من ديرسم إلى عفرين.. الاقتصاد الزراعي الكردي في «إصلاحات الشرق»
حسين جمو
في يناير/كانون الثاني من العام 1932، أصدرت مجموعة من المثقفين ذوي الميول الماركسية السابقة، والمتصالحين من مع فاشية موسوليني في إيطاليا، مجلة شهرية فكرية أطلقوا عليها اسم «الكادر»، وترأس تحريرها الأديب والسياسي يعقوب قدري قره أوصمان أوغلو إلى جانب الكاتبين البارزين شوكت ثريا أيدمير وودات نديم إلى جانب مجموعة من الكتاب الموهوبين بصياغة الأفكار والنظريات، ومنهم إسماعيل خسرو توكين الذي سيكون محور هذه السطور.
على الرغم من أن المجلة، بكوادرها البارزة، لم تكن ودودة مع بيروقراطية الحكم، إلا أن انتقاداتها جاءت من باب أن هذه البيروقراطية لا تقوم بواجباتها على أكمل وجه. وبالتالي، كانت – بتعبير المصطلحات السياسية اليوم – تزايد على السلطة في بعض الجوانب، ومنها ما سنعرضه بخصوص تعثر الدولة في معالجة قضية الإقطاع والاقتصاد الزراعي وثقافة الفلاحين في المجتمع الكردي. وتم إغلاق المجلة في ديسمبر/كانون الأول 1934.
امتاز كوادر المجلة بلقاءاتهم مع مصطفى كمال ومناقشة الجوانب النظرية مما أسموه «الثورة الوطنية» و«الثورة الكمالية»، ونحتوا هذا المصطلح في الثقافة التركية منذ ذلك الوقت. ودعم هؤلاء المثقفون فكرة الكمالية بأساس نظري جعلها ترتقي إلى تيار سياسي أيديولوجي، وهو ما كان يطمح إليه مصطفى كمال الذي لم يمتلك رؤى سياسية عميقة أو منظّراً فكرياً لأي نظرية سياسية، وكل هذا يتم بمباركة من رجل الدولة القوي عصمت إينونو. و لم يعجب هذا الاصطفاف النخبوي حول إينونو القيادي الكبير الآخر في الدولة وحزب الشعب الجمهوري جلال بايار، الذي سيصبح رئيساً لتركيا عام 1950 وحتى 1960 في حقبة الحزب الديمقراطي قبل أن يطيح به انقلاب عسكري مدعوم من إينونو نفسه الذي كان حينها زعيماً للمعارضة.
يمكن القول إن مجلة «كادرو- الكادر» أخذت على عاتقها مهمة أو «واجب» تنوير النخبة الحاكمة إلى الطريق المثالي لتحقيق أفكار الثورة الوطنية في الاقتصاد، فقد اعتبرت المجلة في مقالها الافتتاحي بعددها الأول أن التأخر في القيام بثورة اقتصادية يعرض “ثورة الجمهورية” للخطر من الداخل والخارج. ومن الطروحات الأولى للقيام بهذه الثورة الاقتصادية هو تفكيك قضية الإقطاعيين والفلاحين الكرد وفق البرنامج الرسمي الوحيد المطروح وهو «مشروع إصلاحات الشرق» أو «إصلاح شرق الأناضول»، وهما صيغتان أو أكثر لمشروع واحد أقر في العام 1925 بعد شهور قليلة من قمع ثورة عام 1925 وإعدام قائدها سعيد بيران.
في واحدة من فصول المجلة الصادرة في ديسمبر/كانون الأول 1932، بعنوان «الإقطاع في الولايات الشرقية»، يجادل الكاتب إسماعيل خسرو توكين (İsmail Hüsrev Tökin) بالمخاطر الكامنة في تخلف المجتمع الكردي على الأمة التركية، وكيف أن عدم سيطرة الدولة على الاقتصاد الزراعي الكردي يشكل تحدياً للجمهورية لدرجة يمكن أن تقود إلى مشكلات أكبر في المستقبل.
جمع خسرو مقالاته المنشورة في «كادرو» وأصدرها في كتاب عام 1934 بعنوان «اقتصاد القرية التركية»، وناقش فيها موضوعات عديدة حول المجتمع والاقتصاد تحمل جميعها توصيات بضرورة تدخل الدولة في إعادة تشكيل المجتمعات، وهي رؤية مستلة مباشرة من الفكرة الفاشية في تنصيب الدولة أباً وإلهاً في الوقت ذاته، ومنها دخل مصطلح «الدولتية» في شعارات حزب الشعب الجمهوري الستة.
في الفترة المبكرة من الجمهورية، هناك أهمية للسّيَر الشخصية للكوادر الأكاديمية المقربة من أجهزة الدولة. ويلاحظ أن معظم المنظّرين المتطرفين للروح التركية هم من أبناء مهاجرين أو مهجّرين غير أتراك، كما في حالة البلقاني شوكت ثريا أيدمير، والشركسي إسماعيل خسرو توكين (مواليد 1902 – 1992). كلاهما بدآ حياتهما كشيوعيين، ثم سجنا معاً، وتحولا معاً أيضاً إلى التنظير لتوجيهات مصطفى كمال اللذان أطلقا عليها «الفلسفة الكمالية»، وهم جميعاً إلى جانب رفاقهما في مجلة الكادر، من المقربين من رئيس الوزراء في ذلك الوقت عصمت إينونو (ربما هذا ما يفسر كراهية جلال بايار للمجلة وكوادرها)، ووقفوا جميعاً ضد حكم الحزب الديمقراطي الذي حكم من عام 1950 إلى 1960.
حظيت مقالات خسرو التي تنتقد الآراء الليبرالية للحزب الجمهوري الحر (الذي تزعمه فتحي أوكيار) بتقدير رئيس الوزراء عصمت إينونو. وقام إينونو برعاية مشروع «معاهد القرى» من أفكار خسرو توكين، وهو مشروع كان يحمل الكثير من الطموحات في تغيير ذهنية سكان القرى، ما يعني أنه مصمم في الجزء الأكبر منه لتغيير ذهنية الفئات غير المندمجة مع «الثورة الكمالية». ولن يكون الأمر مدهشاً إذا علمنا أن أتاتورك كلفه شخصياً بإعداد كتاب «مزارع أتاتورك» ونشر بعد وفاته من دون أن يضع اسمه كمؤلف، وروج لـ«عمق وبعد نظر» مصطفى كمال في إنشاء هذه المزارع التي أسسها من أموال تبرعات مسلمي الهند لدعم كفاح «القائد المسلم مصطفى كمال» ضد الهجوم المسيحي، وفق تعبيرات الداعمين في ذلك الوقت[1].
حتى عام 1929، عمل خسرو كوكيل لشركة تصدير ألمانية في تركيا. قام بجمع معلومات حول الوضع الاجتماعي والاقتصادي للقرويين أثناء التحدث إلى المزراعين في مناطق الإنتاج في الأناضول لإجراء توصيلات البضائع نيابة عن الشركة. بعد ذلك، جمع معلومات حول العلاقات الاجتماعية للمنتجين في القرى خلال رحلات الأناضول التي ذهب إليها ممثلاً لبنك «زراعت» لفحص مكان إنشاء تعاونيات الائتمان أولاً. أصبحت هذه المعلومات مواداً لدراساته في مجلة «كادرو» ولكتابه اقتصاد القرية التركية. وأثيرت شائعات كثيرة عن حياته وعمله ضابط استخبارات في جهاز الأمن القومي[2].
لذلك، حين يتم البحث عن مشروع «إصلاحات الشرق» فإنه لا يمكن العثور عليه في مكان واحد تحت تصنيف مشروع «إصلاح الشرق» مع فهرس الأفكار والخطط وأهدافها، فالمشروع الأساس الذي صيغ عام 1925 على شكل تقرير هو عبارة عن رؤية وليس خطة واضحة التنفيذ. وعليه، فإن أجزاء عديدة من هذه الرؤية تحولت إلى خطط مفصلة بعد الاشتغال عليها من نخب تعمل لدى أجهزة الدولة، ومنها منشورة في صحف ومجلات، أمثال «كادرو» و«عاكس – الصدى»، ومثل هذه الأفكار كانت أكثر عمقاً في آليات تفكيك المجتمعات المستهدفة من كل نقاشات النسخة الأولى من المشروع الذي تم مناقشته علناً في برلمان 1925.
يمكن إيجاد سياق مفاجئ حد الذهول لمشروع «إصلاح الشرق» التي تتضمن تتريك المنطقة الكردية بالقوة والترهيب والترغيب، ألا وهو أن هذه المنطقة (شمال كردستان) كانت تعرضت وفق وجهة نظر إسماعيل خسرو إلى عملية تكريد طويلة أسفرت عن اضطهاد وابتلاع مجتمعات سكانية تركية على مدى أعوام طويلة من الحكم الإقطاعي الكردي. وهذا الزعم يحمل جانباً من الحقيقة؛ إذ أنّ العديد من «مجتمعات الأطراف» في المناطق الكردية أصبحت مع الزمن كردية الثقافة واللغة. وبقدر ما كانت المجتمعات الكردية تتعرض إلى نزيف ثقافي عبر انتقال عائلات أرستقراطية كردية كاملة إلى الاندماج في المجتمعات المجاورة خلال قرون، عبر التعريب أو التتريك الذاتي – قبل أن تتحول هذه الظواهر إلى برامج سياسية تقودها الدول – فإن الثقافة الكردية لم تفتقد إلى الجاذبية طيلة تاريخها، واندمج فيها قطاع غير قليل من المتعايشين غير الكرد ضمنها، منها عائلات من نخبة المجتمعات العربية والتركية. وفي بعض الحالات، شملت ظاهرة التكريد الثقافي عشائر كاملة نقلها السلاطين إلى جوار المجتمعات الكردية وأعادت هذه العشائر تعريف نفسها كمكون اجتماعي كردي. بمعنى، قبل القرن العشرين، لم يتعرض المجتمع الكردي إلى ضغط سياسي مبرمج ليتخلى جماعياً عن الثقافة الكردية لصالح التركية، ولم تتعرض أي عائلة تركية أو عربية إلى ضغط سياسي لتعيد تعريف نفسها وتتبنى هوية اجتماعية- لغوية كردية. كانت تحدث تمردات كردية متتالية، وحين تفشل لا يكون العقاب حظر اللغة أو التعبيرات الثقافية الحرة للمجتمع.
غالباً، كانت الظروف الاقتصادية والتموضع الجغرافي يلعبان معاً الدور الأكبر في الخصائص الثقافية المكتسبة. على سبيل المثال يتحدث الغجر في الشرق الأوسط لغات متعددة نظراً لنمط المعيشة المتنقل بين مجتمعات متعددة. وكذلك الكرد القاطنون في المساحات المتداخلة مع العرب والترك كانوا يتقنون لغات هذين المجتمعين، إلى جانب الكردية الأم، لضرورات اقتصادية ودينية. الأمر ذاته ينطبق على العرب والتركمان وغيرهما من المجتمعات. بالتالي، فإن فكرة إسماعيل خسرو عن تعرض الأتراك إلى ضغط كردي لتكريدهم تأتي في سياق أيديولوجي تحريضي لخدمة سياسات التتريك الحديثة في ذلك الوقت، ولا يستند إلى أي أسس مقبولة في علم الاجتماع، ذلك أنها كانت «ظاهرة» وليس عملية تدار من مؤسسات.
يبقى أن نمط الزعامة في الثقافتين الكردية والعربية شكلت ضغطاً موضوعياً على المجتمعات التركية المجاورة حتى نهايات الدولة العثمانية، وليس العكس كما هو شائع، وهذا يأخذنا إلى ملف آخر مفاجئ، ألا وهو التمييز العثماني السلبي ضد الأتراك طيلة قرون.
يتساءل خسرو في مقالته:
بما أنه لا توجد حركة قومية كردية، فهل هناك أمة كردية؟ سنرد على هذا بالنفي. في ولاياتنا الشرقية لا توجد أمة كردية لكن هناك قبائل تتحدث الكردية وأمهات تركيات أجبرن على التحدث باللغة الكردية. لا يمكننا حتى الآن العثور على خصائص الأمة في هذه القبائل الناطقة باللغة الكردية. ومع ذلك، من الضروري تحديد أن هذه القبائل الناطقة باللغة الكردية قد أخضعت مجتمعات تركية في المقاطعات الشرقية بالقوة وجعلت منهم كرداً.
اليوم، جميع المناطق التركية الخالصة في العزيز وملاطية وضواحيهما، أصبحوا كرداً، وهذا الوضع مستمر. العديد من القبائل الناطقة باللغة الكردية لها أسماء تركية.. هناك أسباب اجتماعية واقتصادية من جهة، وأسباب إدارية (انعدام الأمن) من جهة، تبتلع الوطن الأم التركي من قبل العشائر الناطقة باللغة الكردية. لقد وسّع هذا النظام مساحته الجغرافية بدمج جميع الأتراك الذين واجههم داخل حدوده[3].
يعتبر إسماعيل خسرو في الدراسة التي قدمها بعنوان «الإقطاع في المقاطعات الشرقية» أن نمط الإنتاج الزراعي الكردي الموائم لنمط القيادة العشائرية تحول إلى عملية تكريد قسرية. بالطبع، لا يقصد خسرو، المتأثر بطروحات القومي الطوراني يوسف أكجورا، المجتمعات الأرمنية التي أبيدت في المنطقة واندمج قسم منها في الثقافة الكردية عن طريق بعض الإقطاعيين الكرد المتعاطفين مع الأرمن كأداة للنجاة من الإبادة، بل يلمح على استحياء إلى أن الفراغ الذي تركته الإبادة الأرمنية ملأها الكرد وليس الترك. و من أجل فهم هذا التوجه من المفيد تقديم أدوات قوة المجتمع الكردي في ذلك الوقت، فالنظام الجمهوري المؤسس حديثاً صاغ برامج مرحلية يستهدف من خلالها نقاط القوة في المجتمعات المستهدفة. وكان زعماء القبائل وشيوخ الطرق الدينية أكبر خصمين لأفكار الجمهورية. لذا، تعين على أجهزة الدولة في ذلك الوقت المبكر من عمر الجمهورية استهداف الفئات القيادية القادرة على حشد الأنصار. وغالباً كان هذا الاستهداف يرتدي ثوباً أكاديمياً بارعاً، الأمر الذي يميز السياسات التركية عن كل ما اتبعته أنظمة الدول المجاورة تجاه الكرد. فالأنظمة العراقية في العهود المتعاقبة، خاصةً منذ الانقلاب البعثي بقيادة عبدالسلام عارف عام 1963 ثم حقبة صدام حسين حتى عام 2003، اختارت العنف الوحشي ضد المعارضين، وعلى رأسهم الكرد، ولم تمتلك أي برنامج أكاديمي طويل الأمد لإحداث تغيير قومي وطائفي لصالح الحكم. بمجرد سقوط النظام، عاد المضطهَدون أقوى من السابق.
حذرت مجلة «كادرو» من نفوذ الشخصية الكردية العلوية سيد رضا في مجتمعه القبلي العلوي في ديرسم. وقدمت تحريضها ضده ضمن طرح رفيع المستوى عن ضرورة القضاء على العلاقات الإقطاعية في الشرق لإفساح المجال أمام تطور المجتمع. وعبر إسماعيل خسرو عن خشيته من نفوذ سيد رضا الذي – على حد قوله – يحكم 230 قرية في ديرسم ويذهب سنوياً إلى إسطنبول ليجمع مستحقات الدفع من العائلات الكردية المنحدرة من منطقته (تم إعدام سيد رضا خلال ثورة ديرسم في نوفمبر/تشرين الثاني 1937).
النمط الاقتصادي السائد في شمال كردستان يشكل هو الآخر حاجزاً مانعاً أمام «خطة الإصلاح»، وهو على الرغم من أضراره السلبية على مسار تطور المجتمع الكردي نفسه إلا أنه في الوقت نفسه أعاق خطة الإصلاحات. وهذه معضلة شكلت على الدوام معضلة كردية ومقاومة كردية في آن واحد. فالأمية التعليمية، على سبيل المثال، تحولت إلى حاجز صلب أمام التتريك التعليمي. وفي كثير من الأحيان، تعرض جهاز الدولة الأمني والأكاديمي نفسه إلى التشوش، وما زال مستمراً إلى الآن، وهو أنه من أجل تفكيك المقاومة الكردية ضد الإبادة الثقافية، كان عليها أن تفرض التقدم في بعض الجوانب، وهذه ناحية مدهشة على الطرفين، الكردي والكردي. أحيانا يكون “التخلف” الاقصادي عائقاً أمام ابتلاع الدولة لهوية المجتمع القومي الكردي، وأحياناً لا يتم هذا الابتلاع إلا عبر فرض التقدم الاجتماعي في أجواء الاستسلام الكلي لهذا المجتمع أمام أجهزة الدولة.
عموماً، ما حذر منه إسماعيل خسرو في رؤيته أن نمط الاقتصاد الانعزالي في المجتمع الكردي يجعله خارج السوق السائدة عالمياً، لذلك لا بد من تطويره للقضاء عليه، وصاغ فكرته وفق الكلمات التالية:
ماذا نرى في المحافظات الشرقية؟ عالم منغلق على الخارج. لا ينتج للسوق، ولكن لاحتياجاته الخاصة. سواء كان صناعياً (مثل الملابس) أو زراعياً (مثل الطعام)، فهو بنفسه يوفر كل احتياجات أسرته. كل منتج، مع أسرته، في حالة عزلة ضد السوق وضد العائلات الأخرى. هل يمكن أن يكون هناك أي مشاركة اقتصادية في مثل هذه الوحدة الاقتصادية الذاتية التي تتكون من أسر تتمتع بالاكتفاء الذاتي وغير مرتبطة ببعضها البعض من خلال أي تقسيم للعمل؟ هل هناك مشاركة وطنية للمصلحة العليا ؟ إنه غير موجود أيضاً. لأن كل القبائل ورؤساء القبائل مشغولون بفقأ أعين بعضهم البعض. اليوم، حقيقة أن العديد من قبائل الكرد تخلوا أخيراً عن العداء لبعضهم البعض ليس اتفاقًا قائمًا على الدفاع عن المصلحة الوطنية، ولكنه تحالف ينشأ من الاهتمام بالحماية المشتركة للسيطرة الطبقية.. القضية الكردية ليست حركة وطنية بل قضية صراع طبقي[4].
كان يحذو إسماعيل خسرو الأمل في أن تنقذ «الثورة الوطنية» (يقصد الكمالية) عنصرين من خلال تصفية السيادة الإقطاعية، وضم هذين العنصرين إلى المساهمة على المستوى الوطني: الأول هو القوة العاملة التي تم استعبادها، والآخر هو العنصر التركي المنحل في القبائل الكردية. لذلك، حرّض بشدة على مضي الدولة قدماً في تصفية العلاقات الإقطاعية. ولا يمكن القيام بذلك إلا من خلال مصادرة أراضي اللوردات الإقطاعيين وتوزيعها على الفلاحين. لكن هذا الإجراء لا يكفي طالما أن الإقطاعيين تحولوا إلى أصحاب رؤوس أموال في المدن والعقارات. وبالتالي، حتى لو تم منح الأراضي للفلاحين، وفق وجهة نظره، فإنه يبقى يقترض من الإقطاعي السابق ويخسر أرضه ومجهوده في النهاية بسبب نسبة الفائدة العالية على الاقتراض، لذلك اقترح خسرو ما يلي:
لا يمكن للنضال ضد النظام الإقطاعي في الشرق إلا أن يكون حركة تصفية ثورية. إذا تم إلغاء هذا النظام عن بكرة أبيه، فستكون الثورة التركية دائماً أزالت جذور التمرد الذي ينبثق في البداية محلياً ويجذب التدخلات الخارجية[5].
في تلك المرحلة، الثلاثينيات من القرن العشرين، كان تركيز الدولة ينصب على اقتلاع الفئة الأكثر قوة من المجتمع الكردي. لذلك، بدأت بالزعماء العشائريين وشيوخ الطرق الصوفية. وبالفعل، نجحت خلال عقود متتالية من تصفية أو تحييد طبقة الملاكين والوجهاء. قتل ولوحق العدد الأكبر من الزعماء الكرد، وترك الفلاحون بدون زعماء تاريخيين لأعوام طويلة. وعقد قادة انقلاب 1960 اتفاقاً مع بقايا الإقطاع الكردي منح معظمهم بموجبها الحماية القانونية لهم ولأملاكهم مقابل انضمام هؤلاء إلى «القومية التركية» عبر اختيارهم الانضمام إلى أحد الأحزاب التركية الرئيسية. على الرغم من ذلك، لم تكن إدارة قضية الإقطاع والفلاحين سهلة على الدولة. انقسم الحزبان الرئيسيان نهاية الأربعينيات، الحزب الديمقراطي المعارض وحزب الشعب الجمهوري الحاكم في كيفية تنفيذ آليات «مشروع إصلاح الشرق»، فانحاز الحزب الديمقراطي في ظل حكومة عدنان مندريس إلى الإقطاعيين، بينما ادعى حزب الشعب الجمهوري تمثيله لمصالح الفلاحين عبر تقديم مشاريع مصادرة الأراضي من كبار الملاكين. وبين الخلاف في تكتيكات تنفيذ خطة الإبادة الثقافية للكرد بين الأحزاب، كسرت مجموعات طلابية كردية الصمت منذ مطلع السبعينيات فظهرت حركات عديدة متنافسة حيناً ومتعاونة أحياناً أخرى، على فكرة قيادة القومية الكردية للمرة الأولى منذ نهاية المحاولة الكردية الأكبر عام 1930 في جبال آغري، وبعد مرور نحو 50 عاماً من العنف المنظم ضد المجتمع على أيدي «إصلاحات الشرق» التي تعثرت منذ مطلع الثمانينيات في تركيا تحت تأثير إعادة البناء السياسي الكردي على قواعد سياسية حديثة. لكن هذا المشروع، على الرغم من ذلك، توسع إلى خارج حدود تركيا، فأصبحت المناطق المحتلة في سوريا (عفرين – سري كانيه – كري سبي) من قبل القوات التركية وأعوانها الجزء الأحدث والإضافة الأثقل لـ«إصلاحات الشرق».
[1] – İsmail Hüsrev Tökin (1902-1993) – Atatürk Ansiklopedisi
[2]- İsmail Hüsrev Tökin -Vikipedi – Sayfa en son 18.38, 1 Kasım 2022 tarihinde değiştirild
[3] – Şark vilâyetlerinde Derebeylik. İşmail Husrev– Kadro – p: 21 – 23
[4] – Şark vilâyetlerinde Derebeylik. İşmail Husrev– Kadro – p: 20
[5] – Şark vilâyetlerinde Derebeylik. İşmail Husrev– Kadro – p: 24