مؤشرات تبدل الموقف الأميركي من إيران

محمد سيد رصاص
أبلغ مسؤول أوروبي كبير احدى جهات المعارضة السورية أن سبب امتناع الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما عن توجيه الضربة العسكرية الكبرى للنظام السوري في أعقاب الهجوم الكيماوي على الغوطة الشرقية في أغسطس/آب 2013، كان تهديد طهران بالانسحاب من مفاوضات الملف النووي الإيراني. وتقاربت واشنطن مع الإيرانيين بقوة في صيف 2014 بعد سقوط الموصل بيد تنظيم داعش لدرجة غض فيها أوباما النظر عن تشكيل قوات الحشد الشعبي في العراق التي كانت واضحة التبعية لطهران. ويبدو أن حسابات الرئيس الأميركي من الصفقة النووية الإيرانية كانت من العمق الاستراتيجي بمكان لدرجة أنه لم يلتفت لاعتراضات الحلفاء في تل أبيب والرياض.
لم يبدأ هذا العشق الأميركي لإيران في 2013 بل 2033 حينما أدى احتلال العراق إلى تولي القوى الشيعية العراقية الموالية لطهران زمام السلطة  في بغداد. وكان هذا ظاهراً في تركيبة مجلس الحكم الانتقالي الذي أعلنه الحاكم الأميركي للعراق بول بريمر في يوليو/تموز 2003. ولم يكن خافياً عن دوائر صنع القرار في واشنطن أن الخريطة السياسية العراقية ما بعد صدام حسين ستقود لفوز تلك القوى الشيعية بأغلبية مقاعد البرلمان المنتخب عام 2005، وهو ما حصل على التوالي حتى انتخابات 2022 الأخيرة. ثم كان الفصل الأميركي الثاني في بيروت عندما تمخض مؤتمر الدوحة، بعد قليل من عملية 7 مايو/أيار 2008 التي استعرض فيها حزب الله قوته العسكرية بعملية عسكرية خاطفة احتل فيها بيروت، عن معادلة سياسية لبنانية جديدة كرست هيمنة حزب الله على الحياة السياسية اللبنانية برضا أميركي– إيراني. ثم كان الفصل الجديد في صنعاء خريف 2014 عندما سيطر الحوثيون على العاصمة اليمنية وسط لامبالاة أميركية وغضب سعودي. وحتى في الشهور التي أعقبت هجوم 7 أكتوبر/تشرين الأوب 2023، قال الوزير الإسرائيلي غادي ايزنكوت علناً إن الإدارة الأميركية منعت رئيس الوزراء بنيامين نتانياهو من فتح جبهة حرب في لبنان مع حزب الله في الأسبوع الثاني من ذلك الشهر. ولم تؤيد واشنطن الغارة الإسرائيلية على القنصلية الإيرانية في دمشق في أبريل/نيسان العام الماضي واغتيال القيادي في حركة حماس إسماعيل هنية بعد ثلاثة شهور.
وفي دراسات ومقالات عديدة أوائل الثمانينيات، تمت الإشارة لموقف واشنطن المعاكس حيال شاه إيران من ذاك الذي اتخذته في 1953 حينما ساهمت بعودته إلى السلطة عبر انقلاب عسكري نظمته وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية فيما تركته يسقط أمام الإسلاميين عام 1979. ووفق تلك الدراسات والمقالات، ما كان للرئيس الفرنسي جيسكار ديستان أن يسمح باستضافة رجل الدين الإيراني الخميني خريف 1978 في باريس وأن يقود الثورة من هناك من دون رضا واشنطن، وأن واشنطن فكرت آنذاك باستخدام الإسلام، بجناحيه السني والشيعي، ضد السوفيات، الذي كان حلفاءهم استولوا عام 1978 على السلطة الأفغانية وعلى اليمن الجنوبي وقبلها بعام في إثيوبيا، وسط مد يساري بدأ عام 1975 بانتصار الشيوعيين في فيتنام وحلفاء موسكو في أنغولا. ويلاحظ هنا أن الخميني هو الذي تصادم مع واشنطن عندما احتل أتباعه السفارة الأميركية في طهران خريف 1979. إلا أن هذا لم يمنع تدفق الأسلحة الأميركية لإيران خلال حربها مع العراق، والذي كشفته قضية «إيران- غيت» عام 1986. وبعد انهيار الاتحاد السوفياتي، تقول تفسيرات إن العشق الأميركي لإيران في القرن الواحد والعشرون سببه الصين، إذ أن واشنطن ترى أن إيران هي الحاجز الجغرافي المانع لوصول بكين إلى منطقة الشرق الأوسط، كما أوكرانيا في الطريق الأوراسي للصين.
ولكن هناك مؤشرات، منذ اشتداد الحرب الإسرائيلية على حزب الله في سبتمبر/أيلول الماضي حتى وقف إطلاق النار، تدل على تغير الموقف الأميركي من إيران، أولها التغطية السياسية الأميركية لتلك الحرب التي شملت قصفاً كثيفاً لمعاقل الحزب في الضاحية الجنوبية والبقاع ومدن الجنوب واغتيال أمينه العام حسن نصرالله وخليفته هاشم صفي الدين والصف القيادي العسكري الأول للحزب. وهي اغتيالات غير ممكنة تقنياً لولا صواريخ وقنابل أميركية الصنع تخترق أعماق تمتد عشرات الأمتار تحت الأرض. وثانيها، تلك الغارات الإسرائيلية الجوية على إيران ليلة 26 أكتوبر/تشرين الأول الماضي التي تشير الكثير من الدراسات في مجلات عسكرية متخصصة إلى أنها أفضت إلى تدمير سلاح الدفاع الجوي. وثالثها، ذلك الغطاء الأميركي للتغيير السوري الذي حصل بين 27 نوفمبر/تشرين الثاني و8 ديسمبر/كانون الأول وانتهى إلى تدمير الجسر السوري للمحور الإيراني الممتد من طهران إلى الضاحية الجنوبية لبيروت، وهو جسر قال عنه نصر الله لمعارض سوري التقاه عام 2013 إنه «يختنق من دونه». ورابعها، ذلك الإخراج الأميركي لعملية انتخاب العماد جوزيف عون رئيساً للبنان في 9 يناير/كانون الثاني الماضي وتسلم خصم آخر لحزب الله، هو نواف سلام، رئاسة الحكومة.
في زيارة رئيس الوزراء الإسرائيلي الأخيرة لواشنطن، بعد دخول الرئيس دونالد ترامب البيت الأبيض، تسربت أنباء عن بحث موضوع ضرب المنشآت النووية الإيرانية، وهو أمر كان من الممنوعات الأميركية منذ عهد أوباما. وهنا، يجب تذكّر تصريحات عديدة لنتانياهو بأن «ضرب أذرع إيران وقطعها لا يكفي، وإنما يجب ضرب الرأس». وتدل كل المعطيات على أن موقف ترامب تجاه إيران ليس مثل أوباما وجو بايدن، وإن كان يتريث في منح الضوء الأخضر لتل أبيب لضرب النووي الإيراني، في مؤشرات منه على أنه يريد اتفاقاً نووياً جديداً مع إيران غير اتفاق 2015، يستغل فيه ضعف طهران بعد حرب 7 أكتوبر/تشرين الأول الغزاوية- اللبنانية وسقوط النظام السوري. وإن لم ينجح، سيعطي إسرائيل حينها الضوء الأخضر.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد