تركيا.. استراتيجية الحسم العسكري تصطدم بتطوير “الكردستاني” الحرب الدفاعية
طارق حمو
الأرجح إن الكثيرين ممن انشغلوا بتخمين ماهية «البشارة» التي وعد مراد قره يلان، رئيس لجنة الدفاع في حزب العمال الكردستاني، بزفها للشعب الكردي بمناسبة عيد النوروز، لم يتوقعوا أن تكون هذه البشارة امتلاك المقاتلين الكرد إمكانية اسقاط المسيّرات التركية، بمعنى حصولهم على المقدرة في تحييد هذه المسيّرات عبر استهدافها بسلاح ما لم يفصح عنه وإسقاطها في الجو. وكان قره يلان وصف هذه الخطوة بأنها «نقلة نوعية في النضال التحرري الكردي ضد سياسة الإنكار والحرب التركية».
وفي غمرة الاحتفالات الكردية في كردستان وتركيا والعالم بعيد النوروز، كشفت قوات الدفاع الشعبي الكردستاني عن الخبر، وقالت في بيان إن مقاتليها امتلكوا المقدرة على إسقاط المسيّرات التركية من كافة الأنواع (Akinci,Bayraktar,TB2 ANKA)، مشيرة إلى أنهم أسقطوا منذ 13 فبراير/شباط وحتى منتصف مارس/آذار 15 مسّيرة. ونُشرت، في فيديوهات مصوّرة، حطام المسيّرات، مع التركيز على الأجزاء المصنعة في هذه الدولة أو تلك، وتبيان بأن تركيا ما هي في الحقيقة إلا «محطة تركيب الأجزاء المستوردة» وجمعها في هيكل واحد تسميه بمسيّرة بعد دمغه بعبارة «صنع في تركيا»!
ومع امتلاك حزب العمال الكردستاني المقدرة على تحييد سلاح المسيّرات التركي، فإن تحولاً جديداً بدأ يظهر ليصعّب من حملة الحرب الشاملة التي يشنها تحالف حزب العدالة والتنمية وحزب الحركة القومية على الكرد داخل وخارج تركيا، ما يعني فشل سياسة الرهان على الحرب والحسم العسكري، في ظل قدرة الجانب الكردي على المقاومة والرد عسكرياً.
وكان حزب العمال الكردستاني أخذ زمام المبادرة العسكرية وأثبت قدرته على احتواء الحملات والهجمات العسكرية التركية المتواصلة منذ أبريل/نيسان 2022 عبر تنفيذ هجوم نوعي، عٌدّ اختراقاً واضحاً، طال وزارة الداخلية التركية في أنقرة في الأول من أكتوبر/تشرين الأول 2023، ووافق يوم افتتاح السنة التشريعية الثانية للبرلمان التركي في دورته 28، إذ كان مقرراً أن يلقي الرئيس التركي رجب طيب أردوغان خطاباً أمام أعضاء البرلمان. وجاء الهجوم ليثبت فشل الاجراءات الأمنية/الاحترازية التركية أمام مقدرة حزب العمال الكردستاني على إرسال مقاتليه مع أسلحتهم وقنابلهم إلى قلب المربع الأمني في أنقرة، حيث مكان عمل أركان الحكومة التركية. كما شنت قوات الحزب في الأشهر الأربعة الأخيرة هجمات نوعية وخاطفة على نقاط وقواعد الجيش التركي في منطقتي زاب ومتينا في إقليم جنوب كردستان (كردستان العراق)، أسفرت عن مقتل العشرات من الجنود الأتراك. وبث حزب العمال الكردستاني مقاطع مصورة لمجريات عمليات الاقتحام والتوغل ونشرها في مواقعه على شبكة الانترنت.
أثبتت التطورات الميدانية الأخيرة وإمساك حزب العمال الكردستاني بزمام المبادرة في الهجوم الخاطف والنوعي فشل حملات الحرب التركية وعجزها عن تحقيق نتائج مهمة. كما تظهر هشاشة رواية الإعلام التركي الرسمي في أن حملات الحرب المتواصلة والهجمات بالمسيّرات، أصابت الحزب بالشلل وألحقّت به ضربات كبيرة.
لقد برهنت العمليات الأخيرة التي قام بها مقاتلو حزب العمال الكردستاني في مناطق التواجد العسكري التركي في إقليم كردستان العراق مقدرة الحزب على شن العمليات السريعة الخاطفة، وبأقل عدد ممكن من المقاتلين المدربين. ومن يتابع البيانات المفصلة التي يصدرها الجناح العسكري للحزب، مع مقارنة الأرقام فيها بالصور والمشاهد من أرض المعركة، سيلاحظ مدى التطور الذي وصل إليه وبلغه المقاتلون الكرد، وقدرتهم على التخفي والتمويه، وبالتالي تفادي ضربات المسيّرات التركية.
وكان قياديون ميدانيون في الحزب كرّروا مراراً في السنوات الماضية ضرورة تحييد التقنيات المتقدمة التي يستخدمها الجيش التركي في حربه ضد مقاتلي الحزب في المناطق الجبلية الوعرة في شمال كردستان /تركيا وإقليم كردستان العراق، واستنباط أساليب جديدة في حرب العصابات تحسّن آليات عمليات الكر والفر المعروفة. ولعل وصول الحزب إلى هذا المستوى في إسقاط 15 مسيّرة وشن العمليات الخاطفة والنوعية على، وفي داخل، النقاط والقواعد العسكرية التركية، يظهر تحقيق الحزب للكثير من الأهداف والمطامح التي كان يعلنها للتعامل مع القدرات التقنية المتقدمة التي يلجأ إليها الجيش التركي، مستفيداً من شركائه في حلف الناتو.
انعكس إعلان حزب العمال الكردستاني عن تحييد سلاح المسيّرات التركي، وقبل ذلك نشره مقاطع مصورة طويلة للعمليات العسكرية ومشاهد اقتحام قواعد الجيش التركي، على معنويات الكرد في كل مكان. وظهر ذلك في الاحتفالات الكردية الكبيرة بعيد النوروز في كردستان وخارجها. وتميزت الاحتفالات هذه السنة بكثافة المشاركة وظهور المعنويات العالية وطغيان الشعارات القومية ومشاعر التمسك بالمقاومة والرد على حملات الحرب التركية. لقد توافقت الاحتفالات مع وقائع صمود الكرد عسكرياً في وجه آلة الحرب التركية، ومؤخراً تحقيقهم إنجازاً في إسقاط المسيّرات التركية، مع التصدر الكبير لحزب المساواة وديمقراطية الشعوب (PartiyaDEMê)، وتحقيقه لنتائج مهمة في الانتخابات البلدية التي جرت في نهاية شهر مارس/آذار الجاري (حصوله على أغلبية المقاعد في مجلس المحافظة في 12 ولاية كردية)، مستفيداً من المعنويات العالية وحالة الغضب تجاه سياسة التحالف الحاكم في تركيا. من هنا بدأت تنتعش في أن تشهد القضية الكردية جولات جديدة من الحوار لإيجاد حل سياسي وكسر حالة الانسداد والعجز الحالية الناتجة عن الرهان على الحرب، في ظل تخلي أنقرة عن العديد من مشاريعها الامبراطورية المتخيلة، واضطرارها فتح صفحات جديدة مع دول الجوار والإقليم، من تلك التي كانت تخطط لتفكيكها والتمدد العسكري والإداري فيها.