فريد زكريا
أبدى كثيرون أملهم من الانتخابات العامة الأخيرة في تركيا، متوقعين فوزاً حاسماً للمعارضة يكون عكس الاتجاه العالمي نحو الديمقراطية غير الليبرالية. لكن كنا جميعاً متوهمين. ما حدث في تركيا في نهاية الأسبوع الماضي يسلط الضوء على أحدث الاتجاهات وأكثرها إثارة للقلق في صعود الديمقراطية غير الليبرالية. في حين أن الرئيس الحالي رجب طيب أردوغان لم يتمكن من إعادة انتخابه بشكل كامل، إلا أن النتائج كانت نوعاً من الانتصار بالنسبة إليه.
على الرغم من أن تركيا تعاني أزمة اقتصادية متزامنة مع ارتفاع معدلات التضخم وآثار زلزال مدمر ضرب البلاد كان أداء الحكومة فيه سيئاً، إلا أن أردوغان حصل على أصوات أكثر مما توقعته استطلاعات الرأي وخرج متقدماً على خصمه الرئيسي.
لكن يجب النظر إلى خلفية هذه الانتخابات، إذ كان أردوغان في مواجهة كمال كيليجدار أوغلو، مرشح المعارضة، وهو شخص بيروقراطي لا يتمتع الكاريزما أو الفصاحة إلا أنه لم يكن للمعارضة أي بديل. أزاح أردوغان من أمامه ربما أقوى منافس له، أكرم إمام أوغلو، وهو سياسي من الحزب الجمهوري يتمتع بكاريزما قوية وحقق إنجازات عديدة. في عام 2019، فاز إمام أوغلو بسهولة في انتخابات عمدة إسطنبول، وهو منصب محوري كان طريق أردوغان للوصول إلى السلطة.
ادعى حزب أردوغان حدوث تزوير فنظمت جولة جديدة من التصويت، لكنن فاز إمام أوغلو في الانتخابات الثانية بهامش أكبر. اتُهم إمام أوغلو بعد ذلك بإهانة المسؤولين الحكوميين بشأن ما حصل وحوكم أمام هيئة قضائية وُصفت على نطاق واسع بأنها مليئة بالموالين للحزب الحاكم. في ديسمبر/كانون الأول الماضي، منعت محكمة إمام أوغلو من ممارسة السياسة وحكمت عليه بالسجن لما يقرب من ثلاث سنوات و مُنع إمام أوغلو من الترشح للرئاسة.
دائماً ما تكون الظروف في تركيا لصالح أردوغان، في وقت يسيطر الأخير على مؤسسات الدولة ويصرف أموالها على مؤيديه لكي يعيدوا انتخابه. كذلك، فإن وسائل الإعلام في البلاد موالية للحكومة بشكل لا مثيل له، فيما تم شراء معظم المؤسسات الإعلامية الرئيسية من قبل رجال أعمال يدعمون أردوغان. ووجدت المجموعة التجارية الأكبر التي حافظت على مسافة من الرئيس نفسها في ظروف غامضة تواجه تهماً تتعلق بالاحتيال الضريبي وفي النهاية باعت محفظتها الإعلامية إلى شخص مؤيد للحكومة. يشيد التلفزيون الحكومي، المصدر الرئيسي للأخبار المذاعة في البلاد، بإنجازات أردوغان وحزبه ويعلن عن خطط الحكومة. في أبريل/نيسان، أمضى التلفزيون الحكومي 32 ساعة في تغطية نشاطات أردوغان مقابل 32 دقيقة لخصمه. من بين جميع الدول الديمقراطية، تركيا من أكثر الدول التي تسجن الصحافيين. يوجد أكثر من 30 ألف قضية بجريمة إهانة الرئيس.
تسيطر حكومة أردوغان على مؤسسات عديدة بما في ذلك المحاكم والهيئة التي تدير الانتخابات. وإذا اتضح أن انتخابات الإعادة في 28 مايو/أيار متقاربة وأصبح مرشح المعارضة في الطليعة، يمكنكم التأكد من أن أردوغان سيستأنف النتيجة قضائياً وأن سلطات الانتخابات ستحكم لصالحه، تماماً كما في قضية رئيس بلدية اسطنبول، في حين تواجه المنظمات غير الحكومية تحقيقات قضائية صارمة، ما يحد من قدرتها على العمل.
في السياق ذاته، أقرت الحكومة قوانين تمنحها سيطرة كاملة على وسائل التواصل الاجتماعي. وخلال عطلة نهاية الأسبوع، طلبت من موقع تويتر حظر حسابات نحو اثني عشر من المعارضة. وأيضاً، عندما واجهت الحكومة انتقادات شديدة على وسائل التواصل الاجتماعي بعد الزلزال بسبب سوء تعاملها مع الكارثة قامت ببساطة بحجب الموقع لفترة من الوقت.
هذا هو الإبداع المقبل في الديمقراطية غير الليبرالية: يستخدم الرؤساء ورؤساء الوزراء المنتخبون أغلبيتهم لتمرير القوانين التي تمنحهم مزايا هيكلية طويلة الأمد على خصومهم. يستخدمون الأموال الحكومية لتقديم الدعم لمؤيديهم ويرفعون قضايا ضريبية وتنظيمية بحق مجموعات إعلامية مستقلة ويحققون مع الصحافيين والمنظمات غير الحكومية ويعيدون تشكيل الهيئات والمحاكم المستقلة لتصبح متوافقة مع الحزب الحاكم. ثم بعد كل ذلك يجرون انتخابات «حرة».
تبدو تكتيكات أردوغان مألوفةً في العديد من الدول حول العالم. بالنظر إلى الهند، التي كانت ذات يوم معقلاً لوسائل الإعلام المستقلة، انخفض ترتيبها اليوم إلى المركز 161 في مؤشر حرية الصحافة العالمي الصادر عن منظمة مراسلون بلا حدود.
كذلك المجر، حيث تسيطر الحكومة والشركات الموالية لها على جميع وسائل الإعلام في البلاد تقريباً وأصبحت الهيئة المشرفة على القضاء فعلياً ذراعاً للحزب الحاكم، ما أثار حفيظة الاتحاد الأوروبي. في المكسيك أيضاً، حاول الرئيس تشكيل سلطة انتخابية مستقلة في البلاد.
عندما يتم إجراء انتخابات في هذه الظروف، ويقول المراقبون الدوليون إن الأصوات تم الإدلاء بها وفرزها بشكل صحيح، ثم يشهدون على أن هذه الانتخابات تنافسية بشكل حقيقي، فإنهم يلحقون الضرر بالعالم. نحن بحاجة إلى مفردات جديدة لوصف هذه الظاهرة.
هل هذه الانتخابات حرة؟ نعم من الناحية الفنية، لكنها أيضاً غير عادلة.
المصدر:واشنطن بوست