“جارديان”: انتهت خلافة “داعش” ولم ينته فكر التنظيم.. فما المرحلة المقبلة؟

نيكولاس حنين | جارديان

بعد أربع سنوات من إعلانه عن “الخلافة”، ظهر زعيم “داعش” أبوبكر البغدادي مرة أخرى في شريط فيديو دعائي. هذه المرة، لم يظهر الرجل في الفيلم على أنه الخليفة الذي يبشر بعصر جديد من أعلى منبره، وإنما ظهر باعتباره هارب مطارد. سارع المعلقون إلى إعادة الربط والتذكير بأحدث الصور التي تم بثها للقيادي في تنظيم “القاعدة” أبومصعب الزرقاوي، قبل أسابيع قليلة من وفاته، حيث ظهر جالسًا على وسائد على الأرض في غرفة بلا نوافذ مع أضواء شاحبة، والسلاح على مقربة منه.

يعيش البغدادي في فقاعة أمنية صغيرة مليئة بالأنصار الذين لا يمكن التأكد من ولائهم لـ”البغدادي”. إنه يشبه الحيوان الهارب في بيئة معادية، ويعيش في خوف من أن يتلقى شخص ما الطعم -مكافأة قدرها 25 مليون دولار (19 مليون جنيه إسترليني) وعدت بها الولايات المتحدة للقبض عليه. ينفق “البغدادي” الآن الكثير من وقته وطاقته وموارده للتأكد من سلامته. إن بث أحدث مقطع فيديو له، حتى لو كان يوفر معلومات قليلة حول مكان وجوده، أو هوية من حوله، يمثل خطرًا اضطر إلى تحمله، فقد كان في أمس الحاجة إليه لتعبئة قواته. وبالنظر إلى أن استراتيجية “داعش” العسكرية الشاملة تبتعد عن أجزاء كبيرة من الحركة الجهادية العالمية، فقد ساهمت في انهيار ما يسمى بالخلافة وفي تحدي أنصار “البغدادي” له، ولم ينخرط هذا الفيديو في عرض الخلافات والانتقادات اللاهوتية التي مزقت “داعش” في السنوات الأخيرة.

إذا كان شريط الفيديو الأول لـ”البغدادي” قد قدمه على أنه واعظ قوي لجميع المسلمين في جميع أنحاء العالم، فإن أحدث فيديو ليس سوى دليل على وجوده على قيد الحياة، ولكنه ظهر كما لو أنه بات رهينة للتنظيم الذي أسسه. ولكن فيما عدا ذلك، فإن هذا الفيديو مهم وله قيمة نادرة، لأنه يوفر أدلة أخرى. مثلا، الهجمات الإرهابية التي وقعت الشهر الماضي في سريلانكا، على الرغم من ادعاء “داعش” مسؤوليته عنها، فإن التنظيم لم ينفذها وإنما ارتكبت ببساطة باسم التنظيم فقط، مع وجود رابط فضفاض بين المنفذين الحقيقيين وقيادة التنظيم المركزية. هل كان “البغدادي” قد صور هذا الفيديو في الفترة من 10 إلى 19 أبريل/نيسان، وفقًا لتقديرات أجهزة الاستخبارات، إذا كان قد علم أو حتى تخيل أن تنظيمه سينجح في ارتكاب الهجوم الأكثر دموية خارج المنطقة في 21 أبريل؟ خصوصا إذا علمنا أنه تم ذكر سريلانكا فقط في مقطع صوتي تمت إضافته بعد تصوير الفيديو.

هذا يؤكد الخسارة الواضحة لقدرة التنظيم على التخطيط لهجمات كبرى والقيادة عليها. ولكن، للأسف، لا تزال قدرته على إلهام الفظائع وتوفير التوجيه والتمويل والتكنولوجيا، والأهم من ذلك علامته التجارية، لها قوة كبيرة. قدرت الاستخبارات البريطانية مؤخرًا أن 80٪ من المؤامرات الإرهابية في المملكة المتحدة في العام الماضي كانت تتعلق بأفراد ليس لديهم اتصال بالقيادة المركزية في سوريا أو العراق.

إن المفارقة في هزيمة الخلافة هي أنه مع انهيارها، لم يتأثر تحول “داعش” إلى علامة تجارية عالمية. الآن بعد أن فقد أراضيه، تحول “داعش” أكثر من أي وقت مضى إلى بقية العالم. سعى الفيديو إلى التأكيد على الطبيعة الدولية للنضال، والمقاتلين الأجانب الذين لقوا حتفهم أثناء انهيار الخلافة. لم يعد الفوز هو الهدف الأسمى، وهو ما يذكرنا به “البغدادي” في آخر فيديو له: “أمرنا الله بقيادة الجهاد، وليس للفوز”. ومع سقوط الخلافة، فاز الغرب بوضوح في معركة واحدة حاسمة، لكنه لم يربح الحرب كلها بعد.

لا يزال “داعش” على قيد الحياة في عقول الناس، كما أن إنتاجه الدعائي، الذي تضاءل بشدة بسبب الخسائر في الموصل ثم الرقة، آخذ في الارتفاع مرة أخرى. بدأ التنظيم أعماله في مختلف المحافظات، تحت شعار العملية العالمية: “الانتقام من الشام”، وهي عملية تكلف عددًا متزايدًا من الأرواح.

الاحتجاجات الأخيرة في العالم العربي، مع سقوط الديكتاتوريين في الجزائر والسودان، ستكون حاسمة لمستقبل التنظيم الإرهابي: لقد كانت حركة ولدت من انهيار نظام صدام حسين في عام 2003 وتم إحياءها في ربيع عام 2011 العربي. لقد أعرب “البغدادي” عن رفضه لهذه الانتفاضات الشعبية الأخيرة، ومن المؤكد أن الحركة الإرهابية ستحاول اختطاف هذه الثورات، كما فعلت في 2011.

من الأهمية بمكان الآن، أن أحلام الدولة الإقليمية الفاضلة التي بنيت عليها “داعش” قد تلاشت، والتنظيم يعرف ذلك جيدا، ولذلك فإنه يسعى إلى توثيق تلك الأحلام من خلال مقاطع الفيديو الحديثة التي يدعو فيها الناس إلى مواصلة القتال من مخابئهم. يحتاج “داعش” إلى الحفاظ على الحنين إلى الخلافة، حتى حين سقط، ولذلك فإنه يجب علينا معالجة هذا وجها لوجه، حتى لا يكون بالإمكان أن يتأثر الجيل القادم، من سيناء إلى الصومال، ومن مالي إلى الفلبين، برحلة الحنين المتعصبة هذه وينتهي به المطاف في فخ “داعش”.

—–

*نيكولاس حنين: مؤلف كتاب “أكاديمية الجهاد: صعود الدولة الإسلامية”. قضى 10 أشهر كرهينة لدى تنظيم “داعش” الإرهابي.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد