شنكال: معوقات تطبيع الأوضاع وعودة المهجرين

المركز الكردي للدراسات

رغم مرور عشرة أعوام على هجوم تنظيم داعش الإرهابي على قضاء شنكال (سنجار) في 3 أغسطس/آب 2014، والذي أسفر عن قتل وسبي الآلاف من الإيزيديين وتهجير أغلب السكان إلى مخيمات داخل إقليم كردستان العراق ومناطق عديدة حول العالم، إلا أن الأوضاع في القضاء ما تزال مأساوية وغير مستقرة.

لم يتم محو آثار الإبادة النفسية والاجتماعية وتدمير البنية التحتية، عبر تطبيق برنامج حكومي شامل يقوم على إعادة الأهالي وبناء ما تهدم وتلبية احتياجات السكان من النواحي الخدمية والأمنية.

تسلط هذه الورقة الضوء على التطورات الأخيرة في ملف إعادة إعمار شنكال والتسريع بعودة اللاجئين والمهجرين والمعوقات التي تعترض تطبيع الأوضاع، وعلى رأسها صراع الإرادات بين القوى السياسية العراقية المنافسة وهجمات الدولة التركية واستهدافاتها للكوادر الإدارية والعسكرية الإيزيدية.

خارطة القوى

تتنازع قضاء شنكال حالياً قوى عديدة تعتبر القضاء مساحة نفوذ لها. فهناك مظاهر الدولة العراقية من قوات جيش وشرطة وحشد شعبي وأشكال إدارية «وطنية» مثل مقار المخافر والعدد القليل من المدارس والمستوصفات. وتسيطر الإدارة الذاتية التي أسسها أهالي شنكال في 15 يناير/كانون الثاني 2015، بعد تحرير مدينة شنكال وأجزاء كبيرة من قرى وقصبات القضاء، على جزء كبير من المنطقة، وخصوصاً شمالها (Herema Şemal)، وتحميها وحدات مقاومة شنكال (YBŞ) وهي مجموعة مسلحة تضم بنات وأبناء الإيزيديين وبقية المكونات في شنكال ومحيطها. كذلك، تم تأسيس وحدة شرطية/قوات أمن محلية، تشرف على الملف الأمني اسمها قوات أمن إيزيدخان (Asayişa Êzîdxan).

وتحاول الإدارة الذاتية المحلية في شنكال ووحدات مقاومة شنكال، بالإضافة إلى الممثل السياسي حزب الحرية والديمقراطية الإيزيدي (فاز بمقعد في انتخابات مجلس محافظة نينوى التي جرت في 18 ديسمبر/كانون الأول 2023)، تقديم الخدمات للأهالي والاهتمام بالجوانب التنظيمية ورعاية قطاعات التعليم والصحة والطفولة والمرأة. ويأتي ذلك ضمن مساعيها في خدمة المجتمع الشنكالي وتوثيق العلاقات الاجتماعية بين المكونات على أرضية التفاهم والتعاون والعيش المشترك وتمثيل إرادة الأهالي في مؤسسات وممثليات الدولة في كل من عاصمة المحافظة، الموصل، وعاصمة المركز، بغداد. (1).

وبحسب تقرير لمنظمة مدافعة عن حقوق اللاجئين ومقرها ألمانيا، فإن 80 % من البنية التحتية الخدمية في شنكال ما تزال مدمرة، بينما تضرر 70 % من المباني والمنازل جراء هجوم تنظيم داعش والأعمال القتالية التي شهدتها شنكال في 2015 أثناء تحرير المدينة وفي عام 2017 أثناء دخول قوات الحشد الشعبي وإخراجها قوات البيشمركة التابعة للحزب الديمقراطي الكردستاني على خلفية أزمة الاستفتاء على استقلال إقليم كردستان (2).

ويشهد قضاء شنكال حالياً تعايشاَ هشاً وحالة من التوتر بين القوى والمجموعات المسلحة ووضعاً أشبه بالتحفز في ظل توازن قوى وتفاهمات ضمنية شفهية بين المظاهر المسلحة الموجودة على كامل مساحة القضاء وهي قوات الجيش والشرطة العراقيين، وقوات من الحشد الشعبي، والإدارة الذاتية ووحداتها العسكرية، وقوات محلية إيزيدية صغيرة ذات طابع عائلي وعشائري تحمي المزارات الدينية المقدسة، وأغلبها مدرجة ضمن ملاك الحشد الشعبي. لكن هناك بعض المجموعات ممن تتلقى الدعم المالي والسياسي والتوجيه من الحزب الديمقراطي الكردستاني.

وكانت كل من حكومة المركز في بغداد وحكومة إقليم كردستان وقعتا في 10 أكتوبر/تشرين الأول 2020 ما سمي «اتفاقية بغداد»، والتي تهدف لتطبيع الأوضاع في قضاء شنكال والإشراف على الجوانب الإدارية والعسكرية في القضاء عبر تشكيل لجنة مشتركة من ممثلين إداريين وعسكريين في كل من بغداد وأربيل.

عمل الاتفاق، الذي رفضته الإدارة الذاتية في شنكال، على إقصاء الإدارة ووحدات مقاومة شنكال (YBŞ) ودعت إلى إخراج الحشد الشعبي، في تقرب واضح من الأجندة التركية التي تدعو إلى إنهاء الإدارة الذاتية وتصفية قوات المقاومة الإيزيدية، والعودة بالزمن إلى ما قبل هجوم تنظيم داعش في أغسطس/آب 2014.

عودة المهجرين

أعلنت وزارة الهجرة والمهجّرين العراقية في 24 يناير/كانون الثاني 2024 يوم 30 يوليو/تموز 2024 موعداً نهائياً لعودة المهجرين الإيزيديين من مخيمات إقليم كردستان إلى مناطقهم الأصلية في شنكال.

ولتشجيع العودة، كشفت الوزارة عن حزمة من المساعدات والحوافز للعائدين، منها مبلغ يٌدفع مرة واحدة بقيمة 4 ملايين دينار عراقي (حوالي 3 آلاف دولار أميركي) لكل أسرة، فضلاً عن بعض الوظائف الحكوميّة ومزايا الضمان الاجتماعي وقروض للمؤسسات التجارية الصغرى بدون فوائد. وبحسب تقرير لمنظمة «هيومن رايتس ووتش»، نقلاً عن شهود، فإن وفداً من مكتب رئيس الوزراء العراقي زار أحد مخيمات اللجوء في إقليم كردستان (مخيم جمشكو في دهوك) وحدد ثلاثة خيارات للنازحين: العودة إلى شنكال أو الانتقال إلى مدن أخرى خاضعة للسلطة الاتحادية أو البقاء في إقليم كردستان، لكن خارج المخيمّات (3).

وبهذا القرار من قبل الحكومة العراقية، فإن 24 مخيماً للمهجرين (منها 15 في دهوك)، تضم بحسب مصادر رسمية 25.600 عائلة إيزيدية من شنكال، سوف تغلق وتقطع عنها المساعدات من الحكومة المركزية في بغداد (بينما يعيش 38.700 عائلة خارج المخيمات). ويبلغ عدد من يقيم في داخل وخارج المخيمات في إقليم كردستان، بحسب تلك المصادر، 183.000 مهجر إيزيدي. لكن هناك معلومات غير رسمية تتحدث عن أكثر من 300.000 شخص من أبناء قضاء شنكال يعيشون خارجه موزعين في مناطق عديدة تقع تحت سيطرة حكومة إقليم كردستان (4).

وكانت إيفان فائق جابرو، وزيرة الهجرة والمهجرين في حكومة محمد شياع السوداني، أعلنت في أبريل/نيسان 2023 أن بغداد خصصت مبلغ 50 مليار دينار عراقي (35 مليون دولار أميركي) لإعادة إعمار شنكال، لكنها أشارت بأن عودة النازحين من إقليم كردستان مسألة مرتبطة بالإقليم وبإعادة تأهيل شنكال (5).

ورغم بدء عشرات العائلات بالعودة إلى قراها في قضاء شنكال، خاصة تلك التي تقع في مناطق شمال شنكال حيث سيطرة الإدارة الذاتية وقوات مقاومة شنكال (YBŞ)، إلا أن القسم الأكبر من الأهالي ما يزال يرفض العودة ويتحدث عن مصاعب ومعوقات كثيرة تمنعه من ذلك. ومن بين المعوقات، انعدام الخدمات الرئيسية وغياب البنية التحتية من مياه وكهرباء وشبكة طرق ومشاف ومدارس ومصادر الإنتاج والدخل.

كذلك، يشتكي العائدون إلى قراهم ومجمعاتهم من عدم إيفاء الحكومة المركزية بالتزاماتها في دفع المبالغ التي تعهدت بها لكل عائلة تعود، والمعاناة الكبيرة من جهة تأمين الخدمات وفرص العمل.

من جانبها، دعت الإدارة الذاتية في شنكال أبناء القضاء الموجودين في مخيمات إقليم كردستان إلى العودة إلى قراهم ومجمعاتهم والمساهمة في بناء القضاء والدفاع عنه، عبر الاشتراك والانخراط في المؤسسات والدوائر التابعة للإدارة الذاتية ومواصلة المساعي مع الحكومة المركزية لاستحصال الاعتراف الرسمي بالإدارة وبقوات مقاومة شنكال (YBŞ) كقوة محلية أهلية عراقية تحمي المنطقة وتدافع عنها. كما تواصل الإدارة الذاتية بناء المؤسسات والدوائر الخدمية في مناطق سيطرتها وتولي أهمية كبيرة للتعاون مع المكونات غير الإيزيدية من عرب وكرد (سنة وشيعة) لتوطيد واقع تعاون بين جميع المكونات وتطويق أي ازمة أو خلاف عشائري أو أهلي قد يحدث وحصره في الاطار الفردي الضيق. وتعمل «هيئة عشائر شنكال»، وهي تضم عشائر إيزيدية وعربية، على التعامل سريعاً مع الخصومات والنزاعات على مستوى العائلات والأفراد وتطويقها وحلها (5).

الخلاصة:

يقترب موعد 30 يوليو/تموز 2024 الذي حددته الحكومة العراقية كآخر يوم يغادر فيه المهجرون الإيزيديون مخيمات إقليم كردستان ويعودون فيه إلى قراهم ومجمعاتهم في شنكال والاستفادة من المساعدات المالية التي خصصتها بغداد لهم. ومع ذلك، فإن السّواد الأعظم من المهجرين ما يزالون في المخيمات، ولم تعد سوى بضع مئات من العائلات الإيزيدية. ويرجع السبب في ذلك إلى حالة اللاثقة بوعود الحكومة العراقية في منح المساعدات المالية وتنفيذ برنامج إعادة إعمار شنكال وتوفير مصادر الدخل وتأمين الأنظمة التعليمية والصحية والاجتماعية المطلوبة. كما يتخوف الأهالي من اندلاع صدامات بين المجموعات المسلحة التي تتوزع النفوذ في القضاء.

كذلك تؤثّر الهجمات التركية، سواء بالمسيّرات أو عبر التفجيرات والاغتيالات، على أهالي القضاء، خاصة الاستهدافات التي تطال الكوادر السياسية والإدارية والعسكرية في الإدارة الذاتية، وتساهم في نشر حالة من الذعر وزيادة مخاوف الأهالي من العودة إلى مناطق تشهد هجمات تركية شبه يومية، في ظل صمت وتواطؤ الحكومة المركزية.

كما لا يمكن التغاضي عن مخاطر هجمات خلايا تنظيم داعش التي ما تزال تنشط في الباديتين السورية والعراقية. ويعتقد الأهالي أن برنامج إعادة الأعمار العراقي لا يكفي لإنعاش القضاء وتوفير فرص الأمن والعمل فيه، فهو محدود ولا يمكنه الإيفاء بمتطلبات عشرات الآلاف من الناس. ويفضل أغلبية السكان الانتظار والتريث خارج قضاء شنكال إلى حين تنفيذ بغداد وعودها في إعادة الإعمار وبناء ما تهدم من مرافق ومؤسسات خدمية وصحية وتعليمية وضبط الجوانب الأمنية وتوحيد الإدارات ووضع حد نهائي للهجمات العسكرية التركية.

مصادر:

1ـ شنكال بين آثار الإبادة وصراع الإرادات. المركز الكردي للدراسات. 31 ديسمبر/كانون الأول 2023. الرابط:

شنكال بين آثار الإبادة وصراع الإرادات

2- Zehn Jahre nach dem Völkermord: Zur Lage der Eziden im Irak. Pro Asyl. April 2024. Link:

https://www.proasyl.de/wp-content/uploads/2024_04_23_Zur-Lage-der-Jesidinnen-und-Jesiden-im-Irak.pdf

3ـ العراق: مخيمات في كردستان تواجه الإغلاق الوشيك. تقرير منظمة (هيومان رايتس ووتش). 15 مايو/أيار 2024. الرابط:

https://www.hrw.org/ar/news/2024/05/13/iraq-looming-camp-closures-kurdistan

4- Tariq Hemo: Şingala Xweser û destdirejiya hêzên derve. Navenda kurdî ya lêkolînan. 22.05.2024. Link:

Şingala xweser û destdirêjiya hêzên derve

5ـ وزيرة الهجرة: رئيس الوزراء خصص 50 مليار دينار لإعادة إعمار سنجار. وكالة الأنباء العراقية: 13 أبريل/نيسان 2023. الرابط:

https://www.ina.iq/182851–50-.html

6- Desteya eşîrên Şingalê: Kes nikare pêkvejiyana li Şingalê xera bike. Ajansa Firatê. 27 gulana 2014. Link:

https://anfkurdi.com/kurdistan/-183901

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد