«نيويورك تايمز»: الجولاني تواصل مع طهران.. والحرس الثوري تقبّل الهزيمة
إيران تخسر مكاسب 40 عاماً في الشرق الأوسط
المركز الكردي للدراسات
على مدى سنوات استثمرت إيران الكثير من الدماء والمال لدعم الرئيس السوري (الهارب) بشار الأسد، ومساعدته على النجاة من حرب أهلية هددت حكمه. فقد قامت إيران بتشغيل قواعد عسكرية ومستودعات أسلحة ومصانع صواريخ في سوريا، والتي استخدمتها كممر لتسليح حلفائها في جميع أنحاء المنطقة، وفق تقرير لـ «نيويورك تايمز».
وتقول كاتبة التقرير فرناز فصيحي، وهي مديرة مكتب الصحيفة في الأمم المتحدة، إنه بينما يحتاج الأسد إلى المساعدة لصد تقدم سريع للقوات المعارضة التي استولت على دمشق، تتجه إيران إلى الخروج. فمنذ الجمعة، بدأت في إجلاء قادتها العسكريين وموظفيها، فضلاً عن بعض الموظفين الدبلوماسيين، وفقاً لمسؤولين إيرانيين وإقليميين. وهذا تحول ملحوظ – وفق تعبير فصيحي- حيث لا يبدو أن إيران تتخلى عن الأسد، أقرب حلفائها العرب فحسب، بل تتخلى أيضاً عن كل ما بنته وقاتلت للحفاظ عليه لمدة 40 عاماً في سوريا، موطئ قدمها الرئيسي في العالم العربي.
وحتى قبل سقوط دمشق وفرار النظام، لم تكن إيران قادرة على حشد دفاع عن حكومة الأسد بعد عام مدمر من الحروب الإقليمية التي بدأت بالهجوم الذي شنته حماس، حليفة إيران، على إسرائيل في السابع من أكتوبر.
ومن المؤكد أن انهيار شراكة إيران مع سوريا من شأنه أن يعيد تشكيل توازن القوى في الشرق الأوسط. وسوف يضعف «محور المقاومة» الذي شكلته إيران مع حلفائها في لبنان والأراضي الفلسطينية وسوريا والعراق واليمن. وسوف تتعزز قوة إسرائيل وحلفاؤها.
وقال حسن شمشادي، الخبير في الجماعات المسلحة بالوكالة لإيران والذي عمل لسنوات كمخرج أفلام وثائقية في ساحات القتال في سوريا، في مقابلة أجريت معه من طهران: «بالنسبة لإيران، كانت سوريا العمود الفقري لوجودنا الإقليمي. كل ما أرسلته إيران إلى المنطقة كان يمر عبر سوريا. والآن أصبح من الصعب للغاية إبقاء هذه القنوات مفتوحة».
في البداية، صُدمت الحكومة الإيرانية من السرعة التي تمكن بها المعارضون في سوريا من السيطرة على الأرض وتخلي الجيش السوري عن قواعده، وفقاً لثلاثة مسؤولين إيرانيين، اثنان منهم من أعضاء الحرس الثوري النخبوي، واثنان من المحللين الإيرانيين البارزين المقربين من الحكومة.
وقال المسؤولون إنه بحلول منتصف الأسبوع، تحول المزاج إلى ذعر كامل، حيث كان المتمردون يستولون على مدينة تلو الأخرى، من حلب إلى حماة إلى دير الزور ودرعا.
في العلن، تعهد المسؤولون الإيرانيون بالبقاء ملتزمين بالكامل بدعم الأسد. ولكن في الخفاء، مع اكتساب المعارضين السيطرة على المزيد والمزيد من الأراضي التي حكمتها إيران وميليشياتها بالوكالة، تساءل المسؤولون عما إذا كانت الأحداث تتجاوز قدرتهم على تغيير مسار التطورات، كما قال المسؤولون.
بحلول نهاية الأسبوع، أدلى العديد من كبار المسؤولين بتصريحات على وسائل التواصل الاجتماعي بأن الإطاحة بالأسد حتمية على ما يبدو وأن نكسة إيران هائلة.
كتب محمد علي أبطحي، نائب الرئيس السابق، على موقع إكس: «إن السقوط المحتمل للحكومة السورية في أيدي المتطرفين الإسلاميين سيكون أحد أهم الأحداث في تاريخ الشرق الأوسط. ستُترك المقاومة في المنطقة بدون دعم. ستصبح إسرائيل القوة المهيمنة».
على الرغم من أن وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي، الذي سافر إلى دمشق وبغداد والدوحة في قطر للتشاور بشأن سوريا، كان في البداية متحدياً، إلا أنه قال لاحقاً إن مصير الأسد سيُترك «لإرادة الله».
وفي مذكرة داخلية من أحد أعضاء الحرس الثوري الإيراني اطلعت عليها صحيفة «نيويورك تايمز»، وصفت الوضع في سوريا بأنه «لا يصدق وغريب». وتقول المذكرة إن «إيران تقبلت سقوط الأسد وفقدت إرادة المقاومة».
وتحول التلفزيون الحكومي في إيران من وصف المتمردين السنة بـ «الإرهابيين» إلى وصفهم بـ«الجماعات المسلحة» وأفاد بأنهم حتى الآن يعاملون الأقليات الشيعية بشكل جيد.
وقال سهيل كريمي، وهو مقاتل سابق في سوريا تحول إلى محلل سياسي، في برنامج إخباري على التلفزيون الحكومي إن تعهدات عراقجي بدعم الحكومة السورية لم تكن سوى أمل كاذب.
وأضاف، مستشهداً بتقارير من اتصالاته في سوريا: «إن الواقع في الميدان ليس كما يقول. إن رجالنا ليسوا في ساحة المعركة في سوريا الآن. لم يُسمح لهم».
وأظهر مقطع فيديو نُشر الجمعة على حسابات وسائل التواصل الاجتماعي التابعة للحرس الثوري ضريحاً شيعياً بالقرب من دمشق فارغاً تقريباً. يقول المتحدث: «قد تكون هذه آخر الصور التي تراها للمقام، فقد غادر الجميع سوريا، وتم إجلاء جميع الإيرانيين». ثم يبدأ في البكاء.
وقال المسؤولون الإيرانيون الثلاثة إن هيئة تحرير الشام، الجماعة الرئيسية التي تتقدم في سوريا، أرسلت إلى إيران رسالة دبلوماسية خاصة هذا الأسبوع. ووعدت الجماعة بأنها ستحمي المواقع الدينية الشيعية والأقليات الشيعية وطلبت من إيران عدم قتال قواتها، وفقًا للمسؤولين. بدورها، طلبت إيران من الجماعة السماح بمرور آمن لقواتها خارج سوريا وحماية الأضرحة الشيعية، وفقاً لمسؤولين.
لقد أرسلت إيران قادة وقوات إلى سوريا في عام 2012 في بداية الانتفاضة المناهضة للحكومة، مما ساعد في هزيمة كل من معارضي نظام الأسد وتنظيم الدولة الإسلامية (داعش).
لقد استخدمت موطئ قدمها المستمر في سوريا للحفاظ على خطوط إمداد قوية بالأسلحة لحزب الله في لبنان والفلسطينيين، بما في ذلك من خلال ميناءين للشحن والمطارات. وفي الآونة الأخيرة، دخلت إيران في شراكة مع عصابات التهريب وبعض أعضاء القبائل البدوية في الأردن لإرسال الأسلحة من سوريا إلى الضفة الغربية، وفق تقرير نيويورك تايمز.
لكن ديناميكيات الشرق الأوسط تغيرت بشكل كبير في العام الماضي.
لقد عانت إيران من ضربات كبيرة عندما هاجمت إسرائيل الأصول والقواعد الإيرانية في سوريا، بما في ذلك مجمع سفارتها في دمشق. قتلت إسرائيل ما لا يقل عن عشرين من القوات الإيرانية، بعضهم من كبار القادة المسؤولين عن العمليات الإقليمية، وفقاً لوسائل الإعلام الإيرانية.
بالإضافة إلى ذلك، تعرض حليف إيران الرئيسي حزب الله لضربة قوية بعد فترة مكثفة من القتال مع إسرائيل في لبنان. وتركز روسيا، حليفة أخرى لسوريا، على حربها مع أوكرانيا. ولكن ما هو أكثر أهمية من ذلك هو أن الجيش السوري أظهر عدم رغبته في القتال.
وكان هناك مصدر قلق آخر بالنسبة لإيران وهو تهديد إسرائيل بمهاجمة أي حشد للقوات الإيرانية في سوريا. فقد تم تحويل رحلتين لشركة طيران إيرانية خاصة كانت في طريقها إلى دمشق الأسبوع الماضي بعد تحذيرات من إسرائيل بأنها ستسقطهما إذا دخلتا المجال الجوي السوري، وفقا لمسؤولين إيرانيين وإسرائيليين. وقالت إسرائيل إن الرحلتين كانتا تنقلان أسلحة.
وقال مسؤول إيراني: «سوريا ولبنان مثل جناحينا الأيسر والأيمن. يتم قصهما، ومن الصعب أن نتخيل أحدهما بدون الآخر».
والمشهد أبعد من سوريا بخصوص معضلة إيران. يرى أفشون أوستوفار، الأستاذ المساعد في شؤون الأمن القومي في كلية الدراسات العليا البحرية في كاليفورنيا والخبير في الشؤون العسكرية الإيرانية، إن إيران في مأزق، خاصة مع عودة دونالد ترامب إلى الرئاسة وتوقعه فرض سياسة «الضغط الأقصى على إيران»
وقال أوستوفار: «إن خسارة الأرض في سوريا سيجعل إيران تبدو ضعيفة بشكل متزايد أمام أعدائها في تل أبيب وواشنطن. إذا ضاعفت إيران جهودها في سوريا، فقد تلقي بالرجال والمواد في معركة خاسرة. وإذا تراجعت إيران، فسوف تبدو ضعيفة، وتعترف بالهزيمة».