الأمم المتحدة وصنّاع الأزمة السورية
حسين جمو
مطلع عام 2022، نشرت وكالة الأنباء الإيرانية «إرنا» تصريحات خلال لقاء جرى في طهران جاء فيها أن «الأوضاع في سوريا مستقرة.. وأن أياً من الأطراف في الظروف الحالية لا تتحدث عن تغيير النظام». وأكد هذا المسؤول على حفظ السيادة الوطنية والاستقرار السياسي ووحدة الاراضي السورية.
اللافت في الأمر أن هذا الخطاب صادر من مبعوث الأمم المتحدة إلى سوريا غيير بيدرسون، المعني بتنفيذ القرارات الدولية لتنظيم عملية «انتقال سياسي» في سوريا. فقد تبنى مجلس الأمن الدولي في 18 ديسمبر/كانون الأول 2015 القرار رقم 2254 الذي ينص على وقف إطلاق نار يمهد لتسوية سياسية في سوريا تستند على أربعة مرتكزات وهي الحكم الانتقالي، وصياغة دستور جديد، وإجراء انتخابات، ومكافحة الإرهاب.
وتعتبر الإدارة الذاتية في شمال وشرق سوريا، والأطراف المنضوية في تشكيلات المعارضة، القرار الأممي رقم 2254 السبيل لتحقيق التسوية السياسية للصراع، كونه الضامن لانتقال حقيقي للسلطة وتسوية شاملة تنهي الحرب ومسبباتها.
في كل الأحوال، يلتزم بيدرسون بمنهج معظم مبعوثي الأمم المتحدة لحل الأزمات، وهو منهج أثبت عدم فاعليته مراراً وتكراراً من دون مراجعة. وبينما تكون مهمة المبعوثين تطبيق قرارات الأمم المتحدة، يكفل الزمن واستطالة الأزمات أن تحول مهمتهم إلى مجاراة للأزمات. وشيئاً فشيئاً تظهر تحركات المبعوثين، سواء في اليمن أو ليبيا أو سوريا، في مسار يبدو في بعض تفاصيله مضاداً لقرارات الأمم المتحدة والقانون الدولي ذاته. وإذا ما أردنا صياغة مصطلح من علم السياسة، فإن المبعوث الذي يفترض أنه يمثل القانون الأممي ويراعي بشكل صارم مبادئ الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، يصبح مبعوثاً لمراعاة مصالح «الدولة القومية» أياً كانت.
بالتأكيد ليس من السهل أيضاً العمل في بيئة تتواجد فيها دول قومية عصية على الإصلاح وصلبة في التشبث بالسلطة ودموية ضد شعوبها حين يتطلب الأمر. وتستغل هذه الدول تعثر مهام مبعوثي الأمم المتحدة، لأن الأزمات أكبر من قدرتهم على إدارة حلولها. لذلك، يقدمون تسهيلات محددة، ظاهرها مواكبة مساعي الأمم المتحدة، وباطنها تقديم خدمة للأمم المتحدة عبر «الإيحاء» أنها نشطة ولها دور في ترتيب حل للأزمة. وهذا ما تقوم به دول مسار أستانا عبر توفير منصة رئيسية لبيدرسون للظهور، وإشغاله بمبادرات مثل «اللجنة الدستورية»، وطرح المبعوث الأممي مبدأ «خطوة بخطوة» التي لم يخطو فيها أي طرف أي خطوة حتى الآن بعد مرور سنوات.
ما قام به المبعوث الأممي حتى الآن هو التأقلم مع الاحتيال المنظم الذي تقوم به الدول المعنية لإبقاء الوضع في سوريا على ما هو عليه دون حراك حقيقي للحل. وهذا التأقلم لا يترافق مع خطوات من بيدرسون نفسه لإثارة قلق عرابي «تحنيط الأزمة». فهو لم يجرؤ على الاستفسار حتى الآن كيف يمكن حل أزمة باستبعاد جهة تدير نحو 29 في المئة من سوريا؟ ولماذا يتمسك بيدرسون نفسه بخطوط عام 2015 ولا يعترف أن الواقع تغير بعد ذلك، وخطاب الحل الذي يبشر به في إحاطات الأمم المتحدة متأخر عن الأزمة نفسها؟
خلال العقود الماضية التي راجت فيها فكرة «المبعوث الأممي» لرعاية حل الأزمات في أنحاء العالم، لم تفلح الفكرة في إثارة قلق الدول المرتكبة للانتهاكات والجرائم، والأسوأ من ذلك، أن الدول المتورطة في إثارة الحروب الأهلية والقمع الداخلي تبتز علناً الأمم المتحدة عبر التضييق على مكاتبها ونشاطاتها. وفي معظم الحالات، ترضخ «البعثات الأممية» لألاعيب «الدولة القومية» وتسير في طريقها أملاً في حدوث تغيير أو ظهور حدث يجبر الجهة المعرقلة للحل على الاستناد لمبادرات المبعوث الأممي، وهذا رهان على الزمن، غالباً لا يأتي.
خلاصة القول، المسار السياسي الحالي مجتزأ ولا يضم كل الأطراف الفاعلة ويؤسس لأزمة جديدة، وعدم إعلان الراعي الأممي للمسار السياسي فشل العملية بصيغتها الحالية خدمة مجانية لصناع الأزمة.