أميركا في الشرق الأوسط.. السياسات الانتخابية قد تتعارض مع الثوابت الاستراتيجية

المركز الكردي للدراسات

يشكل دعم الرئيس الأميركي جو بايدن لإسرائيل معضلة أمام قاعدته الانتخابية في الحزب الديمقراطي، وقد يضطر معها إلى ممارسة ضغط أكبر على تل أبيب للتخفيف من حربها على حركة حماس في غزة. ومن المرجح أن ينعكس هذا التوازن الهش بين المصالح الانتخابية ومصالح الأمن القومي الأميركي على الاستراتيجية الأميركية في الشرق الأوسط، خاصة سوريا والعراق.
وتعد السياسات الانتخابية، تاريخياً، من أهم دوافع القرارات المفاجئة التي يتم اتخاذها على مستوى القيادة الأميركية بما يبدو وكأنه يعاكس المسار العام للمصالح الأميركية «غير الانتخابية».
في الخامس من فبراير/شباط، أبلغ مشرع ديمقراطي صحيفة «بوليتيكو» عن فحوى جلسة له مع ثمانية آخرين من الحزب الديمقراطي أن «القاعدة الشعبية الديمقراطية غاضبة حقًا من سياسات بايدن بخصوص الدعم المطلق لإسرائيل في حربها على حركة حماس في غزة. ونصح المشرع الديمقراطي الرئيس بايدن أن ينأى بنفسه عن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو لأن الأخير ماركة سامة».
وجاء كلام المسؤول الديمقراطي بعد ساعات من نشر شبكة «إن بي سي نيوز» نتائج استطلاع أظهر أن بايدن يواجه ناخبين غير راضين ومناخاً سياسياً صعباً قبل تسعة أشهر من الانتخابات ضد دونالد ترامب.
وانخفض معدل تأييد بايدن إلى أدنى مستوى له خلال رئاسته إلى 37% بينما وافق أقل من 3 من كل 10 ناخبين على طريقة تعامله مع الحرب الإسرائيلية على غزة.
وبناء على ذلك، بدأ بايدن في اتخاذ خطوات ليظهر للجزء المؤيد للفلسطينيين من قاعدته الانتخابية أنه يستمع إلى شكاواهم خشية تراجع حظوظه الانتخابية. ووفق «بوليتيكو»، أطلق بايدن وصفاً بذيئاً على رئيس الوزراء الإسرائيلي لأنه يشك فيه بشدة ويعتقد أنه يريد جر الولايات المتحدة إلى حرب أوسع في الشرق الأوسط، وهو صراع من شأنه أن يضمن استمرار تدفق الأسلحة الأميركية إلى المنطقة، وسرعان ما تتبعه القوات، ما سيقلل الضغط على نتانياهو لوقف الحرب.
في ضوء هذه المعطيات، فإن الولايات المتحدة ستكون أكثر حذراً في عمليات الرد على استهداف قواتها لكي لا تنجر إلى حرب دولية في المنطقة تقودها بنفسها. ويمكن تفسير الرد الأميركي المحدود على مقتل ثلاثة من جنودها في الأردن بضربة شنتها ميليشيا موالية لإيران، في هذا الإطار. أي أن حشدها لأساطيلها البحرية إلى الشرق الأوسط وتعزيزها لأمن قواتها لا يدل حتى الآن أن استراتيجيتها على المدى الطويل – الانسحاب من الشرق الأوسط – تغيرت.
تطرقت مقالة نشرتها مجلة «فورين أفيرز» بقلم داليا داسا كاي، من جامعة كاليفورنيا، وسنام وكيل، مديرة برنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في «تشاتام هاوس»، إلى المدى الذي يمكن أن تذهب فيه واشنطن لتعزيز وجودها في الشرق الأوسط. إلا أن عنوان المقال بالغ في قدرة وحسن نوايا دول المنطقة لحل القضايا العالقة، فجاء العنوان «وحده الشرق الأوسط بإمكانه إصلاح الشرق الأوسط».
على الأرجح أن الكاتبتين ينقصهما الكثير من المعرفة بالشرق الأوسط حتى صاغتا هذا العنوان البريء، في حال كانت نواياهما حسنة في الأساس. رغم ذلك، فإنه لا يمكن الاختلاف معهما في فكرة أنه ليس من الحكمة المراهنة على أن واشنطن ستبذل جهوداً دبلوماسية وأمنية كبيرة من أجل الشرق الأوسط على المدى الطويل. فقبل فترة طويلة من هجوم 7 أكتوبر/تشرين الأول، أكدت جميع الإدارات الأميركية المتعاقبة عزمها التحول بعيداً عن المنطقة لتكريس المزيد من الاهتمام للصين الصاعدة بشكل كبير. لذلك، كانت الإدارة الأميركية تُعزّز القدرات العسكرية لشركائها الإقليميين في محاولة لنقل بعض العبء الأمني إليهم. ومن أجل إنجاح صفقة التطبيع بين السعودية وإسرائيل، كانت واشنطن على استعداد لتقديم حوافز كبيرة لكلا الجانبين ولو على حساب القضية الفلسطينية التي تجاهلتها كلياً.
وبالعودة إلى ما ذكرته صحيفة «بوليتكو» من أن بايدن واعِ لمسألة محاولات نتانياهو إعادة الولايات المتحدة إلى الشرق الأوسط، فإنه حتى الآن لا يوجد بالفعل ما يشير إلى أن عودة الولايات المتحدة إلى تعزيز وجودها وأمن قواتها في الشرق الأوسط يأتي في إطار تغيير لخططها السابقة في مغادرة المنطقة بعد ترتيبها بما يضمن أمن إسرائيل. قد يستغرق الاستنفار الأميركي في الشرق الأوسط سنتين إلى ثلاث، في حال فاز بايدن في الرئاسة، وعاماً واحداً على الأكثر في حال فاز ترامب، قبل فتح ملف الانسحاب. وإلى ذلك الحين، سيسعى بايدن إلى التخفيف من اندفاع إسرائيل العسكري ضد حركة حماس في غزة لإرضاء قاعدته الانتخابية اليسارية والمسلمة. وقد يتطلب هذا الأمر أن يثبت لإسرائيل أن الولايات المتحدة ماضية في استراتيجيتها التحول عن الشرق الأوسط وتسليم مفتاح المنطقة للاعبين المحليين. وقد يتطلب الأمر أيضاً نوعاً من تفاهم ضمني مع إيران لتخفف الأخيرة من الهجمات القاتلة على القوات الأميركية والالتزام بالاستهداف البعيد غير المؤذي للقواعد الأميركية ومصالحها لكي لا تضطر واشنطن إلى الانجرار مجدداً إلى الشرق الأوسط بكامل قوتها.
تبقى مثل هذه الاحتمالات مفتوحة. لكن المؤكد أن العودة الأميركية الحالية للمنطقة ما زالت في إطار «حالة طوارئ» متعلقة بهجوم «حماس» على إسرائيل وسعي إيران وحلفائها إلى إلحاق الهزيمة بإسرائيل. في حال زوال هذه الحالة الطارئة، لا شيء يضمن عدم طرح نقاش جدي في واشنطن بخصوص مصير القوات الأميركية في الشرق الأوسط.

في الوضع الحالي، فإن كلاً من إيران وإسرائيل يجران الولايات المتحدة إلى الشرق الأوسط بشكل أعمق. ومن المرجح أن تقوم إيران بمراجعة عملياتها ضد القوات الأميركية في حال تأكدت أن هجماتها – عن طريق ميليشياتها – تأتي برد فعل عكسي ولا تخدم هدفها في إجبار الولايات المتحدة على الهرب من المنطقة. فحتى الآن، تعمل طهران على إحراج إدارة بايدن عبر سعيها إلى توسيع الصراع، مفترضة أن واشنطن لا تحتمل مثل هذا السيناريو، وبالتالي ستجبر إسرائيل على إيقاف هجومها على غزة وفق اعتقادها. فضلاً عن أن تحول العراق وسوريا إلى ساحة مواجهة بين واشنطن وطهران يهدد بإعادة تشكيل خريطة التوازنات المحلية والتسويات الهشة القائمة.
مطلع فبراير/شباط، قدمت مبعوثة الأمم المتحدة إلى العراق جينين بلاسخارت إحاطة أمام مجلس الأمن الدولي حذرت فيه أن الحكومة العراقية تركز على تجنب أي امتداد محلي أو إقليمي للحرب بين إسرائيل وحركة حماس، لكن الهجمات المستمرة التي تستهدف العراق تهدد استقراره الذي تحقق بشق الأنفس. وشددت على ضرورة حماية العراق من الانجرار بأي شكل من الأشكال إلى صراع أوسع نطاقاً.
من الواضح أنه حتى الآن، لا تريد الولايات المتحدة أن تظهر لإيران أن توسيع الصراع سيجعلها تتنازل وتضغط على إسرائيل. على العكس من ذلك، تعمل واشنطن على أن تثبت لطهران أن زيادة الهجمات على قواتها ستؤدي إلى إرسال مزيد من هذه القوات وليس سحبها من المنطقة.
رغم ذلك، لا يمكن الركون إلى هذا المسار التعاكسي طالما أن السياسات الانتخابية في واشنطن قد تتطلب خطوات مفاجئة فوق كل الاعتبارات الاستراتيجية.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد