقارير بأن إسرائيل تتأهب للحصول على مزيدا من التكنولوجيا المتطورة من الولايات المتحدة في ظل تنامي خطر إيران النووي. وقال المبعوث الفرنسي إلى إسرائيل خلال هذا الاسبوع بأنه يجب عدم السماح لإيران بحيازة سلاح نووي.
في غضون ذلك، يعيش لبنان حالة من الفوضى نتيجة للمشاكل الإقتصادية وتنامي دور حزب الله، فضلاً على أن الحكومية العراقية في حالة يرثى لها، حيث ترزح تحت حكم الميليشيات الإيرانية والتي أضحت أكثر قوة من الحكومة.
وسط هذه التطورات، تسعى دول مثل مصر لعقد تسوية مع سوريا وعودة المياه إلى مجاريها، حيث تجري محادثات مع الأردن والعراق والخليج حول إيجاد طريقة بهدف الترحيب بعودة سوريا للعالم العربي وإبعادها عن تركيا وإيران، والسؤال الذي يطرح نفسه ما الذي تعني هذه التطورات بالنسبة لإسرائيل؟
في البداية هنالك تساؤلات حول حرية إسرائيل لشن عمليات في سوريا ضد التهديدات، الحملة التي تدعى ” حرب وسط حروب” أو ” حملة وسط الحروب”. وهنالك تساؤلات حول ترسيخ النفوذ الإيراني و ” الطريق إلى البحر” والذي تسعى إيران لإنشائه من مدينة البوكمال إلى مطار التيفور ( T-4) و دمشق ومن ثم إلى بيروت. وتحوم عدة أسئلة ملحة حول الخطوة التالية التي ستقدم الولايات المتحدة القيام بها في سوريا، وأيضاً وما الذي يدور في خلد كل من تركيا وروسيا.
مع وجود هذا الكم الكبير من القضايا والمواضيع والتي يجب التعامل معها بآن واحد، فإنه من المرجح أن يتم دراسة إستراتيجية إسرائيل مع الحكومة الجديدة في القدس عن كثب. والهدف من هذه الإستراتيجية هو التقليل من التواجد الإيراني والحد من تهديداتها.
إن الهدوء النسبي في سوريا فيما يتعلق بإسرائيل لا يمكن الرهان عليه، حيث تشير المعطيات بأن هذا الهدوء هو مؤقت بحكم إن إيران مشتتة وتائه في الوقت الراهن. ستحتاج إسرائيل إلى التنسيق والتعاون مع الخليج ومصر والأردن والولايات المتحدة بغية مراقبة التطورات المستقبلية على هذه الجبهة.
جيروزاليم بوست