نواف خليل
دأبت قناة (أورینت) على بث الأحقاد والكراھیة بصورة لا مثیل لھا، وبشكل بعید كل البعد عن المھنیة وأخلاق الكلمة، دون أي اعتبار للمعاییر الإعلامیة وأصول العمل الصحفي. قناة (أورینت) لمالكھا غسان عبود الذي التحق بركب -بل ركب- ثورة السوریین على نظام القمع والظلم والمصادرة. تلك الثورة التي كانت في بدایتھا مثالا على التلاحم الموجود بین أغلب مكونات الشعب السوري، حتى انتقل إلیھا عبود وأمثالھ من معسكر النظام، لیحولوھا إلى حرب طائفیة عبر التحریض والشتم والنبش في الخلافات التاریخیة، بون أي وازع أخلاقي أو حس وطني أو إنساني مسؤول.
غسان عبود، ومنذ إعلانه المشؤوم قطع العلاقات مع النظام الذي كان یخدمه والانضمام إلى الثورة، لم یتوان عن الھجوم والتحریض ومحاولة الحط من قیمة مكونات سوریة، عبر منبره الذي لا یزال للأسف یبث من عاصمة التسامح مدینة “دبي” في الإمارات العربیة المتحدة. ھذا الـ”عبود” تعود أن یفعل ما یشاء، فلا أحد یحاسبه. حتى الاحتفال الذي أقامھ بدخول “جبھة النصرة” إلى مدینة إدلب ـوالتي یعاني سكانھا الآن مختلف صنوف المعاناة والعذاب من ھذا التنظیم الإرھابي- مضى دون محاسبة.
المشكلة لا تكمن في ماھیة عبود وقناته، لكن في وجودھا في دولة الإمارات، وبالتحدید في إحدى مدنھا التي باتت رمزا عالمیا للتسامح. الإمارات التي أسست وزارة التسامح التي یترأسھا الشیخ نھیان آل مبارك، وحینما تذھب إلى صفحة وزارة التسامح ستجد عدة كلمات، من بینھا كلمة للشیخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئیس الدولة رئیس مجلس الوزراء حاكم دبي، یقول فیھا: “نحرص على التسامح، لأن التاریخ معلم قدیر، والحاضر أخبرنا أن ما حدث في السنوات الخمس الماضیة في منطقتنا كان سبب التعصب وعدم التسامح الدیني والطائفي والفكري، ودعما للتسامح بكافة أشكاله وأنواعه، عیننا وزیرا للتسامح”.
كلام جمیل ومھم ویستحق التقدیر، ولكن السؤال كیف یمكن أن ینطلق من دبي التي یحكمھا الشیخ محمد قناة لم تتوقف لحظة واحدة ومنذ سنوات طویلة، عن التحریض وبث الكراھیة والترویج لمختلف الجماعات التكفیریة الإجرامیة، بما فیھا “داعش” التي دافع عنھا عبدالجبار العكیدي على شاشة القناة یوما، ومر حدیثه مرور الكرام؟ كیف لقناة أن تسمح بتطاول أسعد الزعبي على الشعب الكردي في سوریا، وھو الذي خدم في أعتى الأجھزة الأمنیة السوریة، وكان جزءً من آلة القتل والقمع؟ كیف ینطلق من عاصمة التسامح كل ھذا الكم الھائل من الأحقاد القومیة والطائفیة والمذھبیة وحفلات الشتائم والإھانات والتحریض التي تطلقھا القناة ومالكھا، دون أي احترام لقیم الإمارات وشعبھا، وفي انتھاك لتعلیمات قادتھا وشیوخھا في التسامح وصیانة الكرامة الإنسانیة؟ربما یقول البعض إنھا حریة التعبیر والرأي المتاحة في الإمارات، لكنني أقول إنه لو كانت ھذه القناة تبث من باریس أو لندن لتم إیقاف برامجھا وتقدیم كادرھا إلى المحاكم بتھمة تأیید الإرھاب والقتل والترویج للإجرام وإھانة معتقدات وأصول الناس.
وعلى ذكر الملاحقة القانونیة، ھناك جھات حقوقیة كردیة ستلاحق القناة قانونیا في ظل الكم الھائل المتوفر من المستندات التي تدین القناة ومالكھا الذي یقیم ویملك إقامة رسمیة في بلجیكا، وبالتالي فھو یخضع للقوانین البلجیكیة وقوانین الاتحاد الأوروبي.
قناة (أورینت) نموذج للانحدار الإعلامي، تم استخدامھا ولا یزال لتمریر الأجندة الشخصیة والمالیة لغسان عبود الذي یمكن ملاحقتھ قضائیا بكل سھولة ویسر، لیس فقط بسبب احتفاله المشین بدخول “جبھة النصرة” إلى إدلب، بل بسبب ما یكتبه من تحریض على القتل والإرھاب وبث الكراھیة والدعوة للعنف، فأوروبا لیست كما یتصورھا “عبود” أو غیره، حیث الدیمقراطیة لھا معاییرھا الصارمة وھي لا تقبل إطلاقا التحریض والبذاءات العنصریة الذي یبثھا عبود وقناتھ تحت دعاوى “حریة الرأي والتعبیر”.
وحینما یمثل عبود أمام القضاء الأوروبي، في قفص الاتھام (حیث المكان الطبیعي له ولأمثاله من دعاة القتل والعنف والعنصریة)، سیعرف ماذا نعني بحریة الرأي والتعبیر وفق الأصول والقواعد الأوروبية.
في النھایة، آمل أن تتحرك سلطات الإمارات العربیة المتحدة لوقف ھذا الرجل الذي یضر بسمعتھا ووجھھا الحضاري، وإیقاف بث قناتھ المشبوھة ووضعھ أمام الكم الھائل من أعمال التحریض والكراھیة ودعم الإرھاب التي قام بھا في السنوات الأخیرة. أتمنى رؤیة دبي واحة للتسامح والمحبة بدون مستنقعات آسنة یسبح فیھا أشخاص عنصریون موتورون.
——
*مدير المركز الكردي للدراسات