المناخ الدولي – الإقليمي حول سوريا ما بعد الزلزال

محمد سيد رصاص

لم تتزحزح خريطة الاصطفافات الدولية والإقليمية في الأزمة السورية بفعل زلزال 6 شباط/ فبراير2023، إلا قليلاً. هذه الاصطفافات أنتجت طوال دزينة من الأعوام صراعاً على سوريا، وصراعاً في سوريا بين معسكر أميركي- أوروبي- خليجي، وكانت ضمنه تركيا بين عامي 2011 و 2013 ثم اقتربت من روسيا عام 2016، وبين معسكر روسي- إيراني، وقد ظلت دول عربية خارج هذه الاصطفافات مثل مصر، فيما السعودية بتأثير ثقل الأزمة اليمنية قد نأت بنفسها عن الأزمة السورية منذ عام2017، ولم يعد اهتمامها بها كالسابق، ولو أن الرياض بقيت تعتبر أن الامتداد الايراني على محور بغداد- دمشق-بيروت- غزة يمثل تهديداً للأمن القومي السعودي.

في سوريا ما بعد 6 شباط/ فبراير، كان هناك استيقاظ للاهتمام العربي عبر مساعدات إغاثية سعودية وإماراتية ومصرية وجزائرية، ولكن الترجمة السياسية لم تحصل سوى عند الإمارات التي كان انفتاحها السياسي، وإلى حد ما الاقتصادي، على السلطة السورية سابقاً للزلزال، فيما هناك علاقة سياسية لم تنقطع بين الجزائر ودمشق حيث عارضت الجزائر تعليق عضوية سوريا في الجامعة العربية عام2011، وأيضاً علاقة سياسية خجولة بين دمشق والقاهرة، فيما الرياض مازالت مترددة في أن تحذو حذو أبوظبي في التقارب مع دمشق، وإن كان هناك إشارات سعودية متعددة، أغلبها غير رسمي، بأن ما تفعله الرياض في بغداد من انفتاح على السلطة العراقية هو طريق أجدى لمنافسة طهران هناك، وأن هذا يمكن أن يكون طريقاً سعودياً في عاصمة الأمويين لمكافحة أوالحد من النفوذ الإيراني.

ولكن العرب لم يكن لهم صوت مسموع في الأزمة السورية خلال 12عاماً مضت من عمر الأزمة، بل كان المؤثرون والفاعلون في تلك الأزمة قوى دولية، مثل الولايات المتحدة وروسيا، وقوى إقليمية مثل إيران وتركيا، فيما اصطف الأوروبيون وراء واشنطن ولو أن فرنسا حاولت لعب دور «المتصلب»، بموازاة تركيا وقطر، وعلى «يسار» واشنطن، في عامي 2011 و 2012 ثم رجعت للانضباط في صف واشنطن التي اتجهت منذ عام 2013 نحو التخلي عن سياسة إسقاط النظام السوري وانتهاج سياسة التعاون مع روسيا لإيجاد تسوية للأزمة السورية. ومنذ عام 2017 تم وضع الأزمة السورية في حالة جمود نتيجة غياب التوافق الأميركي- الروسي ليس فقط حول سوريا بل حول مواضيع عالمية متعددة من أهمها اتجاه موسكو نحو التحالف مع بكين ثم أضيف لهذا التجابه الأميركي- الروسي الحرب في أوكرانيا عام 2022.

هنا كانت الاصفافات في الأزمة السورية قد وصلت قبل 6شباط/ فبراير 2022 إلى زاوية حادة، ليس لقضايا تتعلق بالساحة السورية، بل بمواضيع خارجها، مثل المواجهة العالمية بسبب الوضع الناشئ بين واشنطن وموسكو عقب الحرب الأوكرانية، وتزايد اقتراب الروس من الصينيين إثر تلك الحرب حتى حدود يمكن القول أن ذلك الاقتراب قد وصل لدرجة التحالف.

بالجانب التركي، هناك مشهد جديد في بلد غارق بجراحه بعد الزلزال، وهو ما سيقود على الأرجح إلى دفن المشروع الروسي للمصالحة بين أردوغان والسلطة السورية وإلى دفن مشاريع تركية للاجتياح العسكري للشمال السوري من أجل إقامة «خط أمني جديد» لوح به أردوغان في الخريف الماضي، وربما، وهذا محتمل كثيراً، أن يقود زلزال 2023 إلى غروب شمس أردوغان وحزب العدالة والتنمية في الانتخابات القادمة

ومثّل فشل مفاوضات إحياء الاتفاق النووي بين واشنطن وطهران، اتجاه الأخيرة إثر ذلك الفشل منذ الخريف الماضي للانخراط العسكري غير المباشر في الحرب الأوكرانية مع الروس عبر تزويدهم بالمسيرات والصورايخ، وازداد الاقتراب التركي من الروس في عالم ما بعد الحرب الأوكرانية وكاد في سوريا ما قبل 6 شباط 2023 أن ينتج تسوية روسية بين أنقرة ودمشق وأعلنت واشنطن وقوفها العلني ضدها.

يمكن للوضع السوري ما بعد الزلزال أن يساعد على مظهرة المناخ الدولي- الإقليمي المحيط.
في هذا الصدد، هناك ثبات في الموقف الروسي والإيراني مع السلطة السورية، فيما لم يقد الموضوع الإنساني إلى زحزحة الموقف السياسي تجاه السلطة السورية عند معسكر الولايات المتحدة- الاتحاد الأوروبي، بل كان هذا المعسكر حريصاً على أن تخفيف بعض العقوبات الدولية على سوريا إثر الزلزال لن يصل إلى مرتبة «الانفتاح السياسي».

بالجانب التركي، هناك مشهد جديد في بلد غارق بجراحه بعد الزلزال، وهو ما سيقود على الأرجح إلى دفن المشروع الروسي للمصالحة بين أردوغان والسلطة السورية وإلى دفن مشاريع تركية للاجتياح العسكري للشمال السوري من أجل إقامة «خط أمني جديد» لوح به أردوغان في الخريف الماضي، وربما، وهذا محتمل كثيراً، أن يقود زلزال 2023 إلى غروب شمس أردوغان وحزب العدالة والتنمية في الانتخابات القادمة بفعل ما كشفه الزلزال من فساد ومحسوبيات وإهمال في قطاع البناء التركي تماماً مثلما أتى زلزال 1999بهما وقاد إلى غروب شمس الطبقة السياسية التي أتى بها انقلاب 1960العسكري العلماني الأتاتوركي على رئيس الوزراء الاسلامي عدنان مندريس. وهنا سيقود اختفاء أردوغان المحتمل ومجيء المعارضة للسلطة في أنقرة إلى تحولات زلزالية في مشهد الأزمة السورية وذلك إذا أخذنا بعين الاعتبار مدى وطبيعة التأثير الذي لعبه أردوغان في سوريا منذ عام2011. هناك عند العرب انزياح سعودي نحو دمشق لم يتوضح مداه حتى الآن، فيما يمكن أن ينتج الزلزال السوري انفتاحات نحو دمشق ذات مدى كبير عند أبوظبي والقاهرة وعمًان.

كتكثيف: في ظل ما سبق لايمكن القول بأن الأزمة السورية سينقلها زلزال 6 شباط، إلى الحل أوالحلحة، بل الأرجح استمرار وضعها الراهن القائم في الثلاجة الدولية بانتظار معرفة مصير الحرب في أوكرانيا، ما دامت واشنطن وموسكو هما الأقوى من حيث التأثير في الأزمة السورية منذ عام2011، وربما سيقود اختفاء أردوغان المحتمل إلى إضعاف موسكو سورياً وإلى تقوية الوضع الأميركي، فيما التوتر الايراني- الأميركي سيقود إلى اقتراب الروس والايرانيين، وهذا سيكون له تأثيرات تصعيدية على الأزمة السورية بين واشنطن وطهران.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد