بلال صعب
انتشرت أنباءٌ في الآونة الأخيرة بشأن مساعٍ أميركية لإعلان علاقاتٍ رسمية بين السعودية وإسرائيل. والآن بعد أن أوضح ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان ما يريده من واشنطن مقابل تطبيع العلاقات مع تل أبيب، وخاصةً الضمانات الأمنية الأميركية، يطرح السؤال التالي نفسه: هل يجب على الولايات المتحدة قبول الثمن الذي تفرضه المملكة مقابل التطبيع؟
تبدو أن المقايضة التي تطلبها المملكة غريبة، إذ تطلب الرياض من واشنطن الالتزام رسمياً بأمن السعودية، وهو أمرٌ تفعله الولايات المتحدة فقط مع حلفائها، بما في ذلك أعضاء حلف الناتو، كتعويضٍ عن تطبيعها مع إسرائيل. الغريب في الأمر أن الرياض تطلب شيئاً من واشنطن مقابل شيء تفلعه لحليف الأخيرة وليس لواشنطن بشكلٍ مباشر.
يحاول المسؤولون في الرياض الاستفادة من عمق علاقة الولايات المتحدة بإسرائيل، في وقتٍ أظهرت التجارب من الدول العربية الصديقة للولايات المتحدة أنها إذا أقامت علاقاتٍ مع إسرائيل، يمكنها حينها الحصول على تعويضٍ من واشنطن. لا تبحث السعودية عن مساعدةٍ مالية من الولايات المتحدة، بل تريد الحماية الأمنية والعسكرية خوفاً من التهديد الإيراني.
تعتمد استراتيجية محمد بن سلمان الأمنية على شقين. الأول: موازنة العلاقات بين بكين وواشنطن لتطوير دفاعاتٍ أقوى ضد إيران، بدلاً من الاختيار بينهما. وسيختبر بن سلمان ما إذا كانت الصين، التي توسطت في تقاربٍ سعودي-إيراني الأسبوع الماضي، قادرة على كبح جماح إيران، في خطوةٍ ذكية، كون بكين تتمتع بنفوذٍ لدى طهران، بالنظر إلى اعتماد الأخيرة على الاستثمارات الاقتصادية للأولى وشراء النفط الإيراني.
أما الشق الثاني فهو: يعلم بن سلمان جيداً أنه ليس لدى بكين القدرة أو الرغبة في ردع أو معاقبة إيران إذا تخلت عن وعودها واستأنفت استفزازاتها ضد المملكة، سواءً بشكلٍ مباشر أو من خلال حلفائها في اليمن والعراق. وبالتالي، فإن المرحلة الثانية من الاستراتيجية السعودية تتبلور في اتفاقيةٍ دفاعية مع واشنطن.
ولكن بقدر ما تهتم الولايات المتحدة بإسرائيل، على الرغم من أنها أقل اهتماماً من قبل بسبب الابتعاد عن الديمقراطية جرّاء سياسات رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو، يجب أن تعود الاتفاقية مع السعودية بالنفع أولاً وقبل كل شيء على المصالح الوطنية للولايات المتحدة وليس مصالح إسرائيل.
من الواضح أن السعودية قوة إقليمية صاعدة ستلعب دوراً متزايد الأهمية ليس فقط في الشرق الأوسط فحسب بل في أسواق الطاقة العالمية والجغرافيا السياسية. تستفيد واشنطن من التحالف مع قوةٍ بهذا القدر الكبير من النفوذ و الموارد والثروات في حين تتطلع السعودية إلى الولايات المتحدة لتزويدها بالأمن لأنه من دونه لا يستطيع ولي العهد متابعة خطته الكبرى للتحول الاجتماعي والاقتصادي وتحقيق رؤية المملكة لعام 2030 التي يتطلع إليها. من المنطقي أنه لا يمكن لأي دولةٍ أن تعمل على إصلاحاتٍ جذرية في البلاد وجذب الاستثمار الأجنبي إذا تعرضت للقصف بالصواريخ وهجمات الطائرات من دون طيارٍ، كما كان الحال في المملكة عندما تعرضت لهجماتٍ من قبل الحوثيين، حلفاء إيران.
لكن على الرغم من الأهمية الاستراتيجية للعلاقة مع السعودية، إلا إن الولايات المتحدة غير قادرة على ترقية العلاقات الأمنية إلى تحالفٍ كامل لأن لا إجماع سياسياً في واشنطن على العلاقات الثنائية التي لا تزال قضية سياسية مثيرة للجدل في الولايات المتحدة. يتطلب التحالف الكامل مع أي دولةٍ أجنبية تصديق ومشورة وموافقة مجلس الشيوخ الأميركي، وهو أمرٌ غير مرجّح الحدوث. وعلى الرغم من ذلك، فإن الحجة الاستراتيجية لاتفاق دفاعٍ رسمي مع السعودية ضعيفة.
لا تستطيع الولايات المتحدة إنشاء تحالفٍ مع السعودية أو أي دولةٍ أخرى في الشرق الأوسط (باستثناء تركيا العضو في حلف الناتو) وتخصيص المزيد من الموارد العسكرية للمنطقة في وقتٍ تركّز على منع الصين من أن تصبح قوةً مهيمنة في آسيا. سيكون ذلك غير صائبٍ من الناحية الإستراتيجية وغير متوافقٍ مع أولويات السياسة الخارجية الجديدة للولايات المتحدة.
لكن لا يبدو ذلك معضلةً لا يمكن التفاهم عليها مع واشنطن. في الواقع، لا ينبغي للرياض أن تشترط أموراً غير قابلةٍ للتطبيق عملياً تشكّل تحدياً استراتيجياً لواشنطن. إذا كانت النية هي تحسين دفاعات المملكة ضد إيران، فهناك طرقٌ أخرى لتحقيق هذا الهدف.
لا تحتاج الرياض لاتفاقية دفاعٍ مع واشنطن. ما تحتاجه فعلياً نهجٌ أكثر فاعلية وتنسيقاً من الناحية الأمنية والدفاعية يمكن بناؤه من خلال العمل مع واشنطن عبر إعادة هيكلة دفاع المملكة وإجراء تخطيط طوارئٍ مشترك بين الولايات المتحدة والسعودية والاستثمار في جميع القطاعات التي تخدم هذا النهج، بما يتجاوز المعدات والأسلحة العسكرية.
لا تنخرط الولايات المتحدة، على عكس المفاهيم الخاطئة الشائعة، في تحالفٍ مع إسرائيل. ومع ذلك، فإن الشراكة الأمنية بين الولايات المتحدة وإسرائيل من أكثر الشراكات الأمنية فعالية وقوة في العالم ونموذجٌ يحتذى. وبأي حال، إن إنشاء بنية تحتية أمنية جماعية في السعودية يعد عبئاً ثقيلاً للغاية لأن الجيش الأميركي لم يفعل ذلك أبداً مع السعوديين أو أي بلدٍ عربي آخر.
الأهم من ذلك، يتطلب الأمن الأميركي-السعودي المشترك أيضاً أن تلتزم الرياض بعدم توسيع تعاونها الاقتصادي والدبلوماسي مع بكين، وهو ما لا تستطيع واشنطن ولا يجب أن تحاول إيقافه، ليشمل المجال العسكري الأمني. وهذا يعني عدم وجود استثماراتٍ سعودية في أنظمة الأسلحة الصينية الرئيسية، بما في ذلك الصواريخ الباليستية (الجديدة والمحدثة) والدفاعات الصاروخية والطائرات المقاتلة، وألا يكون هناك كذلك أي اتفاقٍ من أي نوع يتضمن وجوداً عسكرياً أو أمنياً صينياً على أراضي المملكة.
بعد كل التطورات في المنطقة، يبدو أنه يجب على واشنطن الانتقال من نظام الوصاية إلى نظام الشراكة الحقيقية، وهذا هو اهتمام القيادة المركزية الأميركية ومحور تركيزها الآن. لقد ولت أيام عملية عاصفة الصحراء عندما قامت الولايات المتحدة بكل التخطيط العملياتي والغالبية العظمى من القتال لتحرير الكويت والدفاع عن السعودية من جيش صدام حسين. تحتاج واشنطن اليوم شركائها الإقليميين لإضفاء المزيد من القوة على مكانتها العالمية.
لدى السعودية فرصةٌ كبيرة لرفع مستوى علاقاتها الأمنية مع الولايات المتحدة. حتى أن لديها بعض الأوراق لدفع واشنطن في هذا الاتجاه. لكن يجب على الرياض ألا تبني عرضها لواشنطن على المصالح الإسرائيلية، إذ لن يكون ذلك كافياً للتأثير على الرأي العام وصانعي القرار في واشنطن.
المصدر:فورين بوليسي