الكونغرس يربك إستراتيجية واشنطن في سوريا

جيمي كوين

اتخذ الكونغرس عدة خطوات ضمن مشروع قانون الدفاع الوطني السنوي الذي تم تمريره مؤخرا، ومن المرجح أن تؤدي هذه الخطوات إلى تفاقم سياسة إدارة بايدن المتخبطة حيال سوريا.

فعلى سبيل المثال، صوّت المشرعون على مطالبة الإدارة الأمريكية بصياغة إستراتيجية لإعادة العمليات المناهضة لـ تنظيم «الدولة الإسلامية» التي تقودها الولايات المتحدة وذلك عبر تقديم الدعم للحلفاء في شمال وشرق سوريا،  وقد وصف اليمينيون في الكونغرس قرار الإنسحاب بأنه سابق لأوانه. وعلى الرغم من أن تنظيم داعش قد تم دحره في السنوات الماضية بعد حملة عسكرية ضده بقيادة الولايات المتحدة ، إلا أن تقريرا للأمم المتحدة هذا العام وجد أن الجماعة لا تزال تنشط في العراق وسوريا عبر خلاياها النائمة. وفي غضون ذلك، بدأ الديكتاتور بشار الأسد في إعادة بسط سيطرته على البلاد بعد حرب أهلية دامت عقدا من الزمن، حيث قامت قواته بقمع الانتفاضة بكل بوحشية.

سيتطلب هذا البند من وزير الخارجية تقديم تقرير من الكونغرس يضع جدولا زمنيا تنقل بموجبه القوات الأمريكية “المسؤوليات الأمنية” إلى القوات الكردية التي تقاتل تنظيم داعش. فيما ابدى بعض النواب من الصقور  انزعاجهم، لأن التعديل يجعل من المسودة إبرام تسوية معتدلة لقانون تفويض الدفاع الوطني وسط عملية فوضوية للغاية هذا العام، حيث أعتبر بمثابة تنازل للأسد، الذي ارتكب نظامه المذبحة الجماعية. وفي الآونة الأخيرة، حوّل حكومته إلى واحدة من أكثر مصدري الأمفيتامين( المخدرات) غير المشروع في العالم . يُلزم القانون المسؤولون الأمريكيون بشنّ حملة ضغط عقوبات اقتصادية ضد الحكومة السورية، لكن المراقبين لاحظوا أن عقوبات بايدن قد تم تأطيرها في نطاق محدد. في الواقع ، في مساء الأربعاء قبل عيد الشكر ، وسّعت وزارة الخزانة الإعفاءات من العقوبات التي ستسمح للشركات بالتعامل مع الحكومة السورية طالما أنها تدعي أنها منخرطة في أنشطة إعادة الإعمار.

وأقرّ مجلس الكونغرس مؤخرا مشروع قانون الدفاع الوطني، مع التعديل، ومن المتوقع أن يوقعه الرئيس بايدن ليصبح قانونا نافذاً .

وفي هذا الصدد ، قال أحد كبار مُساعدي الحزب الجمهوري لـ “ناشيونال ريفيو” إن استراتيجية الانسحاب التي تم تحديدها بتفويض من قانون الدفاع الوطني : “هي إحراج ومحاولة من قبل الديمقراطيين لإعطاء الضوء الأخضر للانسحاب من سوريا، ناهيك عن الموقف الضعيف تجاه الأسد . كما يوضح أن نهج الديموقراطيين في سوريا يتم تحديده بأنه خارج إطار السياسة الأمريكية : هل تذكرون عندما سحب الرئيس ترامب القوات الأمريكية من سوريا، وبعد موجة الغضب و الاستهجان، أصدر الديمقراطيون بسرعة قرارًا يدين ذلك؟ ما الذي تغيّر؟”

على النقيض من ذلك، تطالب مواد أخرى من التعديل باتباع نهج أكثر صرامة في تنفيذ العقوبات الإلزامية لمعاقبة منتهكي حقوق الإنسان أكثر مما تم إعتماده في عهد إدارة بايدن حتى الآن، كما ويُلزم التعديل أيضًا  الإدارة إلى التوصل لطرق من شأنها منع التطبيع مع الأسد، والسعي لبذل مزيد من الجهد لملاحقة مرتكبي حقوق الإنسان. وتتماشى التعديلات الأخيرة مع نص مختلف من قانون الدفاع الوطني، حيث دفعت النائبة كلوديا تيني مع لجنة الدراسات الجمهورية، وهي أكبر تجمع للمحافظين في مجلس النواب بنجاح تمرير هذا التعديل، من شأنه أن يسهل فرض العقوبات على الدائرة المقرّبة للأسد.

كل هذه المعطيات، تعكس التضارب والتخبط في سياسة الإدارة الأمريكية تجاه سوريا. في الآونة الأخيرة، كشفت النقاب عن خلاصة مراجعة إستراتيجيتها تجاه البلاد ، ولكن لا تزال هناك أسئلة مهمة، ويتهم بعض الخبراء مسؤولي إدارة بايدن بإهمال الملف السوري مقابل تركيز سياستها الخارجية على قضايا أكثر أهمية تشكل تحدياً بالنسبة للولايات المتحدة.

 قال جويل ريبيرن _ المبعوث الأمريكي الخاص لسوريا في عهد إدارة ترامب _ إنه على الرغم من أن وزارة الخارجية إنتقدت بشدة تحركات حلفاء الولايات المتحدة تجاه التطبيع مع الأسد، إلا أن الطريقة الضعيفة والمتذبذبة التي تم بها تطبيق السياسة هناك بعثت «برسائل أُسيء فهمها» . على الرغم من أن الإدارة بدأت « بشكل أوضح» انتقاد تحرك شركاء الولايات المتحدة الإقليميين نحو التطبيع مع الأسد، إلا أن رايبورن قال لصحيفة ناشيونال ريفيو : ” يبدو أنهم كانوا ضمنياً مع التطبيع، بينما كانت مراجعة سياستهم تجاه سوريا جارية. أعتقد أنهم فقدوا بعض المكاسب في هذا الصدد “.

وفي سياق متصل ، يبدو أن الكونغرس قد أضاع فرصة لإجبار إدارة بايدن على تطوير إستراتيجية تتعامل مع تحول سوريا إلى دولة المخدرات الأولى في الشرق الأوسط. حظيت هذه القضية باهتمام كبير مؤخرًا، حيث نشرت صحيفتا نيويورك تايمز وواشنطن بوست تقارير عن شبكات تهريب المخدرات الواسعة التي يديرها الجيش السوري و حلفاء الأسد. لا يقتصر تهريب الكبتاغون على نطاق واسع عبر الشرق الأوسط على ضخ الأموال لرفد خزائن الأسد وحزب الله فحسب، بل قد يؤدي أيضًا إلى زعزعة استقرار الدول المتحالفة مع الولايات المتحدة، مثل المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة.

كان أحد تعديلات قانون الدفاع الوطني  الذي تم رفضه، تسمح لإدارة بايدن بالتوصل إلى إستراتيجية مشتركة للتعامل مع الإنتاج السريع للعقار المخدر من قبل الجيش السوري وتصديره والذي يسبب الإدمان الشديد. على الرغم من أن التعديل بخصوص مادة الكبتاغون تمت الموافقة عليها من قبل كبار المشرعين الجمهوريين والديمقراطيين على جميع الصعد، إلا أنه لا يزال طي الكتمان ولم يتم البتّ فيه بقانون الدفاع الوطني الذي تم اقراره مؤخرا.

أعرب النائب جو ويلسون، الذي يرأس لجنة عمل الأمن القومي، عن “القلق العميق” للتجمع المحافظ بشأن إزالة تعديل الكبتاغون. ” كما أظهرت التقارير الأخيرة ، فإن نظام الأسد الوحشي متورط في إنتاج الكبتاغون على نطاق كبير، سيما أن تجارة المخدرات هي إحدى الوسائل الأساسية التي يستخدمها لتمويل آلة الحرب، بينما يتسبب في جعل الأشخاص في جميع أنحاء المنطقة وحتى في أوروبا مدمنين على المخدرات غير المشروعة “.

 تضمن قانون الدفاع الوطني نسخة مُخففة من التعديل والتي دعمت وضع حد لتهريب الكبتاغون. وفي النهاية ، قد يتم تمرير هذا الإجراء كمشروع قانون منفصل ومستقل، مثل القانون الذي قدمه النائبان فرينش هيل وبريندان بويل يوم الأربعاء. لكن الفشل في جعل الإدارة تعطي الأولوية لهذا الأمر هو جزء من نطاق أوسع.

وقال رايبورن لـ  ناشيونال ريفيو : “كل إدارة تأتي إلى السلطة تقول لا يوجد شيء مثير القلق في سوريا أو الشرق الأوسط الأوسع . وفي غضون أشهر يجدون أنفسهم مضطرين للتعامل مع بعض الأزمات التي تواجههم هناك “. الإدارة الأمريكية لا تعرف حقا ما تفعله في سوريا، ومع إقرار قانون الدفاع الوطني، سيزيد بذلك الطين بلة، ويعمق الكونغرس من تخبط واشنطن.

المصدر: موقع ناشيونال ريفيو 

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد