“غارديان”: كيف تهدد احتجاجات الشوارع في الشرق الأوسط قوة إيران؟

الاحتجاجات في بغداد والشلل في بيروت ولهيب الاضطرابات في طهران. لقد كانت الأشهر القليلة سيئة بالنسبة لإيران في الداخل وفي أماكن أخرى في الشرق الأوسط، حيث يتعرض ما يزيد على عقد من التقدم إلى نوع من البطء والشلل، والسبب هنا ليس المناورة في ساحات القتال أو المجالس التشريعية، ولكن عن طريق قوه الحركات الاحتجاجية.

في أوائل الأسبوع الماضي، انقطعت إيران عن العالم إلى الظلام لمده أربعة أيام بإغلاق اتصالاتها بالإنترنت. وحتى بالنسبة للقيادة الاستبدادية للبلاد، كانت هذه خطوة جذرية إلى حد كبير. ولكن هذه هي المخاطر المطروحة بالنسبة لنظام يواجه بشكل متزايد العقبات عبر محاور نفوذه الشيعي. أما أولئك الذين يشيدون بصعود إيران، وكذلك أولئك الذين يخشونها، فإنهم يشعرون بأنها في حيرة بشأن كيفيه الرد والاستجابة لما يحدث.

إن رد الفعل علي الاحتجاجات المناهضة للحكومة التي لا هوادة فيها في العراق، والتي تعتبر مع لبنان أمرا أساسيا لتوقعات وتحركات السياسة الخارجية الايرانية، كان مبتذلا إلى حد ما حتى الآن ضمن قواعد اللعبة العامة، فقد قوبلت الأسابيع الاولي من الانتفاضة الشعبية بخطابات استرضاء من القادة العراقيين، وموقف سلبي من قوات الأمن، ولكن تغير كل ذلك في أواخر تشرين الأول/أكتوبر، ومنذ ذلك الحين، قتل أكثر من 300 وجرح الآلاف مع تغيير قادة العراق، الذين يخضعون لقرارات جنرالات إيران، مسارهم في التعامل مع الاحتجاجات.

لقد ذهبت أي فكرة للتسوية أدراج الرياح. وبدلا من ذلك، أصبح ضجيج الرصاص والقنابل اليدوية وصفارات الإنذار صوتا للمظاهرات في “بغداد” المطالبة بالإطاحة بالنظام السياسي برمته. وفي حين أن الاحتجاجات تستهدف القضايا المحلية، مثل الفساد الجامح لقادتها والافتقار واسع النطاق إلى الفرص للشباب، فإن سنوات ما بعد “صدام” شهدت ترسيخ إيران نفسها في جميع جوانب الحكم العراقي تقريبا. كما أن دور إيران كطاغية قد أثار غضب المحتجين، تماما كما هو الحال في لبنان، حيث إن أهم ذراع إيراني لتنفيذ سياستها الخارجية، هو “حزب الله” الذي يلعب دورا مهيمنا في شؤون البلاد.

منذ الغزو الذي قادته الولايات المتحدة الأمريكية الذي أطاح بالرئيس العراقي صدام حسين، وخاصة منذ انسحاب القوات الأمريكية من العراق في 2011، وطدت إيران نفسها بشكل منهجي في كلا البلدين. كما أن الحرب في سوريا أعطت مكاسبها الإقليمية المزيد من الزخم، كما فعلت الحرب ضد “داعش” التي سمحت لقواتها الوكيلة بمنحها موطئ قدم في سهول غرب العراق وشرق سوريا، لأنها ساعدت علي هزيمة الجماعة الإرهابية.

وفي الوقت الذي انهار فيه تنظيم “داعش” منذ أواخر 2015، أصبحت كل المنطقة منصة لمشروع إقليمي يسمح أخيرا لإيران بالوفاء بالطموحات التي طال أمدها لتعزيز وجودها علي ضفاف البحر الأبيض المتوسط والحدود الشمالية لإسرائيل. وقد استحوذت إيران علي مقر في ميناء اللاذقية السوري، ورسخت وضعها في هضبة الجولان السورية، وفتحت خط إمداد بري من طهران عبر أنقاض العراق وسوريا وما بعدها إلى لبنان.

على حد سواء، اعتبر الصديق والعدو تلك التطورات مكسبا استراتيجيا لا يقدر بثمن لتوقعات إيران تجاه إسرائيل ونفوذها في العالم العربي. ولم يكن الوكلاء في بغداد وبيروت خجولين في تعريف ما يعنيه الممر البري بالنسبة لطموحات إيران. وقال عضو بارز في ميليشيا “عصائب أهل الحق” العراقية، في أواخر آب/أغسطس: “لقد أرسي هذا الأمر وجودا تاريخيا للجمهورية الإسلامية على التراب العربي الذي سيغير مسار المنطقة.. الصهاينة يعرفون هذا، ويخافون منه”.

ويقول مسؤولو الاستخبارات الإقليمية وقاده المليشيات العراقية، إن الطريق البري نفسه هو خليط من الطرق علي طول الحدود العراقية/السورية، حيث لم يتم بعد تحديد طريق محدد. وقد ثبت أن الغارات الجوية الإسرائيلية في المنطقة لها تأثيرات معطلة، وكذلك الرحيل الفوضوي -ثم العودة- من جانب القوات الأمريكية، إضافة إلى الوجود الذي لا يزال مستعرا لعناصر تنظيم “داعش”. وعلي الرغم من ذلك، فإن الطرق المؤدية إلى “دمشق” والغرب إلى “بيروت” أو إلى الشمال الغربي إلى “اللاذقية” أقل إشكاليه. وقال مسؤول في “بغداد”: “سيكون من الصعب مراقبة المكان الذي تسير فيه الأمور من هناك”.

وعلي مدي السنوات الثماني الماضية، تصارع الدبلوماسيون الغربيون باستمرار مع ما يعنيه تفكك سوريا بالنسبة لإيران، وبالنسبة لـ”حزب الله” الذي لعب دورا بارزا في استقرار بشار الأسد منذ أوائل 2013. وبتوجيه من اللواء قاسم سليماني القيادي بالحرس الثوري الإيراني، إضافة إلى “حزب الله” والميليشيات الشيعية من العراق واليمن وأفغانستان وباكستان، تأرجحت الحرب لصالح “الأسد”، معززة بذلك قوس النفوذ الإيراني. وفي وقت سابق من هذا العام، امتلكت إيران يدا حاكمة في 4 عواصم خارج “طهران”، وكانت تبني المزيد من الزخم.

ولكن قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في وقت سابق من هذا العام بإلغاء الاتفاق النووي، وهي الصفقة الرئيسية التي ميزت السياسة الخارجية لإدارة باراك أوباما، وإعادة فرض عقوبات أشد صرامة علي “طهران”، كانت بمثابة لحظة جوهرية. وقد بلغ نظام العقوبات حد الحرب الاقتصادية التي كان الكثيرون في الشارع الإيراني يعارضونها باعتبارها ظلما خطيرا فرضه عدو متقلب لم يكن يريد القيام بأي تعاون أو علاقات إلا قبل عدة سنوات.

ومع أزمة الاقتصاد الإيراني الآن، ثار بعض الإيرانيين بسبب ارتفاع أسعار الوقود. ومع مصادر النفوذ المتوقع أن تسقط تحت الضغط في أماكن أخرى، يواجه القادة الإيرانيون حسابا، وربما ليس له أي مثيل في فتره ما بعد صدام. ولا تزال مكاسبها آمنة في الوقت الراهن.

وقال أحد الدبلوماسيين الغربيين: “أود أن أقول إن إيران استخدمت بلا شك الفوضى في سوريا لتعزيز سيطرتها علي الطرق الاستراتيجية المؤدية إلى لبنان”. وقد سمحت سوريا لإيران بإحراز تقدم هائل من حيث نقل القدرات العسكرية، وبالنسبة لـ”حزب الله”، أصبحت سوريا مخزن نوعا ما من وراء الكواليس للمعدات العسكرية الحساسة.

وقال السير جون جنكينز، أحد أقدم السفراء الإقليميين في بريطانيا الذين قادوا بعثات في بغداد والرياض ودمشق والقدس الشرقية: “كان هناك وقت كانت فيه الذرائع الإيرانية تتحجج بالدفاع عن المظلومين وتعاقب الفاسدين علي نطاق واسع في المنطقة. ولكن ما تبقى هو مجرد صدى بعيد، يتلاشى -كما حذر العديد من علماء الشيعة من حدوث ذلك. إننا نرى العواقب في ردود أفعال المحتجين الشيعة العراقيين واللبنانيين والإيرانيين الذين سئموا من التلاعب بهم ويريدون حياة أفضل الآن ليس في بعض الجنة الخمينية”.

ولا يمكن لإيران أن تفرض إرادتها الآن إلا بالعنف واسع النطاق. وهذا قد يؤتي ثمارا في الوقت الراهن، فقد قام النظام ببناء نظام متشابك من “الحرس الثوري”، لكن مجتمع المؤمنين الحقيقيين بالنظام يتقلص. مجرد إلقاء نظرة على الاحتفال الديني داخل إيران يثبت أن ذلك النظام انهار، وأي سلطة أخلاقية حقيقية قد تكون لدى الثورة الإيرانية ذات مرة فى يوم ما، قد ولت.

ويقول “جنكينز”: “كانت سوريا نقطه تحول هائلة. العراق الآن نقطة تحول أخرى. وقد بدأنا نري المحتجين يتحدثون مع بعضهم البعض عبر الحدود الوطنية. إنها عملية تآكل. ربما يكون المؤمنون الحقيقيون الآخرون هم من هم على اليسار الأوروبي الذين يعتقدون أن إيران هي حصن ضد الاستعمار الجديد الليبرالي الجديد في الولايات المتحدة. وهذا يفسر كل شيء. لقد أصبحت إيران أكثر تطبيعا -مجرد دوله قمعية أخرى في الشرق الأوسط تحكمها النخب الجشعة التي تخدم نفسها، والتي لا يمكنها حتى أن تتخيل ناهيك عن أن تؤيد أو تتفهم ما يعنيه التطور السياسي السلمي الذي سيبدو عليه الأمر”.

وفي لبنان، حيث الحركة العابرة للطائفية قد انطلقت إلى الشوارع مع انهيار اقتصاد البلاد حولها، فإن الرواية التي تؤيدها الحكومة ورعاتها في الخارج بشأن دعمهم لتطلعات هؤلاء المتظاهرين، قد انهارت. وفي ظل الضغوط الشديدة أيضا، فإن النظام السياسي الذي حافظ علي دولة ضعيفة، يتعرض الآن لعدم الدفاع عنه. وفي بيروت وبغداد، يبدو أن المحتجين تجاوزوا نقطه اللاعودة؛ لديهم الكثير ليخسروه بترك الشوارع أكثر مما سيخسروه إذا بقوا هناك دون تحرك. وقال الدبلوماسي الغربي: “هذا شيء لم تواجهه إيران من قبل. ستحدد كيفيه استجابتها ما إذا كانت إنجازاتها باقية أم تتلاشى”.

—–

للاطلاع على النص الأصلي باللغة الإنجليزية.. اضغط هناترجمة: أمنية زهران

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد