قدم المركز الكردي للدراسات في الثاني والعشرين من شهر يونيو/حزيران الجاري برنامجاً حوارياً، باللغة الكردية، لمناقشة الأوضاع والتطورات في شمال كردستان وتركيا. واستضاف البرنامج، الذي قدمه الزميل طارق حمو، الصحافي الكردي محمد دروش.
وبدأ البرنامج بنقاش حول التطورات الميدانية الأخيرة في كل من شمال كردستان وتركيا، والحرائق التي نشبت في أراضي تابعة لمحافظة آمد وماردين، بالإضافة إلى سياسة الدولة التركية في فرض أوصياء على البلديات التي فاز بها حزب المساواة والديمقراطية للشعوب. كما تمت مناقشة التهديدات التركية ضد شمال وشرق سوريا، وكذلك الهجمات التي يشنها الجيش التركي على قوات الحماية الشعبية في مناطق الدفاع المشروع.
وأوضح الصحافي الكردي محمد دروش أن الحرائق الكبيرة التي نشبت في أكثر من عشرين قرية على مساحة 60 كيلو متر مربع من أراضي شمال كردستان ألحقت أضراراً كبيرة بالأهالي، حيث فقد 14 شخص حياتهم، وأسفرت ألسنة النار عن نفوق الآلاف من الحيوانات واحتراق الأراضي الزراعية. وأشار إلى أن سلطات الدولة التركية التي تتبع سياسات فاشية تجاه المناطق الكردية وقفت بموقف المتفرج ولم تتحرك للسيطرة على النيران. كما أن ما يسمى بـ«مؤسسة توزيع الكهرباء – D-DAŞ» تعتبر مسبباً رئيسياً للحادثة، إذ أنها معروفة بسياسة التفرقة والظلم ومنع الكهرباء عن المناطق الكردية أثناء فصل الصيف ودرجات الحرارة المرتفعة، ولا تقوم بالتصليحات اللازمة لكبلات الكهرباء التالفة، ما يسبب احتراقها نشوب النيران. ولفت دروش إلى أن موقف الأهالي والمؤسسات الكردية والأحزاب الديمقراطية كان موقفاً مشرفاً حيث تحركوا بالشكل المطلوب واستنفروا بكل ما يملكون من إمكانيات لتخفيف وطأة الكارثة البيئية التي تعرضوا لها.
وأكد دروش أن عقلية الدولة التركية بقيادة التحالف الحاكم «AKP/MHP» لم تعد تخفى على أحد بأنها عقلية عنصرية فاشية في التعامل مع المسائل الخدمية ومشاريع البنية التحتية، حيث أنها تتبع سياسة الإبادة تجاه الشعوب والقوى الديمقراطية بكل خطوة تقوم بها. وقال إن جميع سدود المياه والبحيرات التي أشرفت على بنائها تقع في المناطق الكردية والمناطق التي تتحرك فيها قوات الدفاع الشعبية، كما أن أغلب المشاريع الاستثمارية الضخمة تستهدف الغابات وتؤدي إلى قطع مئات الآلاف من الأشجار، حيث يؤثر ذلك بشكل سلبي ومباشر على الحياة الاقتصادية والزراعية والاجتماعية ويدفع إلى تهجير السكان الأصليين من مكانهم التاريخي. وأضاف أن ذلك هو نفس المنطق الذي تقوم عليه سياسة الدولة التركية في غرب كردستان في شن الهجمات على البنية التحتية لتهجير الناس.
وذكر الصحافي أن هذه السياسات الخطيرة التي تتبعها الدولة التركية ليست وليدة اللحظة، إنما مستمرة عبر التاريخ، حيث ارتكبت المجازر بحق العديد من الشعوب كالأرمن والروم والسريان، وهجّرت ما تبقى منهم واستولت على أراضيهم وثرواتهم. وأضاف أن الإبادة التي أرادت الدولة التركية أن تنفذها بحق الكرد لم تكتمل بفضل كفاح حزب العمال الكردستاني. وأردف أن «خيال الدولة القومية التي كانوا يخططون لها خلال مئة عام انكسر بظهور ثورة روج آفا من جهة، والمقاومة التاريخية التي تبديها قوات الدفاع الشعبية في جبال كردستان من جهة أخرى».
ولفت دروش إلى أهمية أسلحة الدفاع الجوي التي طوّرتها قوات «الكريلا» ضد الطائرات المسيّرة التي كانت تعوّل عليها تركيا في الحرب على الشعب الكردي، حيث قلبت الموازين العسكرية والسياسية. ونوه إلى أن الدولة التركية تقوم حالياً باستنفاذ كافة إمكانياتها العسكرية والسياسية والدبلوماسية للقضاء على مقاومة «الكريلا» والشعب الكردي. وأضاف أن الحزب الديمقراطي الكردستاني يقوم بمساعدة جيش الاحتلال بتنفيذ مخططاته في جنوب كردستان، ولكن مساعدته لم تعد كافية، فبدأت السلطات التركية بالتحرك للحصول على اتفاقات مع بغداد بهذا الخصوص، مستغلةً الحاجات الاقتصادية والمائية للعراق لعقد اتفاقيات أمنية واستخباراتية وعسكرية للاستمرار بشنّ الحرب على جنوب كردستان.
وبالحديث عن سياسة الدولة التركية في تعيين الأوصياء على البلديات في شمال كردستان، قال الصحافي الكردي إن هذه السياسة تهدف بالأساس إلى تصفية الحياة الاجتماعية والاقتصادية والثقافية القائمة على الحريات والديمقراطية التي ستحييها البلديات التي فاز بها حزب المساواة والديمقراطية للشعوب «Dem Partî». وأشار إلى أن التحالف الحاكم في تركيا يقوم بالانتقام من المقاومة الشعبية التي أبداها الأهالي في إصرارهم على منح أصواتهم لممثليهم الحقيقيين، عن طريق محاولة تفريغ الفوز الساحق من مضمونه بتعيين وفرض الأوصياء الفاشيين.
ولفت دروش إلى أن تحالف حزب العدالة والتنمية/الحركة القومية يعاني من صدع حقيقي وأزمة داخلية ستؤدي إلى انهيار هذا التحالف بالنهاية، حيث يبدو أن رئيس حزب الحركة القومية سيطالب بانتخابات مبكرة في الفترة القادمة. وأردف أن حزب الشعب الجمهوري يعيش أياماً شبيهة بما كان عليها في منتصف التسعينات عندما عوّل على الاتفاق الجزئي مع الكرد وأصبح الحزب الأول في تركيا، منوهاً إلى أن القضية الكردية تتمتع بصفة ترجيح كفة الميزان في الميدان السياسي في عموم تركيا.
وبالحديث عن تهديدات الدولة التركية الأخيرة بشنّ هجمات عسكرية في حال إجراء الانتخابات البلدية في شمال وشرق سوريا، أوضح دروش أن سياسة الدولة التركية تجاه ثورة روج آفا ومناطق الإدارة الذاتية الديمقراطية لشمال وشرق سوريا هي سياسة التصفية تحت أي ظرفٍ كان. حيث أن السلطات التركية بزعامة رجب طيب أردوغان خططت منذ البداية إلى أن تجعل من وحدات الحماية الشعبية قوات تأتمر بأمرها كما يفعل المرتزقة السوريون. وأضاف أنها اتبعت سياسة معادية حينما فشلت محاولاتها. وقال دروش إن هذا كان واضحاً في اللقاءات الأخيرة التي أجريت مع القائد عبد الله أوجلان في سجنه بإيمرالي، حيث أكّد أوجلان حينها أن ثورة روج آفا بمثابة «الخط الأحمر» للحركة التحررية الكردية. وتابع دروش أن الدولة التركية صرّحت مراراً أنها لن تسمح بتكرار تجربة إقليم كردستان العراق في أي جزء آخر من كردستان.
وفي نهاية اللقاء، قال الصحافي الكردي محمد دروش إن لقاءات تطبيع الدولة التركية مع النظام السوري التي يتم الحديث عنها مؤخراً تحمل في طياتها اتفاقات خطيرة ضد مصالح الشعب الكردي، حيث أن الدولة التركية لن تتخلى بسهولة عن المناطق التي احتلتها من الأراضي السورية. وذكر أن النظام السوري اشترط على تركيا الانسحاب لأنه يعاني من تجربة سابقة في اقتطاع لواء اسكندرون. وتابع أن الطريق الوحيد لتحييد السياسة الفاشية للدولة التركية هي المقاومة الشعبية المنظمة للكرد وشعوب كردستان وتكاتفهم في وجه الظلم والاحتلال.