مبادرة الإدارة الذاتية: إنهاء الأزمة وخلق وتوحيد سوريا الديمقراطية

طارق حمو

في غمرة حملة التشويه التي تقوم بها أطراف في المعارضة السورية التابعة لتركيا (بالتوازي والتناغم إيديولوجياً وسياسياً وسلوكياً مع أطراف تابعة للنظام في دمشق)، والتي تطال المبادرة المتقدمة التي أصدرتها الإدارة الذاتية الديمقراطية لشمال وشرق سويا الشهر الماضي بشأن حل الأزمة السورية، إذ تذهب إلى اتهامها بأنها «التفافة على الأحداث» و«رد فعل على الاحتضان العربي لنظام بشار الأسد»، أعلن بدران جيا كرد، الرئيس المشارك لدائرة العلاقات الخارجية في الإدارة الذاتية، عن مبادرة جديدة عمليّة وجادة مفادها استعداد الإدارة استقبال اللاجئين السوريين الراغبين في مغادرة لبنان والتوجه للعيش في مناطق الإدارة الذاتية.
الخطوة الجديدة تصب في خانة مساعي الإدارة الذاتية النابعة من فهم وتشخيص عميقين لواقع حال السوريين والرامية لإنهاء الأزمة عبر القيام بخطوات عملية وحقيقية على الأرض بالعمل والتضحية واستناداً على إمكانات ومقدرات السوريين في الداخل، بعيداً عن التبعية للأطراف الاقليمية والدولية المؤثرة والمسيّرة للأزمة السورية. هاتان المبادرتان: مبادرة حل الأزمة السورية، ومبادرة استعداد الإدارة الذاتية لاستقبال اللاجئين السوريين من لبنان، تدعوان السوريين إلى الحوار الوطني لتحقيق الحل والمصالحة، والأطراف الدولية الضامنة إلى المساعدة وتقديم العون والغطاء الشرعي الدولي.
إن إعلان الإدارة الذاتية الديمقراطية استعدادها احتضان كافة أطراف الصراع، بعد تأكيدها على الثوابت الوطنية في وحدة البلاد وتقسيم الثروات وإخراج القوى والمنظمات التي تحتل الأرض السورية، إنما يعني تفعيل الإدارة كل قدراتها وإمكانياتها لصالح الشعب والوطن السوريين، ووضع كل مكتسباتها في خدمة الحل السياسي الذي يٌنهي الأزمة ويجمع السوريين على مشترك وطني من دون الاضطرار إلى مواصلة سياسة الارتهان وتقديم التنازلات لهذا الطرف أو ذلك، على أمل تحقيق «تقدم» أو «تحسين موقف» على رقعة الأزمة السورية. موقف الإدارة الذاتية، كقوة سوريّة وطنية حافظت على الأرض والانسان، موقف مسؤول ويعي حجم المشكلة وتبعات التصدر لدعوة الفرقاء للحوار الوطني. هو موقف يفهم المخاطر وردود الفعل من القوى المستفيدة من دوام الأزمة التي ترى مكتسباتها ـ بل وديمومتها ـ في إطالة عمر الحرب واستمرار نزيف الدم السوري.
بنود المبادرة الأولى والثانية منشورة ومعروفة، وتاريخ الإدارة الذاتية في الحفاظ على الجغرافيا السورية وتعزيز التعاون والتقبل بين المكونات السورية المحلية واحتضان السوريين المهجرين من الداخل، ورفض التحول لبيدق وأداة في الحرب ومحاربتها للتنظيمات الإرهابية وعلى رأسها تنظيم داعش وإلحاق الهزيمة بها، معلوم أيضاً. لذلك، ثمة حاجة لقراءة اخرى للفعل والأثر الذي ستتركه المبادرتين، وما ينبغي عمله سوريّاً (من جهة المعارضة والنظام في دمشق)، بغية ترجمة هذه البنود إلى حراك وحوار وطني منطلق، تمهيداً لمباحثات حل الأزمة السورية:

أولاً: القوى والأحزاب والجمعيات والشخصيات السورية الديمقراطية والثورية الحقيقية التي تتمسك بثوابت الحراك السوري الأول وترفض الاحتلال التركي وارتهان قوى سياسية وأخرى عسكرية سوريّة لتركيا، مدعوة إلى تبني هذه المبادرة الوطنية والتوجه إلى مناطق الإدارة الذاتية للمشاركة في تحضيرات الحوار الوطني. لا سيما إن هذه القوى تقدم رؤية وقراءة وطنية للأزمة السورية، ولم تتأثر بالدعاية التركية ولا دعاية النظام في دمشق ضد الإدارة، وتعي بأن هذه الإدارة سوريّة وطنية ولا أجندة لها تخرج عن الصف الوطني. وهي، وبعد 12 عاماً من عمر الأزمة والقتال العبثي، إذ تشعر أنها أقصيت من المشهد وانعزلت لرفضها التمحور وبيع الثواب الوطنية. فهي الآن ليست وحيدة، بل لديها منطقة وسُلطة سوريّة وطنية ثورية، وها هي تفتح أحضانها لها.
ثانياً: ظهر بأن علاقات الإدارة الذاتية الديمقراطية لشمال شرق سوريا وقوات سوريا الديمقراطية مع دول التحالف الدولي لمحاربة الإرهاب، وعلى رأسها الولايات المتحدة، علاقات طبيعية شفافة، المستفيد منها هم سكان مناطق الإدارة الذاتية الذين قبلوا المساعدة الدولية في حربهم ضد تنظيم داعش. وهي علاقات ساهمت في الحفاظ على الجغرافيا السورية من توغل الإرهاب العابر للحدود، وحمت أرواح الملايين من أهل هذه الجغرافيا. والحال، بأن هذه العلاقات ليست مفروضة، ولا تتضمن أي نوع من الارتهان أوالتبعية. والدليل هو المواقف السياسية الوطنية الحرة للإدارة الذاتية والمبادرات التي تطرحها وتنبع من موقف وطني مستقل يتوخى مصالح السوريين وسلامة الوطن السوري.
ثالثاً: المبادرة تدعو إلى دور عربي أكثر حضوراً وفاعلية، وتطالب بتحرك وإجماع عربي لجمع السوريين كلهم، معارضات ونظام، على طاولة الحوار والتفاوض بغية حل الأزمة وتحديد معالم الدولة السورية المقبلة.
رابعاً: المبادرة جاءت في وقت تشهد المنطقة تغييرات وأحداث كبيرة. فهناك الانتخابات البرلمانية والرئاسية في تركيا، والتي قد تسفر، بحسب أغلب الاستطلاعات، عن خسارة الرئيس التركي رجب طيب وأردوغان وحزبه للسلطة وتسلم المعارضة (المدعومة من حزب الشعوب الديمقراطي) الحكم. وهو ما يعني التخلص من تركة أردوغان وإرثه التخريبي في سوريا، وتصدع هياكل القوى السياسية والعسكرية التي بناها ودعمها، وظهور موقف تركي جديد مغاير تماماً حيال الأزمة السورية. هذا عدا عن الاتفاق الإيراني ــ السعودي، الذي يرمي إلى تخفيض حدة التوتر بين البلدين وتهدئة جبهات الحرب بالوكالة في العديد من دول المنطقة، فضلاً عن القصف الجوي الاسرائيلي المتكرر لمواقع ايرانية في سوريا، وهو الأمر الذي يعني بأن قوات النظام وميليشيات حلفاءه الإيرانيين مكشوفة وواقعة تحت نيران الدولة العبرية، وأن المخططات في التمدد وفتح جبهات أخرى ليست سهلة التنفيذ.
خامساً: ظهور تأكيد أميركي على عدم مغادرة مناطق الإدارة الذاتية، بل استمرار التعاون مع قوات سوريا الديمقراطية بغية مواصلة الحرب المشتركة على الإرهاب، وبشكل خاص على تنظيم داعش الذي يحاول لملمة صفوفه وإحياء خلاياه.
مبادرة حل الأزمة السورية ومبادرة إعلان الاستعداد لاستقبال اللاجئين السوريين في لبنان، موقف وطني صادر من جهة سوريّة تدير قسماً من الوطن السوري وتدعو إلى حل داخلي للأزمة السورية وتوحيد مناطق البلاد تحت سلطة منتخبة وطنية لا مركزية تعترف بهوية وخصوصية كل المكونات السورية ويشارك فيها ويديرها كل السوريين. هي مبادرة من جهة نأت بنفسها عن الحرب الطائفية ورفضت المحاور ولم تقبل بالفرز الطائفي والعرقي، بل تبنت مبادئ إخوة الشعوب والأمة الديمقراطية، فحمت الانسان ورعته وقدمت منطقة جغرافية يستطيع فيها كل السوريين، وبمختلف انتمائاتهم العرقية والدينية والمذهبية والفكرية والسياسية، العيش بحرية وكرامة من دون تهديد أو اقصاء. هي مبادرة من جهة وطنية دافعت عن وحدة تراب سوريا في مواجهة الإرهاب العابر للحدود والمدعوم من أعداء الوطن السوري والطامعين في جغرافيته، وقدمت لدحره 11 ألف شهيد من أبناءها العرب والكرد والسريان والأرمن وبقية المكونات، ممن سقطوا وهم يحاربون في خندق واحد، دفاعاً عن أهلهم وأرضهم: عن كنائس الخابور وقرى البادية العربية ومزارات الكرد الإيزيديين.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد