إيران.. سيرة جديد لـ «كأس السم»

محمد سيد رصاص

فوجىء رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتانياهو في لقائه مع الرئيس الأميركي دونالد ترامب في 7 أبريل/نيسان الماضي عندما أخبره الأخير بقراره بدء مفاوضات مع إيران حول برنامجها النووي في يوم السبت التالي. في خطاب نتانياهو الأخير، بعد ساعات من بدء ضربة 13 يونيو/حزيران الإسرائيلية، كشف أنه كان مقرراً تنفيذ الضربة في نهاية أبريل/نيسان، وهو ما كشفته صحيفة «نيويورك تايمز» بعدد 16 أبريل/نيسان من أنه كان مقرراً باشتراك أميركي مع إسرائيل. وبعد الضربة الإسرائيلية، تحدث ترامب عن علمه المسبق بها. ورغم حديث أوساط أميركية عن مهلة ستون يوماً لاستجابة طهران للطلبات الأميركية، وهو ما يتوافق مع المسافة الزمنية بين بدء المفاوضات والضربة، فإن ترامب ( ويبدو بالتوافق مع منطق التفاوض بعد النار) قام بدعوة طهران لطاولة المفاوضات لاستكشاف مدى ليونتها بعد الوضع الجديد.

رغم ذلك، فإن يوم 13 يونيو/حزيران يحوي الكثير من الألغاز، مادام يوم 7 أبريل/نيسان تم حل لغزه في عدد «نيويورك تايمز» المذكور عندما تم الكشف عن أن الاحجام الأميركي عن خطة ضرب إيران حصل بعد «تأكيد تولسي كابارد، مديرة المخابرات الوطنية الأميركية، أن الضربة المخططة.. التي سيكون لواشنطن دور مركزي فيها.. من الممكن أن تشعل صراعاً واسعاً مع إيران لاتريده الولايات المتحدة».

فما الذي تغير بعد شهرين؟

يمكن أن يكون الجواب في خطاب نتانياهو الأخير عندما قال إن «إيران بالسنوات الماضية طورت يورانيوم مخصب كافِ لصنع تسع قنابل نووية. وفي الأشهر الأخيرة، قامت بخطوات غير مسبوقة نحو عسكرة هذا اليورانيوم المخصب، وإن لم نوقفها فهي ستنتج سلاحاً نووياً في وقت قريب جداً، بأقل من عام».

على الأرجح أن هذا يفك لغز الضربة قبل أيام بما فيه إصرار نتانياهو على تنفيذها، وسماح واشنطن له بذلك، لكي لا تفاجىء إسرائيل بأن أحاديتها النووية الشرق أوسطية كسرت بذات يوم، كما حصل للهند من قبل باكستان في 1998، أو كما تفاجأت واشنطن بالتجربة النووية الكورية الشمالية في 2006.

ولكن هذا أيضاً، إذا أخذنا كلام نتانياهو بعين الاعتبار، يدل على أن اتجاه إيران نحو القفز من العتبة النووية نحو القنبلة سببه إحساسها بالضعف الاستراتيجي بعد خسارة ذراعيها في غزة ولبنان لحربي ما بعد يوم 7 أكتوبر/تشرين الأول، وبعد سقوط نظام حليفها بشار الأسد. وأن تحولها إلى قوة نووية يعوضها عن ذلك، بعد أن كانت قوتها في الأذرع وليس في الرأس. ويبدو أن اتجاه خامنئي لقبول التفاوض كان من أجل كسب الوقت. وعلى الأرجح، أن سياسة ترامب الجديدة، التي لوح بها عن أن البديل للاتفاق النووي هو الحرب، ناتجة عن ما كشفه نتانياهو. فحينما انسحب من الاتفاق النووي مع ايران عام 2018 اتبع سياسة الخنق الاقتصادي فحسب.

يعيدنا كل ماسبق إلى يوم وصول خميني للسلطة في فبراير/شباط 1979، وكيف قاد الثورة الإيرانية من باريس، وكيف منعت واشنطن العسكر الإيرانيين من تكرار تجربة الجنرال زاهدي عام 1953 عندما ضربت تجربة رئيس الوزراء محمد مصدق المدعوم من حزب توده الشيوعي عبر انقلاب عسكري بإشراف وكالة المخابرات المركزية الأميركية فأعادت الشاه للسلطة. ويبدو، في لحظة من المد السوفياتي في إثيوبيا وافغانستان، أن الرئيس الأميركي حينها جيمي كارتر ومستشاره للأمن القومي زبيغنيو بريجنسكي وهو من أصل بولندي وخبير بالتجربة الشيوعية ومتزوج من قريبة رئيس تشيكوسلوفاكي أطاح به الشيوعيون عام 1948، فكرا في استخدام رجل الدين الإيراني ضد الكرملين، كما كانا يفكران وقتها في استخدام الحركة الإسلامية الأصولية السنية العالمية في أفغانستان ضد الحكام الشيوعيين الذين وصلوا للسلطة عبر انقلاب عسكري عام 1978بتخطيط من موسكو.

ولكن خميني سرعان ما خرج عن المخطط الأميركي في نهاية ذلك العام عبر احتلال السفارة الأميركية في طهران. وحتى عندما سمحت الولايات المتحدة بتزويد إيران بالسلاح في الحرب مع العراق عبر ما كشف عنه في
«إيران غيت»، وبمشاركة إسرائيلية، فإن طهران ظلت متصادمة مع واشنطن. واستمر ذلك في عهد خليفته خامنئي منذ 1989. وعندما حصلت توافقات إيرانية- أميركية في أفغانستان ضد حركة طالبان في 2001 وفي العراق ضد صدام حسين في 2003، فإن طهران استخدمت مكاسبها الإقليمية من أجل المضي في مشاريع التمدد في لبنان وفلسطين واليمن وفي تتبيع الحكام العراقيين الجدد ووضع بشار الأسد تحت هيمنتها. وهو ما ترافق مع برنامج تخصيب اليورانيوم الذي أخذت، مقابل تحديد سقوفه من باراك أوباما في اتفاق 2015، غض البصر الأميركي عن تمددها في الإقليم.

إذا راقبنا السياسة الأميركية تجاه طهران، نجد أن ترامب هو الوحيد الذي تصادم معها في القرن الواحد والعشرون، بينما أرضاها بوش الابن وأوباما ومن بعدهما جو بايدن. ويبدو أن 2025 هو عام الطلاق الأميركي-الإيراني، أو عام التصادم، إلا إذا قرأ خامنئي الوقائع الجديدة على الأرض و«تجرع كأس السم» كما فعل خميني عندما قبل بوقف الحرب مع العراق عام 1988، وكما فعل جمال عبدالناصر حينها قبل بالقرار 242 بعد أشهر من هزيمة 1967، فكانت تمهيداً لخليفته أنور السادات بتوقيع اتفاق كامب دافيد بعد الهزيمة العسكرية الثانية في حرب 1973. والأرجح أن الأوضاع ستقود خامنئي طائعاً أو رغماً عنه، أو لربما ما بعد عهد خامنئي، إلى سادات أو غورباتشوف إيراني، في ظل مجابهة ما بعد 13 يونيو/حزيران التي تبدو طهران من خلالها ضعيفة وفي حالة غير متكافئة مع إسرائيل، ومن خلفها واشنطن.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد