الأزمة السورية على ضوء محطات جدة وهيروشيما وأنقرة

محمد سيد رصاص

خلال عشرة أيام، حصلت أحداث هامة في مسار الأزمة السورية، بدأت مع انعقاد القمة العربية في جدة التي حضرتها سوريا لأول مرة منذ عام 2010 بعد قرار مجلس الجامعة الوزاري باستئناف مشاركة وفود الحكومة السورية في اجتماعات الجامعة العربية، ثم تثنت مع بيان قمة مجموعة السبع (الولايات المتحدة- كندا- بريطانيا- فرنسا-ألمانيا- إيطاليا- اليابان) في مدينة هيروشيما اليابانية الخاص بالأزمة السورية، وثالثها كان فوز الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بولاية رئاسية جديدة في الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية التركية في مايو/أيار 2023.

كان ملفتاً في بيان قمة جدة خلوه من الإشارة إلى القرار الدولي 2254 الذي كان خريطة طريق دولية لحل الأزمة السورية منذ صدوره في عام 2015 والإكتفاء بعبارة «مواصلة وتكثيف الجهود العربية الرامية إلى مساعدة سوريا على تجاوز أزمتها اتساقاً مع المصلحة العربية والعلاقات الأخوية التي تجمع الشعوب العربية كافة»، فيما تحدث بيان هيروشيما عن «تجديد إلتزام قادة مجموعة السبع بعملية سياسية في سوريا تيسرها الأمم المتحدة وتتفق مع قرار مجلس الأمن رقم 2254 وأنه لا ينبغي للمجتمع الدولي أن ينظر في التطبيع مع النظام السوري وتقديم المساعدة في مجال إعادة الإعمار إلا بعد إحراز تقدم حقيقي ودائم نحو التوصل إلى حل سياسي»، بينما جدد الرئيس التركي، في خطابي إسطنبول وأنقرة ليلة فوزه التأكيد على خططه نحو إقامة منطقة أمنية تركية في الشمال السوري يجري بها توطين مليون ونصف مليون لاجىء سوري موجودين في الأراضي التركية.

يمكن هنا أن يكون خلو بيان القمة العربية، حتى من عبارة «حل الأزمة السورية» ومن دون الإشارة إلى مضامين الحل والاكتفاء بعبارة «مساعدة سوريا على تجاوز أزمتها»، دالاً على طبيعة اهتمام دول عربية ضغطت بالآونة الأخيرة من أجل التطبيع مع السلطة السورية، من حيث أن هذه الدول تريد أشياء معينة من هذا التطبيع، مثل حل مشكلة اللاجئين السوريين في بلدان عربية مثل الأردن ولبنان ومعالجة مشكلة تهريب المخدرات من الأراضي السورية أو عبرها نحو دول الخليج وإيجاد حل مع السلطة السورية لموضوع تواجد ميلشيات موالية لإيران قرب الحدود الأردنية. وهي – أي هذه الدول – تدرك أن حل الأزمة السورية ليس بيدها منذ أن فشلت جهود الجامعة العربية في حل الأزمة السورية عبر المبادرة العربية الأولى في نوفمبر/تشرين الثاني 2011 والثانية يناير/كانون الثاني 2012، ليأتي التدويل عبر مبادرة كوفي عنان التي أتت بناءً على البيان الرئاسي لمجلس الأمن في مارس/آذار 2012 ثم القرارين الصادرين عن المجلس رقم 2042 في 14 أبريل/نيسان 2012 و2043 في 21 أبريل/نيسان 2012 ثم بيان جنيف في 30 يونيو/حزيران 2012 الذي تبنّاه بنصه الكامل القرار الدولي 2118 الصادر في سبتمبر/أيلول 2013 والقرار 2254 في ديسمبر/كانون الأول 2015.

ليس هذا الخلو ناتجاً فقط عن إدراك عربي بعدم القدرة على حل أزمة تم تدويلها، وعن إدراك بأن العرب لايملكون القدرة والقوة، فيما هناك قدرة وقوة الولايات المتحدة وروسيا ودول إقليمية فاعلة مثل تركيا وإيران في الأزمة السورية، وفي ظرف صراع عالمي مفتوح بين واشنطن وموسكو بدأ مع غزو الروس لأوكرانيا، وبوادر اتجاه إيران نحو الاصطفاف في المعسكر الروسي- الصيني، وميول أردوغان القوية نحو اصطفاف مماثل، ما يجعل الأزمة في وضعية (اللاحل)، مثل الأزمة القبرصية، مادام اللاعبون الكبار في الأزمة السورية في وضعية الصراع وعدم الوفاق، فيما كانت محركات مشاريع الحلول للأزمة السورية تأتي عبر التوافق الأميركي- الروسي منذ بدء التدويل في 2012.

بل إن هذا الخلو يأتي أساساً من واقع أن الاهتمام العربي هو في موضع آخر غير موضوع حل الأزمة السورية حيث ينصب على المواضيع الثلاثة المذكورة، وربما عند دولة مثل السعودية هو ناتج عن رؤية جديدة عندها أن الوجود في دمشق يمكن أن يساهم في إثبات حضور عربي بعد غياب استغرق ما يقارب دزينة من الأعوام وهو ما ولّد فراغاً أثناء أزمة سورية مشتعلة قامت بملئه قوى دولية وإقليمية ومن ثم لعبت في الأزمة في مساراتٍ أصبحت مقلقة للعرب، ليس أقلها نفوذ إيراني وآخر تركي في بلاد الشام.

يمكن هنا لبيان هيروشيما أن يكون دالاً ليس فقط على رفض التطبيع مع السلطة السورية من قبل دول عربية بل أساسا نحو اتجاه التأكيد من قبل معسكر حلف الأطلسي- اليابان على أنه ينظر للأزمة السورية من منظار صراع هذا المعسكر مع معسكر روسيا- الصين- إيران وأن سوريا هي أحد ميادين صراع هذين المعسكرين مثلها مثل أوكرانيا وتايوان. وهو ينظر إلى الأزمة السورية بهذا المنظار منذ تبلور هذين المعسكرين في عالم ما بعد فبراير/شباط 2022، وليس كما كان ينظر أوباما أو ترامب لهذه الأزمة. وهذا منظور جديد على الأرجح أنه لا يشمل الرئيس الأميركي جو بايدن فقط بل نظيره الروسي فلاديمير بوتين والمرشد الإيراني خامنئي وبالتأكيد الرئيس الصيني شي جينبينغ أيضاً. ومن المؤكد أن بيان هيروشيما ينظر إلى الحراك العربي نحو دمشق على أنه أحد نتائج تقاربات الرياض وموسكو والرياض وطهران، وهو بالتالي يعبّر عن نظرة أميركية لاتريد لهذه العواصم الثلاث أن تقوم بحل منفرد للأزمة السورية. لذلك، يرمي بوجهها قفاز القرار الدولي 2254.

على الأرجح أن هؤلاء الأربعة- أي بايدن وبوتين و شي جينبينغ وخامنئي – سينظرون إلى الحركات المقبلة لأردوغان في سوريا وخططه الموضوعة من منظار هذا الانقسام العالمي الجديد، وهو الذي كان وما زال يرقص على الحبال مابين البيت الأبيض والكرملين منذ 2016. في هذا الإطار، من المؤكد أن الرئيس التركي، وهو الذي رفض الخطط الروسية- الإيرانية للمصالحة مع دمشق بناءً على شرط الأخيرة المسبق لهذه المصالحة بانسحابٍ عسكري تركي من الأراضي السورية، يدرك مدى حاجة موسكو وطهران له في ظل هذا الانقسام العالمي بين معسكرين متصارعين. وهو يراهن على أن موسكو وطهران لن تكونا عائقاً جدياً، في ظل حاجتهما له في وضعية الانقسام العالمي الجديد، أمام خططه لانشاء حزامٍ أمني تركي في الشمال السوري مع توطين اللاجئين في تركيا بهذا الحزام بما يتضمن من تغيير ديموغرافي بإدارة تركية لتوطين عرب في مواطن كرد في عفرين وغيرها، ما سيكون تكراراً تركياً لجمهورية شمال قبرص التي أنشأت عام 1983 بعد تسعة أعوام من احتلالٍ عسكري تركي للشمال القبرصي. وسكوت موسكو يمكن أن يتكرر ويتربع بعد احتلالات تركية ثلاثة لخط جرابلس – الباب- إعزاز عام 2016 وعفرين في 2018 ولخط تل أبيض- رأس العين (سري كانيه) عام 2019.

هنا، يلفت النظر استعداد سوريين عديدين في المعارضة السياسية وفي الفصائل العسكرية لأن يكونوا في وضعية القبارصة الأتراك الشماليين عند المشغّل التركي أو في وضعية سعد حداد وأنطوان لحد عندما أقامت اسرائيل الحزام الأمني في جنوب لبنان المحتل.

كتكثيف: توحي محطات جدة وهيروشيما وأنقرة بأن الأزمة السورية ستتجه نحو حال القبرصة، وهي بعيدة عن الحل في الأمد المنظور.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد