“هذه منطقة موت ونحن متواطئون فيها”.. لماذا ينزعج الإنجيليون من سياسة “ترامب” في سوريا؟

ديردري شيجرين | يو.إس.إيه توداي

عندما سمع بسام إسحاق أن نائب الرئيس مايك بنس حقق وقفا لإطلاق النار في سوريا، يضمن حماية الأقليات الدينية، شعر بموجة من التفاؤل بأن عائلته في الوطن ستكون آمنة، لكن في الأسابيع التي تلت الإعلان عن هذه الصفقة في تركيا في 17 أكتوبر/تشرين الأول، كان مسقط رأس “إسحاق” في شمال سوريا بات شبه فارغا، حيث فر المسيحيون والكرد وسط مخاوف من اضطهاد الميليشيات المدعومة من تركيا.

عندما أعلن وقف إطلاق النار، أكد “بنس” التزام تركيا بحماية الأقليات الدينية والعرقية في المنطقة، لكن “إسحاق” وآخرون يقولون إن “الجماعات شبه العسكرية المتطرفة لم تلتزم بالصفقة التي توسطت فيها الولايات المتحدة، حيث استمرت في شن هجماتها وترويع السكان في طريقهم”.

وقال “إسحاق”، الذي غادر سوريا في عام 2011 ويعيش الآن في “واشنطن”: “إنهم خائفون.. هذه مجتمعات نشأت وهي تسمع قصصًا عن الإبادة الجماعية التي ارتكبتها تركيا ضد شعبها عام 1915″، حيث كان يشير إلى “مذبحة السيفو”، المذبحة غير الشهيرة لحوالي 300000 مسيحي على يد العثمانيين خلال الحرب العالمية الأولى. وقال “إسحاق”، لموقع “يو.إس.إيه توداي”: “بالنسبة لهم أن يروا هذا يحدث مثل التاريخ يعيد نفسه. ولهذا يهربون”.

زار السرياني المسيحي، البالغ من العمر 60 عامًا منزله آخر مرة في عام 2018؛ وهو يمثل الآن مجلس سوريا الديمقراطية، الذراع السياسي لقوات سوريا الديمقراطية المتحالفة مع الولايات المتحدة في “واشنطن”. تساعد مخاوف “إسحاق” في تفسير سبب رد الفعل الشديد من الزعماء المسيحيين في الولايات المتحدة تجاه الأزمة في سوريا، ما دفع بعض أكثر المدافعين عن الرئيس دونالد ترامب إلى التعبير عن غضبهم بسبب قراره سحب القوات الأمريكية من شمال شرق سوريا.

يقول النقاد إن خطوة “ترامب” أعطت تركيا الضوء الأخضر لغزو سوريا وخيانة القوات الكردية، المعروفة باسم قوات سوريا الديمقراطية، الحليف الرئيسي لأمريكا في الحرب ضد تنظيم “داعش” الإرهابي. الآن، يتوقع البعض أنه سيكون هناك “تطهيرا عرقيا” ضد الكرد المتحالفين مع الولايات المتحدة، وكذلك الإيزيديين والأقليات الأخرى في شمال سوريا.

لا يوجد عدد دقيق لعدد المسيحيين الذين يعيشون في هذه المنطقة، لكن بعض الخبراء قدّروا الرقم بحوالي 100000. المنطقة متنوعة، حيث يعيش العرب والأكراد والإيزيديون وغيرهم في وئام نسبي. سيطرت قوات سوريا الديمقراطية، وهي أيضًا قوة مختلطة عرقيًا، على هذه المنطقة بعد اندلاع الحرب الأهلية السورية. الآن، ومع ذلك، دخلت تركيا والقوات الحكومية السورية، ويتنافس الجميع من أجل السيطرة.

دافع “ترامب” وغيره من كبار مسؤولي البيت الأبيض بقوة عن قرار سحب القوات الأمريكية المتمركزة على الحدود التركية السورية. وصرح وزير الخارجية مايك بومبيو، لصحيفة “فوكس نيوز”، في 30 أكتوبر/تشرين الأول: “لقد تعهد القادة الأتراك بالتزامات حقيقية لنائب الرئيس وأنا عندما كنا على أرض الواقع في أنقرة”، وسافر “بومبيو” مع “بنس” لحضور مفاوضات 17 أكتوبر مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان. وقال “بومبيو” إن إدارة “ترامب” ستواصل مراقبة الوضع والتأكد من التزام تركيا بالاتفاقية، وقال إنه لم يتلق تقارير عن حدوث إبادة جماعية في المنطقة. كما أذنت الإدارة بمبلغ 50 مليون دولار كمساعدات للمسيحيين والأقليات الدينية والإثنية الأخرى في شمال شرق سوريا.

وقال مسؤول كبير في الإدارة، تحدث شريطة عدم الكشف عن هويته لتقديم تقييم صريح، إن “البيت الأبيض تلقى تقارير متضاربة من داخل سوريا، والمسؤولون يدركون تمامًا احتمال تصاعد العنف”، وقال هذا المسؤول: “بالتأكيد لن نعلن عن تطهير عرقي في الوقت الحالي، لكننا ندرك، ندرك تمامًا، هذا الاحتمال، وكان من الواضح جدًا أننا لا نرغب في تحمله”.

الوضع في سوريا ليس مجرد مشكلة سياسية خارجية مشحونة بالتوترات، كما أن له عواقب سياسية محلية. إذا أصبح الإنجيليون مستاءون من “ترامب” بسبب سياسته تجاه سوريا، فقد يكلفه ذلك غالياً في انتخابات عام 2020. أيد الناخبون الإنجيليون البيض “ترامب” بهامش ساحق في انتخابات عام 2016، وظلوا مخلصين للغاية وسط سلسلة من الجدل، لكن قرار “ترامب” بسحب معظم القوات الأمريكية من سوريا أثار صدعًا. ولعل أبرز الانتقادات جاءت من الداعية التلفزيوني بات روبرتسون، الذي انتقد قرار “ترامب” وقال إن الرئيس “يواجه خطر فقدان ولاية السماء”.

وقال “روبرتسون”، خلال حلقة في السابع من أكتوبر/تشرين الأول: “الرئيس، الذي سمح بقتل صحفي واشنطن بوست جمال خاشقجي، دون اتخاذ أي تداعيات على الإطلاق، يسمح الآن بقتل المسيحيين والكرد على أيدي الأتراك”، فيما رفع آخرون أصواتهم كذلك، حيث يقوم المبشر المسيحي الأمريكي في سوريا ديفيد يوبانك، بنشر صور ومقاطع فيديو شبه يومية على “تويتر”، يعرض فيها الأزمة التي تتكشف في الوقت الفعلي ويدعو “ترامب” إلى عكس المسار.

ويقول “يوبانك”، أحد مؤسسي فريق “بورما رينجرز”، وهو مجموعة إنسانية تساعد الأقليات العرقية في مناطق الحرب: “إنها منطقة موت، ونحن متواطئون.. لقد ابتعدنا عن معرفة ما سيحدث”.

حاول مسؤولو إدارة “ترامب” تهدئة العاصفة الإنجيلية، والتواصل مع القادة الإنجليين. وقد ذهبت فيكتوريا كوتس نائبة مستشار الأمن القومي لـ”ترامب” لشؤون الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، إلى محاولة معالجة المخاوف التي أثارها مقدم أحد البرامج المسيحية توني بيركنز، وهو زعيم مسيحي محافظ قوي، بينما أكد زعماء مسيحيون آخرون أنه “على الرغم من أن المنطقة ذات أغلبية مسلمة، فإن هناك بعض من أقدم المجتمعات المسيحية هناك، وأعتقد أنه من المهم أن يبقوا هناك”.

بعد وقف إطلاق النار الذي توسطت فيه الولايات المتحدة، وافقت تركيا وروسيا على القيام بدوريات مشتركة على طول الحدود التركية السورية. وحتى التوغل التركي، كانت تلك المساحة من الأراضي خاضعة للسيطرة الكردية، ويقول الخبراء إن الكرد كانوا يحكمونها بطريقة ديمقراطية، مما يمنح السكان حريات أكثر من معظم أنحاء المنطقة. لكن الآن، تقول منظمة العفو الدولية وغيرها من جماعات حقوق الإنسان، إن “حكومة أردوغان بدأت في ترحيل اللاجئين السوريين، الذين فروا إلى تركيا خلال الحرب الأهلية المستمرة في سوريا، عائدين إلى شمال سوريا، على الرغم من أن العديد منهم جاءوا من أجزاء أخرى من البلد الذي مزقته الحرب”.

جادلت الحكومة التركية بأن السوريين يعودون طواعية إلى “منطقة آمنة” أقامتها تركيا بتوغلها العسكري، لكن المدافعين يقولون إن “الأمر ليس آمناً”، وقالت منظمة العفو الدولية إنها وثقت حالات اللاجئين الذين أُرغموا على العودة. وقال إيمي أوستن هولمز، الباحثة الزائرة في مبادرة الشرق الأوسط بجامعة هارفارد: “أعتقد أننا نشهد بالفعل بداية التطهير العرقي”. وأضافت: “خطة (أردوغان) هي استبدال الأشخاص الذين فروا مع اللاجئين من تركيا.. إنها فوضى في الأساس، ولا أحد مستعد للوقوف في وجه تركيا”.

وقال مسؤول في إدارة “ترامب” إن “البيت الأبيض يدعم الجهود المبذولة لإعادة اللاجئين إلى وطنهم إذا كانوا على استعداد. لكننا لسنا داعمين لإجبار ملايين السوريين على الانتقال إلى أماكن لم يكونوا منها أصلاً”. وقالت: “ليس لدينا وضوح” في الوقت الحالي بشأن تصرفات تركيا ونواياها. وقد سلطت “هولمز”، التي عملت في سوريا وأجرت مقابلات مع المقاتلين الكرد والمدنيين السوريين مؤخراً، الضوء على الصلة التاريخية بمذبحة سيفو عام 1915 في مقابلات مع المسيحيين السريانيين.

“نحن نعتبر التهديد التركي تهديدًا وجوديًا ضدنا”، هكذا تقول إليزابيث كورية المسيحية السريانية التي نجت أسرتها من مذبحة “سيفو”، لـ”هولمز”. وقالت “كورية”، وهي ناشطة سياسية في شمال شرق سوريا جاءت مؤخراً إلى “واشنطن” للضغط من أجل مساعدة الولايات المتحدة بينما يتأقلم مجتمعها مع غزو تركيا: “إنهم يريدون أن يأخذونا من وطننا مرة أخرى”. تأمل “هولمز” وآخرون أن يدفع الضغط، على الصعيدين الدولي والمحلي، “ترامب” إلى عكس المسار وإرسال قوات ليس فقط لحماية حقول النفط السورية في شرق سوريا ولكن أيضًا للشعب السوري الذي يعيش في الشمال. وقالت “هولمز”: “أعتقد أنه إفلاس أخلاقي إذا استخدم الجيش الأمريكي لحماية حقول النفط، بينما نسمح لحلفائنا بالسقوط ضحية التطهير العرقي من قبل تركيا”.

كان “يوبانك” صريحا في دعوته في 30 أكتوبر، حيث قال: “يتعين علينا إعادة الانخراط.. وعلى المسؤولين الأمريكيين التوقف عن وصف المنطقة التي تسيطر عليها تركيا في شمال شرق سوريا بأنها (منطقة آمنة)”، مضيفا: “الكرد والمسيحيون يطلقون عليها (منطقة إبادة جماعية)”.

—-

للاطلاع على النص الأصلي باللغة الإنجليزية.. اضغط هنا

ترجمة: أمنية زهران

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد