القاعدة في بلاد الرافدين

بعد الاحتلال الأمريكي للعراق في عام 2003 ونهاية زمن صدام حسين، تفشّت في العراق مظاهر من العنف الدموي لم يعتدها هذا البلد من قبل، وجميع هذه المظاهر جاءت تحت عنوان “المقاومة العراقية”.

لن ننتظر طويلا حتى نشاهد تنظيم القاعدة في أفغانستان تحت قيادة أسامة بن لادن يتربع على عرش هذه “المقاومة” ممثلا بأحد أمرائه الأكثر إخلاصا له، إنه ” أبو مصعب الزرقاوي” . لقد سمح المناخ الطائفي في العراق بعد الغزو الأمريكي بولادة شخصية ثالثة لها وزنها في تنظيم القاعدة، بعد أسامة بن لادن وأيمن الظواهري، فكانت ولادة “الزرقاوي”. حيث سيعلن هذا الأخير في 27 كانون الأول 2004 إنشاء [حركة القاعدة في بلاد الرافدين].

إلى جانب هذه الحركة الجديدة، ستعمل العديد من الجماعات الأخرى والتي ستقدم لها المساعدة المادية والبشرية، لدرجة أن عدد أعضاء “الحركة” وصل إلى ما بين 2000 و3000 عنصر شكلوا القوة الحقيقية لأبي مصعب الزرقاوي. ساعد في ذلك الحدود العراقية المفتوحة مع أربع دول دفعة واحد [إيران، الأردن، سورية، السعودية]. بالاستناد إلى ذلك يمكن القول إن «القاعدة في بلاد الرافدين” شكّلت الطور [الثاني/الثالث] لتنظيم القاعدة الأم بعد وجود مؤشرات عدة على “نهاية” الطور الأول في أفغانستان وفي دول أخرى تتواجد فيها القاعدة [عندما نقول “نهاية” فنحن نتحدث هنا عن الفترة الزمنية التي رافقت الهجوم الأمريكي على أفغانستان]. هذا “الطور الثاني” سيكون المحور أو الفكرة الرئيسية لهذا البحث.

الحديث عن المرحلة أو الطور الثاني/الثالث للقاعدة كما تجلى في العراق يقودنا بالتأكيد لدراسة الأسس الإيديولوجية “للقاعدة في بلاد الرافدين”، مع العودة [عندما تستدعي الحاجة] إلى أسس القاعدة الأم نفسها لأن الموروثات الجينية بين الاثنين تكاد تكون متطابقة. ثم سننتقل للحديث عن الطبيعة التنظيمية “للقاعدة في العراق” وعلاقاتها بالتنظيمات الأخرى التي عملت أو ارتبطت فيها منذ البداية، وسيساعدنا في ذلك معرفة التطور العمودي والأفقي لهذا التنظيم وقدرته على تحقيق الكثير من أهدافه التي استندت بكاملها على العنف والدماء.

أولا ـ البنية الإيديولوجية للقاعدة في بلاد الرافدين. لا يختلف “برنامج” أبو مصعب الزرقاوي كثيرا عن برنامج زعيم القاعدة أسامة بن لادن، مرجعية إيديولوجية/دينية متشابهة لحد التطابق أحيانا. ومنذ أن أصبح الزرقاوي أميرا للتنظيم في العراق أعلن أنه يشكّل امتدادا للأسس “الفكرية” لتنظيم القاعدة. فعلى سبيل المثال، هاجم الزرقاوي مقرّ الأمم المتحدة في العراق شهر آب 2003، وإذا عدنا إلى المنظّر الإيديولوجي للقاعدة الأم “أيمن الظواهري” فإنه أكد أن الأهداف التي يسعى التنظيم لضربها هي [الأمم المتحدة، الحكومات العربية، الإنترنيت، المنظمات الإنسانية.] . أيضا إن الزرقاوي سيعلن برنامجه في العراق بعد الإعلان عن تحالفه مع أسامة بن لادن [نهاية عام 2004]، ويتكون هذا البرنامج من أربع أولويات: ـ عزل الولايات المتحدة عن حلفائها ومسانديها. ـ منع العراقيين من التعاون مع المحتلين. ـ القيام بهجمات ذات تأثير مزدوج: نفسي وجسدي. ـ إحداث صراع طائفي من خلال استهداف الشيعة.   في شهر كانون الثاني 2005، أراد الزرقاوي أن يجرب حظه في التنظير السياسي من خلال طرحه [لمفهومه] حول الديمقراطية بمناسبة الانتخابات التشريعية العراقية، فالديمقراطية بالنسبة له ليست إلاّ هرطقة، موضحا أسبابه في هذه القول: ـ ” الديمقراطية ترتكز على مبدأ يشكّل الناس فيه مصدر جميع السلطات، بينما الله يقول أن السيادة لا يمكن أن تكون إلا إلهية”. ـ ” الديمقراطية ترتكز على مبدأ حرية الأديان والاعتقاد، بينما في الإسلام إذا غير مسلم دينه إلى دين آخر فيجب أن يُقتل”. ـ ” الديمقراطية تفترض سيادة شعبية، وهذا ما يؤدي إلى حكم البشر، وهذا يتناقض مع مبادئ التوحيد، حيث الله هو وحده من يحكم بين الناس”. ـ ” الديمقراطية ترتكز على حرية التعبير حتى ولو كانت في شتم الشريعة والذات الإلهية”. ـ ” الديمقراطية ترتكز على مبدأ الفصل بين الدين والدولة”. ـ ” الديمقراطية ترتكز على مبدأ إنشاء المنظمات، الجمعيات والأحزاب السياسية مهما كانت أهدافها وأخلاقيتها، هذا المبدأ هو خطأ ولا قيمة له أمام الشريعة الإسلامية”. ـ ” الديمقراطية تقوم على الأخذ بقرار الأكثرية، هذا المبدأ هو خطأ بكليته لأن الحقيقة هي أن نأخذ ما يتفق فقط مع القرآن والسنة”.

إن “مبادئ الزرقاوي الديمقراطية” في بلاد الرافدين تقاطعت مع مبادئ أخرى أُعلنت من قِبَل جماعتين “جهاديتين” هما [جيش أنصار السنة، وجيش المجاهدين]. أما المسألة العصية على الفهم في هذا التنظيم كما المنظمات الأخرى، إعلان الزرقاوي [أردني الجنسية] عن رفض أية عملية سياسية في العراق لأن الجيش الأمريكي “الصليبي” يقف وراءها، بمعنى أنه تصرف في العراق ومارس جميع الوسائل غير المشروعة فيها وكأنها بلاده. إن حديث الزرقاوي عن الديمقراطية لم يأت من رأسه بل هو محاولة لاستحضار شخصية “جهادية” أخرى في ثقافة جماعته وتنظيمه، إنه [أبو محمد المقدسي]. هذا الأخير له كتاب غريب يحمل عنوان «الديمقراطية دين”، حيث يرى أن الديمقراطية هي إنكار لوجود الله. من هنا جاء حديث الزرقاوي عن الديمقراطية بأنها” هرطقة، شرك وخطأ”.

المبدأ الإيديولوجي الثاني الذي ارتكزت عليه القاعدة في بلاد الرافدين وأميرها الزرقاوي، هو العداء للطائفة الشيعية في العراق ودعوته لقطع رؤوس مشايخها وقتل أئمتها ، وقد أعلن عن هذه “النظرية السياسية” قبل انضمامه إلى تنظيم القاعدة الأم. يستند الزرقاوي في مبدأه هذا على أفكار دينية ظهرت قبل 8 قرون على يد ” الشيخ ابن تيمية” أحد أكبر المراجع الفقهية عند المسلمين السنة، ويقول الزرقاوي في الشيعة: “الشيعة يخضعون دائما لهؤلاء الملحدين، اليهود والمسيحيين، يساعدونهم في قتل المسلمين” .  وفي رسالة موجه من الزرقاوي إلى أسامة بن لادن قبل التحالف بينهما يقول الزرقاوي في رسالته هذه:” إذا اقتنعت بمقاتلة هذه الطوائف الهرطقية، سنكون جنودك الحاضرين دائما[…]، ولكن إذا كان لك رأي آخر، وقتها نبقى أخوة ولا يوجد شيء يمكن أن يفرقنا، سنتساعد من أجل الأفضل وسنتكاتف في الحرب المقدسة” . إذن، لم يخف الزرقاوي عداوته للشيعة، ولكن في نفس القوت كان يخطط “بطريقته” للوصول إلى هدف آخر:” الحل الذي نقترحه […]هو حمل الملحدين إلى المعركة لأن هذا هو الحل الوحيد لتمديد صراعنا ضد الملحدين” وأن «الحل الوحيد هو ضرب الملحدين الهرطقيين، إن كانوا متدينين، عسكريين أو آخرين، نوجه لهم الضربة تلو الضربة حتى يخضعوا للسنة”. لقد خطط الزرقاوي لتوجيه ضربات مؤلمة إلى الشيعة العراقيين، وذلك من خلال خلط الأوراق في العراق، حيث “مجلس الحكم” لن يعود له فائدة ولا حتى الجيش الأمريكي الذي سيحارب وفق الزرقاوي وتحت هذه الضربات، جنبا إلى جنب مع الملحدين وهذا ما كان يرغبه بالفعل حتى يجد جميع المبررات التي تسمح له بالقتل كما يشاء. ورأى الزرقاوي أنه بانضمام الشيعة للقتال إلى جانب الجيش الأمريكي، فإن هذا سيقود إلى اصطفاف السنة وراء مقاتلي ” الحرب المقدسة” التي أعلنها، وهنا يتم الانتقال إلى ضمان وجود “أرض” خاصة بهم ينطلقون منها في كل اتجاه ولتنفيذ العمليات في العراق، وتكون صلة وصل مع الخارج والمقاتلين الذين سيأتون منه “للجهاد” في العراق.

رغم أن [قاعدة] بن لادن و [قاعدة] الزرقاوي تستندان إلى ركائز إيديولوجية ـ تقريبا ـ واحدة، إلاّ أننا يمكن أن نستشعر بعض الخلاف بينهما حول أولويات “الجهاد” في العراق، بمعنى أن أسامة بن لادن كان يفضل تكريس الجهود للقتال ضد الجيش الأمريكي أكثر من تركيزها على قتال الشيعة، وفي هذا الصدد يقول أسامة بن لادن بعد موت الزرقاوي في 8 حزيران 2006:” كان لأبي مصعب تعليمات واضحة لقتال قوات الاحتلال كأولوية […]، ولكن المسلمين الذين يقفون إلى جانب الصليبيين يمكن أن يُقتَلوا من أي جهة، مهما كان إيمان هذه الجهة أو عشيرتها”. هنا نلاحظ الخلاف بين “القاعدتين” والذي لا ينكره ابن لادن.  هل يمكن أن نبني على هذا الخلاف بينهما رؤية أخرى تتعلق بالقاعدة في بلاد الرافدين ومقتل الزرقاوي من قبل الجيش الأمريكي؟ هذه الرؤية إذا أردنا توضحيها يمكن أن تستند إلى ما يلي: إن أسامة بن لادن قدّم ” الزرقاوي” قربانا لعلاقة مستقبلية مع الولايات المتحدة، ولكنها فرضية تحتاج لأدلة قوية لا نملكها ومن المستحيل إثباتها، إذن، يمكن أن تحل مكانها فرضية أخرى وهي أن أسامة بن لادن أراد التقرب من شيعة العراق من أجل رفع العديد من الضغوطات عن الطائفة السنية في هذا البلد، وهي فرضية ورغم حاجتها للأدلة إلاّ أنها أقرب للمنطق. وفي الحالتين تبقى هذه الفرضيات عبارة عن تكهنات يمكن أن يظهر صوابها من خطئها مع الوقت. ونشير هنا إلى أن أمير القاعدة في بلاد الرافدين بعد مقتل الزرقاوي [أبو حمزة المهاجر] أبقى على الخط التشددي للتنظيم ضد الشيعة واستمر بعمليات ضدهم لا تعرف الرحمة .

لا يظهر أن مقتل الزرقاوي سيؤدي إلى تفكك تنظيم القاعدة في بلاد الرافدين. وقد أكد أسامة بن لادن استمرار “جهادها” في 30 حزيران 2006 :” إن راية القاعدة في بلاد الرافدين لم تقع، لقد مضت من أسد إلى آخر” . لكن خليفة الزرقاوي على رأس تنظيم القاعدة في العراق لم يكتف بقيادة التنظيم كما هو بل سيعلن عن خطوة إضافية على سلفه، إنها ولادة ” الدولة الإسلامية في العراق”.

ثانيا ـ البنية التنظيمية “للقاعدة في العراق”. لقد تركز تنظيم القاعدة في العراق، لاسيما بعد عام 2006، فيما سمي ” الدولة الإسلامية في العراق” . إن الإعلان عن هذه “الدولة” من قبل الحركات ـ الجهادية ـ في العراق أريد منه الإشارة إلى بناء دولة سنية هي في مواجهة مع الطائفة الشيعية في العراق، ومن هنا أيضا ضمّت هذه “الدولة” المدن التالية [بغداد، الأنبار، ديالى، صلاح الدين، نينوى، بالإضافة إلى كركوك، كما ضمت مناطق أخرى مثل بابل و الأوسط]. الإعلان عن “الدولة الإسلامية” لم يكن سوى مرحلة مبنية على مراحل أخرى عرفتها الحركات “الجهادية” في العراق منذ سقوط نظام صدام حسين في عام 2003، والتي سنحاول دراستها في هذا البحث. منذ سقوط نظام صدام حسين في العراق، اعتبرت قوات التحالف في العراق وعلى رأسهم القوات الأمريكية أن “تنظيم القاعدة في بلاد الرافدين” هو عدوهم الأول وأن مقاتلي التنظيم هم من أخطر الإرهابيين الذين يتواجهون معهم، بالإضافة لذلك إنهم ليسوا من العراق. في الواقع إن نظرية “ليسوا من العراق” لم تصمد طويلا أمام الحقائق على الأرض، فقد عرف تنظيم القاعدة في العراق مقاتلين من جميع المناطق والدول بما فيها العراق. بمعنى آخر أن “عرقنة ” تنظيم القاعدة في العراق كانت أمرا ضروريا من أجل تقديمه إلى الشعب العراقي كحركة مقاومة ضد المحتلين وليس فقط عن مجموعة من المقاتلين أتوا من الخارج لتصفية حسابات مع الجيش الأمريكي، وحتى لو أن القاعدة استطاعت أن تضم إلى صفوفها نحو 12000 شخص إلا أنها لا تشكل التنظيم المسلح الوحيد في العراق. فبعد موت “الزرقاوي”، تحدث خلفه على رأس التنظيم [أبو حمزة المهاجر] في 10 تشرين الثاني 2006 قائلا:”أن تنظيم القاعدة في العراق يضم 12000 مقاتل، وقد أقسموا على الموت في سبيل الله، وهناك أيضا 10000 آلاف آخرين في مرحلة الإعداد” .

لقد وجد في العراق ثلاثة تشكيلات إسلامية مسلحة رئيسية وهي [جيش أنصار السنة]، [الجيش الإسلامي في العراق]، [والقاعدة في بلاد الرافدين]. ووجدت أيضا تنظيمات أقل تأثيرا: [جيش الفاتحين]، [جيش الراشدين]. بشكل عام، عرفت الحركات “الجهادية” في العراق وفي مقدمتها تنظيم القاعدة، تدرجا في العملية التنظيمية يمكن الإشارة إليه بأنه تطور عمودي في التنظيم أكثر مما هو أفقي . فقد أصبح ” الزرقاوي” المرجع الإعلامي الأول للقاعدة في العراق علما أنه وصل حديثا إلى هذا البلد في الوقت الذي وجدت فيه حركات سلفية أخرى قبل وصوله بفترة طويلة.

 بالعودة إلى عام 1990 نرى أن الحركات السلفية [كحركات إيديولوجية] بدأت بتكوين قواعد لها على الأرض العراقية ، في ذلك الوقت كان العراق خارجا لتوه من حربه مع إيران والتي استمرت 8 سنوات، وقد ضعف اقتصاده وبنيته التحتية بشكل عام. وبسبب النقمة على النظام العراقي بسبب خوضه معارك لا فائدة منها ولا مبررات، بدأ الشعب العراقي يعبر بأشكال مختلفة عن هذه النقمة، في نفس الوقت بدأ النظام في العراق يتبع أسلوبا جديدا في خطابه لشعبه، خطاب أخذ يرتكز على النص الديني كوسيلة للسيطرة على أصحاب التوجهات الدينية السلفية الذين بدؤوا ببلورة أفكارهم وإن لم تصل لحد بناء التنظيمات أو الجماعات الدينية الجهادية.

ولكن الخطاب الديني/السياسي للنظام العراقي لم ينجح في ضبط نمو الحركات الأصولية التي بدأت تتكون معالمها وثم اتضحت مع سقوط النظام. أما الحصار الذي فُرض على العراق لعشرة سنوات فقد أدى إلى فتح الأبواب أمام هذه الحركات لاسيما في المناطق السنية والتي تعرفت جيدا على إيديولوجية الإخوان المسلمين. هذه الإيديولوجية التي استلهمت الكثير من أفكار العراقي، والذي يعيش خارج العراق، ” محمد أحمد الرشيد”، هذا الأخير، وقد تأثر بإيديولوجية الإخوان المسلمين، تحدث عن مفهومه للجهاد والدولة الإسلامية وقت لاقت صدى داخل العراق. إن الأفكار والأشخاص المتأثرين بها خلقوا ما يمكن تسميته “بالمناخ السلفي” في البلاد والذي سيكون له أهميته بعد سقوط النظام العراقي.  بالتأكيد لم يقتصر هذا المناخ السلفي الجديد في العراق على مرجعيات محلية فقط، بل تأثر بالعديد من الشخصيات السلفية في سوريا ومصر، ويشار أيضا إلى أن العلاقات بين السلفيين في العراق والأردن تعود إلى عام 1990 حيث شكلوا شبكات مشتركة فيما بينهم، وفي عام 2003 كان الحزب الإسلامي العراقي قد أصبح الممثل الرسمي للسلفية العراقية. خلال التسعينات عرفت الجوامع الأردنية العديد من تجمعات السلفيين الأردنيين المناصرة لنظيرتها العراقية تحت إشراف منظرين إسلاميين أردنيين منهم [ليث شبيلات وأبو محمد المقدسي] ، بالمقابل بدأ السلفيون العراقيون المشاركة في الجو والنشاط العام للسلفية الأردنية.

إن الحديث عن بداية “النزعة الجهادية” عند الحركات السلفية العراقية يقودنا مباشرة لدراسة الحالة المتعلقة ” بمنظمة أنصار الإسلام” والتي سيكون لها أهمية كبيرة عند فهم وتحليل ظهور “الجهادية” في العراق بعد سقوط صدام حسين. ولدت هذه المنظمة بشكل رسمي في كانون الأول عام 2001 في شمال العراق، سبق الإعلان عنها [بأربع شهور] زيارات متكررة للإسلاميين الأكراد إلى أفغانستان للقاء مسؤولين كبار في تنظيم القاعدة  . كانت مهمة هؤلاء إقامة ارتباط مع أسامة بن لادن من خلال إنشاء “فرع” للقاعدة في شمال العراق، بعد هذه الزيارة مباشرة سيتم الإعلان عن “أنصار الإسلام” لتضم في بدايتها نحو 650 عنصرا من الأكراد و السنة العراقيين، ولكن أيضا كان من بينهم اللبنانيين، السوريين، الأردنيين، الفلسطينيين والأفغان . وبالنسبة للأفغان عملوا سابقا مع تنظيم القاعدة هناك قبل مجيئهم إلى شمال العراق.

كانت العمليات الأولى “لأنصار الإسلام” ضد [الاتحاد الوطني الكردستاني]، ثم اغتيال نائب مسيحي كردي في عام 2002 بالإضافة لعمليات أخرى ضد مسؤولين أكراد. إن المنطقة الجغرافية التي انطلق منها هؤلاء ساعدتهم في تطوير عملياتهم ونجاحها، حيث يتمركزون في “السليمانية” على الحدود مع إيران. ويرى بعض المراقبين أن هذا الموقع الجغرافي، ربما، ساعدهم في الحصول على المال والسلاح والرجال عبر الحدود الإيرانية، ويذكر هنا أن نظام صدام حسين كان قد فقد السيطرة على هذه المنطقة بعد إنشاء المنطقتين الأمنيتين في شمال وجنوب العراق فور انتهاء حرب الخليج 1991.  في الواقع، وخلال هذه الفترة، بداية عام 2002، سيقوم شخص لم يكن معروفا إلا قليلا، اسمه أبو مصعب الزرقاوي، بإقامة الاتصالات مع منظمة “أنصار الإسلام”، حيث كانت هذه الأخيرة تزداد قوة وتأثيرا بعد وصول عدد كبير من المقاتلين الأفغان إلى شمال العراق عبر الحدود الإيرانية هربا من هجمات الجيش الأمريكي على منظمة “طالبان”. طبعا لن يتأخر “الزرقاوي” كثيرا حتى يصبح من أهم قيادات الحركة”الجهادية” في العراق. بعد الاجتياح الأمريكي للعراق عام 2003، وبالتحديد في شمال العراق، فإن “أنصار الإسلام” ستفتح الطريق لولادة تشكيلات “جهادية” أخرى، مثل [أنصار السنة، نشأت في الأول من أيار 2003 على يد “عبد الله الحسن بن محمود ]، [ جيش السنة و الجماعة ،يديرها “عبد الله بن ناصر”تنشط في بغداد وديالى ]،[ جيش الطائفة المنتصرة،تشكلت في أيار 2003 ويديرها “العثمان العراقي ].

طبعا، لابد من القول إن «أنصار السنة” هي الجماعة التي أعطت الصورة الحقيقية لوضع السلفية الجهادية في العراق، ورغم أن عملياتها الكبيرة بدأت منذ شهر أيار 2003، إلاّ أنها لم تعلن عن نفسها رسميا حتى 20 أيلول  2003 . من بين الجماعات السلفية الجهادية الأخرى سنرى “جيش محمد” ، وأيضا ” جماعة التوحيد والجهاد” التي أسسها أبو مصعب الزرقاوي. يشار هنا إلى أن الزرقاوي وفي 12 كانون الثاني 2006 عقد حلفا مع “جيش الطائفة المنتصرة” ومع مجموعات صغيرة أخرى. هذا الحلف الجديد سوف يجتمع بعد ثلاث أيام تحت اسم [مجلس شورى المجاهدين]، ليحل مكان [تنظيم القاعدة في العراق] من غير أن يلغيها نهائيا، لكن هذه الأخيرة ستبقى عالقة بالأذهان بشكل أكبر. داخل [مجلس شورى المجاهدين] سوف تتواجد مجموعة من الشخصيات القيادية إلى جانب الزرقاوي وحتى مقتله في عام 2006، ثم ستظهر [الدولة الإسلامية في العراق] تحت قيادة “أبي عمر البغدادي”، ومن الشخصيات التي عملت مع الزرقاوي: [أبي عبد الرحمن العراقي، مساعد الزرقاوي وقائد سرايا الشهداء]، [أبي أسيد العراقي، قائد الجناح العسكري]، [أبي حمزة البغدادي، مسؤول لجنة الشورى]، [أبي ميسرة العراقي، مسؤول الإعلام] . بعد مقتل الزرقاوي وليحل مكانه “أبو حمزة المهاجر” فإن [مجلس شورى المجاهدين] والذي يجسد “الدولة الإسلامية في العراق، سيكوّن أو يجسّد قاعدة الحركة السلفية الجهادية في العراق. بالنسبة لمكونات [مجلس شورى المجاهدين]، فإنها تتألف من  : 1ـ القاعدة في بلاد الرافدين. 2ـ جيش الطائفة المنتصرة. 3ـ سريا الأهوال “الرعب”. 4ـ سريا الجهاد الإسلامي. 5ـ سريا الغرباء. 6ـ سريا أنصار التوحيد.

كما يظهر أمامنا، فإن [مجلس شورى المجاهدين] يتألف من جماعات صغيرة حتى أن البعض منها لم يكن معروفا بعملياتها التي تستخدم العنف بشكل كبير كما في الجماعات الأخرى الكبيرة. بمعنى آخر أن هذا “المجلس” لم يضم تحت قيادته جميع القوى السلفية الجهادية في العراق. إذن، العمل بشكل انفرادي أو غير موحد كان من سمات هذه الجماعات المتشددة وظل يرافقها حتى الآن. وبالنسبة للعمل تحت اسم واحد أو بشكل مندمج فقد عرفته بعض الجماعات الجهادية التي تحدثنا عنها سابقا والتي شكّلت “مجلس شورى المجاهدين”.

 أما العلامة الأبرز في التضامن والاندماج بين هذه المجموعات السلفية الجهادية فكانت بإنشاء “الدولة الإسلامية في العراق” والتي ضمت إلى صفوفها، غير الجماعات التي ذُكرت سابقا، تنظيمات أخرى سلفية جهادية [جيش الفاتحين، جند الصحابة، كتائب أنصار التوحيد والسنة] وجميعها كانت تحت قيادة “أبي عمر البغدادي” حيث قدم نفسه “كأمير للمؤمنين” في الدولة الإسلامية العراقية. وبعد ذلك بفترة قصيرة جدا، سوف تنضم إليه جماعات أخرى هي [سرايا فرسان التوحيد، سريا ملة إبراهيم] . طبعا لابد من الإشارة هنا إلى انضمام الكثير من زعماء القبائل السنية [خوفا أو رغبة] إلى أمير هذه “الدولة”. سنحاول هنا أن نعدّد الجماعات السلفية الجهادية التي كانت تنتمي إلى “التجمعات” السلفية الكبيرة وإلى الدولة الإسلامية في العراق:

1 ـ القاعدة في بلاد الرافدين وتضم: ـ كتائب أبو أنس الشامي.ـ كتائب عمر.ـ كتائب أبو حفص المصري.ـ كتائب القائد أبو سفيان الزايدي.ـ كتائب أبو اليمان المديني.ـ كتائب خالد بن الوليد.ـ كتائب القاعدة.ـ كتائب الشهداء.ـمحاربو سيف الحق.ـ كتائب المقداد بن أسود.ـ كتائب الغضب الإسلامي.ـ كتائب أبو بصير.ـ كتائب الفرقان. ـ كتائب الفتح.ـ كتائب الزبير بن العوام. ـ كتائب أبو عبيدة بن الجراح.ـ كتائب الفاروق.ـ كتائب عثمان بن عفان.ـ كتائب المجاهدين.ـ كتائب عبد العزيز المقرن.ـ كتائب القعقاع.ـ جماعة البراء المجاهدة.ـ الراية السوداء.ـ راية الحق.

2ـ جيش الطائفة المنتصرة وتضم أيضا: ـ كتائب ابن تيمية. 3ـ سرايا الجهاد الإسلامية. 4 ـ جيش السنة والجماعة وتضم أيضا: ـ كتائب الفلوجة.ـ كتائب يثرب.ـ كتائب سيف الحق.ـ كتائب المرابطون .  5 ـ أنصار السنة وتضم: ـ الفرقة المنصورة، وهي بدورها تضم جماعة أخرى تسمى “سرايا حمزة”. ـ كتائب ذو النورين، وتتكون أيضا من “وحدة محمد الشهيد” و كتائب “عبد الله بن الزبير”.ـ كتائب شهداء أنصار السنة.ـ كتائب عمر بن الخطاب.ـ كتائب المصطفى.ـ كتائب زياد بن الخطاب.ـ كتائب خالد بن الوليد.ـ كتائب القعقاع.

وفيما يتعلق “بالدولة الإسلامية في العراق”، فإنه وبتاريخ 19 نيسان 2007 ظهر رجل مقنّع قدّم نفسه على أنه الناطق باسم هذه الدولة وأعلن تشكيلة الوزراء المكلفين بإدارة الدولة وهم:  1 ـ أبو عمر البغدادي [أمير الدولة الإسلامية في العراق]. 2ـ أبو عبد الرحمن الفلاحي [رئيس الوزراء]. 3ـ أبو حمزة المهاجر [وزير الدفاع]، ويعرف أيضا تحت اسم “أبي أيوب المصري، وخلف الزرقاوي على رأس تنظيم القاعدة في العراق بعد مقتله 2006. 4 ـ الشيخ أبو عثمان التميمي [وزير المؤسسات الدينية]. 5ـ أبو بكر الجبوري [وزير العلاقات العامة]، قُتل في أيار 2007، والمعلومة غير مؤكدة. 6ـ أبو عبد الجبّار الجنابي [وزير الأمن العام]. 7ـ الشيخ أبو محمد المشهداني [وزير الإعلام]. 8ـ الشيخ أبو عبد القادر العيساوي [وزير شؤون الشهداء والعائلات]. 9ـ [المهندس] ـ أبو أحمد الجنابي [وزير الزراعة]. 10ـ [الدكتور] أبو عبد الله الزيدي [وزير الصحة].

ملخص التطور التنظيمي للقاعدة في بلاد الرافدين: أ ـ 1999 ـ 2001: أسس أبو مصعب الزرقاوي تنظيم [التوحيد والجهاد] في أفغانستان. ب ـ 2001 ـ 2003: سيدخل الزرقاوي إلى كردستان العراق مع مجموعة من أعضاء تنظيمه، ليجدوا مكانا لهم عند تنظيم [أنصار الإسلام] الذي يقوده ” الملاّ فاتح كريكار”. ت ـ 2003 ـ 2004: التلاقي بين أنصار الإسلام والزرقاوي بعد تأكيد هذا الأخير على أنه الأقوى من بين التنظيمات السلفية الجهادية في العراق. ث ـ تشرين الأول 2004: سيعطي الزرقاوي اسما جديدا لتنظيمه وليصبح [القاعدة في بلاد الرافدين]. ج ـ كانون الثاني 2006: اندماج القاعدة في بلاد الرافدين مع الجماعات السلفية الجهادية الصغيرة، ليتشكل بذلك [مجلس شورى المجاهدين]. يبقى الزرقاوي زعيم تنظيم القاعدة في العراق، ويصبح “أبو عمر البغدادي” زعيما لمجلس شورى المجاهدين. ح ـ تشرين الأول 2006: وبعد موت الزرقاوي، الإعلان عن تشكيل [الدولة الإسلامية في العراق]، يقودها ” الأمير” أبو عمر البغدادي.  

ثالثا ـ الجماعات الإسلامية ” الجهادية”: بين السنة والشيعة. بعد مرور أكثر من ثلاثة سنوات على الاجتياح الأمريكي للعراق نلاحظ التحولات في طبيعة الصراع القائم في هذا البلد. فمن صراع ضد الجيش الأمريكي إلى صراع بين الجماعات الدينية السنية والشيعية، علما أن الأهداف مختلفة وكذلك طبيعة العنف وممارسته، وأيضا البنية العقائدية الإيديولوجية للجانبين. أما الركائز الأساسية لهذا الصراع فهي الميلشيات التي دخلت في صراع متبادل وصل إلى حد القول “بالحرب الأهلية” ذات الطابع الطائفي، حرب لم تعترف بها المرجعيات الدينية العراقية إن كانت سنية أو شيعية، ولكن الوقائع على الأرض كانت أصدق أنباء، فالجماعات والميلشيات الدينية كانت قد بدأت بحرب إبادة جماعية وكل من الطرفين يحمل المسؤولية للآخر.

الشيعة يتهمون السنة بالعمل على إقامة دولة سنية عند مغادرة الجيش الأمريكي للعراق، والسنة لا يرون في الشيعة إلاّ حرّاسا للمصالح الإيرانية في العراق وفي النهاية سيبنون دولة مشابهة للنظام القائم في إيران. إذا، التطرف، التشدد والعنف في العراق لم يقتصر على الجماعات السلفية الجهادية السنية، بل عرف الجانب الشيعي بعض التنظيمات المتطرفة والتي لم تتأخر عن ممارسة العنف، وكان من أهمها: [جيش المهدي] الذي يتزعمه ” مقتدى الصدر”، و [فيلق بدر] وهو الذراع العسكري “للمجلس الأعلى للثورة الإسلامية في العراق”.  بسبب تحولات الصراع بين هذه الجماعات، تحولت الإستراتيجيات أيضا، فالجماعات السنية [العراقية والغرباء]، تريد حماية المدنيين السنة من هجمات الجماعات الشيعية، والعكس صحيح، بمعنى انتقال إستراتيجية الصراع ضد الجيش الأمريكي إلى الدرجة الثانية.وهذا في الواقع ما أعلنه “الجيش الإسلامي” في عام 2006 والذي أطلق حملة ضد “جيش المهدي وفيلق بدر”. حتى أن زعيم تنظيم القاعدة في العراق دعا في رسالة صوتية تاريخ 10 تشرين الثاني 2006 ” لحماية الأخوة السنة من الجرائم التي ترتكبها الميلشيات الشيعية” علما أنه أعلن في وقت سابق أنه لن يهاجم سوى القوات “اليهودية/الصليبية”. يذكر هنا أن الناطق باسم ” الجيش الإسلامي” ـ علي النعيمي ـ، والذي كان يدعو الجانب السني بشكل دائم إلى الهدوء والصبر «ضد ما ترتكبه الميلشيات الشيعية”، هذه المرة أكد التحول في الإستراتيجية وأعلن التعبئة العامة للجهاد “من اجل الدفاع عن الحياة والشرف” .

إن تحول الصراع من قتال في الشوارع وحرب للعصابات ضد الجيش الأمريكي، إلى حرب بين الميلشيات في العراق جعل الأمريكيين يقلصون حضورهم العسكري على الأرض تدريجيا لاسيما في المدن ذات الأغلبية السنية، تاركين المواقع لقوات الأمن العراقية [ذات الأغلبية الشيعية].

رابعا ـ القيادات في تنظيم القاعدة العراقي.  لقد عرف تنظيم القاعدة في بلاد الرافدين بعدين تنظيميين أساسيين: الأول يشير إلى تعايش بين تشكيلات لها أسماء وأصول مختلفة، أصبحت تعمل فيما بعد تحت اسم “الدولة الإسلامية في العراق”؛ الثاني يأخذ شكل وجود قيادات لها أسماء وأصول مختلفة . هناك غموض كبير يتعلق بالأسماء والمهام التي عرفها هذا التنظيم، لاسيما على الصعيد الميداني، مع ذلك يمكن القول إن الأعضاء القياديين في التنظيم كان لهم مهمات محددة وتراتبية، أي هناك نظام الخضوع والمسؤولية أمام رتبة أو شخص أعلى.   عرفت السنوات الأولى من سقوط النظام العراقي تشكيلا جهاديا أساسيا هو: تنظيم القاعدة في بلاد الرافدين والذي يقوده أبو مصعب الزرقاوي وقد تحدثنا عنه سابقا. ولكن مع عام 2006 سيطرأ تغيير على طبيعة “السلفية الجهادية” في العراق. فإذا عرفت السنوات الماضية “القاعدة في العراق” كمسؤولة، تقريبا، وحيدة عن ممارسة العنف بأقصى أشكاله، فإن عام 2006 هو عام تجميع الجهود والقوى من مختلف التنظيمات الإسلامية “الجهادية” التي تعمل على أرض العراق.يمكن تعداد الأشخاص الأكثر فاعلية في تنظيم القاعدة في بلاد الرافدين، قبل وبعد الاندماج مع جماعات أخرى، كما يلي:

1ـ عبد الله صالح، الملقّب [بأبي عمر البغدادي]، أمير “مجلس شورى المجاهدين”، عراقي الجنسية، ولد في عام 1947، بقي في أفغانستان بين عامي 1985 و1991، عاد إلى العراق وبقي ولم يغادرها، يعتبر من منظري السلفية العراقية بين عامي 1985 ـ 1987. 2ـ أحمد فاضل نزّال الخلايلة، الملقّب [بأبي مصعب الزرقاوي]، زعيم تنظيم القاعدة في بلاد الرافدين، ولد عام 1966.   3ـ أبو أيوب المصري، أو [أبو حمزة المهاجر]، المسؤول عن التطويع والتخطيط في القاعدة العراقية، مصري الجنسية، ولد في عام 1967، بقي في أفغانستان حتى عام 1990. 4 ـ أبو عبد الرحمن العراقي، مساعد سابق للزرقاوي، عراقي الجنسية. 5ـ أبو أسيد العراقي، قائد الجناح العسكري في القاعدة العراقية، عراقي الجنسية. 6ـ أبو ميسرة العراقي، مسؤول الجناح العسكري في تنظيم القاعدة، عراقي الجنسية.

خامسا ـ صورة القاعدة لدى الشعب العراقي. لم يكن لتنظيم القاعدة في أية لحظة من اللحظات شعبية أو التفاف من قبل الشعب العراقي، فهو يستخدم العنف الدموي المسلح ولا يميز بين طفل عراقي أو عنصر من الجيش الأمريكي، وهذا من أهم ابتعاد العراقيين عنه حتى داخل الطائفة السنية. ولكن يوجد أسباب أخرى، من أهمها أنه حتى الراغبين في الانتماء إلى القاعدة في العراق لأسباب تتعلق بالقتال ضد الأمريكيين أو ضد الطائفة الشيعية، كان لديهم خوف كبير من ضربات قوات التحالف ومن “الحكومة” العراقية نفسها. إن العمليات التي قام بها التنظيم ضد المدنيين العراقيين والدماء الكثيرة التي سفكت باسمه جعلت صورة القاعدة عند العراقيين صورة مشوهة لحد بعيد، حتى أن السنة في العراق لم يتعبوا أنفسهم في إيجاد مبررات للعمليات الدموية لتنظيم القاعدة، لأن رأيهم لم يختلف عن رأي بقية الشعب العراقي.

هذه الصورة، ورغم التطور البطيء للعملية السياسية والوطنية في العراق، أعطت ملامح أولية على أن تنظيم القاعدة في هذا البلد لن يكون له أي مستقبل. مع ذلك، لابد من القول إن تنظيم القاعدة في بلاد الرافدين استطاع ولفترة معينة أن يخلق أرضية للكره والحقد المتبادل بين عامة الشعب العراقي لاسيما بين السنة والشيعة، وتجلت في تبادل الاتهامات بين الجانبين عن مسؤولية ما يجري من قتل وسفك لدماء المدنيين الأبرياء، وهي صورة عادت بالعراق إلى التاريخ والصراع المذهبي الذي عرفه هذا البلد، أي الاتجاه نحو [كربلاء] أخرى.

  إذن، نستطيع القول إن الأفعال التي ارتكبت بحق المدنيين عكست صورة لا يمكن تغييرها في المخيلة العراقية عن تنظيم القاعدة، وربما ساعد في بناء هذه المخيلة أن الأغلبية الساحقة من عناصر تنظيم القاعدة لم تكن من العراق، وبالتالي ما يجري من قتل وتدمير يعود لأسباب خارجية وتصفية حسابات بين أطراف خارجية على حساب الشعب العراقي. وأية دراسة لجنسيات المسؤولين عن القيام بالعمليات الانتحارية في العراق منذ عام 2003 تبين أنهم في الغالبية العظمى من خارج العراق، تربوا، تدربوا وتعلموا فنون القتل المجاني في أرض لم يعرفها العراقيون يوما ولم يكن لهم مصلحة فيها. فحتى 2 آب 2007، من بين 139 انتحاريا اعترف بهم تنظيم القاعدة في بلاد الرافدين، نجد من بينهم 18 عراقيا، 53 سعوديا، 8 قدموا من مسلمين في إيطاليا،8 سوريين، 7 كويتيين، 4 أردنيين، 3 ليبيين، 3 مصريين، 3 تونسيين،3 يمنيين، 3 أتراك، 2 من المسلمين المقيمين في بلجيكا، 2 من مسلمي فرنسا، 2 من مسلمي إسبانيا، 1 لبناني، 1 مغربي، 1 من مسلمي بريطانيا، 1 بنغالي، 1 سوداني. طبعا هناك 18 ممن نفذوا العمليات الانتحارية حتى التاريخ المذكور لم يتم التعرف على هويتهم.

سادسا ـ أسماء أهم قيادات القاعدة التي قُتِلَت أو ألقي القبض عليها بين أيار وأيلول في 2007 .  أ ـ المقتولون: ـ سعيد حمزة، الأمير العسكري لمنطقة الموصل، قُتل في الموصل. ـ عبد الجبار، ضابط اتصال، قتل في الموصل. ـ خالد سلطان، أمير الموصل الغربية، قتل في الموصل. ـ حسين عواد، مسؤول الاتصال مع المقاتلين في الخارج، قتل في بغداد الغربية. ـ أبو نعمان، ضابط اتصال، قتل في بغداد. ـ أبو عبد الرحمن المصري، الأمير الديني في منطقة الرضوانية، قتل فيها. ـ عثمان فاروق محمد عبد الحميد، في بغداد. ـ محمد يلماظ، ضابط اتصال مع الخارج، في بيجة. ـ محمد ريسيت إيسيك، في بيجة. ـ ميسم صالح البدري، أمير منطقة صلاح الدين، في صلاح الدين. ـ أحمد سنقر، ضابط اتصال مع الخارج، في بيجة. ـ صافي، أمير في الموصل، في الموصل.

ب ـ بعض الموقوفين. ـ عدنان علي جادو سلطان، أمير الموصل الشرقية، أوقف في الموصل. ـ عبد الرحيم سيّد، الأمير السابق للموصل الشرقية، في الموصل. ـ أبو جهاد إسماعيل جاسم، زعيم خلية، في الموصل. ـ محمد نور نايف محمد، مسؤول الاستعلامات في الموصل الشرقية، في الموصل. ـ إياد حميد عودة فندي، الأمير العسكري في منطقة هيت، في هيت. ـ راقي عبد الله السيّد، أمير هيت، في هيت. ـ خالد مشهداني، مسؤول كبير في القاعدة، أوقف في الموصل. ـ ليث كامل على صالح، مسؤول مالي، في البلد. ـ حسين علي احمد خلف، مسؤول عن شبكة إعلامية، في بغداد. ـ هادي تركي علي ندى، أمير مالي، في بغداد الغربية. ـ محمد عبد الكريم، أمير القاعدة في هيت، في الأنبار. 

سابعا ـ الخط البياني لعمليات القاعدة في بلاد الرافدين. بعد سقوط النظام العراقي في عام 2003، بدأن الخط البياني للعمليات التي تقوم بها الجماعات السلفية الجهادية، لاسيما تنظيم القاعدة في بلاد الرافدين، يتجه نحو الأعلى. نحاول هنا قراءة حركة هذا الخط كما يلي : 1ـ من حزيران 2003 إلى نيسان 2004: كان متوسط العمليات 22 عملية في اليوم. 2ـ من أيار 2004 إلى حزيران 2006: كان متوسط العمليات 70 عملية في اليوم. 3ـ من تموز 2006 إلى أيار 2007: كان متوسط العمليات 165 في اليوم.

أما العمليات الأكثر دموية وقتلا فكانت هي بدورها في لحظات وفترات زمنية محددة: ـ بعد صدور قانون اجتثاث البعث، أو من أيار 2003 إلى أيلول 2003، أيضا في الفترة التي ألقي فيها القبض على صدام حسين في كانون الأول 2003، بمعنى آخر أن هذه العمليات، يعتقد، أن البعثيين السابقين شاركوا فيها بقوة كبيرة. ـ بعد كل عملية كبيرة قامت بها قوات التحالف، أو بشكل أدق في نيسان 2004 [منطقة الفلوجة]، في حزيران 2004 [بغداد]، في آب 2004 [كربلاء]، تشرين الأول 2004 [السامراء]، في تشرين الثاني 2004 [الفلوجة والموصل]، في آذار 2006 [السامراء]، في حزيران 2006، آب 2006، حزيران وآب 2007 [بغداد ديالى] .

  ـ في كل مرحلة من مراحل تقدم العملية السياسية في العراق، حزيران 2004 [وهي فترة انتقال السلطة إلى “مجلس الحكم العراقي”]. كانون الثاني 2005 [انتخاب أول مجلس تشريعي عراقي والذي أراد وضع أول دستور جديد للبلاد]. نيسان 2005 [تعيين القيادات الجديدة للسلطة التنفيذية في العراق]. آب 2005 [تبني الحكومة العراقية مشروع الدستور العراقي]. كانون الأول 2005 [الانتخابات التشريعية الجديدة]، وكانون الأول 2006 [تشكيل برلمان عراقي جديد]. “انظر المرجع السابق”.

ـ وأخيرا، تصاعدت وتيرة العمليات بعد مقتل الزرقاوي في حزيران 2006، ومع كل احتفال ديني شيعي أو إحياء الشيعة لذكرى أحد رموزهم الدينية، والتي كانت تعرف عملية انتحارية في كل مرة. طبعا وفي العديد من العمليات الانتحارية أو غيرها، ورغم تبني جماعات مختلفة لهذه العمليات، إلاّ أنه من الصعب التأكد بشكل نهائي إن كان إسلاميون أو قوميون بعثيون وراء هذه العمليات، لكن يمكن القول إن الطرفين شاركا في هذا النوع من العمليات.

الحديث عن الخط البياني للعمليات المسلحة “السلفية الجهادية” أو من تيارات أخرى، يقودنا لمحاولة معرفة الأدوات والوسائل التي استخدمت في هذه العمليات. لقد تم استخدم الهجوم المسلح بشكل كبير، بمعنى أنه لم يتم الاستناد فقط على العمليات الانتحارية لتحقيق أهداف هذه الجماعات. ووفق Brookings Institution في تاريخ 19 آب 2007، فإن العمليات الانتحارية التي بدأت في العراق منذ شهر آذار 2003 شكّلت نسبة 35،1% من بين جميع أنواع الهجوم الأخرى . إذا قارنا هذه العمليات مع وسائل أخرى كانت السبب في قتل مدنيين أو عناصر من الجيش الأمريكي فإننا سنجد وسائل كان لها تأثير أكبر على الخسائر البشرية، لاسيما بين المدنيين وأهما: ـ الأدوات أو الأجهزة المصنعة يدويا: استعملت بحوالي 1468 مرة، وكانت السبب بقتل ما نسبته 39،6% من الخسائر البشرية. ـ أنواع أخرى من الهجوم: 1160 مرة، سببت 31،3% من الخسائر البشرية. ـ سيارات مفخخة: 132 مرة، 3،6% من الخسائر البشرية. [المرجع السابق].

ثامنا ـ وأخيرا… الأجيال الجديدة في القاعدة. من الطبيعي أن نطرح سؤالا حول قدرة القاعدة على إنتاج أجيال جديدة بشكل دائم ، فقد عرفنا جيلها الأول في أفغانستان عام 1980، وجيلها الثاني في العديد من البلدان العربية مع بداية التسعينات، فهل القاعدة في العراق هي من بقايا الجيل الثاني وإنتاج الجيل الثالث لتنظيم القاعدة وهل توفرت الظروف الموضوعية لإنتاج هذا الجيل؟ يبدو أن القاعدة في العراق هي استمرارية “للشيخين” أسامة بن لادن وأيمن الظواهري، “فالجهاد” الزرقاوي لا يمكن تصنيفه خارج المفاهيم الأساسية ” الجهادية” لتنظيم القاعدة الأم، كما أن الزرقاوي نفسه يشكّل جزءا من الجيل القديم لتنظيم القاعدة من حيث الزمن و [احترام] طرق العمل والأيديولوجية.

ولكن إذا نظرنا إلى الأسماء و الجنسيات  التي عرفها التنظيم في العراق فإن هذا يدعونا للقول بوجود جيل ثالث معظم أعضائه من الشباب الجدد القادمين من بلدان مختلفة.أيضا يمكن القول بصفات تميز هذا “الجيل الثالث” للتنظيم في العراق: فمن جهة، جذب التنظيم بشكل تدريجي عددا مهما من الشباب الباحث عن الصراع ضد الغرب “الصليبي” وفي نفس الوقت ضد الأنظمة السياسية القائمة في البلدان العربية؛ ومن جهة أخرى، القدرة على تصدير “قيادات” للعمليات وبشكل سريع على الصعيد الإقليمي والعالمي . من ناحية القدرة على تهديد أمن الدول “المعادية” أو الدول التي زُرِعت فيها القاعدة، فإن هذا التهديد ظل قويا وفعّال مع قدوم الجيل الثالث من التنظيم والذي بدأ كبرى معاركه الإيديولوجية والمسلحة في العراق.

فمن حيث المعاركة “المسلحة” رأينا الضربات الموجعة لهذا الجيل في إسبانيا وبريطانيا، ومن الجانب الأيديولوجي رأينا أن هذا الجيل يرفض القيود الجغرافية ويعمل في كل مكان فهناك عناصر للقاعدة في أغنى عواصم العالم وفي أفقرها أيضا. مع كل هذه الطموحات “الجغرافية” التي يبحث عنها الجيل الثالث من تنظيم القاعدة لابد من القول أن المستقبل الإستراتيجي لهذا التنظيم يتوقف على عاملين أساسيين: الأول،قدرة البلدان العربية التي تشكل بيئة خصبة لانتشار فكر القاعدة على تغيير المسار الخاطئ والمنغلق في ثقافتها، ثم رفع الوصاية الأبوية السياسية و الدينية عن شعوبها، لاسيما في البلدان التي مازال الدين فيها هو الركيزة الأساسية للمفاهيم الاجتماعية،الاقتصادية والسياسية؛ الثاني، ويتعلق بالسياسات العالمية [ضد الإرهاب] ومدى نجاحها في الحد من انتشار هذه الظاهرة التي تستند على العنف الكامل وإلغاء الآخر من الوجود، على الأقل في البلدان الغربية.  أما الخطوات الضرورية والفورية التي يجب العمل عليها لنزع وتفكيك القواعد الإيديولوجية لهذا النوع من التنظيمات، فهي متعددة وتبدأ بإيجاد حل نهائي للصراع الفلسطيني ـ الإسرائيلي، والذي لم تتوقف الدول الغربية في لحظة من اللحظات عن أن تكون طرفا في هذا النزاع ولكن لصالح الدولة العبرية؛ ولا تنتهي عند قيام مشروع ثقافي كبير في الدول العربية/الإسلامية يكون من أهم أهدافه نشر ثقافة التسامح وأن العالم بكليته هو أرض للجميع بمختلف أديانهم وانتماءاتهم، وليس هناك [مؤمن وكافر] بل هناك [حقوق وواجبات].

مراجع يمكن العودة إليها للتوسع في دراسة القاعدة تنظيميا وفكريا.

بالفرنسية:

1- Brisard Jean-Charles, Zarkaoui, le nouveau visage d’al-Qaida, Paris, Fayard, 2004.

2- Gervaise Delmas, Barah Mikaïl, « « Al-Qaïda en Mésopotamie, émergence d’une nouvelle génération au sein de l’organisation ? », l’IRIS, Paris 2006.

3- Filiu Jean-Pierre, Les frontières du jihad, Paris, Fayard, 2006.

4- Guidère Mathieu, Morgan Nicole, Le Manuel de recrutement d’Al-Qaïda, Paris, Seuil, 2007.

5- Kepel Gilles (présenté par), Al-Qaïda dans le texte, Paris, PUF/Proche-Orient, 2005.

6- Khosrokhavar Farhad, Quand Al-Qaïda parle : Témoignages derrière les barreaux, Paris, Grasset, 2006.

7- Marret Jean-Luc (S/s dir. De), Les fabriques du Jihad, Paris, PUF, 2005.

8- Spitaels Guy, La triple insurrection islamiste, Paris, Fayard/Luc Pire, 2005.

بالإنكليزية :

1-    Atwan Abdel Bari, The Secret History of al Qaeda, Berkeley, University of California Press,2006.   2- Bergen Peter L., The Osama bin Laden I Know : An Oral History of al-Qaeda’s   Leader, NewYork, Free Press, 2006

3- Chehab Zaki, Inside the Resistance : The Iraqi Insurgency and the Future of Middle East, New York, Nation Books, 2005

4- Hafez Mohammed M., Suicide Bombers in Iraq : The Strategy and Ideology of Martyrdom, Washington, United States Institute of Peace Press, 2007

5- Hashim Ahmed S., Insurgency and Counter-Insurgency in Iraq, New York, Cornell University Press, 2006

6- Napoleoni Loretta, Insurgent Iraq : Al Zarqawi and the New Generation, New York, Seven Stories Press, 2005

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد