النتائج الكارثية للاتفاق النووي الإيراني المُعدّل

جيمس فيليبس

بعد توقف مؤقت لمفاوضات الاتفاق النووي الإيراني نتيجة للمطالبة الروسية برفع العقوبات عنها فيما يتعلق بتعاملها مع طهران، من المقرر استئنافها مجدداً في العاصمة النمساوية فيينا، وذلك بعد عطلة عيد نوروز.

وعلى الرغم من قرب التوصل لاتفاق مع إيران بشأن برنامجها النووي، إلا أن إدارة بايدن لم تُفصح عن ماهية ما تم الاتفاق عليه بالفعل. وأعرب المتحدث باسم وزارة الخارجية إن الاتفاقية “مازالت غير مؤكدة أو قريبة”.

وفي هذا السياق، قال وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان :«إننا اليوم في فيينا قاب قوسين أو أدنى من إبرام الاتفاق، ولكن في الوقت نفسه ذكّرنا الأمريكيين بأننا لن نتجاوز الخطوط الحمراء التي رسمناها».

و من المرجح أن أمير عبد اللهيان كان يشير إلى قضيتين أساسيتين شائكتين، حيث طالب في الأولى رفع العقوبات الأمريكية عن الحرس الثوري الإيراني المصنف على قوائم المنظمات الإرهابية، أما القضية الأخرى فهي مطالبته تقديم ضمانات بأن الولايات المتحدة لن تنسحب من الاتفاق كما فعل سابقاً الرئيس الأميركي دونالد ترامب عام 2018.

الرياح تجري بما يشتهي الحرس الثوري الإيراني

يعتبر الحرس الثوري الإيراني نقطة الخلاف الجوهرية في مسار المفاوضات كونه السبب الرئيسي لفرض عقوبات على إيران، فبالإضافة إلى سيطرته على مخزون الترسانة النووية السرية لإيران، فهو أيضاً مسؤول عن الصواريخ الباليستية وتوظيف الشبكات الإرهابية بالمنطقة، فضلاً عن دوره في عمليات القمع داخل إيران واستحواذه على قطاعات حيوية في الاقتصاد الإيراني.

لكن في المقابل، تُعتبر العقوبات الأمريكية على الحرس الثوري الإيراني ضرورية لمنع تمويله عبر الشركات الوهمية التابعة له، و كإجراء استباقي لردع أية هجمات إرهابية في المستقبل.

وفي حال رفع العقوبات عن الحرس الثوري، فإن الاتفاق الجديد سيصب في مصلحة النظام الإيراني من حيث كسب مزيد من المكاسب لم يكن الاتفاق القديم يتضمنها. علاوة على ذلك، سيحقق الحرس الثوري الإيراني مكاسب اقتصادية ضخمة وسيعمل حتما لتوظيفها لتمويل أنشطة خبيثة.

من المحتمل أن يُعلن عن الاتفاق في الأسابيع القادمة، وبلا شك ستتم الإشادة به باعتباره انتصاراً دبلوماسياً من قبل الرئيس الأمريكي جو بايدن.

كما أن نائب المبعوث الخاص لإيران واثنين من الدبلوماسيين الآخرين قدموا استقالتهم من فريق التفاوض الأمريكي، خشيةً من حجم التنازلات الأمريكية في المحادثات، وكون لديهم أسباب قوية لعدم القبول بصيغة الاتفاق الجديد.

وعلى ما يبدو أن إدارة بايدن على وشك إبرام اتفاق يوصف بالضعيف، وذو رؤية محدودة، وأكثر خطورة مع إيران مقارنة باتفاق عام 2015 في عهد إدارة أوباما.

تأجيل عقد الإتفاق النووي مع طهران

سيؤدي إبرام اتفاق نووي آخر مُخز مع إيران إلى تأجيل تصفية الحساب معها، وتعافي النظام من العقوبات، والذي لطالما كان عدواني وانتقامي، فضلاً عن قيامه بتعزيز ترسانته من الصواريخ الباليستية، ناهيك عن تصديره للإرهاب بغية ترويع خصومه الإقليميين، وإخراج الولايات المتحدة من الشرق الأوسط.

على الرغم من مزاعم الرئيس الأمريكي جو بايدن بأن الاتفاق سيضع ملف البرنامج النووي الإيراني “في المسار الصحيح”، إلا أن هذا المسار لازال يواجه تحديات، خاصة فيما يتعلق بالعقوبات التي بمجرد رفعها سيكون هذا الاتفاق عقيماً، ويصب في مصلحة إيران أكثر منه لأميركا. سيما وأن إيران بعد السماح لها بإقامة برنامج لتخصيب اليورانيوم المخصص للمجال الصناعي فأنها حتماً ستتجه نحو صناعة أسلحة نووية بشكل سري.

 سيمنح الاتفاق النووي الجديد طهران المقايضة على القيود قصيرة المدى ضد برنامجها النووي، والتي من المرجح عدم الإيفاء بها كما فعلت عدة مرات في جولات سابقة، بمقابل تخفيف العقوبات على المدى الطويل. غير أن تخفيف العقوبات لن يوقف من حجم الهجمات التي تشنها أذرع إيران بالمنطقة.

وفي الحقيقة، لن يؤدي إحياء اتفاق عام 2015 المخزي إلى وقف التوترات في الشرق الأوسط، بل سيؤدي إلى مفاقمتها، حيث سيصبح النظام الديكتاتوري في طهران أكثر تجبّراً وجرأة وقوة، وسيعمل على زرع الخوف في قلوب خصومه الإقليميين كما فعل في أعقاب اتفاق عام 2015.

بعد تخفيف العقوبات عنها، ستجني طهران مليارات الدولارات لتمويل أجندتها السياسية العدائية. علاوة على ذلك، سيؤدي تخفيف الولايات المتحدة العقوبات المفروضة على طهران إلى تعزيز الأخيرة الجانب العسكري وتوسيع شبكاتها الإرهابية بالمنطقة، فضلاً عن العمل بشكل سري ببرنامجها النووي.

وبعد خشيتها من أن هذا الاتفاق المبرم مع طهران سيقوي النظام الديكتاتوري بإيران، ستلجأ الدول التي تشكل إيران مصدر تهديداً لها حتماً إلى التحوّط من رهاناتها الأمنية والسعي لتحسين علاقتها مع كل من الصين وروسيا، بغية توفير الحماية. ومثال ذلك ما قامت به كل من السعودية والإمارات في هذا الاتجاه.

في المقابل، ستجني الصين وروسيا أيضًا مكاسب اقتصادية واستراتيجية وسياسة خارجية ضخمة بموجب الاتفاق الأسوأ الذي سيؤدي لإزالة الحواجز أمام توثيق العلاقات مع طهران. ستكسب موسكو إلى جانب عدم شمولها بالعقوبات النووية الأمريكية زبوناً ومستهلكاً كبيراً لأسلحتها، وسيكون ذلك مصدراً مالي مهم بالنسبة لها نتيجة لتخفيف العقوبات ضد إيران.

أما بالنسبة للصين التي أبرمت العام الماضي اتفاق شراكة استراتيجية مع إيران لمدة 25 عام بقيمة 400 مليار دولار، ستتمكن من الوصول بسهولة إلى مصدر رئيسي لواردات النفط، وزيادة حجم التبادل التجاري معها، فضلاً عن كسب طهران كحليف استراتيجي وهام في منطقة حيوية غنية بالنفط.

ستضطر إسرائيل للقيام باتخاذ إجراءات أحادية سواء أكانت بشكل سري أو علني، بغية عرقلة تقدم برنامج إيران النووي. ومن شأن ذلك أن يؤدي إلى تصاعد حرب الظل التي تُحرّض من خلالها إيران ضد إسرائيل، والتي يشنها بحماسة وقوة كل من الحرس الثوري الإيراني وأذرعه في غزة والعراق ولبنان وسوريا واليمن.

وفي الوقت الذي باتت فيه إيران أكثر عدوانية، من المرجح أن تتحول إدارة بايدن أكثر سلبية تجاهها، والتي تخشى من أن تؤدي أية ردة فعل قوية ضد أنشطة طهران الإقليمية إلى تعريض الاتفاق النووي العبثي للفشل وانسحاب إيران منه.

أكبر الرابحين و الخاسرين من الاتفاق النووي مع إيران

قد يؤدي رضوخ إدارة بايدن لمطالب النظام الإيراني المُتعنت والعدائي إلى إبرام اتفاق عبثي، سيؤدي إلى تأجيل أزمة نووية شائكة بدلاً من إيجاد حل لها.

إن إبرام هذا الإتفاق المخزي مع طهران وتخفيف العقوبات عنها من شأنه تشجيع النظام الإيراني، وتعزيز بنيته العسكرية، فضلاً عن تقوية دور الشبكات الإرهابية التابعة له لشن هجمات مستقبلية. وكما ذُكر سابقاً، وإلى جانب إيران ستكون كل من الصين وروسيا أكبر المستفيدين من هذا الإتفاق النووي.

وستكون الولايات المتحدة وحلفائها والشعب الإيراني من أكبر الخاسرين، حيث سيجبر الإيرانيون على العيش في كنف نظام ديكتاتوري وقمعي.

المصدر: مؤسسة التراث

ترجمة: المركز الكردي للدراسات

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد