قدّم المركز الكردي للدراسات برنامجاً حوارياً حول الانتخابات البلدية التي جرت في 31 مارس/ آذار 2024 في كل من شمال كردستان وتركيا. واستضاف البرنامج الذي قدمه الزميل طارق حمو، الصحفي الكردي ذوالكف كشاناك، والذي قيّم نتائج الانتخابات الأخيرة والفوز الكبير الذي حققه حزب المساواة والديمقراطية للشعوب (DEM Partî) في ولايات شمال كردستان، ومعاني هذا الفوز ، والتشكيل الجديد للخارطة السياسية في عموم تركيا، وبالتالي آفاق حل القضية الكردية.
وأشار الصحفي ذوالكف كشاناك في بداية حديثه إلى التحضيرات الميدانية التي قام بها حزب المساوة والديمقراطية للشعوب لهذه الانتخابات، والتي ضمت برامج زيارة الأهالي، والإطلاع على مشاكلهم، ومن ثم أخذ رأيهم في مرشحي الحزب عن المدن والبلدات، والاستماع إلى اقتراحات المواطنين ورأي القاعدة الجماهيرية للحزب في كل المناطق، فكانت عملية التقدم بمرشحي الحزب، عبارة عن ترجمة حرفية ومباشرة لإرادة واختيارات المواطنين.
وأضاف كشاناك بأنه ورغم حملات القمع والملاحقة، ووجود الآلاف من كوادر ومسؤولي الحزب في السجون التركية، إلا أن التحضيرات والاستعدادات الميدانية كانت تسير بشكل جيد، ويشارك فيها المواطنون العاديون المؤمنون بخطاب الحزب وبالخدمات التي سيقدمها مرشحوه في حال فوزهم برئاسة البلديات واستلامهم المسؤولية فيها.
ولفت كشاناك إلى عمليات التزوير التي ارتكبتها أجهزة في الدولة التركية ودوائر في التحالف الحاكم أثناء سير العملية الانتخابية، وقال: “الدولة التركية كانت تستعد للانتخابات، بشكل علني وسري كذلك. وفي هذا الإطار تم اتخاذ قرار إشراك عشرات الآلاف من الجنود وأفراد الشرطة والأجهزة الأمنية التركية في الانتخابات والتصويت لصالح الحزب الحاكم. لقد جاءت السلطة بحوالي 50 ألف جندي إلى صناديق الاقتراع، وصوّت هؤلاء للحزب الحاكم مرة ومرتين و ثلاث مرات، مثلما تم الكشف عنه. ولكن وعلى الرغم من ذلك، أحرز حزب المساواة والديمقراطية للشعوب فوزاً كبيراً في ولايات شمال كردستان، وانتزع الحزب البلديات الكبرى مثل آمد ووان وماردين. وهذه هي المرة الأولى في تاريخ الانتخابات التركية التي تتحقق فيها مثل هذه النتائج في شمال كردستان”.
وفي ما يخص إشراك آلاف الجنود وأفراد الشرطة والأجهزة الاستخباراتية وموظفي الدولة في الانتخابات، رغم كونهم ليسوا من أبناء المنطقة، وذلك بهدف التصويت لصالح حزب العدالة والتنمية الحاكم والتأثير في نتائج الإنتخابات، قال كشاناك بأن هذه الخطوة غير قانونية، وكان الهدف منها هو السطو على هذه البلدات ومصادرة إرادة الجماهير، وهذا ما حدث في مدن شرناخ وبدليس وقارص، موضحاً بأنه في شرناخ التي صوّت فيها 90% من الأهالي لصالح حزب المساواة والديمقراطية للشعوب، فاز الحزب الحاكم عبر الاستعانة بأصوات عشرات الآلاف من الجنود وأفراد الشرطة. في ما تم التزوير في مناطق ثانية بأشكال أخرى، حيث جاءت السلطة بصناديق مليئة بالأصوات المعدة مسبقاً، ناهيك عن عمليات حرق وإتلاف البطاقات التي انتخب فيها المواطنون حزب المساواة. وتابع قائلاً: ” كان عدد الجنود في الكثير من المدن والبلدات أكبر من عدد المواطنين الذين يحق لهم الإنتخاب. حدثت الكثير من عمليات التزوير في (بدليس) و(شرناخ) و(قارص). لقد تم إلغاء أصوات حزب المساواة والديمقراطية للشعوب. ورغم الاعتراضات التي قدمها الحزب والمقترنة بالأدلة والبراهين حول عمليات التزوير، إلا أن اللجنة العليا للانتخابات، وهي لجنة مسيسة، لم تأخذ بها، وأبقت على النتائج الناتجة عن التزوير، مشرعنة كل ما حدث من انتهاكات لقانون الانتخابات ولروح الديمقراطية والعدالة ولإرادة الجماهير الكردية. ورغم كل ذلك، إلا أنه من الواضح بأن ما بين 80% إلى 90% من أهالي شمال كردستان، صوّتوا لحزب المساواة والديمقراطية للشعوب. لقد كانت الانتخابات استفتاء شعبي أظهر تمسك الجماهير بهذا الحزب”.
وأوضح الصحفي الكردي ذو الكف كشاناك بأن الهزيمة التي مني بها تحالف حزب العدالة والتنمية وحزب الحركة القومية الفاشي، يمثل رفضاً جماهيرياً، على صعيد كل تركيا، لسياسة الحرب والإمحاء والعمليات العسكرية التي تمسك بها هذا التحالف ضد الشعب الكردي داخل وخارج تركيا، مشيراً بأنه وجراء الانفاق على حملات الحرب والحسم العسكري ضد الكرد، ودعم الميليشيات المسلحة في سوريا وليبيا وغيرها، انهار الاقتصاد وتوقفت مشاريع البناء والتنمية، وتراجع مستوى معيشة المواطنين، وهو الأمر الذي دفع بالمواطنين العاديين إلى معاقبة الحزب والتصويت لحزب الشعب الجمهوري. وهنا لا يمكن القفز فوق الأصوات الكردية في الداخل التركي والتي ذهبت لحزب الشعب الجمهوري، وساهمت في تقدمه وفوزه على التحالف الحاكم، وبالتالي منح حزب المساواة حزب الشعب الجمهوري فرصة ذهبية لاصلاح الأوضاع ووضع حد للحرب الحالية، وفتح آفاق الحوار والحل السياسي السلمي للقضية الكردية.
وبيّن كشاناك بأن حزب المساواة والديمقراطية للشعوب، وبعد الفوز الذي حققه في الإنتخابات الأخيرة في أغلب مناطق وولايات شمال كردستان، أصبح الرقم الصعب في تركيا، فهو يمثل الشعب الكردي والقوى الديمقراطية، وهو محرك التغيير القوي وإنهاء مرحلة الفساد والنهب واشعال الحروب والأزمات. وإذا كان حزب الشعب الجمهوري يريد بناء تركيا وإنهاء مرحلة العدالة والتنمية وشريكه، فسوف يجد الدعم والسند له في حزب المساواة والديمقراطية، الذي يشكل “الطريق الثالث” الساعي للديمقراطية والحل والسلام والتنمية ودولة المواطنة والحقوق.
وحول تداعيات الإنتخابات الأخيرة على كل من اقليم شمال وشرق سوريا، واقليم كردستان العراق، أشار كشاناك بأنه لا شك سوف تحدث هذه الانتخابات تغييراً في السياسة التركية، ففوز حزب المساواة والديمقراطية للشعوب في ولايات شمال كردستان، وانتزاع البلديات ممن يسمون ب”الأوصياء” الذين عينتهم الحكومة سابقاً بعد سجنها لرؤساء البلديات المنتخبين، سوف يعيق تحضيرات واستعدادات الحرب والتحشيد العسكري ضد كل من شمال وشرق سوريا واقليم كردستان العراق. فالحكومة التركية لم تعد تملك السيطرة على الإرادة المحلية لرؤوساء ومجالس البلديات، وبالتالي فمن الصعب عليها التحضير للهجمات وتمرير المرتزقة المسلحين ودعمهم. وكانت الحكومة التركية ضد فرضت “الأوصياء” وعينتهم في شمال كردستان، وذلك في انقلاب على إرادة الجماهير الكردية، وكل ذلك بسبب تخوفها من مساعي هؤلاء في تطوير ولايات شمال كردستان اقتصادياً، ومحاربة الفساد والنهب الحكومي، وضرب مساعي الإدارة الذاتية، التي بدأت تتشكل بمعزل عن الدولة المركزية وتدخلاتها، وكذلك بغية النيل من خطط وبرامج انعاش وتطوير اللغة الكردية، ونشر مظاهر الثقافة الكردية في كل ميادين العمل السياسي والإداري هناك.
وفي ختام حديثه للمركز الكردي للدراسات أوضح الصحفي الكردي ذو الكف كشاناك، بأن فوز حزب المساواة والديمقراطية للشعوب في ولايات ومناطق شمال كردستان، رغم كل عمليات التزوير، يعني بأن الجماهير الكردية متمسكة بهويتها وحقوقها، وإنها لن ترضخ لسياسة مصادرة إرادتها، وتعيين “أوصياء” من قبل التحالف الحاكم في تركيا، مشيراً إلى انتفاض أهالي “وان” وكل مناطق كردستان، إزاء محاولة السلطة السطو على إرادة الجماهير، عبر سجن رئيس البلدية المنتخب عبد الله زيدان، وتعيين المرشح المهزوم المنتمي لحزب العدالة والتنمية، وهو ما دفع السلطة إلى التراجع والخضوع لإرادة الجماهير وقبول النتائج، وهو ما يعني بأن الشعب الكردي متمسك بحقوقه ومستعد للدفاع عنها بكل قوة، وإن رفض بعض القوى في تركيا، ومنها حزب الشعب الجمهوري، لعملية السطو على إرادة الجماهير، ووقوفها مع المرشح الفائز، موقف ايجابي ينبغي تطويره والبناء عليه مستقبلا..