فرهاد حمي
في المادة السابقة، ناقشنا سياسات الهوية النسوية وأشكال تعبيرها الاحتجاجي من خلال رمزية الحجاب، وما تفرع من ذلك من معارك دارت بين نماذج تستورد قوالب النسويات الغربيات ونماذج النسويات الأصوليات الداعمات لفرض الحجاب والشادور. وفي التحليل النهائي، كلتا هاتين الرؤيتين كانتا وجهين لعملةٍ واحدة. وبينهما، اخترق هتاف «المرأة – الحياة- الحرية»، المستلهم من أطروحات عبد الله أوجلان، الفضاء الاجتماعي الإيراني عقب اغتيال جينا أميني (مهسا)، محملاً آفاق واعدة أمام الأمة الإيرانية.
ومنذ أن تسيّد شعار «المرأة – الحياة- الحرية» المشهد الاحتجاجي الإيراني، والتي انفجرت شرارته في المناطق الكردية الواقعة شمال غربي البلاد، تحاشت إيديولوجيا الصوابية السياسية، باستثناء «مناصري أوجلان»، ذكر علاقته بالشعار الاحتجاجي المرفوع، بما في ذلك حفنة من أصوات كردية متعصبة ومحسوبة على بعض التيارات الكردية التقليدية.
بالمقابل، طعنت قلة من النسويات الإيرانيات بهذا الإنكار العام، إذ أشرن أن الشعار المرفوع اقترحه أوجلان، المحتجز في سجن جزيرة إيمرالي، لحركة المرأة الكردية بغية مقاومة الذكورية الحاكمة جنباً إلى جنب مع أشكال اضطهادٍ أخرى. وهو ما أكدته، على سبيل المثال، الأكاديمية الإيرانية- الأميركية مينو معلم المختصة بالنوع الاجتماعي «الجندرة» في جامعة بيركلي بولاية كاليفورنيا.
أوجلان وخطاب المرأة
على أي حال، لا ينبغي التوقف هنا كثيراً طالما أن الهتاف اخترق المشهد العام عبر النسوة الكرديات الإيرانيات. غير أنه لا يجوز التغاضي عن تأويل الهتاف بمنأى عن منظور أوجلان. فهو أحسن من أجاد الشرح والمعنى، على الرغم من أنه لم يزعم يوماً تمثيل خطاب المرأة واحتكاره من وجهة نظره الذكورية، بل اعتبر أن «فرض قوالب قسرية على النساء أسلوبٌ غير أخلاقي». لا يعني هذا الموقف بتاتاً إلتزام الصمت بحق قضية المرأة، خاصةً في المجتمعات الكردية التي تئن تحت وطأة الإبادة الثقافية واللغوية من قبل السلطات الحاكمة، ما حرم المرأة الكردية من التمثيل والتعبير عن ذاتها بلغتها الأم. والحق، كان أوجلان متيقناً لهذه المحنة. لذا، سعى منذ ثمانينيات القرن الماضي إلى تطوير أطروحاته حيال قضية المرأة، رافعاً من شأنها كأولويةٍ حاسمة في أي كفاحٍ تحرري.
من جانبٍ آخر، ينظر أوجلان إلى الحرية على أنها قيمة كونية وعامة، رافضاً تلك الخطابات النسوية وسياسات الهوية الضيقة التي تستأثر التعبير والتمثيل بإسم المرأة وتقزّم قضاياها ضمن قوالب جنسوية خاصة تتعارض غالباً مع التحرر الكلي العام. ناهيك عن أن السلطة الذكورية الحاكمة (السلالات الأبوية التقليدية والدولة الأمة الحديثة) استعبدت المرأة، روحياً وجسدياً، وجرّدتها من الفضاء العام أولاً. ومن ثم، استأثرت دائرة الهيمنة ببقية الشرائح الاجتماعية المستهدفة. ولأن قضية المرأة، بحسب أوجلان، هي جذر الاستغلال الرئيسي في المجتمع، تعتبر لذلك اختباراً أخلاقياً حاسماً لكل من يعمل من أجل الحرية والمساواة والعدالة ولم تعد حكراً على النساء وطبقاتها الاجتماعية المتباينة.
لعلنا نادراً ما نصادف مفكّراً في الشرق الأوسط، أو ربما في العالم، خصص، كما أوجلان، شطراً معتبراً من مسيرته السياسية والفكرية لتسليط الضوء على قضايا المرأة، خطابياً ومؤسساتياً وعملياً. ولا نجافي الحقيقة إن قلنا أن قضية المرأة أضحت قضيته الرئيسية. فهو كان الداعم والمغذّي الرئيسي لتمكين المرأة الكردية على مدار العقود الأربعة الماضية. ونال على إثر ذلك احتراماً بالغاً لدى المرأة الكردية. فكل جملة من أقواله وكتاباته بشأن المرأة تحظى بحفاوةٍ منقطعة النظير وسط النساء الكرديات.
وليس بأمرٍ غريب اليوم أن تصدح حناجر النسوة الكرديات الإيرانيات بهتاف «Jin- Jiyan- Azadi» ليجلبن إلى المشهد الاحتجاجي حضوره الغائب عن العالم الخارجي منذ أعوام، وهنّ يقارعنّ أعتى السلطات الذكورية في العالم. وسرعان ما انتشر الهتاف كالنار في الهشيم بحكم جاذبيته ومعانيه المؤثرة، وألهم كافة النسويات الإيرانيات الساخطات على حكم الملالي في الداخل والمنفى، مخترقاً بذلك الحواجز القومية والدينية والطبقية والجنسوية، ليصبح رمزاً كونياً أسر قلوب العالم المتضامن.
الشعار ودلالته اللغوية
في الحقيقة، لم تغب قضية حرية المرأة عن كتابات أوجلان وأقواله منذ بداية مسيرته النضالية. إلا أن أعماله الأخيرة في السجن قدمت نسخةً أكثر اتساقاً ونضجاً، منهجاً وتحليلاً. وتظهِر تلك الأعمال أن هاجس حرية المرأة رافقه على الدوام بقوة. كما أنه تحاشى أفخاخ «الحداثة» وبراثن «التقاليد» في سبيل فهم إشكالية المرأة، مفضلاً قراءة صراع الحرية والهيمنة من زاوية «الحقبة التاريخية الطويلة» وفق أطروحة المؤرخ الفرنسي الشهير فرنان بروديل.
طبقاً لتلك المنهجية، رصد أوجلان جذور قضية المرأة على أرضية الثورة الزراعية وسيادة اللغة الآرية وثقافة المجتمع الأمومي. وشكّلت حواف سلسلة جبال طوروس وزاغروس، جغرافية كردستان الحالية، امتداداً جغرافياً لتوطين هذه الثقافة بنسبة كبيرة، بينما استمر الحيّز الزمني من العصر الحجر الحديث (النيولوتيك) وصولاً إلى تأسيس الحضارية السومرية ذات النزعة الذكورية الحاكمة.
وفّر هذا الفضاء المكاني والزماني الرحب، إلى جانب الاكتشافات الأثرية والتاريخية الحديثة، لأوجلان إمكانياتٍ معقولة لتحليل مسيرة المجتمع الأمومي وعلاقته باللغة الكردية الغنية بالكلمات المؤنثة. ولدى تسخيره الإتيمولوجيا (علم أصول الكلمات) لبرهنة أطروحاته هذه، صادف التطابق بين جذر مصطلح «Jin» (المرأة) و«Jjiyan» (الحياة) من حيث الدلالة والمعنى.
وعلى هذا النحو، تعقّب أثر كلمات مثل « Jîn»(الحياة)، «Can» (البهاء والجمال)، «Cihan» )العالم)، و«Xweda» (انبثاق الكينونة من تلقاء ذاتها) وهي كلمة تستخدمها الشعوب الهندية الأوروبية بما يرادفها باللغة العربية (الإله- الله)، مستنتجاً أن مجموعة هذه المفردات المؤنثة ترمز إلى المجتمع الأمومي الأنثوي وأسلوب حياته الزراعي المتداخل مع رموزه المقدسة، كما تؤكد معالم معابد «غوبكلي تبه» و«نواله جوري» و«جاتل هويك»، الواقعة بين خط ديار بكر وأورفا وأديامان.
تستند البيئة البحثية التي يتناولها أوجلان هنا إلى قوة الوقائع العلمية والتاريخية والأثرية واللغوية، بخلاف تلك النظريات المزورة والعنصرية من قبل السلطات الحاكمة لجغرافية كردستان اليوم. ولهذا الصراع الفكري والتاريخي، من أجل تحصين الذات الساعية إلى التحرر، أهميةٌ كبيرة لدى أوجلان. عدا ذلك، سيكون مصير كل قضيةٍ عادلة بمثابة خيبة أمل كبيرة وفشلاً لا مفر منه. لذا، وبحسب بعض الرسائل الواردة من سجن إيمرالي عام 2010، اقترح أوجلان على حركة المرأة الكردية هتاف «Jin, Jiyan, Azadi» (المرأة- الحياة- الحرية) ليكون بمثابة الصيغة السحرية في كفاحهنّ السياسي والاجتماعي، وهو هتاف يحمل قيمة كونية لعموم النساء.
ومن البدهي أن تُكتب شعارات وهتافات بعدة صيغ، قد تكون عبارة عن كلمات مقطّعة تفصلها علامات الترقيم، أو قد تكون جُمل مركّبة ومختصرة. ومع انتشار الهتاف الذي اقترحه أوجلان عقب الاحتجاجات الإيرانية بشكلٍ مقطّع، هناك تحفظاتٍ لدي بشأن الصيغة المتداولة خلال الفترة الماضية، والتي ترجمت إلى لغاتٍ عديدة، وتكررت بذات الشكل اللغوي باللغة الكردية أيضاً.
ينبع هذا التحفظ من عوامل عدة. أولاً، تقاوم بنية اللغة الكردية ورمزيتها عادةً المفردات التجريدية الصرفة، لا سيما علاقة الصور والإشارات والعلامات الذهنية بين الدال والمدلول. ثانياً، يسعى أوجلان على الدوام، من خلال أعماله ولقاءاته في إيمرالي، إلى إيجاد توليفةٍ موحّدة بين المرأة والحياة والحرية، أي يبتغي جملةً واحدة مركّبة لغوياً. ثالثاً، لا تقبل بنية هذه الكلمات، بحسب تحليلات أوجلان، الفصل والتجريد. فهي لا تتشابه مع شعار الثورة الفرنسية «الحرية- المساواة – الإخاء» بحيث يُفرد لكل كلمةٍ حقلٌ نضالي خاص بها، كأن تطالب المرأة المحتجة اليوم مثلاً بالمرأة أولاً، وبالحياة ثانياً، ومن ثم بالحرية ثالثاً، كلٌ على حدَة. رابعاً، منذ أعوام عديدة تهتف المتظاهرات الكرد هذه العبارة في الساحات العامة بسلاسةٍ إيقاعية. وغالباً ما اعتدنا سماعهنّ على النحو الآتي « jin jiyana azad e» وهي جملة فعلية مركّبة باللغة الكردية، تقابلها جملة اسمية باللغة العربية بسبب غياب فعل الكون. ويمكن ترجمتها على الشكل التالي «المرأة هي الحياة الحرة».
ومن باب الاجتهاد الشخصي، أميل نحو صيغة « jin jiyana azad e» واعتبرها أكثر تطابقاً مع تفسير أوجلان وكفاح المرأة الكردية والإيرانية اليوم. فتركيبة الجملة بهذه الصياغة توفّر إيقاعاً لغوياً سلسلاً وتكسر رتابة قطع الكلمات وتجريدها، وتعطي لبنية الجملة قوةً انسيابية حيّة، تعرف ذاتها بذاتها. تبعاً لذلك، بالإمكان النظر إلى الانتفاضة الإيرانية، لجهة الهتاف، عبر جملة فعلية مركّبة، مع الأخذ بعين الاعتبار أن بنية اللغة تشكّل الوعي الاجتماعي ونمط التفكير والقدرة على الفعل والسلوك.
وفقاً لهذه الرؤية، قد يتبدل السياق والرؤية عموماً. فعندما تهتف المرأة الكردية والإيرانية هذه الجملة المركبة، فحينها «jin» (المرأة) تنشد الآن «Jiyana» (الحياة). ومن خلال أداة الربط (a) الملحق بنهاية كلمة «jiyana»، ترتبط الحياة بـ «الحرة». ويقف خلف ذلك، فعل الكون (e) الذي جاء في نهاية الجملة، حيث يعبر عن امتلاك المرأة القدرة على الحياة الحرة.
وطبقاً للدرس اللغوي الذي تركه لنا الفيلسوف الألماني الشهير مارتن هايدغر، فإن فعل الكون الذي ينتشر بكثرة في اللغات الآرية يعكس الإرادة والحرية، ويكشف بدوره كينونة الحياة برمتها. ولعل جمالية اللغة الكردية وتبيان معانيها والعيش في كنفها النابض يكمن في هذا اللغز. وهو موضوعٌ مثير مغيبٌ عن الدراسات اللغوية الكردية، بحسب ما أعلم.
المرأة والحياة والحرية
استناداً لما ورد أعلاه لجهة النظرة اللغوية، تعقّب أوجلان ثالوث «المرأة- الحياة –الحرية» من زاوية التفسير المادي والثقافي التي طبعت حقبة الربة– الأم، مثنياً على أسلاف الشخصية الأنثوية للمرأة الكردية ودورها الرئيس في تدشين مجتمعات البستنة (مجتمع قرية العصر الحجري) على أنقاض مجتمعات الصيد المتنقلة، وابتكارها الثورة الزراعية والفنون واستئناس النباتات والحيوانات وصنع الفخار وأوني الصهر والنول والعجلة وتربية الأطفال والنظام الغذائي القائم على الحبوب.. إلخ.
وعلى الرغم من أن الدراسات الوصفية الانثروبولوجية الغارقة في النزعة الذكورية الاستشراقية لم تسلط الضوء كفايةً على سوسيولوجيا المرأة الكردية، إلا أن أنماط الحياة اليومية والطقوس الرمزية واللغة المحكية وتقسيم العمل داخل المجتمعات الكردية المتباينة، تبرهن جميعها على مقدار منزلتها العالية وسط المجتمع الأبوي الظاهر. يُرجع أوجلان هذه المكانة الرفيعة التي تحظي بها المرأة الكردية إلى «قوة ثقافة الربة- الأم المتأصلة»، إذ واظبت هذه التقاليد على حضورها لاحقاً عبر الزرادشتية والإيزيدية والبهائية واليارسنية والعلوية والعشائرية السنية، محملةً في طياتها إلى يومنا هذا رواسب تلك العلاقات التكافلية التي جمعت المرأة والحياة المادية (الإيكولوجية) ورمزية الربة- الأم معاً.
يماثل أوجلان حيوية المرأة من موقعها الوجودي ذاك مع الطاقة المتدفقة للحياة، بالضد من الذكورية الحاكمة التي حبست تلك الطاقة وجعلتها أداة للقمع والهيمنة على يد ما نطلق عليه اليوم اسم «حضارة». وتحسباً لأي مغالطاتٍ انفعالية وعاطفية، يرفض أوجلان إدراج خلاصاته هذه تحت خانة قراءات بيولوجية واجتماعية سلطوية وتأليه شخصية المرأة، بل يعدها وجودية (انطولوجية) جسّدتها ثقافة المجتمع الأمومي مادياً خلال حقبةٍ اجتماعية وتاريخية محددة. وغالباً ما كانت علامات المساواة بين الجنسين وتمثيل المرأة لذاتها وتأسيسها المجتمع الأخلاقي من خلال دورها المحوري خلال حقبة الاستقرار البشري، حاضرة بقوة.
وطالما أن طبيعة المجتمعات الأمومية متداخلة مع الحياة على هذا النحو، كيف يمكن اعتبارها أنها كانت حرة؟ يرد أوجلان على هذا الاستفسار بطرح سؤالٍ آخر: ما هو غرض الحياة البشرية أساساً؟ لا تقبل إجابته إحالة الغرض إلى التكاثر وتأمين الحاجة والأمان الذاتي والسعادة اللحظية بغرض مواصلة العيش فحسب، إذ يبين أن تلك المقولات أشبه بأدواتٍ مساعدة، وليست أغراضاً عقلانية تعكس حكمة الحياة.
وعلى خطى مسار «الروح المطلق» لدى هيغل، يعتقد أوجلان أن المجتمع البشري ابتلي دائماً بالمشقّات والعقبات المصيرية (الاغتراب عن الذات) بما يحد من قدراته وإمكانياته، من قبيل القمع والاستغلال والكوارث البيئة والحروب والمجاعات والحاجات المادية. وتشكّل هذه التحديات عادةً اختباراتٍ سياسية لا مفر من مواجهاتها ولا يمكن التغلب عليها بسهولة إلا من خلال امتلاك قوة المعنى عبر أسمى أشكال الوعي (ويتمثل لدى هيغل بالوعي الفلسفي). حينها فقط، تتصالح الروح مع الذات أو تتم العودة إلى الذات (الحرية).
وإن كان غرض الحياة هو التوق صوب الحرية، فمتى وأين إذاً ظهرت كلمة الحرية تاريخياً؟ يعود أوجلان إلى المجتمع السومري مقتفياً أثار المؤرخ الشهير صموئيل نوح كريمر الذي أكد أن كلمة الحرية ظهرت للمرة الأولى في التاريخ في لوحٍ مسماري سومري تحت يافطة «Amargi»، وكانت نتيجة عصيانٍ شعبي ضد طغيان ملكيٍ قمعي، وهي تعني حرفياً «العودة إلى الأم». ومنذ تلك اللحظة، احتفظت الحرية بمميزاتها باعتبارها «توقاً إلى الأم»، سواء كانت العودة إلى المجتمع الأمومي أو للطبيعة التي يُنظر إليها كأمٍ كريمةٍ ومعطاءة. وبذلك، تبلورت عبارة «المرأة هي الحياة الحرة» وفق تعبير أوجلان.
أفول المرأة
لاحقاً، ظهرت توترات بين الصيادين الذكور وطبقة الرهبان الذين شنوا حروباً ضارية على جامعات الطعام من الإناث اللواتي كنّ يبحثن عن الغذاء ثم بدأن بزراعته. وإثر هذا التطور الدراماتيكي، ظهر النظام الأبوي بنظرته العدوانية القاسية من رحم المجتمعات السومرية. وأمست المرأة أول طبقة اجتماعية مستعمَرة، بحيث تكثف على أرضيتها كل تمايزٍ اجتماعي وطبقيٍ وقومي بين الساحق والمسحوق.
تتفاخر السلطة الفارسية الشيعية بتشكيل خيالها القومي، «العصر الذهبي»، المستوحى من ملحمة الشاهنامة وسيرة صعود ملوك السلالات الأبوية على عرش الحكم في بلاد إيران والهلال الخصيب قبل نحو أكثر من 2500 عام. وتكمن المفارقة في أن تلك الحقبة شهدت أفول حضور المرأة وعوالمها الرمزية من نفس المكان بالتوازي.
اليوم، تقف هذه الدراما التاريخية على قدميها مجدداً، من بوابة هتاف «المرأة هي الحياة الحرة»، حيث تكافح الانتفاضة النسوية من أجل استرداد حق المرأة التاريخي من براثن دولة الملالي «الرهبان الجدد». ولو قُدر لأوجلان وصف كفاح المرأة ذاك، لربما اختصره في العبارة التالية «توقاً إلى حياة الربة- الأم» وشوقاً لآلهة «ننهورساغ» و«إينانا» و«عشتار»، وانتقاماً لـ«تيامات» وجينا أميني وكافة المضطهدين والمضطهدات في العالم. حقاً، ستكون الانتفاضة النسوية بمثابة دراما إنشاء الخيال التحرري النسوي بامتياز، لو كُتب لها النجاح.