ما الذي حدث لاتفاق التعليم باللغة الكردية في تركيا؟

إيلداد جي باردو

يرى الساسة الأتراك الكرد كمصدر تهديد لوحدة أراضي تركيا، فيما تسعى النُخب الكردية للحصول على إطار يضمن حقوق الكرد.

بنت القومية التركية الحديثة هويّتها على أساس العلمانية بقيادة مسلمين أتراك. تقبّل النموذج العلماني القوميّ التركي بصعوبة بالغة المسيحيين (الأرمن واليونانيين والآشوريين) إضافة للكرد. كان هدف هذا النموذج تتريك الكرد ودفعهم للتخلي عن إرثهم الثقافي من أجل “المصلحة العامة” وصهرهم في بوتقة أمة تركية متجانسة.

وقد أدّى عدم السماح للكرد بإبراز هويتهم الثقافية إلى صراع دموي دام قرناً من الزمن، وفي نفس الوقت بذل كل من الكرد والأتراك جهوداً جبّارة للتوصل إلى رؤية مشتركة من شأنها ضمان حقوق و خصوصية الكرد مع التأكيد على وحدة الأراضي التركية.

ومع بداية تولّي حزب العدالة والتنمية  للسلطة بزعامة أردوغان عام 2002 تبدّلت الأمور، حيث تم إعطاء الكرد مزيداً من الحرية الثقافيّة. في الظاهر بدا هذا الحزب الإسلامي أقل نزعة و تعصبا فيما يتعلق بالقومية التركية.

أشار معهد مراقبة السلام والتسامح الثقافي في التعليم المدرسي إلى أن حكومة حزب العدالة والتنمية أدخلت عناصر ليبرالية في المناهج الدراسية التركية. وشملت هذه العناصر “السماح بتعلم اللغة الكردية كلغة إختياريّة و مواكبة التطور، والقيام بخطوات على طريق الإنفتاح الثقافي، وإظهار التسامح تجاه الأقليات”.

وعلى الرغم من هذه الخطوات إلا السلطات التركية لم تمنح الكرد حقوقهم الكاملة. وفي هذا الصدد لاحظ معهد مراقبة السلام والتسامح الثقافي في التعليم المدرسي “تحسّناً طفيفاً مقارنة مع الكتب المدرسية السابقة والسماح بتدريس اللغة الكردية والتعرف على ثقافة الكرد، ولكن ليس بشكل كامل”. كما تمّ تأليف الكتب المدرسية باللغة الكردية كجزء من تقارب تركي كردي أوسع.

في حزيران/يونيو 2012، أعلنت الحكومة التركية لأول مرة، أنه سيتم إعتماد منهاج يتم فيه إدراج اللغة الكردية بعنوان “اللغات واللهجات الحية” كلغة اختيارية للصفوف الخامس و السابع لمدة ساعتين أسبوعيّاً.

راجع معهد مراقبة السلام والتسامح الثقافي في التعليم المدرسي الكتب الدراسية التي تم إصدارها بين عامي 2014 و 2015 باللهجة الكرمانجية والزازكية التي تندرج ضمن إطار اللغة الكردية. وجد تقرير بعنوان “لغتين في بلد واحد”، نُشر عام 2019، أن برنامج اللغة الكردية الاختياري يعزز الثقافة والهوية الكردية مع افتراض وجهة نظر عالمية كردية ( بشرط عدم الحضّ على كراهية الأتراك). تم تضمين الأماكن التاريخية الكردية في تركيا وإيران والعراق ( باستثناء سوريا). تغطي الكتب المدرسية قضايا مثل الشتات الكردي في أوروبا، والعيد الوطني الكردي نوروز، والذي يحمل رسالة ثوريّة عن انتفاضة الشعب ضد الإستبداد . فضلا عن حصر اسماء الأطفال بالكردية. لم يتم تضمين الأيديولوجية التركية في الكتب الكردية الاختيارية (ولكنها موجودة في بقية المناهج الدراسية).

إن هذا التحوّل الدراماتيكي بالموقف التركي شكّل نقلة نوعيّة في العلاقات بين الكرد والأتراك. حيث لم تتضمن الكتب المدرسية الصادرة عن وزارة التربية والتعليم التركية الموجّهة للكرد نشر الأيديولوجية التركية. هنالك عدة تأويلات تندرج وراء هذه الخطوات التركية ولكن الجدير بذكره لم يتم التطرق إلى طبيعة العلاقات التركية الكردية في المنهاج الإختياري الذي يُدرّس باللغة الكردية في تركيا.

ووفقًا لرؤية معهد مراقبة السلام والتسامح الثقافي في التعليم المدرسي فإن هذا البرنامج اعتبر نقلة نوعية فيما يتعلق بحقوق الكرد ولكن في نفس الوقت رأى المعهد بأنه هناك عوائق تعترض هذا البرنامج. إن حصر تدريس اللغة الكردية ضمن هذا البرنامج المحدود لا يُلبي طموحات الكرد الثقافية. من ناحية أخرى، يتجاهل البرنامج الخلافات التركية الكردية، وبالتالي يُقدّم صورة مغلوطة للمجتمع التركي، الأمر الذي يؤدي إلى طمس القضية الكردية في تركيا. ثقافة السلام معدومة في المناهج الدراسية، لذلك أوصى معهد مراقبة السلام والتسامح الثقافي في التعليم المدرسي بتعزيز برنامج اللغة الكردية مع التأكيد على نشر ثقافة السلام و التسامح في الكتب المدرسية التركية والكردية ضمن المناهج الدراسية.

أخذت الأمور منحىً آخر خلال السنوات القليلة الماضية عندما بدأت الحكومة التركية بالتضييق على الكرد ومنعهم من ممارسة حقوقهم الثقافية والتعليمية، ليتم على إثر ذلك عودة النزاع المسلح بين حركات التحرر الكردستانية والجيش التركي في عام 2015، تلاه عام 2016 اعتقال مسؤولين بارزين من حزب الشعوب الديمقراطي المؤيد للأقليات. بحلول عام 2020، تم إجبار 59 من رؤساء البلديات المنتخبين من أصل 65 كردياً من حزب الشعوب الديمقراطي على تقديم إستقالاتهم أو اعتقالهم من قبل قوات الأمن.

في الوقت نفسه، تم إهمال البرامج الاختيارية مثل اللغة الكردية واستبدالها إلى حد كبير بدورات “اختيارية دينية”، والتي غالباً ما تكون إلزامية. و على وجه التحديد، يتم تقييد التعليم الكردي الاختياري أو عدم السماح به بحكم الأمر الواقع في مدارس بعينها (على الرغم من اعتماد هذه البرامج بالأصل في 28 مدينة ومع قدرة استيعابية يصل إلى 160000 حسب التوقعات).

ثم هناك مسألة التعليم الشامل باللغة الكردية.  فالمادة 42 من الدستور التركي تحظر “تدريس أي لغة أخرى غير التركية كلغة أم للمواطنين الأتراك في أي مؤسسة تعليمية”. ومع ذلك، كان هناك نوع من الإنفتاح الثقافي بين عامي 2013 و 2016، حيث تم افتتاح خمس مدارس ابتدائية كردية بالكامل في المحافظات الجنوبية الشرقية في آمد (ديار بكر) وشرناك وهكاري. وقد بقي ذلك مستمرا حتى إغلاق آخر هذه المدارس فرزاد كمنجر في آمد بتايريخ 9 تشرين الأول/أكتوبر 2016.  لقد كانت هذه المدارس بمثابة منارة لإرساء دعائم الهوية الكردية (كان فرزاد كمنجر مدرّساً كردياً في مدرسة ابتدائية إيرانية. وقد اتُهم جُزافا بالإرهاب وتم إعدامه من قبل طهران عام 2010).

التراث و اللغة الكردية لا ينفصلان عن بعضهما البعض، وسياسة التضييق المتّبعة أصبحت لا تُطاق . يتوجب ان يتم إعتماد تدريس اللغة الكردية كأولوية مجدداً.

ولتحقيق ذلك ينبغي تبني رؤية تركية – كردية مشتركة. من الناحية التربوية، يتوجب تظافر الجهود لنشر الوعي بين الأتراك والكرد و تقبّل هوية بعضهم البعض فضلاً عن ثقافتهم وتاريخهم المشترك علاوة على القواسم المشتركة التي تجمع بينهما.

إن وجود قوميتين لا تتقبلان بعضهما البعض في أرض واحدة سينعكس عليهما سلبا وسيتمخضّ عن ذلك نتائج كارثيّة. يمكن للتخطيط التربوي الدقيق أن يمهّد الطريق للسلام والازدهار. مع الأخذ بعين الإعتبار إن مسألة الثقافة الكردية في تركيا مسؤولية مشتركة ستؤدي في نهاية المطاف إلى رؤية مشتركة.

تم نشر المقالة بموقع مودرن دبلوماسي بتاريخ 13/1 /2022

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد