هل بدّد الزلزال مكاسب أردوغان في العمران والبنية والتحتية؟

تيسا فوكس

تحولت الصدمة الأولية جراء أكبر زلزالٍ ضرب تركيا خلال القرن المنصرم إلى حالةٍ من الغضب قد تؤدي إلى إسقاط حكومة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، كما سقطت المباني الهشة جنوب تركيا.
تصادفت الانتخابات التركية في مايو/ أيار مع كارثةٍ طبيعية أدت إلى مقتل ما لا يقل عن 35000 شخص. على الرغم من أن البنية التحتية والتنمية كانتا نقاط القوة الرئيسية لحزب العدالة والتنمية الحاكم الذي يتزعمه أردوغان على مدار العشرين عاماً الماضية، إلا أن معايير بناء هذه البنى التحتية قد تؤدي إلى سقوطه الآن.

أنقرة تلاحق المسؤولين

أعلن نائب الرئيس التركي فؤاد أكطاي أنه تم تحديد 131 مشتبهاً بهم على صلة بانهيار مبانٍ في عشر مقاطعات. حتى الآن، تم إصدار 113 مذكرة توقيفٍ واحتجاز 12 شخصاً، بما في ذلك مطور مجمع سكني من 12 طابقاً انهار في أنطاكيا وتم احتجازه في مطار إسطنبول قبل ركوب طائرة متجهة إلى الجبل الأسود. ووفقاً لوزير البيئة التركي مراد كوروم، فإنه من بين 170000 مبنى تم تقييمها في جميع أنحاء المنطقة المتضررة، انهار 24921 مبنى أو تضرر بشدة.
قبل الزلزال الذي بلغت قوته 7.8 درجة، والذي أودى بحياة الآلاف أيضاً في شمال سوريا، كان تركيز الانتخابات التركية على المهاجرين السوريين وغيرهم الذين تسببوا بالأزمة الاقتصادية بحسب المزاعم. اليوم، تحول الاهتمام إلى عمليات الإغاثة المتأخرة.
عندما تحدث أردوغان إلى المتضررين في مرعش، بالقرب من مركز الزلزال في جنوب تركيا، ألمح بأن الدمار والخسائر «قضاء وقدر»، رافضاً أي انتقادٍ لجهود الإغاثة البطيئة. كما أدان أولئك الذين ينتقصون من جهود الحكومة، قائلاً: «لا يمكن أن نكون مستعدين لمثل هذه الكارثة»، في وقتٍ يحذر العلماء منذ فترةٍ طويلة من أن هزة أرضية كبيرة قد تضرب تركيا. تم تمرير مشروع قانونٍ في محاولة للاستعداد للدمار الذي حدث جرّاء زلزال عام 1999، وكان بنفس القوة تقريباً وأطاح بالحكومة حينها، ولكن تم إما تجاهله أو استغلاله.
أصدرت حكومة أردوغان قانون عفوٍ عن تقسيم المناطق عام 2018 سمح لأي عقارٍ مبني من دون ترخيص أو ينتهك تصاريح البناء أو قوانين تقسيم المناطق بالحصول على شهادة بناء وتجنب الهدم.
تقول ليزيل هينتز من كلية الدراسات الدولية المتقدمة في جامعة جونز هوبكنز: «لقد دخلت رأسمالية المحاسيب في العديد من الهياكل التركية وبتكلفةٍ مجتمعية هائلة. الأزمة الإنسانية في تركيا من صنع الإنسان».
بعد الزلزال، أصبح ما لايقل عن مليون شخص بلا مأوى. أثار الانتشار البطيء لفرق الإنقاذ في المنازل المدمرة الغضب في جميع أنحاء المحافظات، حيث ينام الناس في الشوارع ويجمعون الخشب من المباني المنهارة من أجل التدفئة، بسبب عدم وجود ملاجئ مؤقتة. كما أن وصول المساعدات الدولية لمناطق الزلزال كان بطيئاً، إذ استغرق الأمر يومين لمشاهدة فرق الإنقاذ في الشوارع.
يقول المحلل السياسي يوسف أريم إن «حجم الموت والدمار يتجاوز قدرة موارد تركيا، والواقع أن كل بلد لديه عددٌ محدود من الموارد».
لقد مرت تركيا بذات الكارثة من قبل. وكان رد فعل حكومة رئيس الوزراء آنذاك بولنت أجاويد ضعيفاً بعد زلزال إزميد الذي بلغت قوته 7.6 درجة عام 1999، مودياً بحياة أكثر من 17000 شخص، ليتسلم على أثرها أردوغان رئاسة الوزراء. هذا ما يلوح في الأفق الآن حيال زعيم حزب العدالة والتنمية الذي يواجه انتخاباتٍ بعد بضعة أشهر.
أثار الرد البطيء عام 199فورين بويسي،9 الغضب بين الناجين، وتفاقم بسبب البناء غير السليم في مساكنهم. ويبدو أن التوسع السريع على مدى العقدين الماضيين، والذي شهد تشييد جسورٍ ومراكز تجارية ومساجد وناطحات سحاب جديدة وظهور إدارة تطوير الإسكان المدعومة من الحكومة (TOKI) في كل مكان، أصبح له ثمن الآن.
تبدو أوامر الاعتقال قليلة ومتأخرة جداً بالنسبة إلى عشرات الآلاف من الضحايا، خاصةً عندما لا يتم تنفيذ قوانين البناء التي تقول إنها تفي بمعايير الهندسة الزلزالية في تركيا.
هناك استقطابٌ سياسي حاد دائماً في تركيا، لا سيما وقت الانتخابات، وغالباً بين مؤيدي حزب العدالة والتنمية وحزب المعارضة الرئيسي، حزب الشعوب الجمهوري .
وبحسب إريم، جعل الزلزال جميع استطلاعات الرأي السابقة قديمة ولا صلة لها بالواقع. ويضيف: «لكل حزبٍ سجلٌ نظيف مدته ثلاثة أشهر، وأدائه خلال هذه الفترة سيحدد نتيجة الانتخابات».
ست مقاطعات من بين العشر التي ضربها الزلزال تعتبر تقليدياً من معاقل حزب العدالة والتنمية. في انتخابات 2018 في أديامان، إحدى المدن التي تضررت بشدةٍ من الزلزال، فاز حزب العدالة والتنمية بـ70 في المئة من الأصوات. ظهرت انتقاداتٌ بأن مدينة انطاكية، بالقرب من الحدود التركية مع سوريا، تلقت مساعداتٍ أو دعماً أقل نظراً لأن أصواتها تذهب عادةً إلى المعارضة.
بالنظر إلى الدمار الذي أحدثه الزلزال، هناك احتمالٌ ألا تجري الانتخابات في الموعد المحدد بسبب عدم القدرة على تنظيمها. ويقول سينم أدار من مركز دراسات تركيا التطبيقية في برلين: «لم تعد هناك عناوين [سكنية] بعد الآن».
من شأن تأجيل الانتخابات أن يصب في مصلحة الحكومة ويمنحها مزيداً من الوقت لتعويض المؤيدين مرةً أخرى. لكن وفقاً للدستور، لا يمكن تأجيل التصويت لأكثر من شهر. فقط في حال الحرب يمكن تأجيلها لفترةٍ أطول. لذلك، فإن حالة الطوارئ التي أعلنتها تركيا بسبب الزلزال لا تصب في هذا الاتجاه. بحسب أدار،فإنه بمجرد المضي قدماً في الانتخابات «لن يعد بإمكان استخدام سردية مشاريع البناء والبنى التحتية كمصدرٍ من مصادر قوة الحكومة. كما سيكون من الصعب على أردوغان أن يروج لتركيا أنها قوية ومستقلة عن الغرب، بالنظر إلى تدفق المساعدات الدولية التي تحتاجها البلاد للتعامل مع تداعيات الزلزال».
ويشير أدار إلى أن «الزلزال في حد ذاته، على غرار الأزمة الاقتصادية، لن يكون نهايةً لنظام أردوغان، لكنه بالتأكيد سيُضعف شرعية التحالف الحاكم الحالي».

المصدر:فورين بوليسي

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد