الاقتصاد الحقيقي لإيران، ما وراء الأرقام

تعتبر إيران لاعبا رئيسيا في قطاع الطاقة العالمي، فهي غنية بالنفط الذي تم استكشافه واستثماره منذ زمن طويل، وهي في عملية انتقال لأن تصبح قطبا عالميا في الغاز أيضا مع طموحات كبيرة يمكن أن تتنفذ بسرعة في لحظة رفع الحصار عن هذا البلد. يوجد قطاعات أخرى متطورة في إيران (الزراعة، والصناعات الغذائية، المناجم، الكمياء، السيارات. الخ) وهي قطاعات لها مستقبل مهم إذا ما عرفنا الحجم الكبير للسوق الإيرانية، لاسيما مع سكان فيهم نسبة عالية من الشباب.الفرصة كبيرة جدا في إيران، فيها استهلاك كبير، سوق للمنتجات الفاخرة، وأيضا لوسائل النقل، للعلوم والمنتجات الصيدلية، قطاع البيئة، الاتصالات والسياحة، وجميعها قادر على استيعاب واستقبال استثمارات هائلة.

بدأ الإيرانيون عام 2014 بكثير من الأمل، ولكن بالقلق أيضا. فعلى العقوبات والتوترات الدولية، يضاف الإرث الثقيل الذي تركه الرئيس أحمدي نجاد الذي عمق من العقوبات المفروضة على بلاده ومن خلال اتباع سياسة اقتصادية ساهمت في الأزمة الاقتصادية الحالية. لحسن حظ الإيرانيين أن الفريق الجديد في القيادة الإيرانية يتألف من مسؤولين لديهم خبرة وقد قرروا اتخاذ اختيارات شجاعة وضرورية لإعادة تصحيح مسار الاقتصاد الإيراني. ينطلق هذا الكتاب من رؤية مختلفة. فالأدبيات الاقتصادية المتوفرة حول إيران، لاسيما الأنكلوسكسونية، تركز على الاقتصاد الكلي المستند إلى أدوات كلاسيكية في تحليل الاقتصاد مثل التضخم، الكتلة النقدية، البطالة. الخ. ويرى الكتاب أن هذه الأدوات لا تأخذ بعين الاعتبار العمل والسير الحقيقي للاقتصاد في هذا البلد. يعود المشرف على الكتاب ” ميشيل ماكينسكي” إلى الوضع الاقتصادي مع بداية الفترة الرئاسية للرئيس حسن روحاني، في فصل له تحت عنوان “الاقتصاد الإيراني في مرحلة تحول”، يرى أن البلاد ورثت اختيارات اقتصادية وهي في أزمة اقتصادية.

حيث يعرف الاقتصاد الإيراني ظاهرتين: الركود، أي ركود اقتصادي مقترن مع مستوى عال من التضخم، فكيف نشرح هذا؟ أولا، العقوبات الاقتصادية من قبل البلدان الغربية (لاسيما الاتحاد الأوربي والولايات المتحدة) حيث أثرت بشكل خطير على الاقتصاد الإيراني.

ترافق هذا الانغلاق للاقتصاد الإيراني مع عدم قدرة الحكومة على تنفيذ السياسات العامة الفعالة: “فعلى مر السنين زاد معدل التضخم والبطالة، فقدان الدخل، واستثمار ضعيف”. هذا الانغلاق القسري أدى لاضطرابات في حياة السكان مثل فقدان الوظائف، الصحة، السكن وانخفاض مستوى المعيشة. أدى هذا الخلل إلى إفقار متزايد للشعب الإيراني، وكانت الطبقة الوسطى الأكثر تضررا كما شهدت مستويات المعيشة اختلالات كبيرة. ” تأثرت الطبقات الشعبية بضعف النشاطات الاقتصادية في مجمل أرجاء البلاد. إن خصوصية إيران في أن القطاع العام يشكل 70% من الاقتصاد الوطني، وإذا كانت الدولة تواجه عجزا ماليا ولا تفي بديونها، فإنه أيضا الشركات تعاني من نفس العقوبات”. مع ذلك، لم تؤدي الأزمة الاقتصادية إلى نتائج على مستوى الفوضى أو الإخلال بالنظام العام على مستوى البلاد ككل، فكيف نفسر ذلك؟” في الواقع، وفي ظل نظام أحمدي نجاد، إن نظام إعادة التوزيع الاجتماعي تم تعميمه على مستوى البلاد وكان سخيا جدا من حيث الموارد المتاحة له.

هذه الآلية لإعادة التوزيع ساهمت في السلم الاجتماعي من خلال تجنب الجمود في البلاد”. صفة أخرى من صفات الاقتصاد تحت نظام أحمدي نجاد، إنها “اقتصاد المقاومة”. ” هذه السياسة الاقتصادية هدفت للتخفيف من آثار العقوبات الاقتصادية من خلال الالتفاف عليها. لم تحقق هذه السياسة التأثير المطلوب منها حيث أن إيران لم يكن لديها الوسائل لتجنب العقوبات والضغوط، أما الاستناد إلى استخدام الموارد المحلية (التكنولوجية، والمشاريع الوطنية) لا يمكنه أن يعوض النقص في النقد الأجنبي أو استبعاد الشركات الغربية”. مع وصول الرئيس الجديد ” كان للاقتصاد أولوية رئيسية. حيث أراد الرئيس إحاطة نفسه بذوي الخبرة في الحكومة الجديدة وتم إطلاق العديد من الأهداف: استقرار الاقتصاد، خلق ثروة وطنية وإعادة توزيع عادلة لها”. ورشة كبيرة أمام الرئيس الجديد، كل شيء بحاجة لإعادة بناء.

” في حملته الانتخابية، وعد الرئيس حسن روحاني بتنفيذ خطة إصلاحية خلال مائة يوم لمعالجة المشاكل الاقتصادية الأكثر إلحاحا. تتجه السياسة الاقتصادية الجديدة نحو الليبرالية أكثر وتسعى لحل العقبات التي تعترض التنمية الاقتصادية في بلاده. من غير إنكار إرث السياسة الاجتماعية لسلفه، فإن الحكومة الجديدة ترغب في معالجة العبء الأكثر ثقلا للقطاع العام عن طريق خصخصة المزيد منه”.

وفقا للكاتب، ” الإصلاحات الاقتصادية المعلنة من قبل الحكومة الجديدة تتجاوز التغيير البسيط للطابع الاقتصادي، إنها تهدف أيضا إلى إدخال تغيير سياسي عميق، توازن جديد حيث يمكن أن يكون له نتائج خطيرة على البلاد”. بالنسبة لجميع المشاركين في هذا الكتاب ” إنها عملية تهدف للامركزية ورفع يد الدولة والحد من التأثير الذي يمكن أن يعتبر في نفس الوقت تأثير لمجموعة مهيمنة في النظام الاقتصادي الإيراني”.إن وصول حسن روحاني إلى السلطة سيغير من المعطيات. فهو من دعاة إعادة توجيه الاقتصاد الإيران وإحداث تحولات عميقة فيه، حيث يفضل استخدام كلمة ” الحذر” أكثر من استخدام كلمة “اقتصاد المقاومة”.

اقترح الرئيس الجديدنموذجا بديلا، من غير التخلي كليا عن مفهوم اقتصاد المقاومة، نموذج لا يروق لخطاب التضحية والجهد والاكتفاء الذاتي، بل يشجع على المزيد من الانفتاح.يرى الكتاب أن الحكومة الإيرانية تضع قيمة مركزية لقطاع البترول وتجعل منه محورا رئيسيا في الاقتصاد الإيراني. لكن من وجهة نظر الكاتب، فإن تأثير هذا القطاع على الاقتصاد الإيراني هو أقل قيمة بكثير من التوقعات التي تقوم بها الحكومة:” من الواضح أن هناك أفكارا خاطئة حول قطاع البترول وذلك على مستويين، من جانب، فإن التأثير الحقيقي لهذا القطاع على الاقتصاد في البلاد إما مبالغ فيه أو مفهوم بشكل خاطئ، ومن جانب آخر، خلقت الحكومات توقعات مرتفعة بأن القطاع لا يمكن أن يفي بكل شيء”.

مع ذلك، يرى ” بيجان خاجبور”، أحد المشاركين في الكتاب، أنه لا يمكن التقليل من حقيقية أن صناعة البترول في إيران لاتزال مركزية في اقتصاد البلاد، وأن آثار هذا القطاع المضاعفة تساهم إلى حد كبير في الثروة الوطنية والتنمية الاقتصادية. ففي عام 2013، بلغ متوسط عائدات البترول والغاز ثلث عائدات الحكومة مقابل 50% عام 2010. أما ” ميرهادفاهابي”، مشارك في نفس الكتاب، يقدم دراسة تحت عنوان ” قيود الميزانية والمؤسسات شبه الحكومية”. يركز الكاتب على قيودالميزانية ضمن هذا القطاع.

وهو مفهوم وضعه ” يانوس كورناي”:” يصف سلوك الشركات في الاقتصاد الاشتراكي في دولة أبوية لا تدع أي مشروع يصل إلى الإفلاس وتكفل دائما من يعاني من الخسارة”. في إيران، وفق الكاتب، هناك خمسة عناصر تلخص القطاع شبه الحكومي:ـ حقوق الملكية غير محددة.ـ المؤسسات الموازية شرط لا غنى عنه لتطوير هذا القطاع.ـ تعدد الوكلاء أدى لغموض هوية صناع القرار بشأن التصرف في الأصول شبه الحكومية.

ـ يعتمد هذاالقطاع على تلازم السياسي والاقتصادي تحت نظام شمولي.ـ يرتبط نمو هذا القطاع بشكل وثيق مع سياسات شعبوية من إعادة توزيع الدخل مصدرها تقريبا هو الميزانية، وذلك لجذب مساندة الذين يعيشون على الهامش أو الفقراء.هذا الكتاب، وهو عمل جماعي، أنه نظرة جديدة للاقتصاد الإيراني بعيدا عن التحليلات الكلاسيكية.

إن ثروة إيران كم تمت مناقشتها هي لاعب فعلي في نظام العلاقات الدولية. تتمتع البلاد بميزات كثيرة: تركيبة سكانية ملائمة، موارد نفطية وغازية وفيرة، وشعب متعلم. لكن، يتفق جميع المشاركين في هذا الكتاب على ضرورة إعادة التفكير والنظر من أجل نظام اقتصادي جديد أكثر توجها نحو الخارج.

كتاب ساهم فيه مجموعة من المؤلفين بإشراف ميشيل ماكينسكي.

صادر عن دار نشر “هارماتان”، باريس 2014.

ترجمة: المركز الكردي للدراسات

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد