المركز الكردي للدراسات
قالت إلهام أحمد رئيسة الهيئة التنفيذية لمجلس سوريا الديمقراطية إن الهجمات التركية التي تستهدف تدمير البنية التحتية في مناطق الإدارة الذاتية في شمال شرق سوريا، تأتي بغرض ترويع الأهالي ودفعهم إلى التمرد ضد الإدارة الذاتية، أو الهجرة ومغاردة مناطقهم، موضحة بأن الأضرار والخسائر الأولية للهجمات التركية على البنية التحتية تقدر بمليار دولار. وتابعت أحمد بأن هناك توجهاً لدى الدولة التركية لتهجير أهالي مناطق شمال شرق سوريا، كما هجرت من قبل أهالي كل من عفرين ورأس العين/ سري كانيه وتل أبيض/ كري سبي، وأن أحد أهداف تركيا من وراء القصف المركّز هو منح الفرصة لخلايا تنظيم داعش لتنظيم صفوفها وشن هجمات قتل وتخريب في مناطق الإدارة الذاتية، فيما تضاعفت محاولات فرار عناصر التنظيم من السجون، وتزايدت حالات الفرار من مخيم الهول جراء هذه الهجمات.
وجاءت تصريحات أحمد خلال ردها على الأسئلة التي طرحها المركز الكردي للدراسات بشأن الهجمات التركية الأخيرة التي استهدفت البنية التحتية في مناطق الإدارة الذاتية، ضمن ملف شامل يعده المركز ويغطي التداعيات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية للهجمات التركية الأخيرة.
المركز الكردي للدراسات: ما الهدف من وراء الاستهداف التركي المباشر للبنية التحتية في مناطق الإدارة الذاتية؟
إلهام أحمد: الدولة التركية تخطط، ومنذ بدء الأزمة السورية، للتدخل في مناطق شمال شرق سوريا، وتريد حضوراً ودوراً كبيراً في كل الوطن السوري. من خلال استخدام المجموعات المسلحة التي أطلقت على نفسها اسم المعارضة وحملت السلاح في وجه النظام، تريد تركيا أن تبني لها حضوراً مؤثراً في سوريا، وأن تكون قادرة على القيام بالتغيير، بل تفرضه فرضاً، بما يضمن مصالحها ويوطد نفوذها. تركّز تركيا، بشكل خاص، على مناطق شمال شرق سوريا. فهي تخطط لإفراغ هذه المناطق من سكانها عبر التغيير الديمغرافي الممنهج ومن خلال الاحتلال المباشر كما حدث في عفرين ورأس العين/ سري كانيه وتل أبيض/ كري سبي. الآن، تعمد الدولة التركية إلى تدمير البنية التحتية في مناطق شمال شرق سوريا بهدف ترويع الأهالي ودفعهم إلى الخروج على الإدارة الذاتية وتحويل الواقع الحياتي إلى جحيم والتضييق على المواطنين إلى الدرجة التي يقررون فيها الهجرة وترك مناطقهم. الهدف هو القضاء على صيغة الإدارة الذاتية القائمة على مشاركة المكونات والتعاضد الأهلي من خلال تدمير البنية التحتية الخدمية وسد سبل العيش والحياة أمام الأهالي. هدف الهجوم التدمير والقتل والترويع. في قصف سابق، قتل الجيش التركي 30 عنصراً من عناصر مكافحة المخدرات.
المركز الكردي للدراسات: تحدثتم عن الأضرار التي ألحقتها الهجمات التركية بالبنية التحتية في مناطق شمال شرق سوريا، هل لكم أن تعطونا فكرة عن حجم الخسائر؟
إلهام أحمد: استهدفت الهجمات المنشآت والمرافق الخدمية مثل محطات الكهرباء والمياه والغاز وصوامع تخزين القمح ومباني المؤسسات الخدمية. وهذه المنشآت الحيوية تعمل لخدمة المواطنين وتأمين مصادر العيش لهم. وهي منشآت ومرافق خدمية حصراً، وليست ربحية. وكانت الإدارة الذاتية تشرف عليها لضمان وصول الكهرباء والماء والمحروقات للمواطنين، وتدعم هذه الخدمات من ميزانيتها العامة. والهدف هو تأمين الخدمات والسلع بأسعار مناسبة، بما يساهم في خدمة المواطنين وتحقيق الاستقرار لهم. ليس ثمّة من أرقام دقيقة ترصد حجم الخسائر الناجمة عن تدمير وتخريب الآلة العسكرية التركية لهذه المنشآت والمرافق. لكن كحصيلة أولية، يمكننا الحديث عن خسائر تصل لمليار دولار.
المركز الكردي للدراسات: ما هي تداعيات تدمير الهجمات التركية البنية التحتية في مناطق شمال شرق سوريا؟
إلهام أحمد: نحن على أبواب فصل الشتاء، والمنشآت التي دٌمرت معطلة ولا تنتج المواد الضرورية لحياة المواطنين. لذلك، ندعو أبناء شعبنا لأن يكونوا يقظين، وأن يبتعدوا عن كل ما من شأنه أن يخلق البلبلة والارتباك. نحن لا نعيش في ظروف طبيعية. إننا في حرب مفروضة علينا فرضاً. ندعو أبناء شعبنا لتفهم الظروف وما نتعرض له من حرب وتدمير ممنهج لمناطقنا واستهداف واضح لمصادر الحياة فيها. قد تطول هذه الحرب المفروضة علينا. الدولة التركية تريد أن توطد حضورها من خلال نشر الدمار والفوضى والتخريب. تريد تحقيق المكاسب في سوريا وعموم المنطقة والعالم من خلال سياسة تصعيد عسكري والرهان على القوة والبطش. هذا هو توجه الحكومة التركية الآن. وثمّة احتمال أن تواصل الدولة التركية هجماتها، وأن تستمر في القصف والتدمير والتخريب لتحقيق هدفها في التهجير وافراغ المنطقة من سكانها، كما فعلت سابقاً في عفرين ورأس العين/ سري كانيه وتل أبيض/ كري سبي. وفي مثل هذه الظروف، علينا جميعاً أن نكون يقظين وأن نتحلى بروح المسؤولية ونكون سنداً للإدارة الذاتية وداعمين لها.
المركز الكردي للدراسات: ما مدى انعكاس هجمات الدولة التركية على الحرب التي تقودها الإدارة الذاتية ضد تنظيم داعش، وهل هناك مخاطر من استفادة التنظيم من هجمات الجيش التركي؟
إلهام أحمد: أثناء هجمات الدولة التركية على البنية التحتية، وقعت أربعة هجمات لتنظيم داعش استهدفت قوات سوريا الديمقراطية. الواضح أن التنظيم يستغل هجمات الجيش التركي لترتيب صفوفه والإعداد لشن هجمات. هناك علاقة واضحة وارتباط بين هجمات الجيش التركي وتصاعد عملياته. التحقيقات التي أجريت مع عناصره المعتقلين أثبتت أن تركيا كانت على علاقة بالتنظيم، وكانت تمده بكل أسباب القوة والبقاء للهجوم على المنطقة وإحداث أكبر قدر ممكن من القتل والتخريب فيها، كما حدث في معارك كوباني والهجوم على سجن الحسكة. لتركيا دور كبير في دعم وتقوية تنظيم داعش. والهجمات التركية الحالية تمنحه فرصة لاستعادة المبادرة وترتيب صفوفه والتسلل والهجوم. الدولة التركية حددت دوراً للتنظيم ضمن مخططها الرامي لتخريب وتدمير مناطقنا.
المركز الكردي للدراسات: هل هناك مخاطر مباشرة للهجمات التركية على مخيم الهول والسجون التي يحتجز فيها عناصر «داعش»؟
إلهام أحمد: ثمّة مخاطر جدية. فمخيم الهول يضم حوالى 70 ألف من أفراد عائلات عناصر تنظيم داعش ومن مواطني العراق. في كل يوم يستهدف أفراد عائلات «داعش» حراس المخيم من قوات «الأسايش»، ويتهجمون عليهم. كذلك، هناك هجمات تطال العاملين في بعض المنظمات الانسانية ممن يدخلون المخيم. من المهم التذكير بأن مخيم الهول ليس مخيماً عادياً، بل هو مكان خطير يعيش فيه أفراد متطرفون من عائلات «داعش»، والوضع يزداد خطورة يوماً بعد يوم. ومع مواصلة الهجمات التركية على المنطقة واضطرار حراس المخيم من قوات «الأسايش» للتصدي للهجمات التركية واتخاذ تدابير لدرءها، فإن «داعش» وأنصاره يستفيدون من هذا الظرف في ترتيب صفوفهم وشن الهجمات والعمليات. كل يوم تحدث محاولات فرار لعناصر ومؤيدي التنظيم من السجون ومن مخيم الهول، ويحاول هؤلاء الاختباء انتظاراً لفرصة مؤاتية للخروج من المخيم والفرار.
المركز الكردي للدراسات: من خلال لقاءاتكم مع الجانب الأميركي، هل ناقشتم مخاطر الهجمات التركية على النتائج التي حققتها قوات سوريا الديمقراطية والتحالف الدولي في حربهما ضد «داعش»؟ ما هو الموقف الأميركي من الهجمات التركية التي تطال البنية التحتية؟
إلهام أحمد: الموقف الأميركي كان سلبياً أكثر من السابق. عندما اقتربت طائرة تركية مسيّرة من قاعدة أميركية، أسقطوها فوراً، لكنهم يغضون الطرف عن الهجمات التركية التي تطال البنية التحتية في المنطقة. التمادي التركي في شن المزيد من الهجمات وتدمير المرافق والمنشآت المدنية، يعني بأن هناك توجهاً تركيا في إظهار ضعف الموقف الأميركي والنيل من فاعلية التحالف الدولي في محاربة «داعش» إلى الحد الذي يدفعه إلى مغادرة المنطقة، وبالتالي وضع حد للتعاون بين كل من قوات سوريا الديمقراطية والتحالف الدولي. ذلك التعاون الذي نتج عنه دحر «داعش» وكلف قوات سوريا الديمقراطية الآلاف من الشهداء من الكرد وأبناء بقية المكونات في المنطقة. هدف تركيا هو إخراج قوات التحالف ووضع حد للتعاون القائم بينها وبين قوات سوريا الديمقراطية، بحيث يتيح لها في ما بعد السيطرة على مناطقنا بأشكال وأساليب مختلفة وإعادة إحياء «داعش» واستخدامه في تهديد الأمن الدولي بما يخدم الأجندة التركية. ونحن هنا ننتقد الموقف السلبي للتحالف الدولي والصمت حيال الهجمات التركية التي تستهدف تدمير كل إنجازات ومكتسبات المرحلة السابقة من التعاون المشترك ضد الإرهاب. لقد أبلغناهم بموقفنا هذا ونشرنا موقفنا على وسائل الإعلام أيضاً. أكدنا لهم التداعيات الخطيرة للهجمات على مجمل وضع المنطقة وعلى العمل المشترك ضد مخاطر الإرهاب على المديين المنظور والبعيد. أما في ما يخص محور أستانا وروسيا، فهو صامت يتفرج على ما تفعله تركيا بالمنطقة وأهلها. وهذا الصمت لا يخدم سوريا كوطن وكشعب. هذه الهجمات تطيل عمر الأزمة السورية وتعقد الوضع الداخلي وتهدد بتقسيم البلاد وترسيخ الاحتلال التركي ومظاهره.
المركز الكردي للدراسات: تحدثتم عن محور أستانا وروسيا، لماذا صمتت روسيا والنظام السوري حيال الهجمات التركية التي تدمر بنية المنطقة؟
إلهام أحمد: بعد كل اجتماع من اجتماعات أستانا، كان هناك بيان ختامي يحذر من سعي واشنطن إلى تأسيس دولة كردية صغيرة في مناطق شمال شرق سوريا. ومن خلال الإصرار على نشر هذه المواقف في اتهام واشنطن وتشويه الواقع في مناطق شمال شرق سوريا، فإن محور أستانا يشرعن ويبرر الهجمات التركية على البنية التحتية وعلى أهالي المنطقة المدنيين. والدولة التركية تجاهر بعدائها لكل صيغة من صيغ الادارة الذاتية. ولذلك، تستخدم هذه البيانات والمواقف في شرعنة هجماتها على مناطق شمال شرق سوريا. والواضح أيضاً بأن هدف من يصدر تلك البيانات هو تحريض تركيا على تخريب المنطقة وتدمير الإدارة الذاتية فيها. وفي كل مرة تشن فيها تركيا هجماتٍ على مناطقنا، تبدأ روسيا بشن هجمات في مناطق أدلب، وهذا يظهر بأن كل الشعب السوري هدف لهذه القوى. وطالبنا روسيا باظهار موقف رافض حيال هجمات الدولة التركية، ولكنها لم تصدر أي موقف واكتفت بالصمت والمراقبة. نحن ننتقد هذا الموقف ونرى أنه يزيد من تعقيد الأزمة السورية ويساهم في توطيد تركيا واقع احتلالها لمناطق شمال سوريا وترسيخها التغيير الديمغرافي، بحيث تصبح قادرة على البقاء في تلك المناطق والسيطرة عليها لأكبر مدة زمنية. ومن المهم أن تسأل روسيا وجميع الأطراف نفسها هذا السؤال: من هي القوة القادرة على إخراج تركيا من الجغرافية السورية المحتلة؟ هل روسيا قادرة على ذلك، أم هناك قوة أخرى؟ إن صمت هذه الأطراف على الاعتداءات التركية وعلى واقع الاحتلال الترك، سيساهم في بقاء تركيا وتماديها في الاحتلال والضم والتغيير الديمغرافي.
المركز الكردي للدراسات: ما هو موقف القوى السورية المعارضة، غير المرتبطة بتركيا، من الهجمات التركية على مناطق شمال شرق سوريا؟
إلهام أحمد: لا توجد قوى معارضة قوية وفاعلة. ثمّة بعض القوى التي تسمي نفسها ديمقراطية ووطنية، ولكن لا حضور قوياً لها. ومع ذلك، نحن نثمن كل موقفٍ معارض للهجمات التركية، ونقدر كل إدانة تصدر من كل شخصية أو جهة معارضة لهذه الهجمات. المطلوب من كل القوى المعارضة ومن أبناء الشعب السوري أن يدينوا هذه الهجمات التركية التي تطال البنية التحتية لمناطق شمال شرق سوريا، فهي ملك لكل الوطن السوري. وأسفرت هذه الهجمات عن قطع إمدادات القمح والمحروقات عن بقية مناطق سوريا. ومن هنا، فإن هذه الهجمات لا تؤثر فقط على حياة أربعة ملايين من أبناء مناطق شمال شرق سوريا، بل على كل أبناء االشعب السوري. لذلك، من المهم أن يدين كل الشعب السوري العدوان التركي والهجمات التي تستهدف تدمير البنية التحتية السورية في مناطقنا، وأن يطالب العالم ويدعوه للتدخل لوقف هذا التخريب التركي في سوريا. على كل القوى التي تدعّي الديمقراطية والوطنية أن ترفض الهجمات التركية والاحتلال التركي، وأن تقف في وجهها بكل قوة.