قدم المركز الكردي للدراسات برنامجاً باللغة الكردية لمناقشة سياسة إيران حيال الشعب الكردي في شرق كردستان والمنطقة وتأثير المواجهات بين كل من النظام الإيراني وأذرعه من جهة، والولايات المتحدة وحلفاؤها من جهة أخرى على الأمن والاستقرار في منطقة الشرق الأوسط، وعلى القضية الكردية فيها بشكل خاص. واستضاف البرنامج الذي قدمه الزميل طارق حمو السياسي والكاتب الكردي عبد الله حجاب.
وقدم حجاب عرضاَ تاريخياً وسياسياً واجتماعياً مسهباً للقضية الكردية في شرق كردستان وإيران، مشيراً إلى كفاح الشعب الكردي هناك من أجل الحرية والاعتراف بوجوده وحقوقه وتقديمه تضحيات كبيرة جراء تعنت الأنظمة المتعاقبة على حكم الدولة الإيرانية، وكيف أن الكرد واصلوا النضال، وبكافة الأشكال، في سبيل التحرر والعيش بهويتهم القومية على أرضهم التاريخية، وهو ما أدى إلى تعرضهم لحملات قمع وملاحقة كثيرة أسفرت عن فقدان عشرات الآلآف من خيرة أبنائهم.
وعرض حجاب تاريخ الشعب الكردي وثوراته منذ الامبراطوريات الإيرانية القديمة، ومروراً بالصراع مع العثمانيين وتقسيم كردستان بين كل من الامبراطوريتين الصفوية والعثمانية، إلى القرن العشرين حيث تأسيس جمهورية كردستان في مهاباد عام 1946، والتي تعرضت لهجوم من الجيش الايراني أسفر عن تدميرها واعدام قادتها. وواصلت الدولة الإيرانية قمعها للشعب الكردي ورفض الاعتراف بحقوقه القومية ومواجهة كل ثورة وحراك سياسي وعسكري كردي بالحديد والنار، وممارسة سياسة تفقير وتجهيل ممنهجة بحق ولايات كردستان الشرقية.
كذلك، توقّف السياسي والكاتب الكردي عند نضال القوى السياسية الكردية وتقديمها تضحيات كبيرة أثناء مقاومتها سياسة الإنكار، وسياسة الرهان على العنف والحرب التي انتهجتها الأنظمة المتعاقبة في ايران، وكيف أن القوى السياسية الكردية كانت تفضّل دائماً الحوار والحل السلمي على العنف واللجوء إلى الكفاح المسلح. ولفت إلى أنه كان الرهان في طهران دائماً على القمع ورفض الاعتراف بالكرد أو اللجوء إلى خيار الحل السلمي الديمقراطي للقضية الكردية وقضايا القوميات في الدولة الإيرانية. وأوضح أن النظام الإسلامي الذي جاء إلى الحكم بانقلاب عام 1979 واصل نفس النهج في قمع الكرد والنيل من حراكهم السياسي والعسكري باستخدام القوة المفرطة وشن حملات الإعدامات الجماعية عبر إعلان النظام الإسلامي «الجهاد المقدس» في كردستان، عدا عن اغتيال القادة الكرد بعد استدراجهم بحجة الحوار والتفاوض لحل القضية الكردية (اغتيال طهران كل من السياسييّن الكردييّن عبد الرحمن قاسلمو في فيينا عام 1989 وصادق شرفكندي في برلين عام 1992). وواصلت إيران سياسة الحرب والقمع إزاء القوى الكردية، بالاضافة إلى إعدامها الآلاف من الناشطين السياسيين الكرد والزج بالآلاف في السجون واعتبارها أي مظهر من مظاهر النضال والكفاح من أجل الهوية والحقوق الكردية عداء صريحاً لما تسميه «أهداف الثورة الإسلامية»، ولجوئها إلى قصف مواقع القوى الكردية، ومحاولاتها الحثيثة التنسيق مع أنظمة الدول المقسّمة لكردستان لمحاصرة هذه القوى والإجهاز عليها من جهة، ومنع الشعب الكردي في أجزاء كردستان الأخرى من الحصول على حقوقه في الاعتراف الدستوري وتحقيق مظاهر الفيدرالية أو الإدارة الذاتية أو الحكم الذاتي، من جهة أخرى.
كما شرح حجاب جغرافيا شرق كردستان، وقال بأن الشعب الكردي يمثل حالياً 12% من عموم الشعوب في إيران، وإن ما بين 60% إلى 70% منه (7 مليون كردي) يعيشون في مناطق شرق كردستان الرئيسية مثل كرمانشاه وعيلام وكردستان وأذربيجان الغربية، بينما يعيش البقية (حوالى 5 مليون) موزعين في المدن الإيرانية الداخلية. وهناك أكثر من مليون كردي يعيشون في منطقة خراسان التي تقع في شرق إيران. ودينياً، يعتبر الأغلبية الساحقة من الكرد في شرق كردستان من المسلمين (من 65% إلى 70% سنة، و25% إلى 30% شيعة و5% من الديانة اليارسانية).
وأوضح حجاب أن الوعي القومي في شرق كردستان متقدم للغاية، وهو ما يظهر في التظاهرات والاحتجاجات المستمرة ضمن حملة «حرية المرأة» التي أعقبت قتل الفتاة الكردية جينا أميني، وتلك التي تعقب لجوء النظام الإيراني إلى تنفيذ أحكام الإعدام بالنشطاء السياسيين الكرد. وكذلك، تواصل القوى الكردية النضال السياسي سواء داخل كردستان أو خارجها في سبيل دفع النظام الإيراني إلى الاعتراف بالحقوق القومية الكردية وقبول واقع إداري لشرق كردستان . تواصل القوى السياسية الكردية النضال ودعوة النظام في طهران للحل السياسي وإجراء مفاوضات لحل القضية الكردية ودمقرطة البلاد، لكن النظام الديكتاتوري الشمولي يرفض ذلك ويرى في دعوات الديمقراطية والمشاركة السياسية نهاية لحكمه وحكم الأقلية السياسية التي تحكم البلاد بإسم الدين والمذهب، ويواصل سياسة القمع والإعدامات بحق النشطاء والشباب الكردي لنشر الرعب بين المواطنين الكرد وغيرهم.
وكشف حجاب عن وجود لقاءات بين القوى الكردية والنظام الإيراني في عام 2010 و2011، انتهت كلها بالفشل بسبب اصرار النظام الإيراني على رفض الاعتراف بحقوق وهوية الشعب الكردي وحل القضية بشكل سياسي وديمقراطي عادل. وقال إن «آخر لقاء للقوى الكردية بممثلي النظام الإيراني تم في العاصمة النرويجية أوسلو عام 2019، وكان لقاءً سرياً أعلن عنه الآن ولأول مرة في هذا اللقاء مع مركزكم: المركز الكردي للدراسات». وأضاف: «للأسف أفشل النظام الإيراني ذلك اللقاء أيضاً، وتمسك بعقلية رفض حقوق الكرد وتفضيل الخيار الأمني القمعي على الحل داخل البيت الإيراني».
وتطرق السياسي والكاتب الكردي إلى السياسة الإيرانية في منطقة الشرق الأوسط، وقال إن النظام الإيراني، وعبر أذرعه ووكلائه من الجماعات المسلحة، يحاول فرض شروطه على القوى الدولية ويريد تحقيق مكتسبات تهم النظام والسلطة في طهران بالدرجة الأولى وتقوّي مواقفه الإقليمية والدولية إزاء العديد من الملفات العالقة مع المجتمع الدولي. ولفت إلى أنه لا توجد أي مصلحة للشعوب في المنطقة مما يفعله النظام الإيراني من دعم للميليشيات الخارجة عن القانون ومدها بأسباب القوة والقدرة على إثارة النزاعات وإدارتها، منوهاً إلى أنه من الواضح بأن ما تفعله هذه الميليشيات لا يخدم الاستقرار ولا مصلحة الشعوب في المنطقة، فهي ورقة إيرانية في النهاية لا أكثر. وأردف بخصوص الموقف الأميركي الرافض للحوار مع القوى السياسية الكردية، أو مع المعارضة الايرانية التي تطالب بالديمقراطية لعموم البلاد، أنه يقف على أرضية رغبة واشنطن في بقاء النظام الإيراني بهذا الشكل ومواصلته تهديد المنطقة وأنظمتها. وذكر أنه من الواضح أن الولايات المتحدة لا تريد دولة ديمقراطية لامركزية في إيران، بل تفضل النظام الشمولي القمعي الذي لا يمثل إرادة الجماهير ولا مصالحها. واعتبر أنها ترى في هذا النظام فزاعة ترعب من خلاله دول المنطقة، وهو ما يمنح واشنطن دوراً أقوى وحضوراً أكثر بروزاً في المنطقة ويبرر الحاجة الدائمة للحماية الأميركية. وقال حجاب إن أي تغيير يحدث في إيران سيكون تغييراً من الداخل يقوده الشعب الإيراني نفسه، وليس من الخارج تفرضه القوى الأجنبية. وذكر أنه من الواضح بعد كل هذه التجربة بأن القوى الأجنبية لا تريد تغيير النظام، ولا ترغب في أي بديل ديمقراطي عنه يساهم في دمقرطة البلاد وإدارتها وفق نظام لامركزي يعترف بالقوميات الموجودة وبجغرافياتها الإدارية.