مستقبل فكرة اللورد كرزون لإعلان دولة كردستان الحاجز بين العرب والأتراك

101 سنة على معاهدة لوزان  

د. آزاد أحمد علي 
يعد اللورد جورج ناثانيال كرزون George Nathaniel Curzon  (1859 -1925)  السياسي البريطاني الأكثر فعالية في الربع الأول من القرن العشرين. شغل منصب الحاكم العام للهند البريطانية في الفترة ما بين 1899 و1905 ووزير خارجية بريطانيا خلال أعوام 1919 حتى 1924. كان خبيراً في الشؤون الآسيوية وكذلك الكردية. صاحب فكرة دولة كردستان الكبرى التي كانت ستغير التوازنات وجغرافية الشرق الأوسط مطلع القرن العشرين، بحيث تكون الدولة الحاجزة بين تركيا وايران من جهة وبلاد العرب من جهة أخرى. ساند فكرته عدد آخر من المسؤولين البريطانيين، خاصة الميجر نويل.
لكن بريطانيا أرغمت على التخلي عن هذا المشروع تدريجياً نتيجة للانتصارات الكمالية التركية وبسبب دعم السوفيات لحكومة أنقرة الوليدة. قوضت النخب التركية القومية والكمالية بالتعاون مع بقايا الأعيان العثمانيين مشروع كردستان المستقلة عبر صراع عسكري ودبلوماسي مرير، ودمجوا المجتمعات الكردية ضمن تركيا (الحديثة ما بعد العثمانية) بالقمع العسكري وسلسلة من الاتفاقيات والمعاهدات الدولية والإقليمية. كانت أبرز محطاتها الدبلوماسية هي مؤتمرات: لندن وباريس، أنقرة والقاهرة وقارس، وتوجت جمعياً بالتوقيع على معاهدة لوزان في 24 يوليو/تموز 1923، والتي شطب منها قرارات مؤتمر الصلح في سيفر بخصوص استقلال كردستان العثمانية، وطويت مرحلة سيفر بحيث لم تدرج القضية الكردية حتى على جدول أعمالها. وعلى الرغم من هذا الفشل، لم تتخلى بريطانيا عن فكرة استقلال كردستان على الرغم من محاربة الشيخ محمود الحفيد لها ولا مبالاة القادة الكرد (العثمانيين) لمساعيها ابان انعقاد مؤتمر لوزان في النصف الأول من 1923، حيث استمرت بريطانيا تحت قيادة دبلوماسية كرزون، الذي مثل جبهة الحلفاء في المساومة على الدولة الكردية، حتى رضخت أخيراً واستبدلت المشروع برمته بعملية ضم ولاية الموصل (كردستان الجنوبية) إلى دولة العراق وتقاسمت نفطها مع فرنسا.
 أسهب العديد من المؤرخين والدارسين في الكتابة حول موضوع مشروع كردستان المستقلة. ونورد هنا، على سبيل المثال لا الحصر، ما كتبه المؤرخ والكردلوجي لازاريف: «ظلت (كردستان المستقلة) حتى بداية عام 1921 على راية الدبلوماسية البريطانية، وفي وقت متأخر تحدثت صحيفة (الحبل المتين) المعبرة عن آراء الأوساط الإسلامية في الهند على أنه اختفى وراءها – حسب رأيها – مشروع اللورد كيرزون حول استقلال كردستان تركيا وكردستان فارس الموحدة الذي يستند أيضاً على النزعة المشار إليها في الانقضاض على روسيا… ويظن البعض أنه سوف يعطى لتركيا وفارس أراض ما بدلاً من كردستان بحيث يمكن الانطلاق منها مباشرة نحو روسيا والقيام بعمليات عسكرية ضده. وفي هذه الحالة الأخيرة سيتم رمي طلقة واحدة نحو عدة أهداف:
1) بعد فصل تركيا وفارس عن روسيا وكذلك عن بعضهما البعض سيغدو ممكناً تحديد كل دولة من هاتين (تركيا وفارس) وجعلهما دولة صغيرة وإرغامهما على الانصياع التام لإرادة بريطانيا.
2) للقيام بهجوم على روسيا، فإن كردستان تعد أقصر الطرق» (لازاريف، المسألة الكردية 1917 -1923، ترجمة د. عبدي حاجي، بيروت 1991، ص263)
كما يمكن الافتراض بأن استراتيجية بريطانيا والحلفاء بعد الحرب العالمية الأولى كانت تهدف من حيث الجوهر إلى رسم مسار مستقبل الحوكمة في العالم الإسلامي عن طريق انهاء الامبراطوريات الإسلامية الكبيرة، خاصة العثمانية، ومن ثم الإيرانية وتوظيف كردستان كحاجز جغرافي وديمغرافي بينهما وبين البلدان العربية من جهة، وكذلك استخدامها كقاعدة محصنة عند اللزوم ضد روسيا من جهة أخرى.
يبدو أن هذه الفكرة السياسية شكلت مشروعاً عملياً جاداً ورهاناً استراتيجياً حتى مرحلة ما قبل التوقيع على معاهدة لوزان. لكن جملة من العوامل عاكستها، سواء الداخلية الخاصة بتشتت النخب والزعامات الكردية، أو الخارجية التي تجسدت في جبهة معارضة عريضة ساندت حكومة أنقرة، وفي مقدمتهم السوفييت وألمانيا، فضلاً عن ضخامة مشروع دولة كردستان الكبرى التي كانت ستنتج إمبراطورية «إسلامية» جديدة في قلب الشرق الأوسط عهدئذ. وبعد مرور أكثر من مئة عام على معاهدة لوزان، وعلى ولادة مشروع استقلال كردستان الكبرى في المحافل الدولية، مازال هذا الحق في تقرير المصير السياسي لمجتمعات كردستان مشروعاً قائماً ومستمراً، على الرغم من الصعوبات التي تواجهه ويعمل لأجل تذليل هذه الصعوبات وتحقيقه طلائع النخب الكردستانية وحلفاؤهم الموضوعيين.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد