تطورات “إدلب”.. هل تؤسس “القاعدة” لـ”خلافة جديدة”؟

نوديربيك سولييف *| أوراسيا ريفيو

على الرغم من أن تنظيم “داعش” الإرهابي يشرع في مرحلة جديدة من التوسع العالمي، وهو ما يتضح من هجمات عيد الفصح الأخيرة في سريلانكا، فإن منافسه تنظيم “القاعدة” يتمتع بقدرة كبيرة على العودة على مسرح الصراع السوري.

بعد ما يقرب من 20 عامًا على هجمات الحادي عشر من سبتمبر/أيلول، سيطرت الأفرع التابعة لتنظيم “القاعدة” في سوريا على محافظة إدلب، وهي محافظة تقع في شمال شرق سوريا، في سلسلة من التطورات الهائلة في الأشهر الأخيرة، وأنشأت نموذجًا أوليًا لخلافة على ما يقدر بثلاثة ملايين اشخاص.

منذ بداية العام، وسعت هيئة تحرير الشام المرتبطة بتنظيم “القاعدة”، وهي تحالف من التنظيمات الجهادية يهيمن على المنطقة، من سيطرتها الإدارية من خلال “حكومة الخلاص/الإنقاذ” التي أعلنت نفسها بنفسها لتشمل أكثر من 20 بلدة وقرية في شمال سوريا بعد طرد جماعات المتمردين المتنافسة. هذه التطورات هي آخر ضربة لوقف إطلاق النار في سبتمبر/أيلول عام 2018، والذي توسطت فيه روسيا وتركيا لصالح “إدلب” التي تعد آخر معقل رئيسي لزمرة من المتمردين والفصائل الجهادية التي تحاول الإطاحة بالرئيس السوري بشار الأسد على مدار السنوات السبع الماضية.

ترسيخ السلطة

على غرار “داعش”، التي استولت على مساحات شاسعة من العراق وسوريا وأعلنت عزمها نشر الجهاد في جميع أنحاء العالم، تسعى هيئة تحرير الشام إلى إسقاط النظام السوري وإقامة دولة إسلامية. وبينما توسع “داعش” سريعًا وسعى إلى السيطرة على العناوين الرئيسية الدولية من خلال لجوءه إلى التكتيكات الوحشية، فإن هيئة تحرير الشام لجأت إلى اللعب على المدى الطويل من خلال تبني “استراتيجية محورية”، حيث يتم تنحية الطموحات العالمية بهدف كسب الدعم الشعبي والأراضي محليًا، ولهذا اكتسبت “القاعدة” قوة في سوريا.

مع امتلاكها ما يصل إلى 20000 مقاتل، تعد هيئة تحرير الشام الآن أقوى تحالف جهادي في سوريا وربما تضم ​​أكبر تجمع للجهاديين المسلحين الذين تم تجميعهم في مكان واحد. وقد وصفها مبعوث أمريكي سابق إلى سوريا بأنها “أكبر ملاذ آمن للقاعدة منذ 11 سبتمبر”.

يوحد جيش هيئة تحرير الشام العديد من الجماعات السلفية الجهادية المحلية والأجنبية، التي تشكلت مكوناتها الأساسية من فرع “القاعدة” السابق في سوريا، جبهة النصرة. هناك الآلاف من المقاتلين من ألبانيا والصين وآسيا الوسطى وإيران وجزر المالديف وروسيا أيضا في صفوفها. وقد تم تصنيف هيئة تحرير الشام ومعظم الأفرع التابعة لها كمنظمات إرهابية مرتبطة بتنظيم “القاعدة”، من قبل الولايات المتحدة وروسيا وتركيا والأمم المتحدة.

تحسبا لهجوم حكومي محتمل على إدلب، طور التنظيم ما يقدر بنحو 10 من وحدات الكوماندوز المدربة تدريباً عالياً داخل الفصائل الجهادية التي تقاتل تحت تسلسلها الهرمي. ولهذا الغرض، استأجرت “ملحمة تاكتيكال”، وهي مجموعة مرتزقة جهادية خاصة يقودها جندي روسي سابق من القوات الجوية الخاصة، لتقديم تدريب تكتيكي خاص إلى وحدات النخبة التابعة لها، والمعروفة باسم (عصبة الموت) و(العصابات الحمراء).

امتد هذا التدريب ليشمل أقسام المقاتلين الأجانب من الصين وقرغيزستان وجزر المالديف وغيرها، وتم تدريب بعض هؤلاء المقاتلين ليصبحوا انغماسيين، أي جنود انتحاريين يتم نشرهم في أوساط الأعداء لشن غارات مفاجئة على مواقع العدو المحصنة.

هل يلوح انهيار هيئة تحرير الشام في الأفق؟

في الأشهر الأخيرة، تعرضت “تحرير الشام” لضغوط عسكرية شديدة من النظام السوري وحليفته روسيا. لقد أدى اتفاق السلام الذي تم التوصل إليه في سبتمبر/أيلول، والذي وقعته روسيا وتركيا التي تعد أحد مؤيدي المعارضة السورية، إلى تأخير هجوم الحكومة لاستعادة المحافظة. ونشرت تركيا قوات عسكرية على الأرض في إدلب، لردع أي هجوم حكومي شامل.

كانت تركيا تأمل في أن يمنح الاتفاق وقتًا لإبرام اتفاق بين “دمشق” ومعاقل المتمردين الباقين وتجنب أزمة اللاجئين الجديدة إلى حدودها وإلى أبعد من ذلك في أوروبا. ومع ذلك، تشير المكاسب التي حققتها “تحرير الشام” مؤخراً في إدلب، إلى أن جهود تركيا الرامية إلى نزع سلاح الجهاديين وحلهم طواعية، قد أثبتت عدم جدواها حتى الآن.

يرى معظم المراقبين أن الهجوم الحكومي قد يكون وشيكًا في إدلب. من غير المرجح أن تتسامح “دمشق”، لفترة أطول، مع وجود جماعات جهادية مسلحة في مثل هذه المقاطعة ذات الأهمية الاستراتيجية. بالنسبة للنظام السوري، تمثل إدلب المحطة الأخيرة في الحرب الأهلية المستمرة منذ سبع سنوات، والتي يأمل في وضع حد سريع لها وضمان السلامة الإقليمية لسوريا.

بالإضافة إلى ذلك، فإن وجود أعداد كبيرة من المقاتلين الروس والمنحدرين من آسيا الوسطى المرتبطين بتنظيم “القاعدة” في سوريا، يشكل مصدر قلق أمني لروسيا، حيث إنه كرد فعل على تورط روسيا العسكري في سوريا، نفذت هيئة تحرير الشام وحليفتها في وسط آسيا “كتيبة التوحيد والجهاد” هجومًا بقنبلة مترو في “سانت بطرسبرغ” في أبريل/نيسان 2017.

تعرضت منطقة “إدلب” لقصف متزايد منذ بداية العام، وصاحب هذا القصف تحذير الأمم المتحدة من أن تصاعد العنف قد يهدد إيصال المساعدات إلى حوالي 2.7 مليون شخص محتاج. وفقا للتقديرات، فر أكثر من 86500 شخص من منازلهم في فبراير/شباط ومارس/آذار، نتيجة تصاعد العنف. وقد لجأت هيئة تحرير الشام أيضا إلى تكتيكات قمعية متزايدة للحفاظ على السيطرة على أراضيها. منذ بداية 2019، نفذت الجماعة أكثر من 460 هجومًا على قوات النظام، ما أسفر عن مقتل أكثر من 30 شخصًا في إدلب.

الانقسامات الداخلية

على الرغم من محاولات تقديم جبهة موحدة، إلا أن “تحرير الشام” تعاني من النزاعات والانشقاقات الداخلية، وتنقسم قيادتها إلى معسكرين.. الأول، يضم مقاتلين أجانب متشددين، يرفضون أي مفاوضات مع تركيا ويسعون إلى مواصلة القتال ضد النظام السوري. أما المعسكر الآخر، فيبدو أنه يتألف بشكل أساسي من مقاتلين محليين، بمن فيهم زعيم التنظيم أبومحمد الجولاني، ويبدو أنهم مستعدون لتأييد خطط تركيا من أجل تجنب شن هجوم كامل.

في خضم هذه الانشقاقات الداخلية، دعت “أنقرة” إلى شن حملة لاستهداف الفصائل المتشددة في الجماعة، بدلاً من القيام بعملية عسكرية كاملة. من خلال مقاربة تم بحثها، يبدو أن تركيا عازمة على إضعاف الجهاديين تدريجياً.

التداعيات المحتملة

من المرجح أن يؤدي الضغط السياسي والعسكري الساحق الذي تمارسه تركيا وسوريا وروسيا إلى انهيار هيئة تحرير الشام في إدلب. إذا حدث هذا، فمن المرجح أن يبشر بإنهاء هوية المتمردين في سوريا.  وعلى الرغم من ذلك، لا يزال عدم الاستقرار في المسرح العراقي السوري، وفي أماكن أخرى، يوفر الظروف لاستغلال المقاتلين. وإذا تحققت بالفعل هزيمة التحالف الجهادي لجبهة تحرير الشام، يمكن لبعض الفصائل المتشددة أن تعيد تجميع صفوفها تحت راية “القاعدة” العالمية، وتبدأ في شن هجمات خارج منطقة الصراع السورية.

قد يؤدي ذلك أيضًا إلى تحرك أوسع للمقاتلين الإرهابيين الأجانب عبر سوريا والمناطق المحيطة بها. يشير المسؤولون الأمنيون الروس إلى أن المقاتلين الذين ينحدرون من الصين وروسيا ودول آسيا الوسطى، قد يعودون إلى بلادهم أو يغامروا في مسارح الصراع الأخرى، ولا سيما أفغانستان.

من جانبه، لا يزال “داعش” قويًا كتمرد نشط في العراق وسوريا، ويحتفظ بوجود أفرع له في جميع أنحاء العالم. في أفغانستان، يسيطر كل من تنظيم القاعدة وداعش على الأقل على خمس مجموعات جهادية في آسيا الوسطى والإيغور، ويحتفظان أيضًا بعلاقات مع المقاتلين المالديفيين والروس. وبالتالي، ستحتاج تلك البلدان مجتمعة إلى الاستجابة للتهديدات الأمنية الوطنية والعابرة للحدود الوطنية التي تشكلها هذه العوامل، كجزء من استراتيجية أوسع لمكافحة الإرهاب.

—-

*نوديربيك سولييف: كبير المحللين في المركز الدولي لأبحاث العنف السياسي والإرهاب (ICPVTR)، وهو وحدة في كلية S. Rajaratnam  للدراسات الدولية (RSIS)، بجامعة “نانيانغ” التكنولوجية (NTU)، سنغافورة.

ترجمة: المركز الكردي للدراسات

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد