ما الذي حققه هاكان فيدان في جولته العراقية؟

المركز الكردي للدراسات

تضمنت مباحثات وزير الخارجية التركي هاكان فيدان مع القادة العراقيين ملفات عالقة بين البلدين، كملف مياه نهري دجلة والفرات، والتعاون الأمني لتتبع خلايا وبقايا تنظيم داعش، وملف إعادة تصدير النفط عبر ميناء جيهان التركي، فضلاً عن التباحث حول مشروع «طريق التنمية» الذي سيربط ميناء الفاو في خليج البصرة بالأراضي التركية. غير أن ما رشح عن لقاءات الوزير التركي بالمسؤولين العراقيين أكّد على تضارب وجهات النظر حول مجمل القضايا التي تم استعراضها.
أوحت زيارة فيدان، التي جاءت تمهيداً لزيارة متوقّعة للرئيس التركي رجب طيب أردوغان الشهر المقبل إلى العراق، بأن السياسة الخارجية التركية لاتزال دون مستوى بلوغ سياسة «صفر مشاكل» التي قالت تركيا بأنها ستتبعها مجدداً، فيما اتسم خطاب الوزير التركي في جميع لقاءاته بطابعٍ أمني، وهو ما تبدّى في تصريحاته المتكررة التي تناولت حزب العمال الكردستاني.

بغداد وأنقرة: افتراقات كبيرة وخلافات قادمة

توضّح في البيان الختامي أن بغداد، وعلى لسان وزير خارجيتها فؤاد حسين، تحث أنقرة على معالجة مسائل تمسّ حياة العراقيين على وجه الخصوص، من ذلك ملف مياه نهري دجلة والفرات، ومطالبات بغداد الحصول على «نسبة عادلة» من المياه، ذلك أن العراق يواجه أصعب كارثة بيئة نجمت عن الجفاف غير المسبوق وما تبع ذلك من خسارة اقتصادية باتت تهدد مجالات الزراعة والتنمية على امتداد النهرين، إلّا أن ردّ وزير الخارجية التركي اتسم بالتسويف من خلال إرجاء حل مشكلة المياه عبر اقتراحه تشكيل لجنة مُشتركة دائمة لبحث الموضوع. ومن المعلوم أن مشكلة المياه تحلّ وفقاً لنسب التدفق السابقة وتحتاج إلى أوامر سيادية تركية لا إلى لجان مشتركة قد تكون مهمتها مواصلة ابتزاز العراق والضغط عليه عبر ورقة المياه الحيوية.
على طاولة المباحثات، طفت إلى السطح تباينات المواقف بخصوص مسألة عودة تصدير النفط العراقي عبر ميناء جيهان، وهو ما تستعجله بغداد، فيما تفرض أنقرة شروطاً قاسية على بغداد وأربيل لأجل إعادة تشغيل خط نفط كردستان وكركوك؛ فمع قرار هيئة التحكيم التابعة لغرفة التجارة الدولية بباريس تم إلزام تركيا دفع تعويضات لبغداد بقيمة 1.5 مليار دولار نتيجة الأضرار الناجمة عن تصدير حكومة إقليم كردستان النفط بشكل غير قانوني.؟ وكانت أنقرة أوقفت في 25 مارس/آذار تدفقات النفط العراقية عبر خط الأنابيب الممتد إلى ميناء جيهان، الأمر الذي تسبب بخسائر للعراق، ربما فاق مبلغ التعويضات المستحقّة. وتسعى تركيا من تعطيل تمرير النفط العراقي إلى تحقيق أمرين: وقف العراق دعوى تحكيمية ثانية بخصوص تصدير نفط كردستان في الفترة الممتدة من 2018 إلى 2022. والتهرّب من دفع التعويضات المستحقّة للعراق بأن تقوم أربيل بدفعها أو إيجاد سبل أخرى لتفادي دفعها. علاوة على مطالبات أخرى تبدو أقرب لشروط إذعان حملها فيدان معه في ذات الملف، كحصول تركيا على خط نفطي دائم للاستخدام المحلي، ودفع ما قيمته 7 دولار لتركيا عن كل برميل يصدّر من ميناء جيهان.
من الواضح أن بغداد كانت تطمح إلى جعل مسألة التعويضات وسيلةً لثني تركيا عن سياساتها المائية المضرة بالعراق والتي باتت تشكّل خطراً وجودياً عليها، كما كانت ترى في مشروع «طريق التنمية» فرصة جيدة لإغراء الأتراك بالعوائد المالية للمشروع، خاصةً أن المشروع سينفّذ في جزءٍ منه من خلال مشاركة الشركات التركية وقد يشكّل مصدر قوّة لتركيا بوصفها نقطة ترانزيت تربط العراق والخليج بأوروبا. وربما ظنّ المسؤولون العراقيون أن بوسع هذا المشروع الضخم أن يمهّد لإنهاء المشكلة المائية، غير أن الوقائع تقول عكس ذلك خاصة مع إصرار تركيا ربط كل شاردة وواردة ومجمل الملفات العالقة بين البلدين بمسألة حقها في التواجد العسكري على الأراضي العراقية بحجة محاربة حزب العمال الكردستاني، بمعنى أن تركيا تبحث عن دور محوري داخل العراق وليس إلى دور إقليمي مشترك مع العراق.

اختبار النفوذ والخبرات الأمنية في كردستان

مثلما وسّع فيدان من إطار زيارته في بغداد حين التقى أكبر قدر من المسؤولين وعلى رأسهم رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني، فإنه كرر الأمر ذاته في إقليم كردستان، بل تعدّى الأمر لقاءه رئيس وزراء الإقليم مسرور بارزاني ونائبه قوباد طالباني ورئيس الحزب الديمقراطي الكردستاني مسعود بارزاني، إلى زيارة مقر رئاسة فرع الجبهة التركمانية العراقية بأربيل. وفهم من زيارته تلك أنها رسالة توضّح متانة الوشائج القومية بين تركيا وتركمان العراق، وهو ما أعاد إلى الأذهان زيارة مماثلة للجبهة التركمانية قام بها فيدان، حين كان رئيساً للاستخبارات التركية، إلى العراق في أكتوبر/تشرين الاول 2022 الأمر الذي أثار تساؤلات لدى السياسيين العراقيين وقتها حول موجبات لقاء مسؤول تركي بأحزاب يفترض أنها عراقية.
لم يشر فيدان في أربيل إلى آفاق حل مشكلة تصدير نفط كردستان وكركوك، الأمر الذي بات يهدد الشراكة السياسية والمالية والاقتصادية بين أربيل وأنقرة، والذي قد ينعكس على عمق علاقات الطرفين وتعاونهما. وفي جولته بالإقليم الكردي، وخلال جميع لقاءاته، جدّد فيدان خطاب الدولة التركية فيما خص حزب العمال الكردستاني. وكان دعا من بغداد أيضاً إلى تصنيف الكردستاني حزباً «إرهابياً» ووصفه بأنه «العدو المشترك» وهو ما لا تقوله بغداد وأربيل. يدرك العراق والإقليم مخاطر الانجراف إلى مثل هكذا توصيف بحق حزب العمال الكردستاني، إذ إن من شأن تبنّي العراق للتوصيف التركي هذا أن يمهّد لتوسّع الحضور التركي في الأراضي العراقية ويجذّر التواجد العسكري فيها. بل على العكس، يصر العراق على وجوب خروج الجيش التركي من الأراضي العراقية. فخلال لقاء وزير خارجية البلدين، جرى تناول ملف التواجد العسكريّ التركيّ في العراق.

الخاتمة

اقتصرت جولة فيدان على عرض مطالبات البلدين دون الوصول إلى صيغة واضحة للتعاون بينهما في أيّ من الملفات التي تمّ استعراضها، لا سيما ملفي المياه والنفط. ولم يسجّل لفيدان تالياً أي نجاح يذكر في أوّل زيارة له للعراق. وقد يكون السبب في ذلك هو رغبة الوزير التركي الإبقاء على حل بعض الملفات العالقة بيد أردوغان الذي قد يعالج جزءاً منها خلال زيارته المزمع إجراؤها الشهر المقبل، خاصةً أن تركيا بحاجة لمسألتين في هذه الأثناء بالنظر إلى أوضاعها الاقتصادية المتردّية، وهما: الإبقاء على حجم التجارة بين البلدين والتي تبلغ 12 مليار دولار سنوياً، وهي ورقة ضغط عراقية لن تلجأ إليها في المدى القريب. وإيجاد حل للتعويضات التي تطالب بها بغداد وفقاً لقرار هيئة التحكيم الدولية.
بروز الخطاب الأمنيّ في لغة فيدان الدبلوماسية خلال اللقاءات التي أجراها مع القادة والقوى السياسية في بغداد وأربيل، لا يعني أنه نابع من وظيفته السابقة كرئيس للاستخبارات التركية فحسب، بل هو أيضاً تعبير عن طريقة عمل الخارجية التركية مع بعض الدول حين تربط بين إبقاء الملفات عالقة بذريعة وجوب محاربة تلك الدول لحزب العمال الكردستاني، وهي الحجة التي مارستها في مواجهاتها مع واشنطن منذ عام 2015 وتعطيلها انضمام السويد لحلف شمال الناتو.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد